بسام شكري
الخلل الأمريكي في التعامل مع الأزمة الإيرانية
في البيان الذي أصدرته واشنطن حول فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني، تقول إن الدبلوماسية الإيرانية تتسم بالمخادعة والكذب. لكن الخلل ليس فقط في نظام ولاية الفقيه ونظام الحكم في إيران وسياسته الخارجية، بل الخلل أولاً في واشنطن. وقبل فرض أحكام حول هذا الموضوع يجب على دول العالم جميعاً أن تعي تلك الحقيقة قبل واشنطن. لماذا؟
إن نظام ولاية الفقيه أساسه أن الولي الفقيه هو المرجع الديني الأعلى الذي يمثل ظل الله على الأرض، وهذا يعطيه المرتبة التي تأتي بعد الإله من جهة والتمثيل الإلهي من جهة أخرى. وهذا يعيدنا الى العصور الوسطى عندما كانت الكنسية تحكم أوروبا، حيث كانت صفة البابوية ووكلائها في الكنائس في مختلف أنحاء العالم يمثلون الإله ويعطون الثواب والعقاب فوراً بمحاكمة الخارجين عن القانون الإلهي، وإصدار الأحكام غير القابلة للاستئناف، فكانوا يبيعون صكوك الغفران لمحو ذنوب البشر، وكانوا يصدرون أحكام القتل بالحرق على الساحرات، لغاية القرن الثامن عشر حين كان قانون الساحرات يطبق في المانيا وكانت هناك أساليب تعذيب ابتكرها البشر على أنها أساليب إلهية مثل كرسي الساحرات وغيره.
إن على العالم أن يعي تلك الحقيقة وطبيعة النظام الإيراني، الذي لو تم تفسير أحكامه وسلوكه مع الشعب الإيراني لصدرت قوانين دولية تجرمه، لأنه نظام يعطي صفة الإله لكائن بشري مخلوق وهو علي خامنئي. والإشكالية لا تقف عند هذا الحد، بل إن الولي الفقيه يقوم بتعيين وكلاء عنه وهؤلاء الوكلاء يكتسبون صفة الإله بالتعيين!
وهنا يتجاوز الموضوع حدود العقل والمنطق ويدخل الإنسان العادي في عالم الخرافة والأسطورة. ومن الناحية العملية يرجعنا إلى العصور الوسطى. ونظام ولاية الفقيه الحالي في إيران يرجعنا إلى عصر الدولة الفاطمية في زمن المنصور بن عبد العزيز حين جعلوا الحاكم بأمر الله الفاطمي معصوماً عن الأخطاء وفوق مستوى البشر. وعندما مات قامت فئات من المسلمين بالارتداد عن الإسلام وإطلاق صفة الإله عليه كالإسماعيلية والنزارية والدروز، وهذا ما سيحصل عند موت علي الخامنئي.
إن المشكلة في نظام الولي الفقيه لا تقف هنا، بل تتعداه الى القوانين التي يعمل بها نظام الولي الفقيه ومن ضمنها قانون التقيه أي الكذب لاتقاء شر الغير. وحتى لا يتضرر أتباع الولي الفقيه وموظفيه فعليهم الكذب على الآخرين وعدم قول الحقيقة، فمن حق إدارة الطاقة الذرية الإيرانية مثلا أن تكذب على العالم لاتقاء شر العالم ومن حق وزير خارجية إيران الكذب على العالم لاتقاء شر العالم. وهنا نعود إلى بيان وزارة الخزانة الأميركية الذي قال عند صدور قرار فرض عقوبات على وزير خارجية إيران، إن السياسة الخارجية الإيرانية تتسم بالمخادعة والكذب. وهذا هو صلب الموضوع وصلب المشكلة، لأن واشنطن لم تفهم لغاية هذه اللحظة نظام الولي الفقيه والأنظمة التي يعمل بها.
إن نظام التقية المعمول به في إيران يحتوي على أحكام فرعية ليست أقل خطراً من الأحكام الرئيسية. فمثلا من حق أتباع الولي الفقيه إذا كانوا يعيشون في بلدان خارج إيران أن يسرقوا من البلد الذي يقيمون فيه، وبحسب تفسير الولي الفقيه لذلك بالمبدأ المعمول به: أن الحاكم ظالم ومن حق الجميع سرقة الحاكم ودولة الحاكم ومن حق الجميع تخريب مؤسسات وممتلكات الدولة، لأن الحاكم في وجهة نظرهم ظالم!
فمن قال لهم أن الحاكم ظالم ومن سمح لهم كأفراد أن يكون لهم حق إصدار الأحكام القانونية وتنفيذها؟ إن نظام الولي الفقيه يعتبر غيره أنظمة ظالمة يجب إزالتها وتغييرها إلى نظام ولاية الفقيه. والنقطة لا تتوقف عند تلك الفقرة القانونية بل هناك قانون آخر يتفرع عنه وهو أن الآخر كافر فمن حق أتباع الولي الفقيه قتل أي شخص لا يؤمن بالولي الفقيه لأنه كافر.
هناك قوانين كثيرة في نظام ولاية الفقيه لم يتم دراستها من قبل الهيئات القانونية والدينية والبشرية العالمية والتعرف على مدى ملاءمتها للحاضر الذي يعيشه العالم لغاية الآن، على الرغم من أن ذلك النظام بدأ بسن قوانينه سنة 1980 فلماذا سكت العالم عن ذلك النظام طوال تلك الفترة؟
أولا – نظام ولاية الفقيه يمثل خطراً على الوجود الإيراني والوجود الإنساني وأن الشعب اللإيراني المتضرر المباشر من ذلك النظام.
ثانيا – إن الدول الكبرى التي ساهمت بعضها في زرع هذا النظام في المنطقة تريد أن يبقى هذا النظام حيا وقائما وغير مسموح بمناقشة قوانينه لكي يبقى مصدراً للحروب وعدم الاستقرار وإبقاء المنطقة مشغولة بتلك الحروب وبدفع المليارات من أجل التسليح، لأن المنطقة العربية هي أغنى مناطق الأرض في الثروات والموارد الطبيعية وعندما تنتهي مواردها وينضب البترول تكون مشغولة عن التنمية والتطور وبناء الدول وتنمية الإنسان.
أما نظام ولاية الفقيه فحاله كحال الكيان الصهيوني الذي يؤدي نفس المهام والواجبات وهي إدامة حالة عدم الاستقرار لاستنزاف ثروات المنطقة.
ولو كانت الجامعة العربية قوة دولية مؤثرة تمتلك جيشا قويا ولها تأثير على الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية لكانت استدعت إيران واستجوبتها عن سبب كل تلك التدخلات في الشأن العربي، كالتدخل في العراق وسوريا واليمن، واستدعت تركيا وسألتها عن تدخلها في سوريا والعراق وليبيا، وكانت استدعت قطر وسألتها عن جرائمها في تمويلها الإرهاب ومؤامراتها المستمرة ضد الدول العربية.
إننا اليوم بأمس الحاجة إلى قوة عربية مؤثرة لأن العالم اليوم هو عالم التحالفات والاتحادات وجامعتنا العربية لا تقوم بأي دور من جانب، وتعرقل إقامة أي اتحاد عربي جديد من جانب آخر. وأملنا الكبير في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر الذين وقفوا وقفة رجل واحد بوجه مخططات قطر وتركيا الإرهابية. وأملنا الكبير في هذا التحالف الخيّر لحل قضايانا المصيرية ومشاكلنا المتواصلة، وفي ضم دول عربية أخرى إلى تحالف الخير.
إن أميركا التي تستغفل العالم اليوم وتقول بأنها اكتشفت الآن فقط أن الدبلوماسية الإيرانية تتسم بالمخادعة والكذب، تعرف جيداً نظام ولاية الفقيه، وتعرف أنظمته وقوانينه المعمول بها، لكن عندما يخرج ذلك النظام عن طوعها تكتشف أنه يتسم بالمخادعة والكذب.
بسام شكري
18 أغسطس 2019
الگاردينيا:اهلا وسهلاً بالأخ الأستاذ بسام.. المجلة مجلتكم ، ننتظر جديدكم كل أسبوع.
4594 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع