سمية العبيدي/ بغداد
حدث في منتصف الليل
حينما دخل عقلها حيز الوعي , أحست بشيء من البرد يلسع جسدها , رفعت رأسها المتورم المشوش شيئا ما لتجد نفسها عارية الا من شبكة ذات فتحات كبيرة تغطيها تماما من أعلى رأسها الى أخمص قدميها حيث تنتهي بعقدة كبيرة . هنا مع غيمة الذهول التي اندلقت على عقلها زحفت بنظراتها الوجلة نحو ابنتها التي تنام معها مؤقتاً في نفس السرير تحسبا لحاجة قد تعتريها ليلا , ذلك إن زوجها مسافر الى مسقط رأسه منذ بضعة أيام وهي مقعدة تماما . وضحت الالتفاتة السريعة والنظرة الخاطفة إن ما جرى عليها جرى على ابنتها أيضا فهي أيضا شبه عارية تركت على جسدها المتخشب من لطف المجرم ملابسها الداخلية فقط وكانت عقدة الشبكة هذه المرة فوق رأس الابنة . حركت المرأة حنجرتها ويدها اليمنى معا لتوقظ ابنتها من سبات عميق فزعت البنت لما رأت أُمها داخل الشبكة ثم قفزت فزعا وهي ترى ما على جسدها هي من ملابس ومن .... ظنت لوهلة ان قد أُعتدي عليها ثم أحست بشيء من راحة وهي تطمأن على عذريتها ثم اشتعلت غيظا وهي تحاول بيد شلها الارتباك أن تتخلص من شبكتها لتفك عقدة امها فيدها اليسرى مشلولة تماما كساقيها . ما كادت تتم ذلك وهي مستغرقة في أفكارها تبحث في تلافيف فكرها عمن يكون من اقتحم عليهما غرفة نومهما ليعبث بهما معا حتى انتبهت لزجاجة على نضد دنو مخدتها رفعتها بيدها لتقرأ ما كتب عليها فإذا هي مادة مخدرة شديدة الفعالية قربتها من أُمها لتقرأها ظلت علامة استفهام كبيرة تنمو فوق رأسيهما معا من ؟؟؟؟.
اشتد البرد مما عجل بعودة الوالد المسافر وكان قد مر يومان على اقتحام مخدعهما وحين سردتا ما حدث لم يصدقهما الوالد وطلب منهما عدم الحديث في هذا الموضوع والا ظنهما الناس مجنونتين وحينما أخرجتا له الشبكتين لتثبتا صدق مقولتهما سخر منهما وسألهما كم انفقتا على شراء السمك الذي تحبان في غيابه . نزولا عند نصيحة الأب امتنعتا معا عن سرد ما حصل الى اي أحد وأخذ الأب الشبكتين ليرميهما في سلة القمامة مشمئزاً , وأخفت الابنة الأمر حتى عن أخيها وزوجه بعد عودتهما من زيارة ذوي الزوجة في مدينة أُخرى نزولا عند طلب أبيها . وأغلقت الأُم فمها قسرا كي لا تبوح به حتى لأُختها المقربة التي تعودها بين آونة وأُخرى لتطمئن عليها كتمت الأمر عنها مع إنها كاتمة سرها وموضع ثقتها . ثم تقبلت الأُم والبنت الأمر وركنتاه في زاوية مظلمة من عقلهما وحسبتاه شيئا من الكوابيس وأضغاث الأحلام . غير إن الأبنة ثبتت الواقعة بالتفصيل الممل في دفتر مذكراتها الذي كانت تخفيه عن خلق الله جميعا في مكان مظلم داخل صندوق مغلق في قعر خزانة ملابسها مع بعض تحفيات ومنمنات صغيرة أحبتها واقتنتها عبر سنوات عمرها . كانت تتفرج عليها بعض الأحيان متذكرة وسابحة في حلم يقظة , منبسطة الأسارير , تخال نفسها في أُرجوحة أو فوق سحابة . وكانت تكتب بعض الأحداث المتميزة في بحيرة حياتها الراكدة والتي ارتبطت بقوة وتحددت مسيرتها لمرض أُمها وعجزها الدائم .
بعد أُسبوعين تذكرت زجاجة المخدر التي أخفتها قرب علب دهون ماكنة خياطة أمها المهملة في رف غائر وراء دراجة أخيها القديمة والمركونة في كراج سيارتهم المكتظ , لم تجدها مع إنها بحثت عنها بجد كما بحثت في أرجاء البيت الأُخرى دون جدوى . وهنا وعت إن يدا امتدت اليها عمدا لتخفيها , ولم يكن أحد يستطيع الوصول الى تلك الأماكن غير أخيها وزوجته وهما يسكنان ملحقا للمنزل وكذلك قد تصل اليها هي أو أبوها .
بعد شهر مر بصمت تكرر أمر الشبكة مع أُمها فقط هذه المرة وفزعت وهي تستيقظ متثاقلة وتحس رأسها جبلا ينهد على كتفيها يكاد يسحقها كان صراخ أمها ممطوطا غير متضح الحروف وبدا إنه يصل اليها عبر رواق طويل مظلم أو من قبر . كان والدها مسافرا هرعت منتصف الليل لتوقظ أخاها قبل أن تفك عقدة شبكة أمها لأنها أرادت أن تشركه معها في هذا الأمر رغم تحذيرات أبيها شديدة اللهجة . وحينما عادت الى غرفة نوم أمها مع أخيها وزوجته لم يجدوها في فراشها وما لفت نظرهم كومة ملابسها الملقاة بعبثية وفوضى على سريرها وكذلك القرط الذي ظلت ترتديه منذ أيام زواجها الأُولى ولم تخلعه مطلقا . أمر الأبن : لا يلمسن أحد منكم أي شيء . امتثلت المرأتان الجزعتان وكانتا تريدان رفع ملابس الأم لوضعها في مكانها المعتاد على الشماعة أو أخذها الى حيث الغسالة الكهربائية كما يفعلون كلما أبدلت الأم ما ترتديه .
وعند التحقيق معهم لم تتوصل الشرطة الى نتيجة وكذلك عند التحقيق مع الوالد الذي بادر بعودة سريعة بعد وصول برقية بما حدث لزوجته استلمها فى بيت أقاربه في مسقط رأسه .
ما وجدته الشرطة فقط هو نتفة من خيط صغير عند قدمي السرير وضعه المحقق في كيس وتحفظ عليه وبعد الفحص تبين إنه خيط من شبكة صيد . توجه محققا القضية الى بيت المقعدة المختفية وطرحا على الإبنة سؤالا واحدا فقط من منكم يمارس هواية الصيد أجابت الإبنة : لا أحد وحينما كرر المحققان سؤالهما قالت : لا أحد ثم قفزت بارتباك وهي تقول مفكرة أو متذكرة : ولكن ... ثم أغلقت فمها بعنف فلاحظ ذلك أحد المحققين فنهرها قائلا أتتسترين على خاطف أُمك ؟ أهذا جزاؤها منك أرخت الأبنة فمها وقالت بانفعال حسنا : تعاليا معي ومضت بهما الى حجرة نومها وفتحت خزانة ملابسها لتخرج صندوقا صغيرا , ناولت دفتر المذكرات الى المحققين بعد أن فتحته على ما كتبته مؤرخة منذ شهر . سألها المحققان بعد قراءة سريعة وأين كان والدك مسافرا عندها ؟ أجابت الى مسقط رأسه حيث ولد في قرية نائية زاهية بخيراتها عند مصب نهر جميل . هرع المحققان الى مركز الشرطة وقاما بعدة اتصالات مجدية حيث تبين إن للوالد زوجة شابة جميلة من أبناء عمومته لم تقتنع بوجود زوجته الأُولى وإنه كان يخشى طلاق زوجته المقعدة لئلا يفقد الوكالة على أموالها .
وعندما ووجه بالتهمة وبعد اعترافه وبعد العثور على زجاجة المخدر في سيارته الحديثة عالية السرعة , قال انه كان يخدر زوجته الشابة و يعود الى بيته متخفيا وإنه بعد أن خدر امرأته المقعدة مرة ثانية اثناء خروج الإبنة لتحضر أخاها ... حملها فوضعها في صندوق سيارته مسرعا الى نهر قريته فألقاها فيه عارية وإنه نزع قرطيها كيلا يتعرف عليها أحد من ملابسها أو من قرطيها قديمي الطراز . وإنه أوشك أن يقتل ابنته معها في المرة الأُولى لولا إن تشنجاً قاتلا أعجزه عن إتمام ما عزم عليه فأسرع هاربا لئلا ينكشف أمره , مؤجلا ما نوى فعله لفرصة أُخرى , وفعل ذلك كله ليتحرر تماما منهما وينصرف تماما لبيته وأُسرته الجديدة في قريته البعيدة .
*****
سمية العبيدي/ بغداد
878 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع