سيف شمس
قصة قصيرة / لاورا
- هل واعدت واحدة من قبل ؟
- لا.
- لماذا ؟
- لا أعرف لماذا لكني أؤمن بأن الحب شيء ضعيف كالخيط، لكنه عندما يتداخل بين قطعتي قماش يكون قوياً
لا أعرف لماذا كذبت عليها، ممكن لأن ذلك الفتى الراعي الشرقي لا يزال يسكنني فلا يستطيع البوح أمام قلاع جمالها بتجاربه العاطفية الفاشلة التي ادت إلى انهياره وفقد كل ما هو جميل في ذلك الحب الذي رجع مع بريق عينيها عندما رآها للوهلة الأولى.
لطالما نسي اسمها في بادئ أمره فدونه بقصاصات أوراقه لكنه كان مرتبكاً تجاهها حتى إنه ينسى اسمها، فجمالها وبريق روحها يسكنانه ويعيدانه إلى ماض لا يعرفه هو.
دون اسم لاورا العديد من المرات حتى اصبح وشماً في ذاكرته، ذلك الفتى الذي يكره الأوشام قد حاول العديد من المرات أن يوشم اسمها مكان قلبه عله يشفى من ذلك المرض الذي حاول مراراً تجاهله، حتى هي قد قالت له في يوم ما انك لا تؤمن بالحب.
ربما لا نؤمن بالحب لكنه يؤمن بنا يسكننا ويتداخل في وجداننا كأنه خيط نسيج نسج أجمل سجاد الكاشان سجادته المفضلة. يعبد تلك السجادة لكنه قرر عدم شراء واحدة حتى تطأ قدمي معبودته عليها، فامتلاك ما يحبه من لهذه السجادة مرهون بتلك التي أسرت قلبه فيعلم مكوثها في قلبه لا يقل زمناً عن ذلك الأسير.
سجل صوتها ذات يوم لكي يعيد سماعه قبل نومه وعند صحوته، هذا الفتى المسكين الذي كان يرعى قطعان أغنامه لا يستطيع الآن رعي قلبه فصحرائه مجدبة وسنينه قد أصابها المحل هذه الكلمة التي اعتاد على تردادها في صغره لكنها لا تزال تؤذن في أذنيه كمؤذن قريته الذي مات ولا يزال يعيش في ذاكرته.
لاورا كانت رباباً مليئة بالأمطار تسعد ناظريه وتهيج له عاطفته، يترقب الساعات والدقائق لكي يراها مرة أخرى لكن حمل الانتظار قد أضناه واحاله إلى سيزيف يأمل بخلاص لكن صخرته تثقله وتعيده إلى قاع واديه.
سألته ذات يوم لماذا هي دون الأخريات ؟ فلم يجبني وأناخ برأسه كما ينيخ البعير رقبته وهو عطشاً في صحرائه. لكني عاودت سؤاله مرة أخرى فأجابني بخوف ووجل :
- لم أعد أؤمن بالحب ولم تعنيني حروفه. في يوم ما تصورت بأني قد انتصرت وتمكنت من امتلاك قلبي وقلت لنفسي ها هو ذا القلب قد آب إليك ولن يعد مُلكاً لأحد. سافرت وهاجرت وقطعت بحاراً وشهدت اهوالاً وأنا أملك ذلك القلب بين أضلعي. مرنته وطاوعته حتى أصبح عبداً لي فلا يرضخ لأي كان لكنه أحال جسدي إلى صحراء مجدبة لا يمكن رعيها. كنت سعيداً بذلك فأحسست بصخرة سيزيف قد تفتت وأصبحت رماداً فتطايرت بنسمات أنفاسي. لكن أتى نسيم الصباح مشبعاً بأطيب الأريج فتتبعته حتى احالني إلى فراشة تطير بنسائم الصباح لكن سرعان ما أدرك أعمار الفراشات قصير ولا تستطيع شرب رحيق الأزهار فأحالني إلى نحلة تأكل طيباً وتنتج طيباً. لاورا زهرتي حيث أجد رحيقي أمتص حياتي لكي أعيش ولأروي أرضي القاحلة لتنبت كروماً وتيناً وترتفع أغصان أشجارها مرة أخرى.
نبحث باستمرار عن أحضان قد تنتشلنا من عالم الهول والفزع، حضنها يكفيني العالم ويكفيني خوفي ورهبتي وحزني وسعادتي، كم من مرة كلمتها بأطياف مخيلتي دون البوح لها بما يجول في خاطري من أمواج عاتية مشربة بالعواطف. أمواج تحمل في زبدها الحب الذي لطالما هزئت به لكنها قد أعادت لي عرش مملكتي وأشعرتني بأنني ملك يملك تاجه ولم يفقده.
- أتحبها لهذا المستوى من الجنون ؟
- لم يعد هناك جنون، قد اختفى وتلاشى وحل محله العته والهيام والتيه والحزن ممزوج بسعادة ولذة المندحر.
- أللمندحر لذة ؟
- لك شيء لذته حتى الخيبات، وها أنا أعيش على لذة خيباتي وخيالي.
- أين هي الآن ؟
- هي الآن في مجهول ذاتي، في أعماق سخطي وفشلي، في قمة انتصاراتي وفخري. هي بلقيس مملكتي وزنوبيا مستقبلي.
- أتكون لك ؟
- لا يهمني ذلك. ما يهمني هو أن أكون على صهوة حصاني فارساً يحمل سيفه للمقاتلة لكنه ضعيف القلب أمام محبوبته، كعنترة العبسي الذي هابه الجميع إلا حبه الذي أضناه وقتله. لاورا.
859 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع