شوارع السماوة : شارع المحطة ... شارع انطلاق التظاهرات

                                              

                             زيد الشهيد

   

شوارع السماوة : شارع المحطة ... شارع انطلاق التظاهرات

وهو الشارع الذي يتفرع من السوق المكشوف جنوب المدينة ، إذ يبتدئ من مقابل سينما الامير عبد الاله ( سينما الشعب لاحقاً ) حتى الباب الرئيس لمحطة قطار السماوة حيث يرتبط بشارع ( ابو الستين ) ، ويستمر متقدما ليكون درباً حسيراً يخترق بيوت السكك المخصصة لموظفي قطار السماوة التي كانت مصممة ومبنية على النمط الانكليزي حيث الحديقة الواسعة بالسياج الخشبي الواطىء ، والشرفة التي يصعد اليها بثلاث درجات اسمنتية فالباب الخشبية الخضراء ، وعلى جانبيها نافذتان لغرفتين ترتبطان من الداخل بصالة .

يبتدىء شارع المحطة الذي يطلق عليه ايضا لدى العامة ( شارع الحماية ) بمقهى ( جبار يوسف )* الحديثة التي افتتحها في الاربعينات ، وكانت تختلف عن مقاهي المدينة لمستواها العالي من النظافة وتقديم الخدمات ما جعلها مفضلة للجلاس الموظفين خصوصاً ... وبعد المقهى كانت هناك حديقة عامة أنشأها اسماعيل الحاج عبيد يوم كان مديراً لبلدية السماوة اقتطعت منها مساحة انشئت عليها في العام 1953 ما يسمى (( النقطة الرابعة )) وهي مؤسسة أمريكية وجدت ضمن مشروع مارشال الامريكي .. ويشير الشاعر طارق الدهان في معرض حديثة عن هذا المشروع أن الهدف منه كان ( نشر النفوذ والثقافة الامريكية بعد غياب الشمس عن الامبراطورية البريطانية اثر خسائرها المادية الكبيرة في الحرب العالمية الثانية ) إذ تصدرت امريكا العالم بعد انتصار الحلفاء على ألمانيا الهتلرية وايطاليا موسوليني وأصبحت هي القوة الكبرى ، يسير بموازاتها الاتحاد السوفيتي . وكلا القوتين استخدمتا الحرب الباردة عبر الدعاية والاعلام . لهذا كان ( من بنود هذا المشروع النقطة الرابعة والتي تنص على بناء المستوصفات والمستشفيات في العالم الثالث ، ومن خلالها يبث الاعلام الامريكي محاولة هيمنة امريكا .) ويصاحب ذلك عرض افلام سينمائية في الحديقة الجانبية ، وكلها تقدم الحياة الجديدة في امريكا . يتخلل ذلك توزيع المجلات والنشرات الملونة كوسيلة مثلى من وسائل تحبيب القارىء لأمريكا التي تتقدم العالم الجديد وتدعو الدول الضعيفة والنامية الى الالتحاق بركبها من اجل حياة اجمل .
وإذ تعود بنا الذاكرة الى الخمسينات نرى ان " مستشفى حماية الاطفال " كان البناء النموذجي بردهاته وخدماته ، وشخوص " الماسيرات " الممرضات الاجنبيات اللاتي كن يرتدين ملابس الراهبات ( ويخاطبهن الدكاترة الاجانب هم ايضاً بمفردة "سستر sister " ومعناها بالانكليزية أخت دلالة الاحترام والتبجيل ، ومنها صار يطلق الناس العامة على الممرضة سستر وقد لا يعرفون المعنى الحقيقي والعميق للمفردة )، وعرفنا ان هاته النسوة المترفات الشقراوات انما هنَّ متطوعات من الكنائس لخدمة الانسانية في كل بقاع الارض .... وحين يأتي ذكر المتطوعات الراهبات اذكر رواية " جين أير " للروائية الانكليزية " شارلوت برونتي " وهي تقص في احد فصول الرواية كيف عُرض عليها ان تخدم كماسيرة ( ممرضة ) في احدى مستشفيات الهند كخدمة انسانية تقدمها الكنيسة لبني البشر .
وتدلنا الشواهد والذكريات ايضاً إلى اخوتنا وابناء وبنات احيائنا الفقيرة الذين ولدوا في هذه المستشفى ، وامهاتنا وهن يخرجن مندهشات للخدمة الطبية والانسانية التي تقترن بالمراجعة المجانية للولادة ، والفحص ، والعلاج ؛ اضافة الى الحليب المجفف الذي كان يوزع بأكياس النايلون الشفافة لأم الرضيع حتى وهي تبرح المستشفى ، وقطع القماش الطويلة التي يراد للام استخدامها كما الحفاضات في ايامنا هذه .. ويسجل اسم الام المرضع في سجلات المستشفى ، وتوضع لها تواريخ للمراجعة والفحص دورياً لها وللطفل الوليد ... وقد احدث وجود هذا المستشفى ارتياحاً كبيراً لدى اهل المدينة فقلت اعداد الوفيات للنساء الحوامل اثناء الولادة أو اللاتي كنَّ يولدّن الموشكات على الولادة من قبل قابلات لا يعرن اهتماماً للنظافة ، ولم يكن متعلمات ، فقط الشجاعة ما يمتلكن ، والخبرة التي يقتبسنها من امهاتهن او المقربات منهن ... ولاشك ان عدد وفيات الاطفال المولدين حديثاً قلَّ كثيراً بإنشاء المستشفى وقيام كادرها بالنشاط الطبي والصحي ..... ولم يكن الناس ينظرون نظرة سلبية لما وراء وجود المستشفى في المدينة من اغراض سياسية ، بل كل ما كانوا يرومونه ويتوخونه هو الصحة ، والعلاج ، والعناية .
ويشير الاستاذ جميل علوان عزوز الذي عاصر تلك الفترة إلى أنه ( بعد انتصار أمريكيا بالحرب العالمية الثانية أصدرت " بيان النصر " ، ويتكون من عدة نقاط ؛ كانت النقطة الرابعة منه تنص على أن أمريكا ستقوم بمساعدة الدول الفقيرة من أجل رفع مستوى الخدمات الطبية فيها بإنشاء المستشفيات والمراكز الطبية وتقديم الخبرة والأدوية . وعلى ضوء هذه الفقرة قدمت المساعدة للسماوة التي كانت أكثر منطقة يموت بها المواليد والأمهات حسب إحصاء وزارة الصحة العراقية وهذا سبب اختيار السماوة .).. ويشير إلى أن المستشفى ( بني على يد مقاول بغدادي وعلى حساب الحكومة الامريكية ، وكان الكادر الطبي امريكياً بالكامل . وكان سكن الكادر في بناية تقع في القشلة ، خلف بيت القائمقام على طريق الخزاعل بين الخناق وبيت القائمقام ، وتسمى دار الضيافة ) ، ويضيف عندما كنا طلاباً كنا نقرأ في البستان قريباً منهم ، وانشأنا صداقات وجودة مع بعضهم .) .
ولقد انسحب الكادر الاجنبي من اطباء وممرضات وغادروا البلاد بعد ثورة تموز 1958 ليتسلم المستشفى كادر طبي وتمريضي محلي كان منهم الدكتور رياض حيدر ، شقيق القائمقام علي حيدر ، والصيدلي مؤيد قدوري الذي كان اول صيدلي من اهالي السماوة يتخرج من كلية الصيدلة ؛ مع عدد من الممرضات القديرات مثل ام لهيب ، وأم علاء .
المستشفى .. الموقع
شغلت مستشفى حماية الاطفال المساحة الممتدة غرباً حتى شارع مصيوي ، وتشكل مستطيلا كاملاً من مقهى جبار يوسف عند السوق حتى شارع مصيوي ، حيث تطل ايضاً على شارع مصيوي ، وخلفها ما يسمى اليوم شارع النخالة ... وقد شتلت على طول رصيف المستشفى شجيرات كاليبتوس ارتفعت بمرور الاعوام لتصبح اشجاراً شاهقة ، لكن تدني الذوق وعدم الشعور بالمسؤولية التاريخية لأهمية وجود مثل هكذا اشجار تمثل شواهد تاريخية عملا على اقتلاعها ... وتحول اسم المستشفى في التسعينات الى (جمعية الهلال الاحمر) ، وبقيت صورة السيدة العذراء وابنها السيد المسيح من الجبس لازالت فوق باب المستشفى ( الجمعية ) .
ويستمر شارع المحطة من مبتدأ شارع مصيوي ليكون عند الشريط الخالي المترب والذي تحول إلى متنزه بعد ثورة تموز 1958 زرع بالأشجار ، ونصبت فيه الاراجيح والمزحلقات ، وكنا في طفولتنا نتوجه للاستمتاع بتلك الوسائل الباعثة على المتعة ... وفي العام 1965 تحول المتنزه بعدما عمه الخراب وغزته الملوحة والسبخ إلى مركز ( نادي السماوة الرياضي) الذي امتدت مساحته حتى شارع ابو الستين ، النادي الذي انتميت الى صفوف منتسبيه في العام 1968 لممارسة لعبة كمال الاجسام التي اوصلتني الى بطولة المنطقة الجنوبية للقامة الطويلة في العام 1971 . وفي السبعينات استغل عدد من فناني المحافظة جدران النادي الذي ازيل سياجه الحديدي المكشوف للمارة وبني بدله جدار عالي فاصبح عبارة عن لوحات تشكيلية تعرض الفن والمواهب ، وتظهر المدينة محبة للرياضة والفن على حدٍّ سواء .
الجانب الثاني ( الايسر ) من شارع المحطة اقتصر على سياج حديدي على شكل اسياخ حديدية كالرمح تبتدىء من أول الشارع حتى الباب الرئيس للمحطة .. وما وراء السياج ارض جرداء مالحة ثم عدد من السكك تقف عندها القاطرات الحديدية المخصصة لحمل البضائع ، وخزانات حوضية مليئة بالماء ... وعادة ما كان الماء عذباً يؤتى به من سدة الهندية او محطة قطار الديوانية لاستخدامه من قبل الفنيين في اللوكة ( محطة تصليح وادامة المكائن والقاطرات ) فيهرع الناس في الصيف حيث ماء الاسالة يأتي إلى البيوت مالح ومج ويتسبب بالمغص المعوي لكثير من الناس فيملؤون القناني والمساخن والتنك المعدني بالماء العذب 
شارع المحطة .. التظاهرات
عُرف عن شارع المحطة أنه الشارع التي تنطلق منه التظاهرات حيث يبدأ التجمع من مقابل السينما ، عند بدايته ، ثم تنطلق بالجموع المحملة باللافتات ، فتنعطف الى شارع مصيوي ، فتتخذه امتداداً حتى شارع الكورنيش . فتنعطف يمينا باتجاه مقر مركز الشرطة عند مدخل السوق المسقوف ( مكان اورزدي حاليا ) ... وعند مركز الشرطة تقدم اما الاحتجاجات او الاحتفاءات والاحتفالات ، وقد تستمر التظاهرات فتعبر الجسر الخشبي لتنتهي عند مركز شرطة الخناق حيث القائمقام ، ورؤساء أغلب دوائر القضاء .
ملاحظة :
يمكن قراءة روايتي ( أفراس الاعوام ) ، و( تراجيديا مدينة ) فهما تحتويان تفاصيل كثيرة لأحداث كبيرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ويشير الاستاذ سلام الشاهر في معرض ذكر مقهى جبار يوسف : ( كانت مقهى المرحوم جبار يوسف تتكون من قسمين القسم الاول الشتوي وفيه مكان به الوجاغ فيه طباخ ابو العيون ابو النفط لأغراض الماء الحار والشاي والحامض وفيه براد الماء وفيها كذلك واجهة كلها من الزجاج العريض وكذلك فيها قنفات وميز بين كل قنفتين على جانبي البناء لرواد المقهى لغرض لعب الطاولي او الدومينو أو لبعض المثقفين لقراء الصحف والكتب وكان يعمل فيها المرحوم سيد صبحي آلبهية وحسن جغينة وأخي ناجي وغيرهم ..والقسم الثاني الصيفي بجانب القسم الشتوي ويرتبط بنفس الباب من جهة الوسط وبه سياج خشبي على داير البناء وفي الوسط باب مفتوح وبجنبه يجلس المرحوم ابو يوسف وامامه ميز جميل مستطيل الشكل يسمى الدخل وفيه بعض الجرارات لحفظ بعض المجلات والكتب والطاولي والدومينو وكان يؤم هذا المكان الكثير من وجوه السماوة والمعلمين ومختلف شرائح المجتمع وكذلك يوزع فيها الشاي والحامض والبارد مثل البيبسي وكوكا كولا وسينالكو ومشن وبعدين أجه تراوبي ابو العنب والموطا وغيره.. وكانت فيها أحلى ايام حياتنا الفتوية والشبابية في هذا المكان لكون حجي جبار من الاقارب .)

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

584 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع