أ.د. ضياء نافع
ابو بكر يوسف ...وداعا
رحل في موسكو المترجم المصري الكبير الدكتور ابو بكر يوسف في الثالث من شهر آذار/ مارت من هذا العام2019 عن عمر 79 سنة , واكتب أنا كلمات الوداع هذه من دولة الجبل الاسود ( مونتينيغرو) , التي وصلتها قبل ايام.
اللقاء الاول معه حدث بيننا عام 1960 في كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) بجامعة موسكو, حيث كان ابو بكر في الصف الثاني وانا في الصف الاول (اي قبل 59 سنة) ( انظر مقالتنا بعنوان – ابو بكر يوسف والادب الروسي ) , واللقاء الاخير كان في سفارة العراق بموسكو عام 2014 ( اي قبل 5 سنوات) , عندما أقامت السفارة لي حفل تكريم لمناسبة منحي عضوية الشرف في اتحاد ادباء روسيا , اذ قلت للسفير عندها , انه من الواجب ان يشاركنا في هذا الحفل اول عربي حصل على عضوية الشرف في هذا الاتحاد العتيد , وهو المترجم الكبير وشيخ المترجمين المصريين عن اللغة الروسية الدكتور ابو بكر يوسف . اتصلت هاتفيا به ودعوته لذلك الحفل , فوافق بكل سرور , وعندما وصل الى السفارة العراقية اتصل بي وقال , كيف سيدخل الى السفارة وماذا سيقول لهم عند المدخل , فقلت له ساخرج من السفارة الان واقف عند بابها كي استقبلك بالاحضان, وهذا ما حدث فعلا , وقلت بيني وبين نفسي , ان ابو بكريوسف كان ولا يزال شيخ المترجمين عن الروسية وشيخ المتواضعين البسطاء الكبار, وهو طبعا تواضع العلماء , اذ ان السنابل المليئة ينحنين تواضعا والفارغات رؤوسهن شوامخ كما يقول الشاعر العربي , والذي ذهب بيت شعره هذا مثلا ....
و في كلمتي , التي ألقيتها شفهيّا جوابا على كلمة السفير في بداية الحفل ترحيبا بي ( والتي تحدّث فيها حولي باعتباري اول عراقي يحصل على عضوية الشرف في اتحاد ادباء روسيا) , أشرت , الى ان الضيف الحاضر بيننا الدكتور ابو بكر يوسف هو اول عربي حصل على عضوية الشرف هذه في تاريخ العلاقات العربية – الروسية الثقافية وذلك عام 2000 , وقدمت له شكري الجزيل وامتناني الخالص لانه وافق على الحضور الى هذا الحفل , وقد أخبرني ابو بكر لاحقا في دردشتنا بعد الحفل, انه اراد ان يتكلم في ذلك الحفل بعد كلمتي ولكنه لم يستطع لكثرة الذين تحدثوا آنذاك , ولانه لا يقدر ان يتزاحم مع الآخرين في مثل هذه المواقف , وقد ضحكت انا وقلت له , انني اتفهم هذا الشئ بدقّة , وقال لي , انه يتابع مقالاتي حول الادب الروسي , وشكرني لاني كتبت عنه عدة مقالات , و توقف بالذات عند مقالة بعنوان – ابو بكر يوسف يكتب عن غائب طعمه فرمان , وكرر شكره على مقدمتي لما كتبه عن غائب , فقلت له , انه رسم في مقالته تلك ( وكانت بعنوان – قاهر الغربة ) صورة قلمية في غاية الجمال والدقة والموضوعية لغائب لم يستطع اي عراقي ان يرسمها له , وانني ( حفظت عن ظهر قلب !) جملة جاءت في تلك المقالة وهي ان غائب يتصف ب ( حلاوة تمر العراق وحزن نخيله) , وانني أشرت الى هذه الجملة الجميلة والفريدة والمدهشة في مقدمتي تلك , فضحك ابو بكر وقال , ان غائب انسان رائع وانه معجب جدا به انسانا ومبدعا , وانه يستحق أكثر من ذلك .
وداعا ايها المترجم الكبير الدكتور ابو بكر يوسف , وداعا يا من أقمت وبمفردك( كما أشار اوليغ بافيكين في تعزيته باسم اتحاد ادباء روسيا ) جسرا قويا بين الثقافة الروسية والعالم العربي باكمله , وقد أسماه بافيكين – المصري العظيم والانسان الرائع
4870 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع