بقلم: د. منير موسى
رَنْدُ مَاءِ الوَرْدْ {الدّيوان الثّامن}
قلبي على شعبي
---------------
كم من غِرٍّ ولسان ذرِبِ، يُدعى بالحرِّ أهله في اللّهبِ
بوشاح بِرٍّ ينال مِالأرَبِ، غَضٌّ بالقَرِّ، وعينه تُسبي
وحَفْنة بُرٍّ تغيث مِالسّغَبِ، أكمام الزّهرِ غِيلت في الحربِ
بخور الشّرق مُهجة للغربِ، بغُبْجة المُرِّ قلبي على شعبي
في عكس مجرى النّهر
---------------------
تراهم، ومشغول بمنأى عنهمو اللُّبُ
ومَن هجروا، لا زال يحويهمو القلبُ
لا تتكئ على الذّراع مزيّفةً
ونمْ في أكناف مَن أحبّوك، وتحبُّ
وكيف تنتظر مَن لا يعنيه أمرُك؟
تُخْني على نفسك، ويضيع دربُ
وهل تُشغَل بمن هو عنك مشغولُ
تضيع بوصلة، ورحيق الكرامة يُسلبُ
إن نظرتَ لصورة، فيها كنت فرحًا
حتمًا تُسَرّ، وحاذر الأسى، يتقرّبُ
لا تشكُ لمن يزيد شجاك عند الضَّنى
وأصِخْ لمن يواسِيك، ونداهُ يَسكبُ
إذا فُرض الخصام عليك، فخذ بالك
دع المَقت، ولا يجرنّك الثَّلِبُ
قد تحبّ بلدًا، مع أنّك لستَ فيه
فلا تجازفْ بموطن، عَلّكَ ماؤُه العذبُ
رادَ الصِّعاب لأجل عينيكِ حِبٌّ
فكيف شردتِ، ورابكِ متغرِّبُ؟
حليلتُكَ عينٌ، على أوجاعكَ تسهر
بالسّراب سرتَ، ودمع على وجنتيها مسيَّبُ
فنحن في زمن، الكلُّ مثاليّون نافشون فيه
فأين المسيئون؟ وهل يجيب مستَجوَبُ؟
غُسْمَة
------
مَن مُنقذ الكِتابا في هذه الدّيارِ؟
أو يُغدق الكُتّابا بحُبور أحبارِ؟
مَن راوغوا الإعجابا، هجسوا بدولارِ
مَن داهنوا الأنجابا، خَتلوا بمعيارِ
تناسَوُا الْأوصابا، وشعبهم بمرارِ
غِناؤكم عَناؤكم
---------------
{إلى بنت الأكابر بيروت العريقة بوّابة الشّرق الخضراء الصّادحة أبدًا}
هواء لبنان خمر، نَواكُمو مِالمُحالِ
بيروت شبه الجزيرة، زُرقة السّواحلِ
رحيق موج ، غُرّة وبنت الأصائلِ
جُبرانكم غارُ شرق، نُعَيْمة مِاللَّآلي
وديعكم صدح شرق، عنادل مِالنّخيلِ
مَرابعكم نبَتْ عنكم، غُرّرتمو بالرّيالِ
فيروزكم نفْح أرْز، معطّر للجبالِ
غناؤكم نرجسيٌّ، تدعمون واقع الحال؟
سياساتكم ضائعة، تعصّباتكم تقول:
لامع أنت، لكنّ قلبك مظلم قالي
عنادل عين مِيماس
ورقاطيّ مَوارس العين
---------------------
طموحاتهم لحبّ الحياة، أكداس الغِلال على البيادرْ
وهَبوا ما جنَوْا من حدائق الشّقاء، ونوافح الغار في أنفاسهم،
وأريج البنفسج الغامرْ، ضجيج أصواتهم أشجار خضراء،
يندفع في دوّامات الرّيح ساجيًا هادرْ
عرفوا معانيَ الحياة، بالزّهو عفويًا أحسّوا
بتواضع الخُيلاء خارجين من كهوف الظّلم وحماية المغاورْ
نحو الينابيع وردوا معانقين السُّموّ؛ وعذوبة صفاء الشموس،
ولم يقدر على روح الورود ضَيْر الجائر
فرح الجَنان، فبكتِ العينان، تلك الأيّام المتألّقة الشّقاء،
الوامضة الرّؤى، هواؤها نبيذ المَعاصرْ
حلومهم، وأحلامهم غناء للقمر والنّهار
للبحر، للزّمن والكواكب، للقمح وموسيقى المَزاهرْ
كانت الكمنجات في رؤى أبنائهم
والأمواج العالية، ورائحة المطر والكتابْ
رَقُوا من أجل غايات عديدة، كلّها طيّبة ناصعة كزقوقو السّفوح
لألاء النّجوم والهضاب
كانت الأماليد غضّة، عليها ضجيج
أعراس الحساسين. صارت أفنانًا وفروعًا باسقة، تناطح السّحابْ
شعروا بكبرياء بريئة، ولم يتباهوا مستشرفين الصّباح
يطرق الأبوابْ
بنَوْا صروح كرامة الحياة المتواضعة
وهذي حضارة، تخرج من رشح مسامّ الكادحين
بالعرق ورقرقة جداول المياه العِذابْ
*
خبايا أرض بوسنان، بنت الجليل الدّائم الِاخضيضار
كروم الزّيتون، بساتين التّفّاح والعنب، جبال النّسمات الرّخيّة
مراتع القطعان وعزف المراعي، مصايف الرّياح الشَّمالية الغربيّة
دوالي ساحل البحر الأبيض المتوسّط، نجمة الصّبح،
أحييكِ حاميًا رموشكِ، وتدوم خضراءَ ضاحكة هي الحُزون
شجَويّةٌ على أربعِ
جهاتِ الأرضْ
--------------
{شجويّة على أربع جهات الأرض}
في سويسرا صعدت فيكتوريا الملكة
ممتطية بغلًا على جبل، والأخضر كان متماوجًا
بانحدارات السّفوح
غروب الشّمس أسطورة للنّاظرين
القطارات المجازفة عابرة لسلاسل الجبال
طبيعيّة ألوان الرّبعان والبساتين
والغيث إشراقة الرّياض وزخارف مماريع الأرض
صديقة النّفوس، بريعانها تمتلك النّواظر
بُرود الحدائق موشّاة بالسّقسقات
كثبان الرّمال في الأراضي القاحلة
على مدّ عينك والنّظر، إن أبقوْه لك
أين النّبات، الحيوان، الغيث والسّحاب؟
السّهوب الغامضة، فيها السّحر والجمال
السّراب البرّاق، ألوان العصافير، تصبغها ورديّات اللّيل والنّهار
بالتّعاقب العجيب، ولم يتخاصما
وآفاق الفصول واقعها أغرب من الخيال
وحينما تراقِص العواصف الأشجار والأزهار
لا يتوقّف النهر عن جريانه
ولا يتغيّر المجرى، فحاميته الطّبيعة
*
لكن، يا سيّدات، يا سادة، يا كرام
اعتقلوا الأطفال، ونكّلوا بالأهالي
ساروا في الشّوارع حفاة، طالبوا بالحرّيّة؛ قمعوهم
وجّهوا الرّصاص لأقرب المقرّبين للجيران لحاملي الشّعارات
داسوا على الشَّهادات غير حاسبين مصير الشّهداء
بانت وحشيّة الأنظمة المعفّنة الماسكة بكلّ الأباطيل
خطفوا النّاشطين، أعدموا البريئين قتلوا المتظاهرين، ولم يرمشوا
كثرت العصابات تحت اسم الدّين
صادروا الحرّيات، حرقوا النقابات
في ظلام السّجون اغتصبوا المُحصَنات
هدموا البيوت على أصحابها
هم ميليشيات الطّواغيت
النّاس في عذاب، والمدن في خراب
فمن يعيد طفولة الأطفال؟
لِكَم ألف طبيب يحتاجون؟
من يذكر المعوزين والفقراء؟
من سمع نحيب الأيامى
الثّكالى واليتامى؟
ماذا قدّم لأهلهم الرّاقصون السَّكارى
المتخمون في المقاهي والمتنزّهات؟
من يعيد المخطوفين من النّساء والرّجال؟
من يعرف أين صار أولاده وأهله؟
ماذا فعلتم بالحوامل، أمّهات كلّ هذه الدّنيا؟
غيّبتم الإنسان، فمن يطالب بالحقوق ؟
غابت المدارس، بكت الجامعات الخاوية
ملايين السّاخطين بلا خبز ومأوى
ساموهم ذلّ العذاب، الكراهية والهوان
والنّازحون في أربع جهات الأرض
سالت دموع الكون عليهم
كرِهام السّحاب، لا يتوقف
حرمهم الخبز نظام الغاب
ما أحقر الهمجيّين، عندما يتسلّطون
تنتظرهم السّجون والمقاصل
ولا بدّ أن يلقَوْا بما كانوا به يعمهون
فيا سيّدات، يا سادة، يا كرام
احذروا حكّامكم الصّغار بعد الكبار
من لا يعرفون مواقع قصورهم
وكم من الأموال في خزناتهم المسروقة
ومدراءَكم بكلّ الميادين
المتناسين شعبهم، أصحاب الكاسات والطّاسات والتّفاهات
مصالحهم وقبّاتهم فوق الجميع
الواضعين الحقّ خلف ظهورهم المحنيّة
عندما يسيرون على رؤوس الأصابع
خوفًا على الوظيفة
وهم الأكابر حسب الفترينة المزيّفة
ومن سلّموهم المفاتيح غادرون لشعبهم
أولئك المرفوضون في قواميس الكرامة
فأسيادكم من كلّ المقاسات والقياسات
لم يتحرّروا من عبوديّة الجاهليّة الجهلاء!
لكن، كان فيها أحكم الحكماء
فراجعوا حساباتكم في خضمّ الأنواء
يوجد من يحاول أن يبيعكم
في كلّ لحظة، من جبناء المتربّصين
من أجل أهداف خسيسة
وأين الأغنياء المخاتلون في كلامهم
خوفًا على الخزائن، ولا يلتفتون للغَرْثى
*
ولا تنسوْا ظلم الرّجعيّين، منهم الآباء والأمّهات
والإخوة، من صادروا حقوق الأخوات
ظلمًا وعدوانا، ولا من يحاسبهم
حسبوهنّ بنات الجاريات
باعوهنّ بالأرض، بالدّولار والدّنانير
ناسين رقصاتهنّ بسدور الحناء
في شوشرة زفّة العريس العشوائيّة
حينما تساقط الورد والحنّاء
على الفساتين والبدلات الجديدة
سلبوهنّ الحقّ في الحياة،
فهل تبقى لهم حياة؟
طغى الظّلم على القلوب والعقول
وحبّ المال أصل كلّ الشّرور والخصومات
فهل من صحوة لهم قبل أن تغلق الأبواب؟
*
يا سيّدات، يا سادة، يا كرام
في البحار كلّ أشكال الحياة
فكيف تكون المحيطات؟
الماء موْئل المناخ والطّقس
من يحصي مخلوقاتها؟
فاحفظوا ألوانها، من يحصي سفنها؟
سجّلوا لي حربًا واحدة، دارت بهذا الكون
بين النّجوم، لا، بين الطّيور، لا
بين الحيوانات، لا، بين البحار، لا
بين المحيطات، لا، بين الأنهار، لا
بين الوديان، لا، بين الأشجار، لا
بين الأزهار، لا
*
بينكم أنتم وحدكم طغاة وباغين
والمغبونون الضّحيّة، حتّى يزول القَتام
فأين ستختبئون، عندما يصحو القطيع؟
ما أردتموه قسرًا مطأطئًا هامته
وهو صاحب الأرض والعِرض
والحرّ وحده يستحق الحياة
وسلام على الأحرار، وطوبى لصانعيه
عُذوق عَبْرَى
------------
مآذنكم تهتِن، والأجراس تهْمَعُ
هَدرتمْ حضارة، ذا أمْر مُروّع
كَوْثر الفُرات قاني، خضّبه المفجِّعُ
ودِجْلة يستلقي على رِمشه المخلّعُ
عِراق (الجواهريِّ) مهلّع مجوّعُ
بكى (السّيّاب) عليه، وحِبره مدمّع
على أمركم يا مغلوبين، فُوا عُوا
رُوا، ثلاثونَ مليونَ نخلةٍ تتَلوّعُ
حَفاوةٌ للعربيَّة؟
-------------
ماذا فعلتم للعربِ والعربيّةِ
يا ناصبينَ للفاعلِ، ورافعينَ
للتَّمييزِ والمفعولِ؟
مِنَ البائدةِ أنتمْ، أمْ مِنَ المُستَعربةِ بنتِ عدنانٍ
أمِ العاربةِ سليلةِ قحطانَ المَهُولِ؟
ما وردُ قاموسِكم، الهِندوستانيّةُ
أمِ الفَهلويّةُ بنتُ الفِ ليلةٍ، والليالي العجفاءِ الكَلولِ؟
طِرتمْ، والخلويّ على رؤوسِ ألأصابعِ
وكان جمرُ النّراجيلِ بالمُعسَّلِ المُتَعَلَّلِ بهِ بائحا، وقُلتمْ:
فتّشوا عنِ المَعلولِ، أشاحتِ المقاصِفُ، والمتنزّهاتُ
وبائخاتُ السُّلَّفِيّاتِ، والمحسوبيّاتُ، ونفاقُ المنغرِّ المُغرَّرِالمذلولِ
طرقوا على موصَداتِ نَرجسياتِكمْ مغلولينَ اغترابا، وهم سادةٌ
وفُلُّهمْ قاصفٌ أشواكَ قَندولِ كِتابُكم جعصةٌ في الليموزينِ
وأُولَى المتّكَآتِ، وسيجارٌ حارقٌ لِبَذْلاتِكم في حَلَقاتِ التّعاليلِ
محبةُ الأوطانِ في طَيّاتِ أثوابِكمْ
هَمسْتُمْ مُزْوَرِّينَ عن قلوبِ البُسَطاءِ والشُّهَماءِ
والأثَرَةُ وراءَ السُّدولِ
الرّاديكالِيّونَ هجَّنوا حروفَ الهِجاءِ
مُبتاعينَ العَراقةَ بالمناصبِ السّريعةِ الأفولِ
والمُتيَّمونَ بماءِ وردِ أوطانِهمْ تَصُوكُ لديهِمِ شَواردُ النَّواغي
ورَيْحانُهمْ مُضمِّخٌ لزقزقةِ الوعورِ والسّهولِ
ظَرف لِما يُستَقبل منَ الزّمان
--------------------------
إذا سكرت فماذا فعلت في لُبِّكْ؟
إذا ثَلبت، يسكن القذَى في فمِكْ
إذا فجَرْت، أصبحت في عداوة ربِّكْ
إذا شمخت، فقدْ استنقصت من قدرِكْ
إذا جَعصت، ازدادت غضونُ وجهِكْ
إذا غَنِيت، فهل تتذكّر فقرَكْ؟
إذا حفرت حفرة، تسقط بها وحدَكْ
إذا دحرجت حجرا، حتْما، هاوٍ عليكْ
إذا تعصّبت، يقول لك، لا، دينُكْ
إذا صرت عالِمًا، فحامِ عن عالَمِكْ
إذا صرت دُغْمُرِيًّا، فمَنْ هو صاحبُكْ؟
إذا كرهت غيرَك، فقدْ سمّمت نفسَكْ
إذا ملأت كِنانةً، فقدْ أصابك سهمُكْ
إذا غوِيَ قلبُك، فقدْ نَبَا عنك حبُّكْ
إذا خنت شعبَك، فمَنْ يبقى معَكْ؟
طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ
-------------
{شاعر البحريْن الأوّل المغدور، والنجم اللامع في سماء الشعر الجاهليّ. شريفٌ من مَحتِد الشعراء، مهضومُ الحقوق، ذو النّسب السّنيِّ العالي}
عاشقٌ هائم بجزيرة العربانِ ، وراعي الإبل ضحيّةُ ملك الحيرة
عمرِو بنِ هندِ المُقالي
حرٌّ طَريدُ عاداتِ القبيلة كالبعير المُعَبَّد
له حرِّيَّةُ رحْبِ فضا شطّ النخيل
وللعُذّال لم يبالِ
شاعرُ طموحات الشّباب
شاردٌ في الفيافي، وفي حِسّهِ الوجدانيِّ مُغالي
المفطورُ فارسا مُتخلِّجاً في تَبختر الأصمعيِّ غيرِ المزهوّ
في مُناخ سَبْسَبِ العشائر متبدّلِ الأحوالِ
اللاهي الشّريدُ الشّارد المتوثّب النفسِ المتحضّر
مظلومٌ من الأعمام، وكريم أخوالِ
شرُّ الجاهليّة غُلام قتيل
ذنْبهُ الإبداع والحكمة ناهلاً من شَذا جُموح الخيالِ
صريعُ الطّموح، وصَبا الخليج العربيّ شواردُه
وفي نفسه الصُّدودُ عن الموسِرينَ خازنِي الأموالِ
وحيداً على الرُّسوم الدّارسة كان واقفاً متذكّراً عينيْ خولةَ
مُكفكِفاً دمعَ المناجاة لِلأطلالِ
شراذيم
-------
واحد هو المولى الرّحوم الرّؤوف
وازدادت، تحت شعار زيف المناصب والألقاب
الشّراذيمُ
فارحون الكلّ بما عندهم وغايات تبرّر الوسائل، بغبطة يجاهرون
هذا الصّراط المستقيمُ مقامات،أحبار، نيافات، تضليل رعايا بنوافح البخور
وغاب عنها النّعيمُ
راحوا للسياسات تاركين المعوزين والمرضى
أين احتضان الأيامَى
لمن يشكو اليتيمُ؟
سمعات، محاكمات، بهدلات
يندى لها الجبين خجلًا، صوالجة برّاقة
يعلَن بها السّلطان العقيمُ
تيجان من النُّضار، وشائح موشّاة
طيالسة من المِدَقس
حرموه بتحريف التّعاليم، بلا زوحة
ولا أولاد ذلك الكاهن المسكين الوسيمُ
مجالس ملّيّة، لا دخل للمِلل فيها
مطعّمة بنزاعات الطّموح
بحبال المصالح يشدّون، كلّ في زورقه يهيمُ
طقوس مصنّعة، لم تخف الكلام المقدّس
البارق الشّافي، جُذب إليها الثّامل الغريمُ
حبسوا الحرّيّات بحاجة الفضّيّ
والأصفر الرّنّان
أطاعوا النّاس أكثر
فهل يتساوى المعطاء الحرّ والمتعظّم النقيمُ؟
وما كان ابن الإنسان غنيّا
ولم يسكن القصور، تاجه إكليل شوك
صنع للعالمين العجائب، وهو الخير العميمُ
شَهْمةُ الشِّهامِ
------------
{تستحقُّ الأمَّهاتُ، وبخاصّةٍ المظلوماتُ مِنهنّ، إهداءَهُنَّ كلَّ قَرَنْفُلِ، وفُلِّ، وجُورِيِّ العالَمِ الرُّومانسيِّ هذا. ذلكَ الّذي يناجي فيه إنسانُ الأحاسيسِ والمشاعرِ الطبيعةَ، ويشكو إلى اللّيل أساهُ، وشجَنَه مخاطبًا العصافيرَ والطّيورْ}
نَقيعُ البُنِّ مُفاطِنُ اللُبِّ مُصاحي
فَقَهْوةُ أمّي صُداحُ عندليبِ صَباحي
صَباحُ أُمّي لآلِئٌ، وجواهرٌ على وِشاحِي
وِشاحُ أمّي جِنْحُ لازَوَرْدِيِّ جَناحي
جَناحُ أمّي جُنْحُ ضُحَى جِماحي
بَلْسمٌ، وبخُورُعناقيدِ البَلَسانِ لِجِراحي
ورحيقُ ضَحْكاتِ أزاهيرِ الأَقاحي
مَطَرَةُ الرِّهامِ وشَهْمةُ الشِّهامِ
أنا بَرَدَى
لا تحْرمينِي النَّدَى
------------------
يا ألفَ حَيْفِ على مَن سطا بالنّارِ على أهلِه الميامينِ الغُرِّ
روافدُ الجراحِ والدّموعِ منهمرةً، تنصبُّ في رِحْابِ بحري
ورصاصُ الغادرينَ سيّحَ النّجيعَ مِن حَقَوَيَّ ونحْري
وعويلُ العصافيرِ يقطِّعُ القلوبَ في رياضِ الغوطةِ ساحرةِ السِّحرِ
هجّر اللاسِلكيُّ أغاريدَ مَصبِّيَ في العتيبةِ بُحيْرتي، وأمينةِ سرّي
نهرُ الفِرْدَوْسِ أنا مَن قادرٌعلى تغريبيَ، وقهْقرَتي، وقهْري؟
نهرُ الذّهبِ أنا لكِ دهريَ، شامُ، وزنابقُ عمرِي
أينَ فرحةُ العُرسانِ في مصايفي، تغازلُهم ،على صفحتِي، ظلالُ قمَري؟
أينَ متنزّهاتي، وفنادقي، ومطاعمي وعَراقيبُ اليرنَحينِ والسَّرِّيسِ،
وزهريَ البرّي؟ مدينةَ سامِ ابنِ السّميعِ المُطِيعِ نوحٍ
أرضَ الشّاماتِ البِيضِ، والحُمرِ والسُّودِ بفوحِ هزارِها الخَمْرِي
طُوبى لكِ يا شامُ، وشُلّتْ أيادي الخاطفينَ الدّائسينَ ربيعَ الحياةِ
ومسحوقةٌ غياهبُ سراديبِ الذّلِّ، والتّعذيبِ، والقهرِ
أنتِ خِيرةُ اللهِ في أرضِه، يجْتبيهِمْ، فكيفَ يُسامونَ خَسْفًا
من ذئابِ الغدرِ؟
مَن سعَّرَ خمائلَ جبلِ قاسيونَ
والرّبوةِ، وجُلّنارَ نواعيرِ حماةَ، وبرقوقَ غاباتِها في همساتِ السّحَرِ؟
شاميّةُ، كانَ تضَوُّعُ الياسمينِ
يضمّخُ أهدابَ غفوةِ صحْوةِ الفجرِ
فصارَ بكاؤُهُ مُرًّا وجْدًا
على الأغرَّةِ، والغَرائرِ، والحَرائرْ،
وكلِّ فذٍّ كريمٍ كاسرِ الأغلالِ حُرِّ
كلُّ ما في الجِنانِ لديْكِ؛ لكنْ طعنوا الورودَ بسُمِّ نَصْلِ الخنجرِ
شامُ، ذاتُ العمادِ أنتِ، وبابُ الكعبةِ
من أرْدانِكِ الأحباقُ الزّكيّةُ تسْري حصنُ الشّامِ أنتِ،
وتَبدينَ، رغمَ حرقِ الشّجرِ والحجرِ، فتيّةً رطبةً وغضّةَ العُمرِ
أنتِ الفَيْحاءُ، ضمّدي جراحاتِ حمصَ ابنةِ يعربَ بنِ قحطانَ
قاهرةِ الباطشِ المعتدي المنْغَرِّ ولتعُدْ لِسهلِ الغابِ
وَنهرِ العاصي على الغاصبينَ
روافدُ الحسّونِ، وحَمحمةُ الأشقرِ الكُمَيْتِ الأغرِّ
فيا ألفَ حَيْفٍ على قاتلِ قومِه وعشيرتِه وأهلِه
ألمْ يحسبْ حسابًا للغدِ العَلقمِيِّ المُرِّ؟
شينيّة الشُّشْبَرَك
--------------
عن هموم شعبك وعالمك متشاطرًا متغابشًا كيف تطنّشُ؟
لبّسوك أوسمة إفلاس البيروقراطيّين، وأنت مغشغشُ
وكم من عبد، كدت تدوسه، ملتاح إلى الحرّية متعطّشُ
والخَنا مشرّش في ثنايا حنايا حياتنا طافش متعشعشُ
ويسلب حقَّ العاملين مبرغش من دخان حلقات المَيْسِر منغنشُ
ويجذل المنتفشون من الفتافيت متعسعسين، وفي غيّه يتفرفشُ
هو الأرستقراطيّ، مِن إفلاسه ثاملًا مائسًا فاقد الحرمة يحشّشُ
وفي مفاتيح سيّارة ليموزينِ عرقِ الكادحين يخشخشُ
ورويدًا يتكرّشُ، وفي زفّة العريس يرش العطور، يترشرشُ
ومرّ السّائل بديار السُّراة، فوعدوه، عندما يخضرّ المشمشُ
وثوب حاوي الموسِرين معصفَر مزركش مهفهف مكشكشُ
وعاج جائع على دار جاحظ العينين سمين باطش، وهو مهمّشُ
شاحت وجوههم عن إملاقه، وسَمْتُه في وعثائه يتغلبشُ
طَفَنْشَأٌ كنسَتْ عباءته شوارع الثلج، وسَبْحته لامعة تتخرخشُ
وقع غليون ذاك المتعربش على سُدّة الكبار
في حديقة الباغين، يقشقشُ والشُشْبَرَك أطيب الأكلات
وأنت تحت الزّمهرير بالملاهي معيّدًا ماجنًا تقحوشُ
صَفير وصُداح
--------------
قويّ هو النّسر، طويل الجناحِ، مِنسر، ومخالب جدّ حادّة
أعتى الجوارحِ ما لا يخافه من الزّواحف والقوارض
في سهل فلّاحِ؟
وغريب، أنّه أجبن الجبناء
يفضّل الطّيران في أوّل الصّباحِ
تتخاصم النّسور على الفريسة
فالحصّة الكبرى لعضلات الوقاحِ
*
والعندليب ينظّف الحقول من الدّيدان والحشراتِ
يغرّد طول النّهار في الأماسي والغدواتِ
مكثر الألحانِ، يسكن في البساتينِ، ملاحة وطيب وسحر الأغاني
يجمّل الحدائق، الغابات والأدغال
ويوقظ عند ابلاج الفجر كل وسنانِ
زهرة الرّمان
------------
(همعت الحروف، فسقطت النِّقاط)
{ثلاثيّات}
ورد وإحساسُ، سحر وألماسُ
عود وموّالُ، سرّ ومِهماسُ
صَرح وإمساكُ، سُكر وعسّاسُ
*
ساموا على حِلْم، هاموا على سلْمِ
صاحوا على أمل، حاصوا على الكلِمِ
طاروا على علل، همّوا على الهممِ
*
حورٌ وأحرارُ، سور وأسرارُ
سعد وإصرار، درع وإعصارُ
همٌ وأكدارُ، سهم وإمطارُ
*
سُمّ وسَلسال، صَوْل وإعلال
صُمّ وإهدار، وهم وإمهالُ
هَمعٌ وإصحار، والهدر سوّالُ
الغالبِ
--------
بنيتَ لِمَن، مِن عرق المسحوقين
الغلابى، ناطحاتِ السّحابِ؟
ووجه عالمكَ مسالك الدّموع
عابس مكفهرّ ومزار للشّحوبِ
أغرقتَ مدنا وحضارة بالدّخان
وغابت أسراب العصافير في طيّات الضّبابِ
لتعبّئ الدّولار في الأهراء، الأكياس والجيوبِ
أغنام يقودها خدم، وعشيقات السّارح السّادر المُرابي
وقطيع يخشى صولة المتغطرس المُهاب المَهوبِ
وصدرك، رغم درْء السّابغات، صار مراميَ أنصال الحِرابِ
وأنت المقامر بالنّساء والأطفال، ولا ترعوي، ومِسعار للحروبِ
فيالقا، ومكلومين بلا مآوٍ، توّهتَ في رحاب الأرض وظلام الشِّعابِ
ديْدَنك الحفاظ على العرش، زاجّا الأحرار في السّجون،
واهما أنّه رفاه الشّعوبِ
راقَ لك، واستهواك استدناء الشّيع
والقبائل، مرسّخا نظام الضّواري
في سُدّة الغابِ
لك المرافئ، ومَحار البحار
وعساجد السّهوب
فهل تمنح المغبونين قيراطا من المسلوبِ؟
سمنت، وجحظت منك العيون
ناظرا للوراء، مدْبرا محاذرا بكسْمك
المصنَّع المتصنَّع، بِغَيّ غالبِ
لكنّ الزّهو، الزّهر، التّشوُّف العزّة والكرامة
صائرة لمهضوم الحقوق والمغلوبِ
رُعوف
-------
كلُّ دِينٍ تسانُدٌ تسامحُ، وقوْم المَحْتِد الأثيل كرامُ
كلّ إنْس يجارحُ يجامحُ، وأشواق قلبه فُلٌّ سلامُ
كلّ شعبٍ جريحٍ جَلودٌ طَموحُ، عامد رائد للنّجاحات رائمُ
كمْ مُخاتلٍ مساوم ناجحُ، بالمياه المسروقة الضّحلة عائمُ
كمْ سجينٍ تحت الفِرية يرزحُ، كمْ طليق منافق مراوغ لايحاكَمُ
كمْ برئ كليم، من المغرضين مجرّحُ
وجوّ روحه غالب غانمُ، كمْ مستبدّ، كان مشرّدا
ممدوحُ، بقعقعة الأسنّة للأغنام خسفا سائمُ
كمْ متواضع مغتبِط مفرفحُ، بالرّذاذ على الورود حالمُ
رَفاهة
------
تَغرقون في أقداح الشّرابِ مَنغبي من غدران عِذابِ
تُقسمون بغربة في الوطنِ وترَوْنه يغرق في السّرابِ
وتكدّسون الأموال ثُمّ تَرمقون للمُعوِزَ بارتيابِ
كبرياءُ الغليون تُغبي برجوازيّا هائما في الضّبابِ
لامعة سيّارة، مُضوِّءٌ حذاءُ وضمير مستغرق في استلابِ
دِمَقْس
------
صَبُّ صِباكِ مُظلَّلٌ بشَعركِ الشّلّالِ
بنى قصورًا لكِ مِن زهورِ التِّلالِ
نجمتُه أنتِ، والحِبُّ سماءُ الهلالِ
أينَ شروقُ الوَجْنتيْنِ وبوْحُ فُلِّ الجمالِ؟
مَنْ يسرقُ المياهَ فؤادُه مغلولٌ بوَرْيِ أغلالِ
السُّبلُ المعوّجةُ بوصلةٌ لأصنافٍ منَ الإذلالِ
فبِئْسَ المُحبُّ المُخاتلُ غِبَّ غنجاتِ الدَّلالِ
فهلْ تصير رُضابَ مَرارَةِ حنظلٍ عذوبةُ السَّلسالِ؟
حاذروا دوْسَ الجِمارِ في ردهاتِ غياهبِ اللّيالي
لئلَا تغدوَ جِنانُ الهوى أَطلالاً ، ودِمَقْسُ الحِجالِ
بنفسج
------
لو غضب الكوكب الثّالث غارقًا متأمّلا
في فَلَكه حول الشّمس، فماذا كنتم بحذقكم تُسدونْ؟
أقاليمٌ شاراتها الرّيحان والقَرَنفُل
لمْ تبُحْ به، بطيّات الوَشْي، ضحيّة الأرستقراطيّة
ماري أنطوانيتْ في قسريّة غياهبِ السّجونْ
رمز للوطنيّة البنفسج، من غابر الأزمان،عند إلهَة الحكمة
أثينا زهرة نابليون في إلبا
هاربًا بها، لعلّ تغريبته تهونْ
مَن يعرف حرب الوردتيْن في أصقاع
ممالك الإنجليز، حرب البيضاء والحمراء،
في الخالي من القرونْ؟
إعلاء شأن الخيال كلام الورود
تُبِين حنايا خبايا الصّدور
من لواعج وعذابات، كي تهونْ
اِخضرار أوراقها أمل الحياة
قتادها يُهيل اللّاسعات السابحة في سَديم المُجونْ
فوق محلّ الجَنان موضعها،
تزهو بها الضّفيرات حِذارًا واحتراسا
في المِعصم هي صداقة وذكرى ترينْ
لا أُحاديّة اللّون، توحي بانتظار الأيّام،
افتقاد الأحبّة، شمس الحياة، صدق، سطوع،
إغرام، نظرة أولى، وبعشر ورْدات هل تصير
أنت المعمود الحَنونْ؟
الورود فيها النّصيحة، الحسْرة،
الخجل، الجمال الفائق، بهجة الحُبور،
نُبل الشّهامة، التوقّع، النّدم، العواطف
وعَبَرات رسائل الغائبينْ
تزهير
------
أقوى من الكراهيّة الحبُّ حقد يذيبه الحبق الرّطبُ
بسمة تخفي سحابة كشرة. رَوْا، يغيّب صاحبه التّعصّبُ
أرَج الهيْل والقهوة عبر البحار، وبأفاويه الشّرق يعطَّر الغربُ
حُضَض العوسج دونه الشّوك، وفي نوافح البنفسج يُستَطبُّ
سابح في الفلاة جامح صاهل، ومِهار تبرطع بالواحات وتغبُّ
أين منها سيّارة تسابق العمر، وزوجان غالبهما المُعسّل والشّربُ ؟
حنظل هو مذاق الزّهو والتعجرف، والمِقة بلسم يرقى بها الشّعبُ
يغمّ على القلب نعيب الغراب، حسّون على سنابل الشّعير يطربُ
لا تدعوا الأفق وجْدًا يبكي، وتغرورق عين السّماء وتصبُّ
رَخامة صوت أسمهان
وماري جبران
----------------
مَن لايبكي، ويسحّ منذرفا ماءُ عينيه
مِفياضًا على الوجنتين، نوًى، شجًى ووجْدا؟
حين يُصيخ إلى النّواغي، منسابة
من مِنقار النُّغاشة الأحمر، طلْقًا
على شِعاف أشجار الحُور، مرفرفًا وَحْدا
ألحان رهافة الرّذاذ، أم صدح أهزرة
أم تغاريد الشّحارير الأحلى من افترار
سفوح الكلإِ للنّاي؛ حين يعانق الصّخورَ الصّدى؟
يُنبِع تهاليلَ الحنين، والحنان، والأشجان، والعذوبة، والرّهبة
وهدهدة الكروان بين الشّجيرات، مغرّدا
فيه سجْو الأصيل، ودفْء ضوء القِنديل
وفوح البرقوق والزّقوقو ينبوع من نصاعة السّجايا
تَقطر سُلسالا، نميرًا وشَهْدا
ذِهاب
-----
سقطتْ كلّ الشّعارات الوطنيّة المزيّفة
والمذهبيّات المعادية لحقوق حياة الشّعوبِ
سقطتْ كلّ العداوات، أخ لأخ، جار لجار
عشيرة لقبيلة، دين لدين سادرين مجافين لله المَهوبِ
سقطت كلّ عادات العروبة المُشينة
البائدة الحارمة النّساء نور الحياة سالبة
أرزاقهنّ بعد رقصهنّ بسدور الحِنّاء للمحبوبِ
سقطتَ كلّ النّظريّات الملحدة
مالئة التّاريخ بالأحْبار مُخنِية على ليّنات الهبوبِ
رِ ها مُ الصّوْمِ
-----------
{أغبِطكم على هذا الصّيام في الشّهر الفضيل، أهلَنا الأعزّاء وقُرّة عيوننا. حضارتنا عريقة، وشعبنا عظيم. فسلام، سلام للقريب وللبعيد}
في صباح رمضان حساسين على جِنح النّسائم رخيّة الهبوبِ
ونور العليّ يجلو ظلام القلوبِ
ملوكَنا، حكّامنا من المحيط إلى الخليج
هل يبرّأ السّالب، وهلّا يُرجَع الحقّ للمسلوبِ؟
كفى سوْمًا قبائلا لعشائر،وعومًا على صحّة جدليّات المذاهب
وما بالدّار من عَريبِ، ماذا يكفّر عن هدر مصير النّاس؟
إخوتك هم في جناح الشّام، وعدَنٍ وطرابلسٍ المطعّن المعضوبِ
لغسل أحواب المسفوح في العراق الجريح
لا تكفي مياه دِجلة والفرات منغب الشّعوبِ
مَن يساوي بالزّكيّ أطماع المغامر الثّامل الرِّعبيبِ؟
لا، قفوا، وحّدوه في تجلّيات الأجنان، في غياب الذّنوبِ
وليكن افتقاد المساكين نفحات
أقحوان ومياه الورود، يطفي لهيب شراسة الحروبِ
وأنتم، أبناءَ العمومة، أولاد إسماعيل ويعقوبِ
طاولة سلام الحقّ بانتظاركم
متحمّلين قَتام العوادي، والمتطرّف العائث الغضوبِ
رَوْا عبَرات الأمّهات، لا ترقأ، لا لاستشراء المَقت الممقوت الرّهيبِ
دولار، ويسكي وسيجار
---------------------
تجري الأيّام كالأنهار، والأرض باقية
وأمّ المسكونة نبع الحنان حوّاء
مغبونة مكلومةً، وطمع المغامرين
راغد غادر ضاري. رفعوا صحون الشّراب، وقالوا:
بصحّتكم، وفي ضحى الغد تطاحنوا
على الدّار القديمة والحواكير
بضمير الغائب المراهن المُجاري
وكانت زفّة العريس، عبر الرُّواق
في عقود الجدّ غانم ابن ذياب
صاحب المراجل حامي الذَّمار
ثملوا في دُجية ليلة العيد
وثارت حميّة الوطنية والأوطان عندهمو
فتحاكموا بشؤم ادّعاء الحقّ من واهمٍ ومُرابي ومقاري
الطّمع قتّال منذ الغابرات
حين باعت بطون القبائل أصولها
وقطرت العوالي في الواحات نجيعا في الصّحاري
من المحيط إلى الخليج أنت الرّاغب في الضّيم،
راغما، لعصور الظّلام، تغالي
وحتّى مع أغلى الأحباب لا تصانع، ولاتداري
تسلُق الجبل
----------
نيران الكراهية هل تطفئ أنهار حبِّ؟
وجبال الظّلام هل تخفي نور علمِ؟
أنغام السّعادة لا تلاشيها تعاسة قلبِ
تطلب عطاء الآخرين، وأنت في السّأمِ؟
خسرت مَن أردته، وترثي لمن عاج عن الدّربِ؟
إذا عشت متمنيًّا، فرؤاك في عَتْم محتّمِ
إن اهتممت لأتفه السلوك،
تغافُلك في الوصَبِ، يؤذيك المكان، وتحيا فيه
فهل خلقت للعدمِ؟ أنت بين أشواكهم مظلومًا
فاخرج من النّصّبِ، فإن وقفت متفرّجًا
فلا بدّ أنْ يجرفك قطيع الغنمِ
تَهْتِنُ الشُجونُ
------------
ونَبا رحيق القوم زاهينا، لكنْ، جرارٌ ترشَح نِسرينا
أمُعُلِلي، بمَ صار حالك دوني، فهلِ الجفاء يذكّرك قَطِينا؟
كثُرتْ دعاواهم والمحامونا، حقُّ البَرايا صار مرهونا
جعلوا السَّواد بزِيفٍ بياضا، فالصِّدق هاجر عابرًا سِينا!
بالمال قد باعوا إخوة وأحبّة، هل هَمْعُ دمعٍ يرجع الغالينا؟
تلك الصَّلافة فَرْزُ كلِّ تكبّرٍ، هل يستحيل الحاذق مِسكينا؟
هل يردع المغرورَ نَهْلُ سُلافةٍ، حتّى يغيَّبَ عن ضميره حِينا؟
جعلوا الأصاغر حاكمينَ بظلمهمْ، ما بالُ شعبٍ ينحني مَغبونا؟
والتّابعون لهم بساط أحمر، وَلّاهُمو حَمقى القطيعِ مَهينا
والبيلَسانُ تلُفّه أشواكٌ
نُجْلُ العيون بقَصرِ جانِينا
حكَم الصّغارُ، كلامُهم ألغازٌ، تجدُ الكبارَ بحِلمهم راضينا
وبروح نعمتهم غدرًا حكّموا عجّاجَ خمرٍ عاثوا يسقونا
مَن لا يتُوه دون عطف أهِلّة؟ فعذوق نخل تجذِب الحَسُّونا
أهوَى الدُّنَى طيرًا طليقًا حلّقا، تَخِذَ شِعافَ روحه الكِينا
قد شَتّ عن ألْبابهم عطر، تبغي دواليب على باغينا
وأصيل حبٍّ لا كمَن يتكلّف، لا بالغنى يُشرى المِحبونا
يرِد الرّعيل لحوضِ ساطينا، برُحاقهم غدروا فلسطينا
تَمَاهٍ
----
بلدُك هزارُ دَوْحٍ، يغرّد في وَجْد عينيْكْ
بالحبّ هل تُطامح، يُنوّر لك وجنتيْكْ
الخَلْوة والجامع، لبّيْكَ اللّهمّ، لبّيْكْ
وتخشع المسامع من جرس في أذنيْكْ
وبخور يتضوّع، فكَنيس عن جانبيْكْ
ومآقٍ تتلامع، فالسّاجد ابنُ بَجْدَاتِكْ
حرّيّة تسْفعُ، هل ضمنتَها لك وحدَكْ؟
مُنتدَى، جُمْعُ، صَيِّبٌ رهنُ إشارتِكْ!
وحْدًا نفسيَ باخع، مولايَ عند قدميْكْ
جَفْنة
----
الوجْد كالماء السّلسبيلِ، يشفي نُدوب الشّارد العليلِ
إنْ ينجرح بالبيْن الوبيلِ، يناغيه هزار الأصيلِ
داهنْتَ عالم المستحيلِ؟،ممعنة رؤاك في الغليلِ
حدائق وحرائق
-------------
غالت الأطماع في امتداد خيال
ظلم أنا الكبرياءِ، لم تبصر الأضواء غارقة
مغرقة في حومة الإدجاءِ التعصّب لا يحيل سعة الكون
بأسحاره إلى ظَلماءِ، هل تضيع قرابة الشّعوب
جغرافية وتاريخًا، أو تصير إلى هباءِ؟
ما نفع الشّعارات، إذا ناديت بها عازمًا على زيادة البلاءِ؟
ما نفع الكراهية، إن عنّت على بال أي مجازف قالي؟
أليست ديْدن الجبناءِ؟ لا للفِرق والطوائف
القَرنفل لا يصير جوريّا، ولا يشنّ الغار حربًا على شجرة الحِنّاءِ؟
لا لسموّ عرق على نظيره، وعشيرة على أخرى، لا لاستفاضة الخُيَلاءِ
لا يصبح البرقوق قندولا قاتلا لحق الحياة؟
عطور المستنيرين دواء لهذه الأدواءِ
لا لسوْم النّاس خسْفًا، شعب لأمّة ومذهب لعقيدة
سلام على نفوس العقلاءِ
نعم، أحبّ شعبي، وآسى لأحزانه
وارفض فتات الأجَراءِ
ستنبت الحدائق من رماد الحرائق
وصرخة اليتماءِ، ويبقى ذكر الأنبياء نوافحًا
وشامات على جُبُن الكواكب
حَرائرُ الشّام
-----------
غالَها نُموسٌ شُعْلٌ أقزام
مَن وضع السّكين على ساق زهرة
البهجة سيفيّة الأوراق الخضراء
مشعّةً بالطّيف الشّمسيّ؟
أيّة حوافر همجيّة داست على زنابق الوديان العريضة الأوراق
الرّماحية بأزهار بيضاء كالأجراس؟
أيّة مُجنزرة سحقت النّرجس البرّيّ
ببتلاته الصّفراء البيضاء البرتقاليّة القَرَنفُليّة؟
أيّ رصاص مزّق السّوسن ذا الأوراق الخضراء الطّويلة
المستدِقّة الأطراف البنفسجيّة المُزرقّة
الأزهار بخطوطها الصّفراء؟
أيّة قذيفة حرقت زهرة الأُقحوان
خضراء السّاق والأغصان الحاملة التّيجان
الصفراء، الحمراء، البيضاء والورديّة؟
أيّة أيادٍ أثيمة جرّحت فم السّمكة
زهرة البحر المتوسّط ذات الشّماريخ
الزّهريّة الورديّة القِرمزيّة الأرجوانيّة
بسيطة الأوراق الخضراء؟
أيّة دبّابة جرُؤت على سحق واحات أزهار
الياسمين الدّمشقيّ ملكة الزّهور
لها ذكريات في كلّ مدينة قرية، حارة ومنزل
نجومها متلألئة وسط الخضرة في الباحات، الشّرفات
العرائش، الأقواس والقناطر؟
الوحش واقع، لا محالة، في حفرة
قد نسيتها مخالبه الحديديّة، مصيره الغياب والأفول
وتصحو تلك الورود، والأزهار
على أصوات التكبير ورنّات الأجراس
وتعود ألوانها تزيّن المعمورة بخَلابتها
وتُثمِلها بحَسَب ونسَب رحيقها
بنت الحرّيّة
---------
ترعرعت في كنف السّواقي
ضحكة الغدران، عُذوق النّخيل والعناقيدِ
تبلّجت على رمال شواطئ المَحار
فلوّحتني شمسها، فتأسّل جِيدي
ونسائم المحيط الغربيّة الشَّمالية
ناغت ضفائري، نوارس ، عزفت على أوتار عودي
سَفعني شُسوع حَرّ رمال الجزيرة
والْمَها البرّيّة المكحولة ألْهمتني قصيدي
ريح الصَّبا دغدغت وجنتيّ بأندائها
والرّئام ألبستْني فُتونها
وفي شَعر المِهار عبق الورودِ
فكيف هيّفتَ عليّ عصور الظلام يا سندي
غير عالِم أنّ النّخّاس يتربّص بي في سوق العبيدِ؟
تُزوِّجني لابن عمّيَ مكرهة؟
لا، غرّبوا أنسابكم، فالعرق دسّاس
لي في جَناني فاتِني، معبودي ومعمودي
أين الحنان يا وردتي
وقد تركتِني خميصة البطن محرومة
لا ألوي على درب ولا أحد؟
وشريط الشّوك على حُمر الخدودِ
شِحتَ عنّي، ولك الرّواحل والجياد والعَقار
يا ضنى روحي، تأمّرت ناسيا تحناني
وتهت في حسابات الطّارف والتّليدِ
الفُلّ، الجوريّ، والحبق لا تزال في أنفاسي
وزغرودة سدر الحنّاء قد ذرّفتْ دموعي
فعرفتُ الغُبن وتذكّرتُ شقاء الجدودِ
يا عالَم الظّلم والظّلاّم، حرّة وبنت الحرّيّة أنا
فاعْضِبي، أختاه، قيودا ترسُفين بها
رانية إلى عدالة المعبودِ
حِفْرِد
-----
أشجار مثمرة تجعلونها تذبلُ؟
فالبِرّ يزهر، والشّرّ يتجندلُ
فالصّالح ينجح، والطّالح يخبلُ
يزول الحقد والحرب، وكلّ ما يبلبلُ
هل تسقسق العصافير على كتفك، وتهلّلُ؟
مَن ينصف المظلوم، ويؤلمه المأسور المكبّلُ؟
مساء غيْهم، ألا يشوقك الصّبح، فيه يغرّد بلبلُ؟
خطاب الطامح بن الشّريد بن المشرّد
الجامح القرطبيّ النّجديّ
----------------------
لا أرتدي إلّا المدقس والحريرا
ياقتي بيضاء، ولياليَّ ويدي
وربطة جيدي ورديّة ولي طموح
أن أصير رئيسا أو قائما، أو نائبا، أو مديرا
وإن راوغ الحظّ حدسي، يشرئب عنقي
وأصير سائق الرّئيس أو النّائب
ولا أكون مغرورا ولا غِرّيرا
وإن دحرجوا صخرة عليّ، أنجو بجلدي
وأحمل بكْرج القهوة المرّة
وأسقي في سرايا الرّئيس سادة العشائر
فخورا ببلدتي قريرا
وإن ضحك لي مرّة، أجعص بجانبه
جاعلا ريش النعام لي سريرا
أنا ابن الفيافي، لافحتني الهواجر
الذُّؤبان صيدي، لبن النّاقة يطفي غليلي
وأخادن الخابّ الجامح البعيرا
وإن ساقب الحظّ، أرعى قطعانه
وأحميها وعلى كتفي عصايَ،
في جيبي شبّابتي ومعي، حرّاس العربان،
كلابي وأكون لموارس بطّيخه ناطورا
فلعلّي، بعد أن كنت مرؤوسا
رئيسا قادرا أن أصيرا
وإن خاب أملي، وأخنى عليّ الزّمان
أبني لي محفلا ونديّا للشّعب
منصّبا نفسي في عليائه أميرا
وإن لم يصفّقوا لي، صفّقت وحْدا
سابحا في رحاب السّحاب
حرّا حريريّا متحرّرا
على مَن أحبُّه شعبيَ محرورا
غاويا غالبا شاربا نخب وطني
حبيبي مشمخرّا مسرورا
رَقرقة
------
غزارة الأمطار تنمو بها الغاباتُ
أدوية للعالمين هي الصّيدليّاتُ
إطلالة مذهلة صنوبر شلّالاتُ
شحارير وديانٍ رفرافٌ، بحيراتُ
إخوتَكم تقاتلون! فينشِج الفراتُ
تكفكف الدّموعَ غُو طةٌ والكحيلاتُ
بنت الخليج عدَن صنعاء أخواتُ
ليبيا نسيم البحر مختارها بطولاتُ
مصر احفظوها غاليةْ فنِيلها خيراتُ
درويش
-------
{كما عرفت، بدأ محمود درويش يناجي مفردات الطّبيعة في كينونته الوجدانيّة؛ وكان ذلك في وسْميّ الشّباب في حارتنا الفَوقاء(الفُوقا) في بوسنان بنت الجليل الغربيّ.}
*
محمود
زينُ الشّبابِ، فارسُ الفرسانِ وشاعرُ الشّعراءِ
*
منشد مرتّل بقلب طفل مشرّد شريد متعطّف بعاطفة الأحاسيسِ
غنائيّات من صميم حرارة الأطياف والخِيلان
طفرات كشعاعات النّباريسِ
اِرتياد إلى عوالم رسم ملامح الحبيب غيرَ قاطف فُلّ القواميسِ
*
ينابيع الشّجويّات حيويّات مترقرقة جمالًا
يخامرها حُبورٌ، أشجانٌ وأفراحُ، ماشَتْه الحضارة فكرًا وتبديلا
لا متوجّسًا بشجاعة المتفرّد، هو صوته المزقزق الصّدّاحُ
مارَ مع الكون، والكون به مستنصرًا بوجْد الشّائق المَشوق
ملكُ التعابير، قد أُنطِقت بها الجراحُ
*
عَبَراته تلألؤ الكواكب، مُهجةٌ مِقة للعالَمينْ
هِمّة قَعساء، لا رائمة لمجد
ولا قمّة الهرم الشّاغرة إلّا ليراع الشّاعر المِسيال
خَدين الشّاردين المنسيّين المتشرّدين
كم من بثينة وليلى، شردت بُوصَلتها
عن شوارده الهافّة على بساط الرّيح
من المحيط إلى الخليج، غير آبهة بعسجديّات
المتشاعرين الشّعارير الأرستقراطيّينْ!
*
أين كان الوطنيّون الطّارفون
حينما لم يكنْ له إلّا نابغيّته ؟ عبثا حاول الجارح خطْف رُحاقه
وبسمة ضُمّة الجُوري؟ يصفّق العوسج للبنفسج
تلمع الصّور، كيفما لاح تزوير التّاريخ
سَقيتم كوز ماء بارد لمغلوب على أمره مقهورِ؟
لا لذائقيّة شعريّة موشّاة بعقود النّفعيّة
الوطنيّة سادرة عن المعدَمين
تترصّد المنابر باستئثار أقوام منتجعين
طالبين الماء، الكلأ، ونرجسيّات الغرورِ
*
ملوك هدروا أفواح الفواغي
حروف ملوّنة برّاقة، تقاليد قبليّة قسْرًا لاشَتْها النّواغي
مستأنسًا بالعصافير، مستعيرًا أجنحة الطّيور
أبكَى، وما بكى، وجدير به أشجَانُ أحباب وحبّ
لا غروَ، فقد أهْتنَ مُقلة الباغي
هَمَعتْ دموع الأطلال حين مرّ أدهمُه بها!
في كلّ حرف أحاسيس، تحاكي نغمة النّاي
رقّة، وضفاف الخيال بجانحتيه
مجنِّحًا، ومن مرآتها يعُبّ الخُضاريّ مسقسقًا معَ الزّاغِ
بُوشْكِين
-------
{اَلْمُهرُ الْجامِحُ الْغِرِّيدُ على غارِ الشِّعرِ الرُّوسيِّ الْخالدِ}
*
حُرٌّ أَغَرُّ نبيلُ الْجَنانِ تَخطَّى النُّبَلاءَا
والتَّرَفَ، واللّهْوَ،والأَرِسْتُقراطِيّينْ
رافضاً عِيشةَ الْبُلَداءِ الْمُتشامِخينَ الْمُوسِرينْ
مُتعشِّقاً لَمعانَ نَواغي الشِّعرِ
باحثاً عنِ حُرّيةِ الْمَقْهورينْ
هامَ بِأَناشيدِ شِكسبيرَ الْعَريقِ والْكلاسيكيّينْ
وفي بريقِ مَسرحِ الْمُنجِّدِ
مُولييرَ؛ وسجينِ الْباستيلِ فُولْتيرَ
مُنَوِّرِ الْمتنوِّرينْ، اِحتضنَهُ الْقُوقازُ مَنفيًّا
فَشادَ أناشيدَ الشَّبابِ مُقيلاً لِلْمَحرومِينْ
شاقتْهُ بَلاغةُ الْقُرآنِ الْكريمِ
مُحبًّا لِلْفَتَى الْعَرَبيِّ الشَّهْمِ الصّادقِ الْأمينْ
قَضَى في سبيلِ كرامةِ الْمَحبوبةِ
لَيْلاهُ نَتَالْيا مثالَ الْمُحِبِينْ
أغانِيهِ تهزُّ النُّفوسَ بِرهْبةِ مَوهبةٍ
مُطلِقةٍ منَ الأسْرِ الْمُستعبَدينْ
قَصيدتُه خَوَّفتِ الطُّغاةَ
ورأى الْفجرَ مِن زنزانةِ الْقياصرةِ
باعثاً الْحياةَ بالْمُعدَمِينْ
بنادق وزنابق
------------
خضراء هي الأشجارُ، عاجّة هي البحارُ
هادئة ألحان الطّيور، أحمر هوالجلّنارُ
تعطر الورودُ الوجودَ، صائكة هي الأمطارُ
طلْق هو الهواء، هدوء الشّمس يعانقه النهارُ
مخيف هو الدّجى، يزهو حين ينيره السّيّارُ
يغال أخو الدّنيا فيه توأمه؛ غافلا أن الدّولاب دوّارُ
أذى النّهار تتعطّفه الغياهب؛ تمحوه سدول وأستارُ
لا تغار الرّعود من البروق؛ ولا من الرّياحين الغارُ
بهيم هو الليل، لكنّ سماءه الجمال والأسحارُ
فيه قطرات النّدى عابقة؛ تقبّلها تيجان الورود والأزهارُ
تتربّص الثّعالب بالطّيور؛ لكنْ بساط الرّيح لها ستّارُ
بنادق العالم الجريح هذا لا تُحلّ سلاما
وزنابق الوديان بها الكون عابق مِذرارُ
بلادًا أضعت
حبيبًا حِجالا
----------
لمجد رنوتَ، مطايا سرجت
وزهرًا جرحت؛ لترقى المحالا
*
غنيًّا حُسبت، خَوالي نسيت
بضحْل غرقت، عزمت الوَبالا
*
سلامًا نشَدت، سهامًا نفثت
جنوبًا وصلت، نويت الشَّمالا **
حُلومًا هجرت وحُلمًا نسجت
وطيرًا زجرت، فولّى شِمالا
*
ضميرًا شريت، بفَيْفا شردت
ورنْقًا حسوت، ورُمت الزُلالا
*
بمال نُفخت، بحبّ كفرت
بُغاثا وطرت، وصلت التّلالا
*
لِجار شزَرت شقيًّا هممت
قَطينًا خسرت، جِمالًا جَمالا
*
لعَلْيا طمحت، لسفلى وصلت
وكِبْرًا أثِرت، نسجت الخيالا
*
غريثًا حقرت، ثريًّا صحبت
بأشَر نعمت، وُهِمت الدّلالا
*
وعاجًا سكنت، وعِلْجًا دمِثت
بمَلْث ثملت، جهلت المآلا
بَغْدَادُ دِجْلَةَ
وَشَامُ بَرَدَى
-----------
الماء، والخضراء، والوجه الحسن،
مَن يوقف رشحها في الهلال الخصيبِ؟
الوطن يعرف أهله ويحبهم
يتحدّى ساحقًا همجيّة الغريبِ
علقم مياه الفرات في أفواه الغادرين
صفو بلْسمٍ لحُماته سكيبِ
كان ماء برَدَى كوثرًا زُلالًا،
صار وصَبًا، فكيف صرعتم نغم العندليبِ؟
منذ فجر الظّلم عصيت غزارة العاصي
سلسبيله نسْغ لبنانَ النّجيبِ
كم رجّسوا نقاء بسمات دجلة الخير؟
ساجيًا مضمِّخ عذبُه لليباب وقمح السُّهوبِ
مَن صار عالمًا فيها، ولم يعرّج على بنت شطّ العرب
بَصرةَ ابنِ الخطّاب الحكيم الأريبِ؟
كفكفوا عَبَرات مهْد الثّقافات، كُوفةَ واحات اللّغة
شموخ النّخيل، وتُمور أمّ الخصيبِ
كيف تسقون مَماريعَ بغدادَ المنصور
بنتِ دِجلةَ النّجيعَ، وهو ينُثّ قَرقَفًا خَندريسًا؟
تشعّ حضارتها للشَّمال، وتزهو بالجنوبِ
مُلتاحة جُلّق، وبرَدَى تنوء ضِفّتاه بالسّيول،
أمّ الخلافة، شجر ونحاس، نسيج وحرير،
غَوطة التّفاح تشمخ فوق الحروبِ
شعب سبأ
---------
ساحر ساحلك الجنوبيّ على بحر العربِ
شحيح الأمطار، لكنّ النّسيم نديّ عليل
يناغى كشرة الأرض اليبابِ
قزحيّ ساحلك الغربيّ على البحر الأحمر
مطر وسْميّ متهلّل على بساط الرّيح والسّحابِ
عجيبة هي جزائرك، معاقل التّائهين
النّاجين من الخضمّ؛ ملاذ لقمة العيش
للوافدين من أربع جهات الأرض
مَراسَي السّفن التّعبى، مزارُ أطياف الشّعوبِ
وقوفا على باب المَندَب، واسطة الخير خليج عدَن
بين الأحمر والمحيط الهادي
تحيّيه السّفائن والبحّارة مع كلّ صبح ومغربِ
شاهقة بين جبالك قمّة جبل النّبيّ شعيب(ع)
سُلاف هي مياهك، وعصافير الخضيريّ
وِهادك، وديوك السُمانَى والزَّراعي نجادك
الغِزلان والضّواري فيافيك مخضرّة
رغم هجر الصَّيِّب لها وعبوسة الجُدوبِ
بلد الحرّيّة والقبائل الأصليّة الأصيلة:
همدان، وحميَّر، وكندة، ومذحج، وحضرموت، وتميم والأُزْد (قبيلتي!)
فصائل البطون والعشائر من الحضر والأعرابِ
أحفاد يعرب بن قحطان، ترجّلوا، وألقوا السّلاح، ما يصرع تاريخكم
الطارف والتليدا. شوفواجَمال صنعاءَ بنت جبال السّروات
ضاحكة الهضابِ، عدَن موطن، ومقام السّفن
على ساحل بحر الهند، مرفأ المراكبِ
سواحل السّياحة، فوّهة بركان خامد
موانئ أغاني اللقالق، والخليج الآسرالجذّابِ
برودُ الوُرود
------------
لو غضب الكوكب الثّالث غارقًا
متأمّلا في فَلَكه حول الشّمس
فماذا كنتم بحذقكم تُسدونْ؟
أقاليمٌ شاراتها الرّيحان والقَرَنفُل
لمْ تبُحْ به، بطيّات الوَشْي
ضحيّة الأرستقراطيّة ماري أنطوانيتْ
في قسريّة غياهبِ السّجونْ
رمز للوطنيّة البنفسج، من غابر الأزمان
عند إلهَة الحكمة أثينا
زهرة نابليون في إلبا هاربًا بها
لعلّ تغريبته تهونْ، مَن يعرف حرب الوردتيْن
في أصقاع ممالك الإنجليز
حرب البيضاء والحمراء، في الخوالي من القرونْ؟
إعلاء شأن الخيال كلام الورود
تُبِين حنايا خبايا الصّدور
من لواعج وعذابات، كي تهونْ
اِخضرار أوراقها أمل الحياة
قتادها يُهيل اللّاسعات السابحة في سَديم المُجونْ
فوق محلّ الجَنان موضعها
تزهو بها الضّفيرات حِذارًا واحتراسا
في المِعصم هي صداقة وذكرى ترينْ
لا أُحاديّة اللّون، توحي بانتظار الأيّام
افتقاد الأحبّة، شمس الحياة
صدق، سطوع، إغرام، نظرة أولى
وبعشر ورْدات هل تصير أنت المعمود الحَنونْ؟
الورود فيها النّصيحة، الحسْرة
الخجل، الجمال الفائق، بهجة الحُبور
نُبل الشّهامة، التوقّع، النّدم، العواطف،
وعَبَرات رسائل الغائبينْ
اَلْيَعْرُبِيُّ
--------
خطاب يعربَ بنِ قحطانَ بنِ عابرِ بنِ قينانَ بن ماء السّماء بن إسماعيلَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ عليه السّلام
*
{إليك أنت الحالم بالحرّيّة، من المحيط المرامحِ إلى الخليج المجامحِ}
*
نشوةُ الحرّيّة والشّجاعة والطموح
لن تغادر سفوح برقوقنا، وزقوقو الرّوابي
صائنين الرّؤى، مجتازين الكأداء
في زمن هضم الحقوق من وحشيّة
الطّمع في رقبة الزّانم المرتابِ
لتبقَ الحقول صادحة مزركشة الهداهد
على عسجديّات السّنابل، حين الرّيحُ عابثة بالشّرشوحِ والدّولابِ
تسقسق لاميّة عليه، مرتشفةً بمِنقارها المنمنمِ قطراتِ السّحابِ
والهزارات على خمائل الحدائق، واليمامات تهدل في الكروم ،
مراوغة الصّقور، مخفّفة الأشجان عن كاهل المُلتابِ
لكم غِنوتي، سامقةً سانية؛ لتمضوا، وكتفٌ عاضد كتفا في الكون الرّحيب
المحتوي طموحاتِكم وزلّاتكم، عظماءَ الجَنابِ
نُشّادَ شِعاب النجوم الدُّرِّيَّةِ، تمضي بها السّفن، عابرة بساتين
عطر أحباق السّديم والضبابِ
تقوى جذوع الأشجار في العواصف معاندة،
مزهرةَ الفروع على نهر عصافيرها الدّافق المنسابِ
تهدر فيه الرّواشحُ على سلّم أنغام
النّواغش المسقسقة على شعاف ضحكة الأحبابِ
تهدر أنشودة المقاثي، والكرومِ
والمصانع، صائكةً بيُنوع الذّرة الخضراء
مرفرفا عليها الخُضاريُّ؛ وغناءُ شرقْرق قزحيٍّ
على أكتاف أوف الحاصدين جوّابِ مَن الآسرُ وَدادكم للدّنيا بأسرها،
طغاتكم؟ أقيالكم؟ بائعو أوطانهم؟
وأنتم محتوون الكون، مستدنين الدِّيم؛
تغفّ عليها النّسور، أسرابا ترفرف فوق أسرابِ؟
تتعذّبون؛ إذ تتصفّحون جغرافيا المعاهدات،
وجراحاتِ التّاريخ؛ مرارُها حَطّ الشّعوب في صاب العَذابِ
لكن لا زالت قطرات الطّلّ رقراقة على طنين زهرات النّحل
الملوّنةِ الزكيّةِ العِذابِ لتختالوا، أيّها الكادحون،
كما الأيائلُ؛ لا تهمّها الضّواري
ميمّمة شطرَ غدران الجبال، على بساط أزهار ريح العُبابِ
مفترّة عن غمام، ها هي سماء الطّيور
تضيئها سماء النجوم الطلسميّةُ بلألائها الخلّابِ
جذِل هو الفلّ الجوريّ؛ توشوشه جداول الشّحارير البجيسةُ
من صداح أشواق عصافير الحُمّر على حُمرة العُنّابِ
بلّور الأبعاد السّحابيّة في عيون المتيمين؛
من لا يحسُدهم، لوكان فيها كلّ طوبَى
الأرض ورِهامها الصّبصابِ؟ تضحك الجَوناء لمماريع الغبراء،
هي بلدي ووطني، ، حقيقتي ، يقيني، وحقيقتي اليقين، مبيعا بالخَزَنات ،
ومفاتيح فاره السّيّارات ، والكواكبُ السّيّارةُ فيها،
تفتّش عن واحات السّرابِ
أيّها الأرستقراطيّون، انتبهوا؛ لئلا تحرق الغلايين شواربكم ،
وجوخَ بذلاتكم، ودمقسَ هفهافِها اللجّابِ
أيّها الفقراء والمُعدمون، أيها العمّال،
أيها الكادحون اشتغِلوا، وتعلّموا يا رعاةً
رقّصوا القطعان على ألحان شبّاباتكم
يا فلّاحين، أنشدوا نشيد السّنابل والكتابِ
واستبشروا بالصَّيِّبِ المِسكابِ
إلى جون كيتس
-------------
وجهُ الملاك، وعينان حالمتان بالحُبّ
نصاعة حَبّ الغمام، وزهريّة تُوَيْجات أزهارِ
أشعارك تُحَف فنّيّة جماليّة
كابرَ نقّاد الرّومانتيكيّين منها، على الِانْبهارِ
سليل فقراء لَندن عاصمة الضّباب والمليونيرات
عاشق خَلَابة الطّبيعة، ضحيّة بوهيميّة
نرجسيّة الشّعراء وخساسة الِاحتقارِ
نواغيك تحدّتْ عواديَ الدّهر
أيّها اليتيم الرّاثي للبائسين
لمآسي العالم في سنواتك القِصارِ
اجتاحك الحرمان، تمرّدتِ المواهب، العزيمة
والطّموح، ضاع منك حنان الوجد
دمعك لم يرقأْ على المحبوبة النّجمة السّاطعة
متحسّرا في جسدٍ حاسرِ
أناشيدك فضاؤك الرَّحيب
عواطف جيّاشة، حلّقتَ بجناحيك
كنسرٍ على السّحاب سادرِ
أصخْتَ السّمعَ لتغريد الكروان
ذي المِنقار الطّويل النّحيف العجيب
خَدين أسماك البِحارِ
شِعرك الشّدو والصُّداح
ومَعين رحيق الرّاح
ماسحا عن خواطرك الهموم
وعندك اللّيلُ رقيق، ودامعا تقول:
لا تدمعي، ناظرا لطلّة أغرودة النّهارِ
الوحش
-------
عاش حارسًا أذرع السّلطان مقبّلًا حذاءه
للوصولِ لسُدّة الحكم بعد أن يميل إلى الأفولِ
خدَم وحشَم تحت إمرته، يرشف ما يحلو له من الشَّمولِ
له ما شاء من الصّبايا مغلوبات، يحميه جحفل القبيلِ
عِربيد مع عشيرة الغاشم
يخشى، في نومه، صولة الفيصل المسلولِ
غارت القصور، وظلام نار البارود غيّب الباغي
ولم يتوقّف غضب الشّعب عن الهطولِ
وقال الوحش هاربًا: أحب سكنى بيوت الذّوات
وأبيع الغانيات للهُمام الجليلِ
وحلّقت النّسور حوله، واختفى الغول
عن أعين محوّشي فتافيت خادمات خدم الأسياد
وعادت العنادل مغرّدة في الحقولِ
المهْضومة
المكْلومة
---------
(إلى جميع نساء وأمهات العالَم الحالِم هذا)
كيف تهمّشون النّساء في المترامي الأطراف
من المحيط إلى الخليج العالَم العربيّ؟
أين حقوقُهنّ، تعزيزًا وحَشْدًا
في المجتمعات المدنيّة أيّها المُغرِض المُغابي؟
يُشكّلْنَ هذا الأفق الواسع هُنَّ، فيُخفِي عدالته متلفّعًا بالكرامة
المفقودة عند رِحاب الجَنابِ، حقوق مباحة، مَهْر، بيع وشراء
فيها التّشريد، والمساواة المعضوبة الأجنحة
والمُتغابي ذاك المُرابي يتردّى الواقع!
عليها ضَيْركم ينصبّ
أين أكناف القبيلة؟ تلتحفون بخيوط العناكب
وبالواهي مِنَ الأسبابِ
ركائز الأُسَر هُنّ، مربّيات العالِمين حريصات على نسيج الكوْن هذا
بدونهنّ ما فيه بصيص مِنَ الِاخْتلابِ
مَن يداوي أدواء المكلومين في عواطف البيْلسان
وبَلسم إكسير الحياة الشّافي، فتخضرّ سهوب اليَبابِ؟
كُنّ كما يريدكنّ الرّجال، أولئك البرجوازيّون الحَداثيّون
فلسْتنّ رهائنَ للغالب، وهو جِدّ مغلوبِ
اخرجوا من الدّونيّة، حطّمتْ بناتِكم
أخواتِكم، نساءَكم وامّهاتِكم لسْنَ أمتعة تُباع، وتُشترى
هلْ تشربون نَخْب حرّيّاتكم بأقداح من سَرابِ؟
السُّهْرَوَرْدِيّ
------------
{الفيلسوف المغدور، فريد العصر الأيّوبيّ. هو صاحب الرّائعة العقيقيّة المُغنّاة على الألحان الحلَبيّة الخلّابة}
على العقيق اجتمعنا، نحن وسودُ العيونِ
أيا عيوني، عيوني، ويا جُفوني، جَفوني
*
شِهابُ الدّين الحُرُّ اللّامعُ في حيِّزِ الوعْيِ الإنسانيِّ
المتوهّجُ العظيمُ الرّائي طامحٌ إلى المعرفة والعلوم
همُّه الإبحارُ في خِضمّ الحكمة
غريبٌ متغرِّبٌ مُستَغرَبٌ، لا مُدانيَ للثّناءِ
لم يستوعبوه، غالوه صبْرًا في قلعة حلبَ
أمِّ الحضاراتِ والنَّكَباتْ، شهِبتْ نواصِي الأطفالِ في الشَّهْباءِ
بَذّ في حُلومه جهابذةَ الفُهماءِ
فانتشرتْ نارًا بهَشيمٍ خالبًا ألْبابَ الخُلَباءِ
فيثاغوريٌّ، عِرفانيٌّ، رنا إلى النّور
البهيِّ سابرًا جوهرَ الأشياءِ، تأمّل بنور الأنوار دانيًا
حذّر الوجود من الِانحدار إلى الظّلام
فما أعجبَ الهروبَ من البهاءِ
إشراقيٌّ، ما أطاع الشّرق في تزمّتاته الفلسفية
فلاقى الرّفض، وكلّ ضغينةِ اِسْتياءِ
ناهَضَ قَتامة الواقع مجنِّحًا إلى المثاليّات
متفرِّدًا بائحًا، لا كَبَبْغاءِ، أباحوا حياته، هدروها
صادروا صوته صادحًا مجاهرًا في اعتقاد الحكماءِ
4735 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع