عبدالكريم الحسيني
هذه القصه حقيقيه وقد حدثت قبل اكثر من نصف قرن وشخوصها لايزالون على قيد الحياة وهي تحكي قصة حب دامت اكثر من سبع سنوات بين شابين بريئيين في عمر الورود وريعان الصبا والشباب.
التقيت به بعد طول فراق وتعب السنين منذ ان تباعدنا انا وهو ايام الشباب وتذكرنا ايامنا وكيف كنا حتى سألته عن حبه القديم واين امسى الحبيب وهل تعلم عنه شيئا ؟؟ فصمت قليلا وقال والله لم يمر علي يوم واكون فيه قد نسيت وتمثل في قول الشاعر :
والله ما شرقت شمس ولا غربت الاوذكرك مقرون بانفاسي
وماشربت لذيذ الماء من ظمأ الارأيت خيال منك في الكاس
ولاذكرتك محزونا ولا فرحا الا وكنت حديثي عند جلاسي
ولو قدرت على الاتيان جئتكم سعيا على الوجه او مشيا على الراسي
فما ازال ارى الاحباب قد ملئت كؤوسهم واراني فارغ الكاسي
وماتعجلتها الا على ظمأ اكاد احصي لظاه بين انفاسي
ويا فتى الحي غنيت لي طربا فغني وارحمنامن قلبك القاسي
في يوم من ايام الصيف الحاره من شهر تموز المعروف بحرارته اللاهبه في بغداد قررت العائله البغداديه ان تترك بيتها في منطقه شعبيه في جانب الكرخ على نهر دجله بالرغم من وساعته وكبره ولكن فرضت عليها الظروف نفسها على العائله ان تتفرق الى بيوت بعد تكاثرها والرغبه في الاستقلال لكل اخ بدار مستقل ووقع الاختيار على منطقة الكراده الشرقيه (المسبح وعرصات الهنديه ) ليكون لهم ثلاثه دور ويكون نصيب والدتهم واخيهم الصغير الذي يبلغ من العمر 16 عاما مع الاخ الاوسط ,, انتقلوا الى مكانهم الجديد واستقروا فيه وكانت بغداد لاتزال تحتفظ بعاداتها وتقاليدها من الترحيب بالجار الجديد حتى كانت زيارة الجار المقابل وكانت الجاره معها ولدها الوحيد الذي جائها بعد نصف درزينه من البنات قبله وربع درزينه بعده ومعها ايضا احدى فتياتها وهي في عمر 12 عام وعندما رآها الشاب المراهق حصل ما يحصل دائما وهو الحب من اول نظره,,شابه ذات طول فارع وعيون خضراء مائله الى الرمادي وشعركستنائي ينساب على اسفل الظهر ووجه ملائكي .احبها وكأنه يعرفها منذ سنين وهنا لابد ان اترك الحديث للشاب ليروي احداث قصته مع معشوقته بالتفصيل :
لم اتماك نفسي عندما وجهت نظري اليها اول مره واحسست اني يكاد يغمى علي وكأني اعرفها منذ زمن بعيد ,, لم تغمض عيني في تلك الليله وظلت تجول صورتها في ذهني حتى اصبح الصباح وكنت اترقب باب دارها لعلي احظى بنظرة اشفي بها شوقي ولهيب حبي وبعد ايام شاءت الصدف ان تظهر على باب البيت لاحظى بنظرة واول ابتسامه كانت وكانها اعادت الروح الى قلبي ..
كنت انتظر ان ينتهي الصيف لتبدأ الدراسه ويكون لي المجال لكي اراها والتقي بها وجاء اليوم الموعود وخرجت ببدلة المدرسه وكانت والدتها تتابعها من باب الدار حتى سلكت انا طريقا اخر ولكنه يلتقي بنفس الطريق والتقينا بعد ان عز اللقاء وكدت ان اصاب بالخرس عندما بادرت هي بالقاء التحيه وكانت اشجع مني ورردت متمتما وسألتني اين تقع مدرستك فقلت بعيده وسألتها وانت قالت هناك في ذلك الزقاق وهنا جائتني الشجاعه فجأة لاقول لها انها قريبه هل هناك مكان لانقل نفسي فيها فضحكت وكانها زلزال ومشت بكلمة وداع اجنبيه وجلست على الرصيف لاادري اين انا ..
تكررت لقاءاتنا وكانت تكاد ان تكون يوميا وكنت اقود سيارة اخي صباحا لجلب الفطور الصباحي واتعمد ان اعزمها على الركوب لكي اوصلها ولكنها كانت تمانع وتبادلنا الهدايا واصبح يبننا طريق جديد وهو التلفون عندما يغادر اهلها واهلي ونكون لوحدنا نتبادل كلمات بريئه وحنينه ووعود اكبر منا وبيننا مشتركات بسيطه (عبد الحليم حافظ ,, صور ,, مجلات بريئه ) ومضت السنين وهذا الحب يكبر وكنت اتابعها وافرض حمايتي عليها خوفا من تحرشات الشباب حتى باتت جزءا منى لايكاد ينفصل وانتهت المرحله الاعداديه وقرر ولي امري ان اسافر الى بيروت للدراسه واصبح الخيار صعبا جدا بين بيروت التي كنت ازورها كل صيف ولي فيها مااحب وبين حبيبتي وسألتها رأيها فقالت اذهب فأنا سأكون بانتظارك وسافرت ولكني لم اشأ ان انهي السنه الاولى في الجامعه ونجحت الى الصف الثاني حتى قررت ان اعود مهما كانت النتائج لاني لم اطيق الابتعاد عنها وقررت ان اسلك طريقا قصيرا لكي اتمكن من الزواج من حبيبتي بسرعه..
تم قبولي في الكليه العسكريه وتخرجت بعد ثلاثة اعوام برتبة ضابط ملازم وكنت ارها او اتحدث معها بالهاتف كل اسبوع خلال وجودي في الكليه وانتهت العقده التي كانت تعيق تقدمي للزواج منها حتى قررت ان اتزوج وفاتحت والدتي التي كانت على علم بهذا الحب وكذلك اخي وذهبت والدتي لاستطلاع الموقف قبل الدخول بالموضوع فوجدت قبولا حسنا من جدتها وممانعه من والدتها بحجة انها صغيره ولاتزال في الاعداديه ولابد لها من اكمال دراستها وبقية الاعذار المعروفه والمتداوله لمن يريد ان يمتنع ,, لم اتمكن من قبول هذا الموقف وسألتها ولكني وجدت تحولا في موقف الفتاة وشعرت وكأني فقدت كل شيء وذهب ما عملت من اجله ادراج الرياح وكانت حبيبتي تتعرض لضغوط كبيره من الام والاخوات حتى وصل الامر الى الضرب وايذائها حتى جن جنوني حتى كنت اناقش نفسي بالهروب معها وكان لي صديق على اطلاع ومتابع لما انا فيه فنصحني ووعدني ان يرسل والدته الى امها وهي صديقه حميمه لها لاستطلاع الوضع بشكل غير مباشر وتشجيع الام على الموافقه ,,
ذهبت والدة صديقي الى امها وعادت وانا اتلهف للنتائج حتى قالت لي يابني لايوجد سوى حل واحد فرضته الام اذا كنت قادرا عليه فقلت انا حاضر لكل شيء فقالت لاتعجل ودعني اكمل لك ماهو الحل وانا انتظر بفارغ الصبر والترقب فقالت ان الام لم تطلب مالا ولا بيتا مستقلا ولا ذهبا ولكنها تطلب منك ان (تحل حزامك في مكان كذا وتسبح في حوض كذا وتشهد عند فلان وامام فلان وفي حضرة علان ) واخذتني المفاجئه فلم اكن اعلم ماهية هذه الامور ولما تطلبها الام وهل انا مسيحي او بوذي فقالت المرأه لا ولكنها تريدك ان تغير مذهبك !! فقلت ياخاله وهل من الصعب ان اعود بعد الزواج الى مذهبي الاول ؟؟ قالت لا فقلت كنت اعتقد انها كانت ستطلب مني الحفاظ عليها وتدليلها واغداق الحنان عليها وتكوين اسره على طريق صحيح ,, ياخاله هذه امرأه متخلفه ولاتريد مصلحة ابنتها ..
اخبرت والدتي بما جرى فقالت انت حر ولكني انصحك ان لاتفعل لانك ستكون اداة طيعه بيد امها وستنغص عليك عيشتك وخاصة وانت بعد في بداية الطريق ونصيحتي ان تدوس على قلبك وتبحث عن فتاة اخرى ,,, كلام سهل ان يقال ولكن كيف يمكن ان يطبق وما ذنب التي ستصبح في مكان حبيبتي وقلبي بعيد عنها وبعد صراع وعناء قررت ان اطلب نقلي الى الوحدات العراقيه العامله في الاردن الشقيق لكي ابتعد عن هذا الجو الخانق ..
وشاءت الصدف ان التقي بعد اول اجازة لي باحدى قريباتي وان القى منها تشجيع وهي على علم بموضوع حبيبتي وصارت القسمه وتزوجتها ومرت السنين واصبح لدينا طفلين وعندما كنت في احدى الواجبات في مدينة الموصل حتى لاحت لي حبيبة الامس في احد الاسواق وعندما رايتها خفق القلب ولكني دست عليه وتجاهلتها وكان في عينيها عتب وفي عيوني شوق ..
ومرت السنين وسمعت انها تزوجت في عمر متأخر من احد الضباط وهو من نفس مذهبى ورتبتي وانجبت منه ولد وبنت ولكنه هجرها وسافر بعد احداث الكويت حتى باتت مطلقه وفي احد الايام وانا في طريقي للتسوق من قرب دارها (دار العائله) لمحتني امها فصاحت بي فقدمت اليها فقالت الست انت فلان قلت نعم وتبادلنا التحيه وقالت كم من الاطفال اصبح لديك قلت خمسه قالت ماشاء الله لاتزال صغيرا وشابا وكانت عينها على سيارتي
الجديده ولونها الاحمر القاني فقالت لي الا تريد ان تسلم على فلانه وهي في الدار المجاور لنا لديها عمل تقوم به فقلت لها ياخالة حرمتيني منها والان تعريضها علي بعد ان اكل منها السبع واصبحت لغيري ياخالة والله لن اغفر لك مافعلتي بي وبها ولكنك فتحت عيني على امر لم اكن افكر به يوما وهوالطلب الذي طلبتي ..فقالت والله لو كنت نفذت ما طلبته كنت زوجتها اليك ومعها كل ما يتطلب الزواج ... فودعتها وغادرت المكان ولسان حالي يقول لقد انتصرت الطائفيه على الحب الذي عمر اكثر من خمسين عاما ...
لقد التقيت بالشاب الذي اصبح رجلا بل شيخا وهو يحكي لي هذا الموضوع ويلملم اموره لطلب الفيزا الى احدى الدول الاوربيه وهي اجمل مافي ا وربا لكي يحظى بزيارتها بعد ان سمع ان زوجها الذي اعادها اليه قد فارق الحياة وهي الان وحيده وان حبه لها يأمره ان يذهب اليها ليواسيها ويؤنسها في البقيه الباقيه من العمر ...
واخيرا انتصرت الطائفيه على الحب بل انتصر الحب على الطائفيه ....
مع تحيات اخوكم عبد الكريم الحسيني
1361 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع