بقلم المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
العراق دولة المنظمة العلنية /الجزء الثاني
2- احتلال الكويت (حرب الخليج الثانية) أو عاصفة الصحراء:
قام الجيش العراقي في 2 آب 1990 بغزو دولة الكويت واحتلالها وتشكيل حكومة صورية فيها بتاريخ 4 آب ومن ثم أعلنت الحكومة العراقية في يوم 9 آب 1990 ضم الكويت للعراق (عودة الفرع للأصل) وبرغم المناشدات والمطالبات والتحذيرات من أغلب دول العالم إلا أن الرئيس العراقي (صدام حسين) أصر على رفضه الخروج وسحب قواته منها وحجته في ذلك استناده واعتماده على ذريعة البعد التاريخي كونها كانت قضاءً تابعاً لمحافظة البصرة قبل احتلالها من القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية, واعتبر ما قام به أمراً واقعا سوف ترضخ وتقبل به تلك الدول صاغرة حاذفاً من حساباته المبنية على الوهم استحالة قبول المجتمع الدولي لهذا التصرف غير المدروس العواقب والذي شكل تهديداً لمصالح الدول الكبرى ودول الخليج وسابقة خطيرة تشجع الدول القوية والمتمكنة عسكرياً والتي تفوق العراق في قدراتها وامكانياتها من احتلال الدول الأخرى الصغيرة والضعيفة من حيث امكانياتها العسكرية وعصرنا الحالي لا يجيز مثل هكذا تصرفات والقبول به معناه العودة إلى عصور ما قبل القرن العشرين, إن إصرار الرئيس العراقي صدام حسين ورفضه الانسحاب من الكويت ووصلت الأمور إلى قيامه بتعميم أمر إلى الجيش العراقي والجيش الشعبي المتواجد في دولة الكويت بعدم الانسحاب منها حتى إذا صدر أمر بذلك منه شخصياً وهذا الأمر يذكرني بقريبي المرحوم الأستاذ (طاهر علي) فعندما كان يثار موضوع احتمال انسحاب (صدام حسين) من الكويت أو عدم انسحابه بوجود اشخاص يتداولون في هذا الموضوع والذي كان مثار اهتمام الجميع وترقبهم, لقد كان قريبي ينهض من مكانه وهو يردد بعصبية: ((هل أنتم مجانين يبدوا أنكم لا تعرفون السيد الرئيس جيداً... كيف ينسحب هذا البطل من الكويت إن كلمته واحدة وما تصير اثنين... أصلاً هو ما يعترف بـ جورج بوش إللي عنده السلاح والتكنلوجيا واحنا عدنا سلاح الإيمان والعزيمة)).
الأستاذ طاهر علي
بعد تفرقنا كنت استفسر منه عن الغاية من كلامه هذا فكان جوابه: ((خلي لا ينسحب ويحصل الهجوم عليه.. بلكت نخلص منه)) وكنت أفكر حينها وأقول إلى أي مدى أضعف السلوك الخاطئ لـ (صدام حسين) في إدارة الدولة أثر سلباً على إيمان وثقة المواطن العراقي بقيادته السياسية إلى درجة جعلته يمني النفس في قيام الأجنبي بإنقاذه مما هو فيه, وفي نفس الوقت كان نفس المواطن يهتف ويردد: ((بوش بوش اسمع زين كلنا نحب صدام حسين)) حيث أصيب معظم الشعب العراقي بالازدواجية في التعامل مع الوضع السياسي.
وهنا رأيت أنه من الضروري أن أشير إلى ما كتبه اللواء (فوزي البرزنجي) في موقع الكَاردينيا الالكتروني عن موقف الاستخبارات العسكرية العامة من قرار الرئيس العراقي (صدام حسين) في اجتياحه لدولة الكويت الذي سبق ذلك وننقل ذلك حرفياً... حيث يقول اللواء (فوزي البرزنجي):
((حدثني اللواء الركن سنان عبد الجبار أبو كلل معاون مدير الاستخبارات العسكرية العامة وطلب مني أن لا أخبر أحداَ عما سيقول ، قال قبل أحداث 2 آب بفترة وجيزة تلقى مدير الإستخبارات العسكرية العامة الفريق الركن (صابر عبد العزيز الدوري) مكالمة تلفونية إستدعى فيها للحضور إلى رئاسة الجمهورية وبعد عودته إستدعاني في غرفته وأخبرني بوجوب إعداد تقدير موقف إستخبارات مفصل لغرض تنفيذ عملية إجتياح الكويت، قال جلسنا معا في غرفة بعيداً عن الهواتف وأصدر أمراً بمنع المراجعات إلينا مهما كان السبب، ولساعات طويلة نحن الإثنان ندون بأيدينا فقرات تقدير الموقف شارحين فيه الموقف السياسي والموقف الإعلامي والموقف العسكري الذي سيترتب على العراق في حالة تنفيذ عملية إجتياح الكويت ، لإن دولة الكويت سوف تطلب الحماية الدولية وسوف تدفع الأموال اللازمة لتمويل الحملة العسكرية ضد العراق وستدخل القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي واضعين نصب أعيننا مقدار التفوق العددي والتفوق النوعي والتفوق التكنلوجي الذي تمتلكه الترسانة العسكرية لحلف شمال الأطلسي مقارنه بما يمتلكه العراق من الأسلحة لكافة الصنوف التي أصبحت أعمارها منتهية بسبب طول فترة الحرب العراقية الإيرانية ، أخذين بنظر الإعتبار الحالة المعنوية لقطعات الجيش العراقي الذي أنهكته سنوات الحرب العراقية الإيرانية، كُتب تقدير الموقف باليد بخط واضح خشية تسرب المعلومات الواردة فيه وتم مراجعته عدة مرات وبلغ عدد صفحاته أكثرمن (150) صفحة ووضع بظرف رسمي معنون إلى القائد العام للقوات المسلحة وكتب على الظرف سري للغاية وشخصي وختم الظرف بختم المديرية بالحبر الأحمر وأخذه مديرالإستخبارات العسكرية العامة بيده وسلمه إلى السكرتير الشخصي لرئيس الجمهورية...
حطام البوابة الشرقية
يقول وتم حرق المسودات من قبلي شخصياً ، يقول في ساعة متأخرة من الليل طلب منا الحضور صباح اليوم التالي في مبنى القصرالجمهوري لمناقشة تقدير موقف الإستخبارات مع القائد العام للقوات المسلحة، يقول ذهبنا صباحاً وفي القاعة المعدة للمناقشة كان يتواجد فيها طاولة طولها أكثر من ستة أمتار يقول جلسنا نحن الإثنان ولا يوجد شخص آخر معنا وبعد وقت قليل جاء الرئيس وبيده ملف تقدير الموقف وعلى وجهه علامات الإنزعاج وقبل أن يجلس قذف ملف تقدير الموقف من يده على الطاولة من جهته القريبة وسقط االملف من الطاولة من جهتها البعيدة وقال بالحرف الواحد (صابرعلى ضوء تقدير الموقف هذا لا نستطيع أن نعمل شيء) ، وإلتزمنا جانب الصمت إلى أن هدأ نسبيا وبدأ الفريق الركن (صابر الدوري) يتحدث بهدوء وقال سيدي الرئيس نحن ضباط ركنك ويجب علينا أن نقدم لسيادتك إستشارة صحيحة وتم مناقشة مفردات التفوق العسكري للجيش الأمريكي على الجيش العراقي في حالة قيام الحرب مع الرئيس بإيجاز وإنتهى الإجتماع بعد فترة وجيزة وعلامات عدم القناعة واضحة على وجهه بما ورد في تقدير الموقف وأعتقد كان يتوقع سنقول عكس ذلك)).
الفريق الركن صابر الدوري اللواء الركن سنان أبو كلل
هذا هو ديدن الرئيس العراقي (صدام حسين) حيث كان يعمل دائماً خارج السياقات المتبعة وحسب أهوائه وما يتمناه في خياله وتصوره للأمور بشكل منقوص وغير حقيقي ومخالف للواقع من كافة الوجوه...
صدام حسين يكرم امير الكويت في عام ١٩٨٩ ويغزوه في العام التالي
وفي سياق متصل يذكر المحامي (خليل الدليمي) في مقابلة له مع شبكة (روداو) بأن الرئيس العراقي كان نادماً على غزوه لدولة الكويت وكان يتمنى لو أنها لم تقع حيث دفع العراق إلى الفعل الذي حصل عام 1990 وكان يردد: ((سامح الله من كان السبب))
وحان الآن موعد انتقالنا إلى حرب أخرى وهي حرب الخليج الثالثة ونتائجها المأساوية على الشعب العراقي ونضطر لنقول: ((سلمونا على إللي ما شفناهم)
انتهى الجزء الثاني
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/41512-2019-09-07-08-11-34.html
3580 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع