ماجد عبد الحميد كاظم
م/ قراءات في صحف عراقية قديمة
نشرت جريدة الاهالي الصادرة صباح السبت 22 نيسان 1933 الموافق 27 ذي الحجة 1351 وعددها 151 افتتاحية بعنوان :
الوزارة الحاضرة وقصة المعاهدة
تألفت الوزارة الحاضرة والاهالي معطلة ، من شخصيات حازت أكثريتها على شهرة داخل العراق، فهي اذن تعتبر " شخصيات بارزة " وقد وجد بعضها اثناء الحرب العظمى في البلدان العربية المحاورة كسورية وفلسطين ومصر في ظروف غير اعتيادية، فاكتسبوا شهرة في تلك الاقطار وحصلوا على بعض الانصار، لذلك قالت بعض الصحف في تلك الربوع عندما تناولت موضوع تأليف الوزارة الحاضرة " ان رجالها رجال العراق الحاضر " .
والحقيقة ان أكثرية اعضاء الوزارة ممن تسنم الحكم وتزعم المعارضة تارة اخرى ، وقد مرت على العراق في الثلاث عشرة سنة الاخيرة ، وقد كانوا طيلة هذه المدة زعماء وطنيين وحكوميين في كل آن. وليس بينهم عنصر جديد في تفكيره، شاب في عزمه ونشاطه.
والوزارة الحاضرة على كل حال فئة مؤلفة من شخصيات ذات تجارب قد ينتفع بها في الوقت الحاضر، وقد يصح - بالنظر الى العناصر المختلفة التي تألفت منها - ان تعتبر وزارة أئتلافية - بالمعنى الواسع - . وان لم يكن تأليفها قد حرى بمقتضى القواعد الديمقراطية في تأليف هذا النوع من الوزارات.
وعلى كل فانا لا ننتقد تآلف هذه الشخصيات وتعاونهم ما دامت الاختلافات السياسية فيما بينهم غير جوهرية والفروق في المبادئ الاجتماعية والاقتصادية معدومة.
اننا لو استعرضنا تاريخ الاختلافات السياسية مدة الثلاث عشر سنة الأخيرة لوجدناها تدور نحو محور واحد: هي قضية المعاهدة العراقية - الانكليزية حتى ان تاريخ العراق السياسي الحديث يكلد يكون مقتصرا على قصة هذه المعاهدات التي اصبحت قصتها من اغرب القصص ففي مستهل العهد الذي دعي بالحكم الوطني فتحت باب المفاوضات بين حكومتي العراق وبريطانية لعقد المعاهدة الاولى فاجتمعت كلمة فئة من رجال هذا البلد على معارضتها فكانت معارضة شديدة قامت من اجلها قيامة العراق واضطرب الامن فقابلت الحكومة الشدة بالشدة ودعت الجيش فاستعمل السلاح لتسكين الاضطراب وفي ليلة من ليالي الصيف المخنقة عقدت المعاهدة، وفي الصبح كان كل شيئ هادئا ؛ كأن مراسم عقد المعاهدة - لا المعاهدة ذاتها - هي موضوع المعارضة.
وبعد ان هدأت العاصفة، صفا الجو وزالت الاحقاد وهدأت الخواطر . فتولى المعارضون " الحكم " فنفذوا المعاهدة التي عارضوها بالامس.
ثم عادت انكلترة تطلب تبديل تلك المعاهدة - لاسباب لا محل لذكرها- فبعثت المعارضة من جديد وثارت الزوبعة وفي المجلس وحول معاهدة 1926 ترك المعارضون القاعة فأبرمها بالاكثرية ثم ساد السكون مرة اخرى فألفت عقيب ذلك وزارة أئتلافية في سنة 1927 لم تعرض على حكومة ما.
ولم تمض على ذلك بضع سنوات حتى عادت انكلترة تطلب من جديد الغاء المعاهدة السابقة- معاهدة سنة 1926- وعقد معاهدة جديدة.لاسباب يطول شرحها - فقامت الاستعدادات الحكومية على قدم وساق وبعثت المعارضة مرة آخرى وأخذت تشتد يوما فيوما بصورة منظمة أكثر من ذي قبل ، الا ان المعاهدة عقدت رغم الانوف . فتعاونت الاحزاب الوطنية على مقاومة الحكومة القائمة حينذاك وفي هذه الظروف عمدت السلطة الى وسائل الشدة فزجت الشباب في السجون وسنت القوانين الاستثنائية وكافحت الصحف مكافحة عنيفة وخنقت الصحافة بقانون المطبوعات الاخير ونفت كاتبين من كتاب المعارضة كما ركنت الى غير ذلك من الوسائل مما جعل الناس يعتقدون بان الشقة بين الجهتين قد توسعت ولم يبق أمل في تآزر الطرفين مرة اخرى.واخيرا سقطت وزارة رجل المعاهدة وتألفت وزارة من أكثرية محايدة ،وما يجدر ذكره في ههذا الموضوع ، ان المعارضة كانت اخذت على عاتقها امر تهذيب الرأي العام وتثقيفه في حين ان سلوكها في معرضة المعاهدة الاخيرة وما نجم عن ذلك من نتائج زاد الرأي العام ارتيابا مكا وترك الناس حيارى.
والذي نراه هو ان تعالج قضية تعديل المعاهدة او بالاحرى الغاؤها بجد وصراحة وبطرق انجع من التي اتبعت في معالجتها حتى آلآن وان تهيأ التأسيسات اللازمة للقيام بهذا الامر الخطير كي يكون الجهاد حقيقيا مثمرا.وان تعالج امورنا الداخلية بصورة جدية، ففي البلاد جهل عام وفي البلاد فقر مدقع وفي البلاد امراض فتاكة ومؤسسات حكومية مرتبكة وامور كثيرة غير ذلك تتطلب الاصلاح العاجل والاهتمام الاكيد ؛ والقيام بهذا الاصلاح يكسب الشعب القوة التي التي تمكنه من تحقيق امانيه بنفسه وفي مقدمتها رفض المعاهدات " الجائرة " و " المجحفة" بحقوق البلاد.
وبكلمة اخرى يجب ان يجعل الشعب في حال يشعر معها بثقل هذه المعاهدات ويدرك معنى سيادة الامة وحريتها ويقدرها حق قدرها ، وان يثقف الشباب الثقافة اللازمة التي تؤهله لتسنم مقام الزعامة الحقة ليقود الشعب الى الطريق الذي يوصله الى الحياة الموفورة ويحقق له آماله وامانيه.
وعلينا ان نصرح فيما يتعلق بالمعاهدة ووضعنا الراهن ليقف الشعب والشباب على الحقيقة من غير ان نخشى في الحق لومة لائم ؛ فلم يكن لنا في الامس وليس لنا اليوم الاستقلال الذي تتمتع به الامم المستقلة حقا. هذه الحقيقة المرة، يجب ان نصرح بها للجميع فليس فيها ما يمس كرامتنا ، ان كنا مصممين على المثابرة والسعي لتحقيق إستقلالنا المنشود.
أنتهى الاقتباس
وتقبلو تحيات ماجد عبد الحميد كاظم / معد قراءات في صحف عراقية قديمة
798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع