بقلم - إيمان ألبستاني
أجاثا كريستي
منْ منا لم يعرف ( أجاثا كريستي ) كاتبة ألروايات ألبوليسية في وقت كان ألكتاب سيْد متعة ألجليس , قبل غزو ألانترنيت
هذه القاصة البريطانية التي اكملت كتابة 85 كتاباً بين رواية وقصة ومسرحية بوليسية، وان عدد اللغات التي ترجمت اليها كتبها يزيد على عدد اللغات التي ترجمت اليها مسرحيات شكسبير، وان عدد قرائها بلغ حتى عام 1973 حوالي بليوني قارئ منتشرين في انحاء العالم كافة
ولدت أجاثا كريستي جنوب أنكلترا في مدينة
(Torquay, Devon)
عام ١٨٩٠ من أب أمريكي وأم انجليزيه، عاشت في بلدة (ساوباولو) معظم طفولتها، تقول عن نفسها: إنني قضيت طفولة مشردةإلى أقصى درجات السعادة، تكاد تكون خالية من أعباء الدروس الخصوصية، فكان لي متسع من الوقت لكي أتجول في حديقة الازهارالواسعة وأسيح مع الاسماك ماشاء لي الهوى.!! وإلى والدتي يرجع الفضل في اتجاهي إلى التأليف، فقد كانت سيدة ذات شخصية ساحرة ،ذات تأثير قوي وكانت تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرين على فعلِ كلِ شيء وذات يوم وقد أصبت ببرد شديد ألزمني الفراش قالت لي: ـ خير لكِ أن تقطعي الوقت بكتابة قصة قصيرة وأنت في فراشك. ـ ولكني لا أعرف. ـ لا تقولي لا أعرف، وحاولت ووجدت متعة في المحاولة، فقضيت السنوات القليلة التالية أكتب قصصاً قابضة للصدر.!! يموت معظم أبطالها
ألكاتبة مطلع شبابها
وعندما كبرت تزوجت (ارشيبالد كريستي) ومن هذا جاءها هذا الاسم الذي ارتبط بها الى الاخير وارشيبالد هذا ارسل الى جبهات القتال في فرنسا ابان الحرب العالمية الأولى فلحقت به زوجته وغدت تعمل ممرضة في احدى المستشفيات
ألكاتبة مع زوجها ألاول
ولكن زواجها منه فشل بسبب افتقادها (الصحبة المشتركة) أو (الرفقة الزوجية) وتلك قيمة أساسية في حياتها ظلَّت تؤكد عليها حتَّى بعد زواجها الثاني
كانت تلك أسباب انفصالها عنه بالطلاق بعد أن أنجبت منه ابنتها روزلند
ألكاتبة مع أبنتها
قامت الكاتبة المولعة بالمغامرة بأول رحلة لها إلى العراق عام ١٩٢٨م
كانت الرحلة تعتبر من الرحلات المثيرة حيث ركبت القطار من محطة فكتوريا في لندن إلى مدينة " دوفر " على الشاطيء الجنوبي لبريطانيا ،ثم عبرت المانش بمركب إلى الشاطيء الفرنسي ومن ثم أخذت قطار يسمى " سيمبلون " لتتوجه إلى اسطنبول في تركيا في رحلة تدوم لثلاثة أيام عندما وصلت الكاتبة إلى اسطنبول استقلت القارب الذي أقلها للجانب الأسيوي من تركيا لتركب بعد ذلك القطار الذي أخذها من حلب إلى بغداد
في بغداد أرادت الكاتبة زيارة آثار مدينة أور ولكن ذلك تعذر عليها ولكنها قررت العودة مرة أخرى
في عام ١٩٣٠ م عادت أجاثا إلى أور في شهر مارس في الفترة التي كانت تهب فيها عاصفة رملية قوية استمرت خمسة أيام لم تتمكن فيها كاترين زوجة رئيس البعثة البريطانية للتنقيب عن الآثار من الإعتناء بالضيفة فأوكلت تلك المهمة إلى عالم الآثار البريطاني البروفيسور "ماكس مالوان" الذي رحب بالمهمة
ماكس مالوان
فاصطحبها ماكس مالوان اولاً الى نفر ثم كربلاء ثم بغداد، وكان فندق مود لصاحبه ميخائيل زيا محط رحالهم في بغداد، وفي أثناء ذلك وردت رسالة لأجاثا تخبرها بمرض " روزلند " ابنتها من زوجها السابق الضابط ارشيبالد كريستي
فغادرت على عجل بمساعدة ماكس مالوان الذي مال قلبه لأجاثا على الرغم من أنها كانت تكبره بخمسة عشر عاماً ،
توجها بعد ذلك الى انكلترا بعد ان توثقت العلاقة بينهما فتزوجا في ١١ ايلول ١٩٣٠
رجع ماكس مالوان عام ١٩٣٢ ليبدأ في الكشف عن الاثار في نينوى، وكانت اجاثا ترافقه، فهي مصورة فوتغرافية وتنظف اللقى الاثارية وتسجلها فضلاً عن استمرارها في كتابة القصص والروايات، وكان نصيب العراق في قصصها هي (جريمة في شارع الرشيد) و(جريمة قتل في بلاد الرافدين) و(عائد في الربيع) تلك القصص التي تجد فيها الفهم العميق لشخصية منحرفة سنحت لها فرصة التحول الى الخير فاختارت سبيل الشر، ان الدراسة الضمنية للخير والشر لاتغيب عن معظم كتب اجاثا مع فهم اصيل وبديهي للدراسة النفسية المرافقة له
تترك اجاثا وزوجها العراق سنة ١٩٣٤ لتعود اليه سنة ١٩٤٧ وتنشغل في اثار نينوى ونمرود لغاية عام ١٩٤٩، وقد اكتسبت خبرة في معاملة العمال العراقيين الذين كانوا يشيرون اليها على انها (عمتهم) لحنانها وطيبتها في ألتعامل معهم ، بالاضافة الى عملها في الاثار مم جعل الاستغناء عنها صعباً
انتقلت بعد ذلك الى اشور وبقيت حتى سنة ١٩٥١، وهو الموسم الاثاري الثالث لبعثة ماكس مالوان زوجها، وكذلك الموسم الرابع عام ١٩٥٢ والموسم الخامس والاخير عام ١٩٥٣، وكانت هذه المواسم الاخيرة مختصة بالاثار الاشورية التي اكسبت اجاثا خبرة كبيرة في حضارات العراق، وقد وظفت بعض ذلك في قصصها الرائعة التي لازالت تطبع والتي استحوذت على اهتمام مئات الملايين من القراء ومشاهدي الافلام والمسرحيات لما تتمتع هذه الاعمال بالتحليل النفسي الدقيق ونفاذ بصيرة في الطبيعة البشرية المرسومة من غير تعقيد
والحكم عليها من غير مبالغة
الدكتور بهنام أبو الصوف
إن عددا من الاثاريين العراقيين عملوا مع ماكس مالوان وتعرفوا على أجاثا كريستي ورافقوها في معظم المواقع الاثرية، ومن بينهم الدكتور بهنام أبو الصوف، والدكتور طارق مظلوم.
ويذكر أبو الصوف أن أجاثا كريستي كانت تكبر مالوان بـ (١٦) عاما وأنها كانت معجبة باحترام العراقيين للمرأة وعندما اكتشف زوجها النمرود تمثالاً نفيسا من العاج سنة ١٩٥٢ ،وكان لامرأة جميلة أصرت (أجاثا كريستي) أن تطلق على التمثال : (موناليزا نمرود) ويرجع التمثال في تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد
موناليزا نمرود
وقد اذهلت "مقبرة اور الملكية" المرأة الانكليزية وما عثر فيها من اللقى من الخنجر المشهور الى القيثارة السومرية والحلي النسائية الملكية فشدت هذه الآثار اجاثا كريستي ومنحتها تصوراً جديداً وبعداً اخراً اضفى على كتابتها نوع من السحر والغموض كونت اجوائها مصدر وحي والهام لتكتب قصصاً تشد القارئ بروعة الشرق ولغز الجريمة
وفي الاعوام القليلة الماضية اقيم في المتحف البريطاني معرض خاص عن اجاثا كريستي ومقتنياتها وعملها في العراق ليروي بعضاً من قصة حياتها بعد ان تعلمت من زوجها بعداً مهماً من ابعاد صنعة التنقيب وصيانة وحفظ الآثار.. فبعد الاستدلال على الموقع وغالباً ما يكون مكاناً مرتفعاً تبدأ عمليات الحفر بشكل بطيء وممل وبادوات يدوية بسيطة تتطلب الصبر والاناة والدقة والتأني التي يقوم بها اهالي "الشرقاط" بكل جدارة.. فهم بالفطرة يعدون من احسن المنقبين عن الآثار في العراق..
ألقطع ألتي رممتها ونظفتها أجاثا كريستي
فكانت اجاثا كريستي تتلقف اللقى المطمورة بين طيات التراب منذ آلاف السنين وتلفها بقطعة قماش مبللة لتمنع ملامستها للهواء الذي يعرضها للتهشم ثم تتركها لتتعود تتأقلم تدريجياً على الجو فوق سطح الارض بعدها تقوم بترميم هذه اللقى وتضع لها وصفاً دقيقاً ورسمها أو تصويرها في سجل خاص.. كما كانت تعمل على جمع الاجزاء المكسورة مع بعضها البعض لتعيدها الى شكلها الاصلي.. اما زوجها فكان يقرر نسبها وتاريخها ونمطها واسلوبها ومكان العثور عليها والطبقة التي استخرجت منها وكانت توليها أجاثا أهتماماً خاصاً وصل إلى درجة تنظيفها بمستحضرات العناية بالبشرة
وفي موقع "النمرود" الذي يقع بالقرب من مدينة الموصل استعملت اجاثا كريستي آلة التصوير السينمائية في تصوير لقطات عن الناس والبيئة في تلك الاماكن فوجد في البوماتها صوراً عن الراعي الكردي يقطع الطريق عابراً بمعزاته ورهبان فرنسيكان بملابسهم التقليدية وعبر النهر صورت راعي عربي بغترته وعقاله وفلاحاً يحرث الارض واخر يبذر البذور ودولاب الهواء وبائع الحلاوة وشاب ببدلة اوروبية عصرية بربطة عنق
وفي "الاربجية" وهي اليوم من إحياء مدينة الموصل (حي القادسية الثاني ) سكنت "اجاثا كريستي" في بيت بسيط وواصلت عملها الدؤوب وكتابة قصصها البوليسية وتسجيل الوقائع بآلة تصويرها السينمائية الا انها كانت تنتقل بشكل دائم بين المواقع الآثارية لتعود الى بغداد بين حين واخر طلباً للراحة.. فتجلس في شرفة تطل على نهر دجلة في الصباح تتناول فطوراً انكليزياً أوقيمراً عراقياً مع خبز تنور لذيذ
جبرا ابراهيم جبرا
لو اردنا ان نقتفي اثار كاتبتنا التي سكنت العراق اواخر الاربعينات من القرن المنفرط وذهبنا الى حي الوزيرية ونشدنا البيت الذي قطنته مع زوجها (مالوان) وفيه استقبلت (جبرا ابراهيم جبرا) وقدمت له الشاي الحار والكعك اللذيذ دون أن يعلم هوية مضيفته الى ان اكد له (ديزموند ستيوارت) الكاتب الانكليزي الذي يقطن في بغداد هو الاخر تلك الايام هذه الحقيقة حقيقة المرأة التي جالسها واحتسى شايها اللذيذ وهي تحيك لزوجها بلوزة هي كاتبة الروايات البوليسية الشهيرة بلحمها ودمها
وقد سألت أجاثا جبرا عن عدد الروايات التي كتبها فخجل أن يقول أن ألعدد لايتجاوز ألروايتين أمام عمالقة ألروايات ألبوليسية فسكت على مضض
وكانت زيارتها الأخيرة له سنة ١٩٦٠ ،حين حضرت مؤتمرا اثاريا عقد فيه. وقد استمرت حياتهما الزوجية خمسا وأربعون سنة حتى وفاتها سنة ١٩٧٥
رحم ألله ألجميع بما فيهم أثارنا
3304 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع