رسالة محبة الى أهلنا في الموصل وكلّ العراقيين الطيبين

                                                    

                           أ.د. سيّار الجَميل

رسالة محبة الى أهلنا في الموصل وكلّ العراقيين الطيبين

سمعت الآن الى خطاب بائس مخجل للمسمّي نفسه “مفتي أهل السنة في العراق “..سأردّ عليه وعلى انتهاكاته بحقّ الموصل وأهلها بما يستحق بطريقتي الخاصة .

مقدمة
أوجه رسالتي اليكم ايها الاحبة فانتم اولى بها من غيركم .. وانتم اليوم من يعنيني امرهم لا غيرهم . رسالتي اوجهها لكم ، والحرب تشنّ عليكم منذ سنين ، وكل يوم يمضي ، والكلّ يشهد حجم الكراهية والاحقاد التي يستقطبها الاعداء ضدّكم ، وكأنكم قد أتيتم من عالم اخر غير عالمهم ، وكأنكم غرباء عن وطن اسمه العراق ، وعن شعب يكونه العراقيون ، وعن بلد ساهمتم انتم وابائكم واجدادكم في بنائه واعماره في حين كان الاخرون مجرّد كائنات طريدة لا تعرف الا قطع الطرقات واستلاب الابرياء . وبالوقت الذي اثمن مشاعركم الكريمة ومواقفكم المشرفة وارائكم السديدة ازاء كلّ التافهين الذين فرضهم الزمن التعيس علينا في العراق ، وخصوصا هذا الوباء الذي يجتاحنا من رجال دين ومعممّين فقدوا اخلاقهم وقيمهم وتوازنهم .. ثقوا يا اعزائي بأنني سوف لا ارد على امثال هذا ( المفتي ) او غيره ، ولكن ساكتب هذه ” الرسالة ” بطريقتي الخاصة ، والمتضمنة لمساءلات واستفهامات .. ان الشتائم والسباب لا تنفع جميعها .. اذ لابدّ من توجيه الطعون والتحقيق مع هؤلاء وامثالهم بما يستحقونه كي يخرسوا ، ويأخذوا جزاءهم العادل حتى ان اطالوا لحاهم لما تحت الحزام ..
انني ادرك ان لا قيمة لهم ابدا ، ولكن المشكلة في من يسمع خطابهم ويأخذه على عواهنه وهو خطاب تجريمي وتجريحي للهيئة الاجتماعية العراقية بتوزيع التهم مناطقيا ، كما انه مثير للقرف نظرا للاحكام المطلقة التي يتضمنها ضد اسر وعوائل بشكل جمعي .. يقول فولتير : ” أن التاريخ لن يقف على قدميه ما لم نبعد عنه رجال الدين ” ، فلم يقتصر تدخّل هؤلاء في السياسة ومستنقعاتها ، لكنهم بدأوا في العراق يدخلون انوفهم في المجتمع لزرع الفتنة والكراهية والاحقاد .. بئس ما يدعون اليه وبئس ما يريدون .. سيلقنهم المجتمع درسا لن ينسوه ابدا في قابل الايام بحول الله .
الموصل .. ستبقى مدينة عراقية حضرية مهما حاول البغاة استلابها
انني الفت انظاركم الى حجم المؤامرة التي تعرضت لها الموصل وضواحيها وتوابعها ولم تزل .. مؤامرة تترجم حجم الاحقاد والكراهية التي يحملها اعداء قدماء منذ خمسة قرون مضت ، وأعداء جدد لا تعرفونهم ، ولكنهم يعرفون اهلها حق المعرفة ولا يطيقون حتى ذكرهم والاشادة بمنجزاتهم ، ويكنون لهم ولثقافتهم وخصوصياتهم عميق الاحقاد .. وقد وجدنا كم تشمّت بهم هؤلاء وبالغوا في الشماتة عندما سحقت مدينتهم الموصل وتشرد اهلها وعبث العابثون بها بخطط كانت قد أعدّت في دوائر مغلقة ومبهمة ، ولم تعرف الحقائق كاملة ما دام هناك تعتيم على ما حدث .. واذا كان هذا النفر الضال في العراق او بدفع من هذا الجوار او ذاك ، فان هناك ملايين العراقيين تعشق الموصل، وتتغني بها ، وتحترم اهلها ، وتقدر تراثها ، وتثمن تاريخها ومواقفها التاريخية .. وكم حاول المخلصون ان يلفتوا نظركم الى امور تخصكم وتخص مستقبلكم ، ولكن الاوان كان قد فات ، وكثيرا ما قوبلت مشروعات تخص الموصل واهلها بالسباب والاتهامات والشتائم ووصفت باشنع الصفات .. واليوم ، الم يتضح حجم المؤامرة ناصعا امامكم وواضحا امام ناظريكم وضوح الشمس ؟
ستبقى الموصل مدينة للتعايش والتآخي والمحبة
الم يحن الاوان لتقولوا الى هذه القوى الباغية من الغرباء واللقطاء والموتورين وعلى راسهم مفتي ديار السنة ورئيس الوقف السني وغيرهما من المتطفلين السنة .. كفى : لقد كشفت مؤامرتكم واكاذيبكم ، ولم ولن يستسلم مجتمعنا العراقي لكم . نعم ، لا تستسلموا ابدا يا اهلنا في العراق لاكاذيب هؤلاء ، فالصراع كما يبدو يأخذ له ابعاده الخفية بين التحضر والتخلف وبين التخلّق وبيع الذمم .. صحيح ما اقل اهل التحضر ازاء الجهلة والمتخلفين والفاسدين وهيمنة قوى المتحزبين والمعممين ورجال الدين مع عصابات شريرة من الطامعين والطفيليين، ولكن تأكدوا أنه بوجود الإيمان والوطنية والاخلاق في النفوس ، فإن القدرة والقوة ستتوفران بسهولة.. خصوصا ، وان ليس لأحد الحق في ان يتكلم باسم غيره في مثل هذا الزمن الصعب .
ان الموصل ام الربيعين سوف لن ولم ترضخ لأولئك الذين يدعون أنهم شركاء في صنع مستقبلها من الجهلة والرعاع والدخلاء، وقد ادخلوا انوفهم في الاكمال او الاجهاز على مصيرها ، وهم يعلمون علم اليقين أن اهاليها جميعا ومن كل الاطياف يعملون عكس هذا المبدأ !! قولوا لهم ولكل صنائعهم من العملاء والمدجنين الفاسدين والسفهاء التافهين : “ انكم ان تمكنتم من سحق الموصل ، وقهر تراثها ، فانكم لم ولن تتمكنوا من كسر ارادة اهلها ، او تدمير ثقافتهم ، او تغيير خصوصيتهم ، او العبث بلغتهم .. ولم ولن تقدروا على تشتيت شمل وحدتهم ، ولا تمزيق تعايشهم ووحدتهم ، او كسر انوفهم .. وانكم مهما حاولتم ان تبثوا السموم ضدهم ، وتشويه سمعتهم ، وتضليل الناس عنهم ، فهم اقوى منكم ، وهم لا يحسبون حسابا لترهاتكم واحقادكم وسماجتكم . وان سماحتهم هي غير سماجتكم ، واعلموا بأن خصوصيتهم الحضرية بكلّ ما اكتنزوه من عادات وتقاليد متنوعة وثقافات جامعة لمسلمين ومسيحيين من السريان والكلدان والآثوريين وعرب وكرد وتركمان ويزيدية وشبك وارمن وجرجرية وغيرهم .. لا يمكن ان يكون اصحابها بعنصريين او متقوقعين على ذاتهم ، فقد عاشوا معا منذ الاف السنين واختلطوا مع بقية العراقيين وتزاوجوا معهم .. وليدرك كل التافهين الذين يطلقون الاوصاف البذيئة على عواهنها ضد الناس في الموصل وغيرها دون تحديد وبلا تخصيص بأنه جهلة ، وواحدهم لا يعرف ان يزن كلماته ولا يتحكّم في تعابيره او انه مجنون او مريض نفسيا ، او مدفوع باجر ممن يبيع ذمته للاخرين .. ونحن ندرك منذ الصغر ان علماء الدين الكبار لا يمكنهم ان يكونوا ابواقا سياسية او اعلامية ، فهم لا يمكنهم ان يدلوا بتصريحات ، بل ينبغي ان يتمتعوا باحترام الاخرين ، وانا لا ادري كيف باستطاعة رجل دين ان يوزع الاتهامات الرخيصة على هذا وذاك بناء على ما سمعه من قال وقيل لهذا السياسي او ذاك ؟ اليس هذه جناية بحق ذاتها ؟ اين ضيعتم الدين واهله يا شذاذ الافاق ؟ وانا اعلم ان من ابرز شروط الفقيه هي العلم بالقواعد الفقهية الكلية والجزئية وأن لا يكون كالذين نراهم اليوم على شاشات الفضائيات !
الجناية الكبرى : توصيف اهل الموصل بالعنصرية !
عبارة سمعتها مرارا من اكثر من (عراقي) منذ ازمان ” ان المصالوة عنصريين ” ، واخرهم قالها خرف ضنين على شاشة فضائية .. ولا ادري هل من يمتلك ثقافته المحلية الحضرية وخصوصيته الاجتماعية والادبية ومكانته الجغرافية والتاريخية يغدو هكذا بسرعة عنصريا ؟؟؟؟ لو انهم بعنصريين يا هذا ، ما كانوا وكل ابائهم واجدادهم من بناة العراق القديم والحديث ! لو كانوا بعنصريين يا هذا ، ما كانوا من اكثر الناس انخراطا في جيش العراق ليدافعوا عنه بدمائهم وارواحهم ! لو كانوا بعنصريين يا هذا ، ما كانوا من اكثر العراقيين مشاركة اياهم في حياتهم السياسية والثقافية والاعلامية والاجتماعية والاكاديمية على امتداد قرن كامل ! لو كانوا بعنصريين يا ناس لما خدموا كوزراء وسفراء وقضاة ومدراء وخبراء واطباء ومهندسين واكاديميين وفنانين متنوعين في عموم العراق !! لو كانوا بعنصريين لما توطن في الموصل : آل العاني وآل الراوي وآل التكريتي وآل السوري وآل الحلبي وآل البيروتي وآل المصري وآل مقدسي وآل الديري وآل الدوري وآل اغوان وآل الارمني وآل سناطي وآل السنوي وآل عقراوي وآل النقشبندي وآل الزيباري وآل بريفكاني وآل التلعفري وآل سنجاري وآل آمدي وغيرهم .. كما قطن الموصل شيوخ شمر الجربا والجبور وأعنزة وتميم والعزة والبدران والشهوان والنعيم والجحيش والموالي وغيرهم .. لو كانوا بعنصريين يا هذا ما كان اباؤهم واجدادهم يشاركون في احزاب البلاد ويناضلون في الشوارع ويؤسسون الصحف ويتغنون بالعراق في اغانيهم واشعارهم واناشيدهم وعرفوا بجمعياتهم وادبياتهم وشعرائهم وعلمائهم واطبائهم وفنانيهم .. وعلينا ان نسأل كم سكن بغداد ومدن اخرى في العراق من اهل الموصل منذ اكثر من 200 سنة وتزاوجوا مع اهلها واختلطوا بهم .. قليلا من الخجل يا رجال الدين سواء من اطال لحيته منكم او قصفها ، فان اصحاب اللحى لا تخيفنا ابدا ، فانتم لستم اوصياء الله على الارض ، فالانسان بسيرته وتاريخه وحسن تصرفاته ومواقفه واخلاقياته لا بلحيته الطويلة او شاربه الكث ، او عمامته مهما كثرت لفاتها !! ان وصف اهل الموصل بـ ” العنصريين ” على الملأ وبهذه الطريقة يعتبر جريمة ، لو كان في البلد قانون وقضاء كما هو الحال في بلاد تحترم نفسها ، تكفي لادانة صاحبها على تجريحاته ، ولكان قضى 7 سنوات منبوذا في السجن !!!! وصدق ابو الطيب المتنبي في قوله :
إذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ”
واخيرا : مجرد تساؤلات واستنتاجات
هنا دعوني اتساءل : من دفع الاثمان البليغة في هذه المدينة يا الله ؟ من ساهم في هذا المصير الذي عليه الموصل ام الربيعين ؟ متى تنكشف اوراق التاريخ الخفي لتعرف الحقائق ؟ كم من الصدمات والصواعق التي ألمّت بالموصل سواء قبيل داعش واثناء حكم داعش وما بعدها ؟ كم الناس بحاجة الى اختبارات لتقول كلمة سواء وانصاف بعيدا عن المزايدات وبيع الضمائر ؟؟ لماذا تمزقت اوصال العراق بهذا الشكل ليغيب الشرفاء وكلّ المستقلين المخلصين عن الميدان ويتحكم بهم السفهاء والمعتوهون ؟ كم كنت اتمنى على امثال هؤلاء ان يساهموا باخراج الجثث من تحت انقاض الموصل القديمة في زياراتهم للموصل سعيا لمصالحهم او تحقيقا لاغراض مشبوهة بدل حضور المآدب والرقص على اجساد ضحايا الابرياء . قاتلهم الله .
الثورة والاحتجاج على الاخطاء والجنايات هي العلاج الوحيد امام الناس .. فان ضاعت حقوقهم المادية وبيوتهم ومؤسساتهم وحتى دور عبادتهم .. فليس من العدل ان تضيع حقوقهم المعنوية وان تشوه سمعتهم بهذا الشكل او ذاك على السنة معتوهين وزنادقة ينافقون باسم الدين .. ان ما نصت عليه اللوائح من شروط تتوفر في المفتي : يشترط في المفتي العام للدولة أن يكون ذا علم واسع، وأن يكون ذا ورع شديد، مع التقوى والصيانة والتحلي بمكارم الأخلاق وخصال المروءة. هنا لا ادري كيف يريد بناء دولة اسلامية ، وقد سمح لنفسه ان يتجنى على الناس على نحو جمعي ؟ واذا كان كلامهم بهذه النوعية ، فكيف ستكون فتاويهم ؟ ومن سمح لهم بالتشدق بالاسلام والدعوة الى جمهورية عراقية اسلامية ؟؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

739 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع