يعقوب أفرام منصور
صحَّ النوم : مجلس الأمن !
في الأسبوع الأول من تموزهذا العام (2019 ) بثّت أجهزة التلفاز في العراق وأقطار العالم نبأً أفاد إن مجلس الأمن الدوَلي في منظمة الأمم المتحدة قد أوفد إلى العراق هيئة خاصّة ـ أظهر التلفازصوَرأعضاء الهيئة ـ التي مرامها العمل على تحقيق إستقرار ودعم العراق، وذلك بباعث من اعتقاد المجلس المذكورأن إستقرار العراق يُفضي إلى إستقرار منطقة الشرق الأوسط برمّتها، ففيها فد تنامى اَلإضطراب المقصود، والدمار المخطط له قبل عقود، كما تنامى التخلّف وتلوّث البيئة المرسومَين أيضًا،، وذلك بعد أمدٍ قصير من انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان تفوّق الغرب الإمبريالي في وسائل التحضّر والتمدين على أقطارالشرق الأوسط لأهداف انتفاعية موغلة في الأنانية والتسلّط والتعالي، وكي تكون أقطارالشرق الأوسط أسواقًا لإستقبال صادرات دول الغرب الإمبريالية وأهمها : بريطانيّة، فرنسية، إيطالية، أمريكية.
ومن ملاحظاتي أُبدي إن مصطلح (الشرق الأوسط) جغرافيًا وسياسيًا وإعلاميًا لم يكن دارج الإستعمال قبل الحرب العالمية الثانية، بل شاع بعدها بقليل، وأول من استعمله من الساسة كان (ونستون تشرشل) كما ورد في مذكّراته المشهورة (أنظر ص 292 منها ـ منشورات مكتبة المنار، بغداد) في عام 1948 ، وبعد خلق كيان إسرائيل اللاشرعي. فقبل ذلك التاريخ كان المصطلح الشائع على هذه المنطقة، الذي يحقق مطامع وطموحات الغرب الإمبريالي، هم مصطلح (ألشرق الأدنى)، بالنظر إلى قربه من الغرب الأوربي الذي هو منبع أوج الإستعمار في القرن 19 ثم منبع الإمبريالية في القرن العشرين.
ثمّة ملاحظة أخرى على علّة إضطراب منطقة الشرق الأوسط، فوسيلة إستقرار هذه المنطقة لا يكمن في أستقرار ودعم العراق أولاً، كما يحسب مجلس الأمن الدولي، بل يكمن في التسوية النهائية ببين الكيانين الفلسطيني والإسرائيلي طبقًا لقرارات عدّة صادرة عن مجلس الأمن نفسه في عقود النصف الثاني من القرن العشرين! فأين هو إجتهاد وسعي المجلس في هذا السبيل المؤدّي إلى أستتباب الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟ّ! قبل عقد من السنين أجاب العاهل الأردني عبد الله الثاني عن أستفهامه في ندوة أو لقاء بخصوص حل مشاكل الشرق الأوسط، قائلاً إن حل هذا المعضلة يتم في حل القضية المستعصية بين إسرائيل المتعنّتة وبين الكيان الفلسطيني. لكن لا أسرائيل ولا حلفاؤها وأصدقاؤها وحُماتها الساهرون عليها يرومون الحل المنشود ، وكأن إسرائيل هي المظلومة والمستباحة وليس فلسطين وشعبها المشرّد والمهجّرفي كل القارات، والمضطهد حتى على أرضه منذ 70 عامًا! وقد أبديتُ رأيي المماثل لرأي الملك عبد الله مرارًا في بعض مقالاتي قبله وبعده. لكن الأصوات الصائبىة الحقانية غير المنحازة تتبدد كالصياح في بلقع، ولا تُسمع في منزلٍ سكّانه طرشان ! يبدو أن الإرادة الدوَلية غير جادّة في هذا السبيل. فإذا كانت الإرادة الدوَلية غائبة أو جامدة أو مسيّرة نحو الخطأ والضلال والإنحراف، فما ذا يُقال عن إرادة المجلس في هذه القضية التي على مستقبلها يتحدد او يتبلور وضع الشرق الأوسط؟!
في الحقيقة غريب حقًا سماع هذا النبأ، إذ هو يستوجب التمعّن في مضمونه وغايته الحقيقية ، والتحليل والتعليل يبعثان على التساؤل باستغراب : أين كان مجلس الأمن الدوَلي منذ شنّ الغرب الحرب الظالمة المشجوبة أصلاً على العراق في عام 2003 ، وعانى بعدها في عهد (بريمر) شعب العراق، ويعاني حتى الآن، وما قاست أقطار الشرق الأوسط: أفغانستان، لبنان، تونس ، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن منذ 16 عامًا؟! أحقًا كان مجلس الأمن حاضرًا خلالها، أم كان في إجازة، أم غائبًا عن الوعي وغارقًا في نوم عميق؟!
منذ عام 2001 بدت لوائح على ضعف وتقصير أو تراخي المجلس المذكور، فهذه دلائل على شبه عجزه عن أداء واجباته الخطيرة الحيوية. كان في الحقيقة مجلسًا مسيّرًا من [ القوى الكبرى العظمى] المتجبّرة، ومن قِبل " المفسدين في الأرض" ومن أعداء البشريّة منذ ألفي عام ! كيف يُصدّق جَيّد الإطّلاع الحصيف أن مجلس الأمن كان حريصًا على أن يسود السلام والإستقرار في ربوع العالم عمومًا والشرق الأوسط خصوصًا، في حين كانت التشكيلات الإرهابية العديدة قد شُكّلت بتوجيهات من العنصري المتميّز (برنار لويس) لتُعيث فسادًا، وتُربك الأوضاع، وتنشر صناعة الموت والهدم والحرق والعداوات بين الأديان والقوميات، والإجرام بأشكاله العديدة في أقطار " الشرق الأوسط الجديد "، وتفتيت كياناته القائمة، تطبيقًا "للنظام" الجديد المنخور (!) الذي أعلن تصميمه الرئيس بوش الأب قبل أمدٍ قصير من شن الحرب على العراق في 1991 ، ونفّذ شطره اللاحق الأوسع والأشرس بوش الإبن، سيئ الصيت، في عام 2001 ثم في عام 2003 وبعده رديئ الصيت (أوباما) الذي خلّف أسوأ ترِكة رئاسية لخليفته المُبتلى (ترمب)!
أليست فصول الإرهاب المستهتر بالقِيَم الإنسانية والأعراف الحضارية تجري على مراى ومسمع من المجلس الهُمام وهي تُمَثّل على مسرح الأحداث الجسام الشنعاء بكل صلافة وجلاء حاليًا على ساحات اليمن وسوريا وليبيا ؟! ألم يصل رشاش الإرهابيين إلى ديارفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وغيرها؟!
هذه الوقائع كلها تشكّل جرائم كبرى، أسهم في الإعداد لها والوفاق عليها دوَل الغرب: أمريكا وفرنسا وإنكلترا بمباركة ودعم كيان معروف، مع تدريب وإعداد وإرسال وجباته وأفراده من تركيا وفق الإتفاق المستور المنكشِف! أجل، كل هذا يجري بجلاء بمعرفة مجلس الأمن، والباعث عليه تهافت شديد من أنظمة الغرب الحاكمة على أقطار الشرق الأوسط حيث آبار النفط ومناجم اليورانيوم والزئبق والفوسفات والكبريت، ولكن من خلال إشاعة " الفوضى الخلاّقة"، وليس من خلال الإستقرار والأمن المستتب والبيع والشراء بهدوء وأصول التعامل التجاري ! فالثروات الطبيعية في أقطار الشرق الأوسط ليست محتكرة ولا مهزومة، بل عُرضة للبيع والشراء لمنفعة الطرفين. فلماذا تُعدّ لها عمليات " الفوضى الخلآقة" التي لا ينجم عنها أو يراد بها إلاّ خلق الإضطراب والبلبلة والتناحر والإحتراب بين المكونات والمعتقدات والأجناس ؟! فهذه السيئات شهدناها بكل وضوح مع إجراء عمليات " ألفوضى الخلاّقة"، فضلاً عن استخدام الإرهاب الوحشى أو الرسمي والغزو والتنمّر والتنافس بين الأقطاب الكبار، وتنافرهم وتحاسدهم المتبادّل ، لكنهم يتضاحكون ويتصافحون وهم متباغضون، كما ملحوظ بين الرؤساء والزعماء في الغرب والشرق !
لم يعد حَسَنو الإطّلاع النابهون، وبعيدو النظر من المراقبين الحاذقين يصدّقون حُسن النوايا من مجلس الأمن الدوَلي، واقول هذا بأسف مرير ويقين راسخ، فلا يُرتجى منه خير في المجال الذي أُعلِن عنه متلفزًا في الأسبوع الأول من تموز2019، لأن تجربة العراق خلال نصف قرن سلف تثبت عدم التفاؤل والتصديق. يُضاف إلى ذلك كون العاملين على إفشاله هم أقوى كثيرًا من قوة إرادة أعضاء مجلس الأمن في مجال هذا القصد النبيل، بسبب تصارع الأحزاب الوطنية (داخل البرلمان وخارجه) على المناصب والكراسي وموارد السحت الحرام، وعدم الولاء التام من شعب العراق للوطن فقط ؛ فالمنافقون كثيرون، والأوفياء نادرون، واللامبالون والجهلاء واالعشا ئريون المتعادون كثيرون جدًا؛ ولأن أعداء العراق والطامعين في ثرواته من بعض الدول المجاورة لا يروقها هذا الإستقرار المنشود للعراق ولأقطار الشرق الأوسط. لذا سيبقى العراق عُرضة للنهش والتمزبق والتفتيت لصالح أطماع [المُفسدين في الأرض وأعدائه التاريخيين وأعداء الإنسانية]، منذ 25 قرنًا في الأقل؛ خصوصًا وأنّ عددًا من قرارات مجلس الأمن، الصادرة قبل ستة عقود بخصوص القضيّىة الرئيسية والجوهرية لمعضلة الشرق الأوسط ( فلسطين ـ إسرائيل) لم تُنفّذ بعدُ ، كما أن قرارَي المجلس المرقمين 678 و 986 بخصوص فرض الحصار على العراق عقب حرب 1991 ، تلبيةً لإرادة الدول الكبرى والصغرى المعتدية على العراق ظلمًا وعدوانًا، يُعدّان من دواعي عدم تصديق نيّة مجلس الأمن في العمل على إستقرار ودعم الكيان العراقي، فقد كان القراران بمثابة مكافأة للمعتدين الكبار والصغار عليه ! ومن يعِشْ يَرَ.!
585 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع