علاء الدين الأعرجي
قصيدة جيش العراق
ننشر أدناه الرسالة التي وجهها الباحث العراقي علاء الدين صادق الأعرجي، إلى السفير العراقي لدى الأمم المتحدة:
يشرفني أن أهدي هذه القصيدة إلى سعادة السفير الدكتور محمد حسين بحر العلوم ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة.
ويطيب لي أن أقدم له أخلص التمنيات بمناسبة العام الجديد.
كما يسعدني أن أهديها إلى العراق حكومة وشعباً.
علاء الدين صادق الأعرجي
لمناسبة تحقيق الجيش العراقي انتصاراته المشهودة في تحرير الموصل، بل القضاء على مركز الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ يسرني أن أهدي إليكم هذه القصيدة التاريخية للمرحوم الوالد تحت عنوان "جيش العراق"، مع مقدمة وخاتمة.
* * *
ذكريات بعيدة وعزيزة بمناسبة
قصيدة جيش العراق
للشاعر العروبي الأستاذ السيد صادق الأعرجي.
نُشرتْ في جريدة العراق البغدادية في 11/1/ 1946، بالمقدمة التالية:
أذاع الشاعر المبدع الأستاذ السيد صادق الأعرجي قصيدته العامرة هذه من دار الإذاعة اللاسلكية للحكومة العراقية، يحيي بها الجيش العراقي بعيده الفضي وذلك صباح يوم 6 من الشهر الحالي وكان لها أصداءٌ واسعة واستحسان كبير في الأوساط الأدبية والثقافية.
جيش العراق
الحُكْمُ للسَيْفِ إنْ لم يَحْكُم القلَمُ
والفصل بالكَلْمِ إنْ لم يَفصِلِ الكَلِمُ
فَحَكِّمِ السَيْفَ لا تَرْضَى به بَدلاً
إنْ جارَ في حُكْمِه أو أنصفَ الحَكَمُ
والمرءُ إنْ رامَ أن يُمْضِيْ صَرَامَتَهُ
فليس يُجديهِ إلّا الصارمُ الخذم
الجيش للشعبِ، إن رامَ البقاء، يدٌ
فتاكـــةٌ ولِسَانٌ ناطـــــقٌ وفمُ
كم عُظِّمتْ بمواضي جيشها دولٌ
ونُعِّمَتْ بأيـــــادي جَيْشها أُممُ
فَدُمْ لِشَعْبكَ يا جيشَ العراقِ حِمَىً
وَدُمْ له خافقاً بالنصرِ يا عَلمُ
فالشعبُ يَفْدِيكَ بالأرواحِ مُبتهجاً
وَفيه تُفدى لك الأموالُ والنِعَم
يا عَمْرَكَ اللهُ ، كمْ يوم ٍ وقفتَ به
والشعبُ يرجوكَ والنيرانُ تَضْطَرِمُ
فكنتَ عِصْمَتـَهُ في يوم ِ مِحْنَــتِــه
لذا غدا كلَّ يوم ٍفيكَ يَعتصمُ
وأنت حامي حماه إن ألمَّ بِـــهِ
الخطبُ العظيمُ أو اشتدتْ به الأزَمُ
بطائراتِكَ كمْ فَــرَّجْت َكُربتَه
وكمْ بها كُشِفَتْ عن وجهه غُمَمُ
إنْ عَبَّسَتْ أوجهُ الأعداءِ يومَ وغىً
فجيْشُنا لزؤام ِ الموتِ يـَـبتسمُ
أنَّــى وفيه من الأبطالِ كلُ فتىً
عالي الجنابِ عِراقيٌّ به شَمَمُ
بالعزم ِمعتَقِلٌ بالحزم ِ مُشْتَملٌ
بالمجدِ مُتَزرٌ بالنُبلِ مُلتزمُ
في صدره من أغاريدِ الردى طَرَبٌ
في صوته من أناشيدِ الوغى نَغَمُ
سَمَيْدَعٌ ذو سجايا كلُّها شرفٌ
يوم اللقا ومزايا كلُـــها شِيمُ
وقائدٌ في الوغى يبـني معالِمَها
كأنَّه حين شبتْ نارُها عـَلَمُ
فعزِّزوا يا شبابَ العُربِ جيشكمُ
فإنه لكمُ عِزٌّ ومُعْتـَصَم ُ
وجدِّدوا وأعِدُّوا للوغى عُدداً
من قوة العزم كي تخشَاكُمُ الأُممُ
وكوِّنوا وحدة ً للشعبِ جامعةً
فبالجماعةِ عِـقدُ المجدِ يَـنْـتـَظمُ
وشيِّدوا باتفاقٍ صَرحَ مَجدِكمُ
فبالشتاتِ بناءُ المجد يَنْهَدمُ
فأنتمُ كنزُ هذا الشعبِ مُدَّخَراً
ليوم ِحاجاتهِ إنْ تُنقضْ الذِممُ
جيشٌ عليه لواءُ النصرِ مُنعقدٌ
عِتادُه العِلمُ والإيمانُ والنُظمُ
يُنمى إلى الصِيْدِ من عليا بني مُضرٍ
قومٌ سَمَا فوق هام النجمِ مَجْدُهمُ
إنْ أزمعوا الأمرَ أو همُّوا بمكرُمةٍ
تُـزيل شُمَّ الرواسيْ مِنهمُ الهِمَمُ
ففي بواديهِمِ الأعلامُ خافقةٌ
وفي نواديهِمِ الأحْكامُ والحِكَمُ
صواعقاً في الوغى تُلقى سيوفُهمُ
وفي الندى للورى أيديهُمُ دِيَمُ
فما يُصَدُّ لهمْ جيشٌ إذا هجموا
ولا يُردُّ لهمْ حُكمٌ إذا حَكَمُوا
فاسلمْ لشعبِكَ يا جيشَ العراقِ حِماً
إذا سَلِمْتَ فكلُّ الناسِ قد سَلِموا
نبذة عن الشاعر الصحفي المناضل السيد صادق الأعرجي.
منذ مطالع القرن العشرين كافح الشاعر العروبي بعناد وبسالة، ضد الحكم العثماني، ولاسيما ضد سياسة "التتريك" التي اتبعتها الدولة العثمانية ضد العرب . وذلك من خلال افتتاحياته الملتهبة التي ينشرها في جريدته "الرصافة"، فيتلقفها مُريدوه وقراؤه بنهم شديد. فأغلقها الوالي المستبد جمال باشا الملقب بالسفاح. ولكن الأعرجي بقيّ ملتزماً بعهده تجاه الأمة العربية وقرائه، فلم يتوقف، بل ركِب أصعب مركب، إذ أصدر صحيفة أخرى باسم "الصاعقة"، لتكون صاعقة على الوالي والحكم العثماني. فأمر الوالي باعتقاله على ذمة التحقيق، لأجل غير مسمى. ومع ذلك لم يَرف للأعرجي جـَفنٌ ، بل ظلّ يكافح من داخل السجن. فيعمدُ بمساعدة أعوانه، إلى تهريب مقالاته النارية، ضد الوالي خصوصاً، والحكم العثماني الجائر عموما ً. فتنشر في اليوم التالي في الصحف المحلية البغدادية على نطاق واسع.
حاول الوالي قتله داخل السجن. فعمد إلى اختيار اثنين من الأكراد المحكومين بجرائم قتل، الذين لا يعرفون شيئاً عن الأعرجي كصحفي مناضل . أقنعهما بقتل الأعرجي مقابل وعد بتخفيف العقوبة تمهيداً لإطلاق سراحهما. و يكون ذلك بعد تدبير مُشادة مفتعلة تتطور إلى معركة بين السجناء، يَعمَدُ خلالها هؤلاء إلى قتل الأعرجي طعناً، أثناء الفوضى و الهرج والمرج فيضيع دمه. ولكنهما رفضا بإباء هذا العرض، بعد أن علِما أن الأعرجي "سيِّد" يعود نسبه إلى الأمير عبيد الله الأعرج أمير الكوفة وفقيهها الأعظم، وهو ابن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن سيد الشهداء الحسين بن علي ابن أبي طالب، من زوجته فاطمة الزهراء كريمة الرسول محمد (ص).
استدعاه الوالي، وكانت مقابلة مثيرة، تحدى خلالها الأعرجي، الذي كان مكبلاً بالأغلال، جمال باشا السفاح بشجاعة نادرة، قائلا له "أنت تستطيع قتلي بكل سهولة كجسد، ولكنك لن تستطيع قتل روحي التي حلت في أجساد مئات الآلاف من العراقيين الذين سيثورون ضدكم"، قال ذلك بشهادة بعض المقربين من الوالي، ممن حضر تلك المقابلة التاريخية، التي تحتاج إلى مقالة خاصة. بعد ذلك حُكم على والدي بالإعدام. ولكنه استطاع أن يهرب من السجن، بتدبير مُحكم بواسطة عُصبة من أعوانه الفدائيين الكُثر.
علاء الدين صادق الأعرجي
نيويورك، في 6/1/2019
1290 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع