سهى بطرس قوجا
المصير المتغير
وقف متأملا مطولا في باحة منزله، مُمدًا بنظره لأبعد نقطة في السماء سارحًا ومفكرًا في أمور تحمل من الغرابة ما يجعل الحياة تبدو غريبة وعجيبة في تدابيرها! ينظر ويطأطأ رأسه نحو الأرض وكأنه يقيس المسافة التي لا قياس لها ما بين السماء والأرض. أنه يبحث عن أجوبة لتساؤلات تخطر في باله وتتضارب مع ما يتصارع في أعماقه. يريد أن يفهم ويعرف: لماذا ما يأتي يذهب، ولكن ليس بدون عواقب باختلاف وقعها؟! يريد أن يقول: لما لا نحاول أن نكون أكثر تفهمًا لذواتنا، ولما لا نقدم على المحاولة في بناء إنسان جديد يختلف عن ذلك المولود المتأثر بذاك القديم المتوارث؟!
أنها طبيعة الحياة وطبيعة من يعمل فيها ولكن ليس كلها يحمل القسوة ذاتها أو الغرابة أو التلاعب ذاته أو التغيير نفسه. هناك اختلاف وهناك تباين ما زال هنالك إنسان من جنسين مختلفين يقطنها، هناك قدوم يعقبه رحيل وما بينهما هو ما يبقى غير مفهوم ومُبهم.
هل الإنسان فعلا جُبل من الخطيئة أم على الخطيئة؟!
الإنسان منذ أن خلق وهو في تطور ولكن في الظاهر وليس الباطن. هناك إدامة واستمرارية وهناك بقاء على الحواف، كثير من الحواجز البشرية تصارع من أجل ان تُبقي آخرين على حافة الحياة وكأنها تريد أن تنهي أعمال لم تبصر البداية أو تنهي حياة ما زالت توها تبتدئ وتتبرعم في الربيع. هناك تقليد وزيف في سبيل حجب ما هو حقيقي! هنالك نوع من عدم التوافق الذاتي يعيشه البعض ويريدون ممارسته على الغير، هناك محاولة ولكن ليس من أجل الأفضل بل من أجل التسارع في الهدم وخلق جدار صلب كل من يصله ويتكأ عليه يصبح بنفس درجة صلابته وقسوته.
فالإنسان لم يخلق من الخطيئة بل يسعى إليها حينما تأتيه الفرصة والمصلحة، فهي ليست مفروضة ولكن هو يفرضها حينما يلبسها مثل أي ثوب. لا أعرف لما الإنسان غالبا ما يراوح في نفس النقطة محاولا أن يعمل منها حفرة كبيرة تتسع لكل ما يُلقى بها؟! أليس هذا ما يسعى إليه مرات كثيرة حينما يعيش الضياع والتشتت مع نفسه، وحينما هو نفسه يرغب في أن يكون مجرد هيكل فارغ يسكنه صدى افكاره الفارغة؟!
الحياة لا تنتهي وهي محاولات وليس محاولة واحدة، إن خبت في الأولى فما زال هناك ثانية وثالثة بما إن إرادتك باقية بنفس قوتها وإصرارها. إنك إنسان وإنك خلقت من المحاولة ومن أجل أن تكون، فلما لا تحاول أن تغير من مصيرك بحيث يبقيك إنسان على الدوام مع نفسك ومع الآخر؟ وكون على يقين أننا لا نملك حياتنا ولكن نملك أن نجعلها تمتلك ما يجعلها يستحق قيمتها، فأجعلها تستحقك وأجعلها تبدو أنيقة بك.
حينما نكون بصدد فهم الحياة، فلابد من أن نفهم أنفسنا أولا والتقرب منها، أنها ساعات تأتينا لتعقبها أخرى، تأخذ ما تأخذ لترحل ببعضها والآتي بعدها لا يعوضها ولا يشبهها. نعم .. جميع ما في الحياة يذهب ليأتي غيره، أنها سُنة الحياة التي تغير الكثير من المصير باختلاف تواجده في الحياة وحياة ما في الكون وبمساعدة الإنسان نحو الأفضل والأبقى.
ويا ريت لو يبقي كل إنسان نظره نحو الشمس لتنير بصيرته وليعرف كيف يضع خطواته وكيف يصنع ساعاته وكيف يعيش يومه ويطور من قدراته في سبيل التغيير والتطوير والإصلاح.
889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع