ما تعتقده.. ليس صحيحاً دائماً!

                                                

                          عائشة سلطان

ما تعتقده.. ليس صحيحاً دائماً!

أنت تعتقد هكذا، وتصرُّ على أن ما تعتقده صحيح، ثم تمضي في حياتك، تمارس شؤونك المعتادة كما دائماً؛ تصحو في الساعة نفسها، مبكراً جداً لتتسابق مع الآخرين في اختراع طريقة أسرع لافتتاح النهار، ربما دون أن تسأل نفسك ولا حتى هم يسألون: كيف كان طعم الهواء في الغرفة حين فتحت عينيك؟ كيف بدا الضوء المتسرِّب من خلال النافذة؟ هل كان ثمة صوت لعصفور يزقزق أو أبواق سيارات تملأ فضاء الشارع؟ من أيقظك فعلاً: ساعة المنبه، صوتك المتوجس في داخلك؟ خطوات ابنك في الممر، أم حلم ظل يلازمك حتى وقت متأخر؟ لم تسأل نفسك أي سؤال وأنت تزيح الأغطية وتنزل ساقيك للأرض ثم تدسُّهما في ذلك الخفّ الدافئ، إنك تفعل ذلك كل يوم ولسنوات طويلة دون أن تنتبه!

أنت تعتقد أنك سعيد وناجح وأن أمورك تسير بانتظام وطمأنينة، نعم هذه هي الكلمة الصحيحة: (تعتقد) أنت لست متأكداً، لكنك تعتقد ومع ذلك فأنت ترتب حياتك على وضعية الثبات، وتؤثث أيامك على أن شيئاً لن يتغير، فماذا لو حدث أمر ما وأنت في طريقك للعمل خلخل كل ذلك الثبات؟ ماذا لو صادفك إنسان زلزل أركان قلبك وأدخلك في متاهات لم تحسب حسابها يوماً؟ ماذا لو؟ وماذا لو؟ الثبات استثناء السيرورة الكونية الذي نتعامل معه جميعنا كأنه الخيار الوحيد الذي يحرّك أحداث الحياة، وننسى أن هناك نغمة أكيدة اسمها المتغير هي الأقرب إلى اللحن اليومي لكل ما يحدث!

يقول أنطونيو مونيوز في روايته «الشتاء في لشبونة»: «بغير وعي منذ سنوات لا بد أنك استيقظت يوماً وأدركت أنك لم تعد بحاجة إلى السعادة ولا إلى الحب كي تكون حياً بشكل معقول. إنه الانفراج، أمرٌ في منتهى السهولة، كما لو أنك تمدُّ يَدَك وتُطفئ الراديو!»، هذا يعني أن ما كنت تعتقده أمراً محالاً، ثابتاً، ولا يمكن القفز عليه، سيغدو في صباحٍ ما، وبشكل مباغت ربما، أمراً سهلاً، كما أن تغييراً في متناول اليد، هكذا كما تمد يدك وتطفئ الراديو! فمن قال إن هناك شيئاً يمكن أن يبقى ثابتاً أو يستعصي على الخلخلة؟

أحياناً حين نمضي في حياتنا بقوة الدفع الذاتي، وبقوة الشهقة التي تصوغها أرواحنا تمسّكاً بالحياة، لكن بتلك القناعات التي لا تحسب حساباً لمفاجآت الطريق، أو تلك التي تلقي كل الأوراق على رهان الثبات فلأن ذلك يريحنا، يمنحنا بلادة التعامل مع ما حولنا، ولأن هذه البلادة تروقنا لسبب أو لآخر فإننا نمضي بها حتى يقع نيزك ما في مدار حياتنا فنجد أنفسنا ندور في اتجاه مضاد تماماً كعقارب الساعة حين تدور عكس اتجاهها!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع