فارس الجواري
باحث واستشاري طيران
رهن عائدات الطيران بيد الشركات الاجنبية !
من المفروض ان يكون قطاع خدمات الطيران العراقي بمكوناته (النقل الجوي , الملاحة الجوية , المطارات) المرتبطة بوزارة النقل الحكومية هي من القطاعات الداعمة للميزانية العامة للدولة من خلال أسهامها الفعال بجزء ليس يسير من الموارد المالية للميزانية ولضخامة الارقام البنكنوتية لعائداتها جعلتها وبسبب إشكالية إستخدام الأساليب العلمية في تطبيق فاعلية أجهزة المساءلة والرقابة في القطاع ان تكون عرضة للفساد وسوء الإستغلال مما أثر سلباَ في دعم هذا القطاع للاقتصاد الوطني.
مشهد الانتكاسات التي طالت احد اهم هذه القطاعات ( النقل الجوي ) المتمثلة بالناقل الوطني الوحيد في العراق شركة الخطوط الجوية العراقية من خلال الفساد المستشري في اغلب عقوده الخارجية مازال ينخر في مفاصل هذه الشركة مما انهكها وجعلها قاب قوسين او أدنى من انهيارها , فسوء الأدارة وتفشي ظاهرة الفساد نتيجة التدخلات المدبرة لجهات فساد تحاول بكل ماأوتيت من قوة ومال وسلطة من تمريرعقود هذه الصفقات المشبوهة مع الشركات الاجنبية ومن هذه الشركات (شركة اطلس جت التركية) التي ابرمت عقد لنقل المسافرين العراقيين بواسطة طائرات شركة الخطوط الجوية العراقية الى اوربا لقاء مبالغ وعمولات كبيرة من الدولارات كلفت ميزانية الشركة خسارة تجاوزت ال 40 مليون دولار 50% من هذا المبلغ هي عمولات الجهة الفاسدة التي ساهمت بتوقيع العقد , ليس هذا فحسب بل قامت نفس الجهات الفاسدة بالاتفاق مع الشركة التركية ذاتها في أنشاء مركز صيانة للطائرات اثيرت حولها علامات استفهام كثيرة على صيغة التعاقد مع الشركة التركية والتي سيطرت من خلالها على مفاصل الشركة فنيا مقابل رقم مخيف من الدولارات يقال انها تجاوزت حاجز ال 55 مليون دولار سنويا ولخمس سنوات ( وهو ماتناقلته مواقع الالكترونية مقربة من الخطوط), ويستمر مسلسل تمرير العقود المشبوهة لتصل الى موضوع التدريب المتقدم للطيارين العاملين على طائرات الشركة وتحديدا طياري (طائرة البوينغ ) حيث يتم تدريبهم بشكل دوري كل ستة اشهر من قبل مدربين عراقيين معتمدين من سلطة الطيران المدني العراقي في منشأت تدريب غيرعراقية بعقود تكلف ميزانية الشركة ارقام كبيرة اخرى من الدولارات التي هي في امس الحاجة لها وخصوصا أذا علمنا ان مكان هذه المؤسسة التدريبية جاهز في مطار بغداد الدولي واسعار هذه الاجهزة هي ضمن امكانية الشركة المالية , واليوم تتداول وسائل الاعلام فتح باب جديد لهدر مقدرات الشركة المالية من خلال احياء اتفاق سابق لشركة بريطانية تدعى ( مينزيز للخدمات الارضية في المطارات) يقضي الاتفاق بتأسيس شركة مختلطة بينها وبين الخطوط لتشغيل مكائن ومعدات المناولة الارضية للخطوط مقابل 70% للشركة البريطانية و 30% للخطوط صاحبة الارض والمعدة ! اي انها الشركة البريطانية تاتي بالمدراء في الشركة فقط ليقدموا الخدمات الارضية بمعدات وكوادرالخطوط وحتى موضوع تجهيز وقود الطائرات التي تستحصلها من وزارة النفط وتخزنها بخزانات عراقية وباسعار زهيدة لتبيعها لشركات النقل بالارباح طبعا والخطوط العراقية (الشريكة) مقابل 70% لها و 30% للخطوط (وطبعا ستذهب كمصاريف تزويد طائرات الشركة بالوقود) .
ولو توسعنا اكثر في طرح هذه المشاكل وعرجنا على عقد الخدمة السنوي مع شركة «سيركو» البريطانية لإدارة حركة الطائرات العابرة فوق الاجواء العراقية لقاء مبالغ مالية تصل قيمتها الى 20% من واردات المستحصلة من عبور الطائرات فوق سماء العراق والبالغة قيمتها الكلية بحدود 65 مليون دولار سنويا ( اي 13 مليون دولار ) مما يؤشر على باب استنزاف من نوع اخر للساموال المستحصلة من القطاع الخدمي للطيران ( الشركة العراقية للملاحة الجوية) .
كل هذه المشاكل للجهات الخدمية في قطاع الطيران والتي مرجعيتها وزارة النقل العراقي هي مصطنعة من قبل طبقة فاسدة تعمل لحساب مصالحها الشخصية بأوجه متعددة ظاهرها خدمي وحقيقة الامر هو أملاء جيوبهم بملايين الدولارات من الميزانية العامة للدولة , هذا الخلل الاداري المتعمد بدا واضحا من خلال الأجراءت الترقيعية ( والاصح تهديمية !) لتاريخ الشركة من خلال ابرام عقود مع الشركات الاجنبية التي تم ذكرها كون ان المفاوض العراقي فيها ليس له الامكانيات التخصصية لابرام هكذا عقود والتي يجب ان يكون خبيرا وملم بالمتطلبات الفعلية للشركة ليستطيع صياغة عقد يخدم مصلحة هذه شركته لا مصلحة الشركة الاجنبية ومن يمثلها وحتى لو لم يكن متخصص يستطيع ان يطلع على صيغة عقود هذه الشركات الاجنبية في المجال المطلوب واستنباط مايلائم متطلبات الشركة المحلية , علما أن استقدام الشركات الاجنبية الرصينة في هذا المجال هو من ضروريات تطوير عمل أقسام هذه الشركات من خلال المساهمة في الاستشارات الفنية المتخصصة التي من شانها رفع مستوى عملها بالاضافة الى تدريب وتأهيل الكوادر العراقية ووفق شروط قيمة مالية للعقد تكون منصفة للطرفين من حيث نسب توزيع الصرفيات والايرادات للحفاظ على هذه الاموال من الهدر وهو ما تفتقره كل اعقود التي تم ذكرها في المقالة , بل هي في حقيقة الامر ابواب مشرعنة للهدر والفساد المالي التي يتم السكوت عنها رغم علمها من كل مسؤول ومستشار في هذا القطاع بل وحتى الجهات الاعلامية المهتمة بملفات الفساد لهذا القطاع والذي أدى الى هدر مبرمج وصريح لأموال خزينة الدولة وبملايين الدولارات .
لقد اصبحت هذه الظاهرة أمرأ واقعا ولم يجدي نفعا تعاقب المدراء العامون والوزراء والمسؤولون على هذا القطاع من أنهاء هذه الكوارث بسب قوة العقود المبرمة قانونيا , وخصوصا اذا علمنا ان التحكيم فيها دولي ومن خلال محاكم عالمية والتي ممكن ان تتسبب في فرض غرامات مالية اضعاف قيمة العقود .
للحد من هذه الظاهرة السلبية اقترحت في كل كتاباتي تطبيق أعتماد مبدأ الشفافية في إدارة شؤون هذا القطاع في إطار يؤمن تحقيق حق الوصول إلى المعلومات المتعلقة بإدارة قطاع خدمات الطيران بالإطلاع والمراقبة للابتعاد عن نهج الفساد والهدر المالي الحالي ولايتم الا عبر " الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" الجديدة ووفق قوانين تطبق بحرفية ضد المفسدين لمعالجة حالات سوء استخدام السلطة والفساد الإداري.
588 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع