د. منار الشوربجي
الجانب المظلم في تكنولوجيا المعلومات
ثورة الاتصالات مثلما تفتح آفاقاً جديدة للمعرفة والاطلاع، فإنها تفتح أيضاً الباب على مصراعيه للجانب المظلم لشبكة المعلومات التي يختفي بين جنباتها من يروجون للبيانات المزيفة والمعلومات المغلوطة والأخبار الملفقة.
تلك حقيقة من حقائق عالم السماوات المفتوحة، قضيتها الجوهرية هي حل تلك المعضلة، لا تكرار وصف الظاهرة وتبعاتها. فالسؤال هو كيف يمكن تحقيق الاستفادة القصوى من الآفاق اللامحدودة للمعرفة مع الحد، إلى أدنى مستوى، من الجوانب المظلمة للظاهرة نفسها؟
والإجابة عن هذا السؤال عسيرة وتشغل المفكرين والباحثين حول العالم.
وهي عسيرة لأنها تتعلق بأمور معقدة ليس أقلها التباينات بين المجتمعات، وداخلها في مستوى التطور التكنولوجي، ومستويات التعليم، فضلاً عن التباين في الوعي العام بخطورة المشكلة وتأثيرها على النسيج الاجتماعي.
لذلك كان لافتاً ذلك الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة بيو داخل أمريكا واستطلعت فيه آراء الأمريكيين بشأن تلك القضية.
كان أكثر ما يلفت الانتباه في الاستطلاع هو المدى الذي وصل إليه قلق الأمريكيين مما أسماه الاستطلاع «الأنباء والمعلومات المزيفة»، إلى حد أنهم اعتبروها أخطر على بلادهم من قضايا مثل العنصرية والإرهاب والهجرة غير الشرعية.
فقد اعتبرت الأغلبية من الأمريكيين أن «الأنباء والمعلومات المزيفة» تمثل «مشكلة جوهرية».
واحتلت تلك القضية مكانة متقدمة على سلم القضايا التي تثير قلقهم، بحيث لم يسبقها بفارق كبير سوى القلق من أزمة الرعاية الصحية وما يرتبط بها من أزمة إدمان العقاقير الطبية.
أكثر من ذلك، فقد رأى 70% من المستطلعة آراؤهم أن تلك الظاهرة تؤثر على ثقتهم في أداء «المؤسسات الحكومية»، بل وعلى ثقة المواطنين في بعضهم البعض.
غير أن المفاجأة التي حملها الاستطلاع كانت تتعلق برأي الناس فيما يتعلق بالمسؤول عن تنامي الظاهرة والطرف المنوط به حلها. فقد اعتبر 57% منهم أن السياسيين الأمريكيين هم الأكثر إنتاجاً لتلك المعلومات والأنباء المزيفة، بالمقارنة بأطراف أخرى، بمن فيهم عامة الناس أو حتى «الفاعلين الدوليين»، بينما اعتبروا أن الإعلام الأمريكي هو المنوط به حل المشكلة. وهنا تكمن المفاجأة المزدوجة.
فرغم أن استطلاعاً بعد الآخر طوال الفترة الماضية، سواء أجرته مؤسسة بيو نفسها، أو غيرها من المؤسسات الكبرى، كان قد رصد غياباً للثقة في الإعلام الأمريكي عموماً، إلا أن ذلك الإعلام جاء في المرتبة الثالثة في المسؤولية عن إنتاج الأخبار الكاذبة (36%) بعد كل من السياسيين والناشطين الأمريكيين وبفارق نقطة واحدة بالمقارنة بمسؤولية الأطراف الأجنبية (35%). لكن الاستقطاب السياسي يلعب دوراً كبيراً في موقف الأمريكيين من إعلام بلادهم.
فرغم أن أغلبية الأمريكيين، في عمومهم، لم يعتبروا الإعلام المسؤول الأول عن الأنباء الكاذبة، فإن أغلبية الجمهوريين منهم يحملونه تلك المسؤولية، بينما يحمّل أغلبية الديمقراطيين المسؤولية لترامب وإدارته.
أما المفاجأة الثانية فكانت أن 53% من الأمريكيين قالوا إن الإعلام هو من تقع عليه المسؤولية الأكبر على الإطلاق لحل مشكلة الأنباء الكاذبة بينما لم ير سوى 12% منهم فقط أن تلك مسؤولية الحكومة الأمريكية أو الشركات التقنية الكبرى (9%).
واللافت أيضاً في هذا الإطار هو أن نسبة تزيد على 60% قالوا إنهم، كأفراد، قاموا بدورهم في التأكد من دقة المعلومات والأنباء التي تصلهم، كل بطريقته الخاصة.
والحقيقة أن نتائج هذا الاستطلاع تفتح الباب واسعاً أمام من يريد البحث في كيفية علاج الجوانب المظلمة لتكنولوجيا المعلومات.
فلو افترضنا أن الإعلام هو من تقع على عاتقه مسؤولية تصحيح الأنباء الكاذبة، يصبح السؤال الجوهري متعلقاً بالكيفية التي يتمكن بها من القيام بتلك الوظيفة وطبيعة الموارد التي ينبغي توافرها له لأداء ذلك الدور.
لكن لعل الأكثر أهمية من هذا وذاك هو ما لفت إليه الاستطلاع من مسؤولية تقع على عاتق الفرد نفسه لتحري الدقة فيما يتلقاه من المعلومات وسط ذلك السيل الهائل مما نتلقاه يومياً.
814 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع