المشكلة العراقية: الأقاليم هي الحل

                                                

                        د. عدنان محمد سلمان الدليمي
                           رئيس مؤتمر أهل العراق

الدستور العراقي ينص على أن العراق دولة إتحادية برلمانية، واستناداً لهذا النص تشكل إقليم كردستان الذي يشمل ثلاث محافظات متكاملة جغرافياً وسكانياً وعرقياً، وهي محافظة السليمانية وأربيل ودهوك الواقعة في المنطقة الشمالية من العراق، والتي تمتد حدودها إلى الجارة الشرقية إيران والجارة الشمالية تركياً ويحد جزء منها سورية من الغرب، وتلاصق أربع محافظات غالبية سكانها سنّة، وهي نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، والكرد كلهم سنة ويتمذهبون بالمذهب الشافعي، والكرد يهموّن بضم بعض المناطق إليهم، من المحافظات السنية، وقد أطلق عليها في الدستور العراقي مناطق متنازع عليها، والتي تتضمن المادة (140) من الدستور طرق حلها دستورياً، وما زالت هذه المادة محل نزاع بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، ويمكن حل هذه المشاكل بالتفاهم بين الأطراف المعنية.
والعرب السنة ينظرون إلى تجربة إقليم كردستان، وازدهارها بسبب حكمهم الحر لهذا الإقليم ونجاحهم في إدارته وتقدمه في كل المجالات السياسية والعمرانية والاقتصادية والأمنية على أنها النموذج الفريد للحكم الذاتي ويتطلعون إلى الاحتذاء بهذه التجربة الرائدة، ومما أكسب هذه التجربة رضا واعجاب أبناء السنة أنها أصبحت ملاذاً ومأوى لقطاعات كبيرة من أبناء السنة العرب المتلهفين للعيش بأمان واستقرار ورفاهية فاستقطب إقليم كردستان أعداداً كبيرة من الأطباء والأكاديميين والتجار ورجال الأعمال والمشمولين بالاجتثاث والاقصاء من الضباط وكبار الموظفين العاملين بأجهزة الدولة السابقة. فهذه العوامل الإيجابية إضافة لمواد الدستور التي تتبنى إقامة إدارة البلاد على اللامركزية وذلك بجواز إعطاء الحكم الفدرالي للمحافظات، وفق شروط نصّت عليها المادة (119) من الدستور العراقي الذي بموجبه تأسست الجمهورية العراقية التي أعقبت الاحتلال الأمريكي، فهذه العوامل مجتمعة دفعت نخبة فاعلة في المناطق السنية بالمطالبة بإقامة أقاليم خاصة بهم، فتحركت محافظة ديالى ذات الأغلبية السنية فطالب مجلس محافظتها بهذا الحق الدستوري، فتصدت لهذا المطلب الدستوري الميليشيات الشيعية المؤيدة من قبل الحكومة المركزية فحاصرت مقر المحافظ السنيّ ومجلس المحافظة مما أضطر المحافظ أن يخرج من مركز المحافظة بمدينة بعقوبة ويلوذ بالمنطقة المسيطِر عليها الكرد، ومن ثم يستقيل وجرت اعتقالات نالت قسماً من مجلس المحافظة ونشطاء السنّة ووقعت أعمال إرهابية ضد أبناء السنة المتنفذين في ديالى من علماء ورؤساء عشائر وأعضاء في مجلس المحافظة الذي هو بمثابة برلمان المحافظة لأنه منتخب من قبل شعب المحافظة ثم تحركت القوى السياسية الفاعلة في محافظة صلاح الدين فطالبت بإقامة إقليم في المحافظة وهو حق دستوري، وجرت خطوات ناجحة في ذلك ولكن الحكومة المركزية وأدتها ومازال قادة المحافظة من سياسيين وعشائر ونواب يواصلون مساعيهم الحثيثة لإقامة هذا الإقليم، وقاموا بخطوات دستورية فاعلة وإلى الآن لم يتحقق هذا الأمل الذي يراود جمهور أبناء المحافظة، وأنا لا أزعم أنه ليس هناك من يرفض الدعوة لإقامة الأقاليم (الفدرالية) في المناطق السنية، وأصحاب هذا الميل يخلطون بين قضية إقامة الأقاليم والتقسيم، فأبناء السنة حريصون على وحدة العراق شعباً وأرضاً ودولةً. وهذه الشبهة (شبهة التقسيم) دفعت علماء محترمين لإصدار فتاوى تحرم الدعوة للأقاليم، فقوبلت هذه الفتاوى بردة فعل من علماء آخرين استهجنوا هذه الفتاوى غير المدروسة والتي لا تستند على حقائق الشرع والمصلحة العامة لجمهور أبناء السنة، فالنظر إلى مصالح الأمة هو المقصد الأساسي للشريعة الإسلامية، فإقامة الأقاليم تضمن تحقيق تمسك الأمة بهويتها الإسلامية السنية.
والأقاليم ليست بدعة من البدع، فالدولة الإسلامية منذ تأسيسها كانت قائمة على فكرة الأقاليم، فالإمارات والولايات الإسلامية هي ما يعبر عنه الآن بالأقاليم، ولكل إمارة أو ولاية حدود وعامل يقوم بإدارتها ويرتبط بالمركز سواء أكان المدينة المنورة أو دمشق أو بغداد والآن كثير من الدول الحكم فيها فيدرالياً كأمريكا وأوربا وآسيا، وخاصة الدول التي فيها مشاكل عرقية أو دينية أو مذهبية، ويبدو لي أن الذين يعارضون إقامة الفدرالية في العراق لم يقرؤوا الدستور العراقي أو لم يفهموا مضمونه إذ أن الدستور العراقي يحتوي على نصوص صريحة تقر الأقاليم الفيدرالية وأرى أن حل المشكلة العراقية لا يمكن حلها إلا بالتوافق على اقامة الاقاليم والحراك القائم في المحافظات السنية سينتهي عاجلاً أو آجلاً إلى قرار بمنح المحافظات السنية تشكيل الأقاليم لأن الحكومة المركزية لن توافق على مطالب هذه المحافظات وأنها سوف تسوّف وتراوغ وتسعى بكل ما تستطيع من وسائل لإفشال هذه الاعتصامات، وأبناء السنة المظلومين لن ينهوا اعتصاماتهم إلا إذا تحققت مطالبهم، فالوضع العراقي شائك والفجوة كبيرة بين الحكومة والمعتصمين وحل المشكلة سيكون بطريقة من ثلاثة طرق:
أولاً:  التقسيم، وهذا ما ذكره رئيس الوزراء قبل أيام، وأبناء السنة من أحرص العراقيين على وحدة العراق.
ثانياً: المجابهة المسلحة أو ما يسمى بالحرب الطائفية وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء في خطابٍ سابق، وهذه كارثة مدمرة ليس فيها رابح، فالكل سيخسر.
ثالثاً: الإقرار بتشكيل الأقاليم:
 الإقرار بتشكيل الأقاليم ومنح المحافظات السنية هذا الحق الدستوري، وهذا هو الحل الذي يضمن حقوق المحافظات السنية، ويضمن وحدة العراق ويحافظ على هذه الوحدة، ويبقي السنة ضمن العراق الموحد، وذلك لوجود أربعة ضمانات هي:
·الدستور الذي يخضع له جميع العراقيين على مختلف أعراقهم ومذهبهم ودياناتهم.
·والجيش الموحد بشرط أن يطبق التجنيد الإلزامي الذي كان سائداً منذ تأسيس الدولة العراقية.
·الميزانية الموحدة الموزعة على المحافظات بحسب النسب السكانية، كما كان معمولاً به منذ تأسيس الدولة العراقية.
·تمثيل العراق في الدول الأخرى، وقد أباح الدستور للأقاليم بأن يكون لها ممثلون في كل السفارات.
وأعتقد جازماً أن المعتصمين في نهاية الأمر سيدعون إلى إقامة أقاليم لمحافظاتهم، وستضطر الحكومة الحالية أو القادمة التي ستشكل سنة 2014م إلى الاستجابة لهذا المطالب الدستوري، وعند ذلك سيستقر العراق ويبدأ مرحلة جديدة يسودها الأمن والتقدم والإخاء والمساواة والعدل والمحافظة على هوية جميع مكونات الشعب العراقي.
وبعد هذه التوطئة المطولة أحب أن أعالج أمرين:
·الأول : فوائد اقامة اقليم إهل السنة، وإن شئت سمـه (اقليم وسط العراق).
·والثاني :إزالة الشبهات العالقة في أذهان جمهور من أبناء السنة الذين يعارضون إقامة هذا الاقليم السني أو اقليم وسط العراق، ونحن دعاة الاقاليم أخشى ما نخشاه إذا بقي الحكم المركزي ذو النهج الطائفي المشدود بقوة الى تحويل الهوية العراقية من هوية سنية الى هوية شيعية بموجب الاكذوبة التي روّج لها الامريكان وإيران ودعاة الطائفية أن السنة أقلية وإن إسناد الحكم للشيعة أمر تفرضه الديمقراطية المزيفة التي أراد الامريكان أن يفرضوها على العراق، فاقامة الاقليم السني ستعمل على المحافظة على الهوية السنية لمحافظاتنا، بما يقرره الدستور من صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية لهذا الاقليم ويأتي في مقدمتها الحفاظ على المناهج الدراسية في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في الدراسات الاولية والعليا، والمحافظة على الهوية الاسلامية العربية السنية من أهم مقاصد هذا الاقليم، ونحن نلاحظ الآن هجمة طائفية شرسة على تاريخ أمتنا الاسلامية ،والطعن برموزنا التاريخية إبتداءً بأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعائشة أم المؤمنين ومعاوية وبني أمية وسائر الصحابة وعظماء الأمة، فجميع هذه الرموز التاريخية عرضة للطعن والسب والازدراء، فتشويه التاريخ الاسلامي مقصد مهم عند المرجعيات والاحزاب الشيعية، بل حتى عند عامة الشيعة المنقادين لمرجعياتهم وأحزابهم، وهناك هجمة واسعة يقودها وزير التعليم العالي الشيعي الحالي تهدف إلى تغيير المناهج الدراسية بالاستعانة بالجارة إيران لطبع آلاف الكتب التي تتبنى نظرة التطرف الشيعي، واحلالها محل الكتب الدراسية المعمول بها منذ تأسيس الدولة العراقية في المدارس والجامعات في بغداد وسائر المحافظات، وإن تم ذلك وهو سيتم حتما ًسيحدث تغييرا ًآيدلوجيا ًفي ذهن الطلبة عامة من الابتدائية والثانوية والجامعية ، وهذه كارثة يجب التصدي لها، وإن إقامة الاقليم السني هو جزء مهم من هذا التصدي، فالحفاظ على الهوية السنية في جميع مراحل التعليم أمر ضروري وواجب ينبغي على قيادات أهل السنة الدينية والسياسية والعشائرية أن تتصدى له .
ولابد من الوقوف في وجه دعاة الطائفية المرتبطين بأجندات خارجية مناهضة لتاريخ الامة وتراثها الممتد الى مئات السنين
وهناك من أبناء السنة من يتخوف من قطع الحصص المالية المخصصة للاقليم من قبل المركز ،لأن الميزانية العامة محصورة بيده بموجب الدستور، والعراق بلد ريعي موارده المالية في أغلبها محصورة بالموارد النفطية ، والمركز إن فعل هذا سيخالف الدستور الذي ينص على أن موارد النفط والغاز والمعادن المكتشفة هي ملك لجميع العراقيين، فالمركز إن ارتكب هذا الامر المخالف للدستور فعلى الاقليم أن يقف بوجهه، ويتبع كل الاساليب المشروعة لارغامه على دفع المستحقات المالية للاقليم، ويمكن الاستعانة بالامم المتحدة والجهات المعنية بحقوق الانسان والجامعة العربية وكل المنظمات الدولية لتحقيق العدل ولارغام الحكومة المركزية على الاستجابة لهذا المطلب الدستوري الذي يوجب على المركز دفع المستحقات المالية للاقليم، ولنا أسوة حسنة باقليم كردستان، فالمركز على الرغم منخلافه مع الاقليم،لم يستطع أن يقطع الموارد المالية المخصصة له في الميزانية العامة، وهناك وسائل ضغط مشروعة يمكن أن يقوم بها الاقليم، فالموارد المائية تأتي عبر المحافظات السنية، فدجلة والفرات يدخلان عبر هذه المحافظات، والسدود المائية كلها في المحافظات السنية، فسد الموصل وسد سامراء والثرثار وبحيرة الحبانية وسد الورار وسد حديثة كلها في المحافظات السنية ، فضلا ًعن أن مناجم الكبريت والفوسفلت والزجاج والغاز كلها في هذه المحافظات، والمنافذ الحدودية مع تركيا وسوريا والاردن والسعودية تمر من خلال أراضي هذه المحافظات السنية .
وتمتاز محافظة الانبار بوجود حقول نفطية غير مكتشفة والدراسات عنها محفوظة وجاهزة وهذه المحافظة غنية بالمعادن غير المكتشفة، وإذا تحقق الاقليم السني وإن شئت سمه باقليم وسط العراق سيكون ملاذاً ًلجميع العراقيين المُشردين والمُهمشين والمُبعدين في دول الجوار والدول الاخرى وفيهم خبرات عسكرية وأكاديمية وطبية ورجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال ضخمة سيرفدون الاقليم السني، إن تحقق بقوة بشرية متميزة وسيُحدثون نهضة عمرانية وعلمية، وهذا سيعم فضله على كافة أرجاء العراق ، وليس على الاقليم السني وحده.
وهناك تخوف يبديه كثير من العقلاء أن يحدث صراع بين المكونات العشائرية في الاقليم ولا سيما في محافظة الانبار وهذا التخوف لا مسوغ له إطلاقا ًفالعشائر الانبارية متآخية وترتبط بروابط التعايش الاخوي ولم يحدث بينها أي نزاع قبلي منذ تأسيس الحكم الوطني في أوائل القرن الماضي، قد يحدث تنازع سياسي يقوده بعض المنتفعين ، ولكن الوعي السياسي والثقافي سيوئد أي انزلاق نحو الصراع القبلي أوالحزبي، وصناديق الاقتراع هي الحكم الفصل من سيصل إلى إدارة الاقليم، إن تحقق، ولابد من نشر الثقافة والتوعية لهذا الاقليم بنشر المطويات والنشرات والبيانات التي توضح أهمية هذا المشروع المفصلي وتدعو له، والافادة من الفضائيات المعتبرة لنشر ثقافة عامة بين أبناء السنة المؤيدين والرافضين له على حد سواء ولابد من تشكيل مجموعة عمل لدراسة هذا المشروع والعمل له، والتشاور مع العلماء الشرعيين لازالة الشبهات العالقة في أذهانهم بصدد هذا المشروع الذي هو في حصيلته سينقذ ما تبقى في العراق من أبناء السنة المهددين بالتطرف الشيعي، وإن لم يتدارك أبناء السنة في العراق وضعهم المأساوي سيكون مصيرهم مثل مصير سنة إيران الذين ذابوا من سنوات بعيدة تحت مطرقة التشيع الزاحف والمدعوم من قبل إيران وأموال إيران الساعية إلى نشر هذا المذهب بكل الوسائل وخاصة المال والدعاية النشطة مقابل غفلة البلدان السنية المشغولة بمشاكلها الداخلية والخائفة من الحركات الشعبية المتأججة في بلدانها،ولابد من صرخة قوية توقظ الحكام المسلمين من أبناء السنة تدفعهم للتعاون والوقوف في وجه هذه الهجمة الشرسة على أهل السنة،والله تعالى نسأل أن يقف معنا في هذه المرحلة التاريخية الخطرة التي تهدد الاسلام الصحيح في بلدنا والحمد لله

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

666 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع