هيفاء زنكنة
بين التمييز الطائفي والتمييز العنصري ـ العراق نموذجا
قدم «مركز جنيف للعدالة»، في الاسبوع الماضي، تقريرا الى لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري ،في دورتها الحالية، المنعقدة من 26 تشرين الثاني/نوفمبر الى 14 كانون الأول/ ديسمبر. وقد ناقشت هذه اللجنة مذكرة الحكومة العراقية حول الحقوق الملزمة لكل الدول الاعضاء الموقعة على اتفاقية القضاء على التمييز العنصري.
تقرير مركز جنيف مهم ويستحق الدراسة لأنه يقدم منظورا جديدا لانتهاكات حقوق الانسان. فهو يستند في جوهره على المعلومات والوثائق والشهادات المتراكمة لديه اما كمصدر رئيسي أو غير رئيسي من تقارير المنظمات العراقية أو الدولية الحقوقية عن حال حقوق الانسان المنتهكة، بشكل يومي بالعراق، منذ الاحتلال. ويكاد يكون هناك شبه اجماع حول عجز الحكومة العراقية عن حماية حقوق المواطن لكونها حكومة فاسدة مبنية على المحاصصة الطائفية والعرقية، حتى بات ساسة الحكومة، أنفسهم، يستخدمون ذات اللغة في تصريحاتهم لا لتحسين اوضاع المواطنين بل لاستهداف بعضهم البعض.
يعزو المركز، سبب فشل الحكومة في التعامل مع المواطنين، وكونها سببا بالحاق الأذى بالمواطن بدلا من حمايته، وبالتالي تدهور عموم الوضع السياسي والاقتصادي، الى سياسة التمييز العنصري التي تمارسها الحكومة وتنعكس على الحياة اليومية بكل جوانبها. لتثبيت وجهة نظره هذه يلجأ المركز الى محاججة قانونية تستند الى دلائل مستخلصة من تقارير الأمم المتحدة نفسها بالاضافة الى الشهادات والافلام التي حصل عليها من خلال تعاونه مع العديد من منظمات المجتمع المدني داخل العراق وخارجه، ليعيد الى الاذهان استخدام التعبير ذاته لوصف الحال في جنوب أفريقيا، سابقا، وحكومة الاستيطان الصهيوني، حاليا.
يبدأ التقرير بمناقشة المقصود بتعبير التمييز العنصري ثم يحاول اثبات ممارسته، بالعراق، استنادا الى سياق القانون العراقي والدستور. اذ ينص تعريف اتفاقية القضاء على التمييز العنصري على ان «التمييز العنصري» هو «أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة».
يجب إجراء تحقيق دولي شامل ومستقل فيما يتعلق بجميع حالات إساءة المعاملة والتمييز وجميع انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى في العراق، والا تقتصر على جرائم «الدولة الإسلامية»، حسب قرار مجلس الأمن، اذا ما أريد وضع حد لمعاناة الشعب العراقي وتحقيق العدالة بشكل حقيقي
يستوقفنا هنا عدم ذكر التمييز القائم على أساس المعتقدات الدينية والذي يستند اليه المركز في محاججته بأن العرب السنة وعدد من الأقليات معرضين للتمييز العنصري. لمحاججة هذا الاستثناء، يذكر المركز بأنه «في السياق العراقي يثير مفهوم التمييز العنصري في كثير من الأحيان التمييز على اساس المعتقدات الدينية. وبالنسبة للعديد من المجموعات العرقية، فان الدين يشكل جزءًا لا يتجزأ من هويته العرقية، وبالتالي فإن التمييز ضدّ مجموعة ما، والذي قد يستند إلى موقفٍ ديني، قد يصبح بالفعل تمييزاً على أساس العرق». مستندين الى سابقة مهمة وهي استخدام اللجنة الأممية (لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري) لمصطلح «الأثنية ـ الدينية»، في تقريرها السابق عن العراق، عام 2014، لوصف الحالات.
لا يغفل التقرير مسؤولية الاحتلال الانكلو أمريكي في مأسسة التمييز الطائفي والعرقي أثر الغزو عام 2003، خاصة حين لجأ الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر الى تقوية مركزه عبر اعلانه « التشاور مع المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني حول أي مسألة تتعلق بالعمل والسياسات الحكومية، من تكوين الحكومة إلى محتويات الدستور الجديد» متوصلا الى ان «التماس الرأي العام من رئيس جماعة دينية واحدة في اتخاذ قرارات السياسة العامة يتعارض مع المُثل الديمقراطية المتمثلة في المساواة في الحقوق والتمثيل العادل لجميع الآراء في صنع القرار الحكومي». مع ملاحظة أن مسؤولي الأمم المتحدة، خاصة، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يواصلون هذا المنحى على الرغم من تناقضها مع دور الأمم المتحدة كجهةٍ محايدة وعلى الرغم من معارضة « العديد من السياسيين العراقيين، بمن فيهم أعضاء (من الشيعة) في البرلمان. إنهم يعتقدون أن إعطاء قائد ديني، هو نفسه لم يدّعِ أبداً أي خبرة في قضايا الحكم، مثل هذه السلطة الرسميّة سيكون عائقاً امام التطور السليم للنظامٍ الدستوري وسيادة القانون».
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي (2005) يحظر التمييز العرقي، إلاّ أن نظام التمثيل الطائفي أصبح هو الاساس في توزيع المناصب في الدولة من رئيس الدولة الى الوزارات الى أبسط الوظائف بل والى تقديم الخدمات على اساس تمييزي ايضا. حيث حلّت المحاصصة الطائفية محلّ الكفاءة، ومع مواصلة تشريع القوانين لصالح الشيعة والأكراد (باعتبارهما ابناء المظلومية)، ومع بروز ظاهرة الانتساب الى « أهل البيت» ومعاملة المنتمين اليه بمحسوبية متطرفة، بات بقية المواطنين مهمشين في بلدهم ويتعرضون للتمييز. ويستخدم المركز لتعزيز وجهة نظره حول المقصود من تعبير التمييز العنصري «لذلك، فأن ما قد يبدو في البداية أنه تمييز على أساس الدين، وهو ما لا تشمله الاتفاقية، هو في الواقع تمييز على أساس النسب او الانحدار، والذي تغطّيه الاتفاقية». ويفصل التقرير التزامات الدول بموجب الاتفاقية مثبتا اخلال العراق بها، خاصة من خلال فشل الحكومة في القضاء على التمييز بكافة أشكاله، ووجوب عدم الانخراط أو رعاية أو حماية «أي عمل أو ممارسة للتمييز العنصري» بل حماية المواطنين وتوفير المساواة أمام القانون».
يقدم التقرير أدلة موثقة عن انتهاكات الحكومة اما بشكل مباشر او غير مباشر بواسطة الميليشيات المسلحة المسكوت عن جرائمها، ومن بينها اعتقال واحتجاز الأفراد على أساسٍ طائفي خالص وأن غالبية المُعتَقلين، من العرب السنة، يُحتَجزون في سجونٍ سرّية حتى لا تعرف أسرهم مكان احتجاز المُعتقل، ليثبت ان الحكومة لا تمتثل للمادة 2 من الاتفاقية التي تنص على استخدام «كل الوسائل المتاحة لها» لإنهاء التمييز العنصري. يخلص التقرير الى ان الحكومة والميليشيات المدعومة يستهدفون، كسياسة عامة « العرب السنة باختطافهم، وتهديد وقتل قادتهم الفكريين والدينيين والاجتماعيين، وإهانة رموزهم، وتدمير أو حرق أماكن عبادتهم (المساجد)».
يقدم المركز عدة توصيات مهمة موجهة الى الحكومة لوضع حد للتمييز العنصري وحالة امتهان الكرامة التي يعيشها المواطن، من بينها: الغاء الميليشيات، اصدار قانون لمنع خطاب الكراهية من قبل المسؤولين، والغاء محاصصة المراكز القيادية. أما بالنسبة الى الأمم المتحدة، فيجب إجراء تحقيق دولي شامل ومستقل فيما يتعلق بجميع حالات إساءة المعاملة والتمييز وجميع انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى في العراق، والا تقتصر على جرائم «الدولة الإسلامية»، حسب قرار مجلس الأمن، اذا ما أريد وضع حد لمعاناة الشعب العراقي وتحقيق العدالة بشكل حقيقي.
583 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع