سميّة العبيدي
نظرة في اهزوجة بغدادية تراثية منسية
شمسي قمر يا ربيع ْ
غزالة تغزل وتبيـعْ
وتبيع حُكـّــه ببـاره ْ
د تنمــلي البيــــارة ْ
لم تترددّ هذه الاهزوجة مرافقة لأية لعبة ، بل كان الاطفال يهزجون بها عادة منفردين أو زمراً ويقولها الأطفال ذكورا ً واناثا ً متى خطرت لهم ببال ، وهم يمشون وهم يمارسون العابهم أو اعمالهم البسيطة والتي تكلفهم بها اسرهم .
سمعت تلك الأهزوجة نهاية النصف الأول من القرن العشرين في بغداد وانشدتها تارة بمفردي وتارة مع رفيقات الصبا . ولم اسمعها بعد ذلك حتى انـّي نسيتها تماما ً، غير انها انبرت في ذهني شاخصة ذات صباح .
الأهزوجة تتكون من اربعة مقاطع أو أِشطر فقط كما في أعلاه ولا يعرف قائلها حسب علمي ، لكنها قد تطوي في تضاعيفها أكثر من معنى .
فالطفل ينادي الربيع فيها وهو موسم الدفء والزهر والعطر والمرح والفرح وقد يكون الربيع قد حلّ فعلا ً أو يكون متخيّلا ًمشتهى متمنـّى . و( الشمسي قمر) هو نبات عبّاد الشمس الجميل الرشيق بوردته الجميلة المتميزة ذات التويجات الصفراء تحضن في وسطها الحبيبات السوداء التي اصطفت على شكل دائرة ، وهي تقابل الشمس اينما تولـّت فلكأنـّها وجه ٌ ودود .
والبغاددة أوالبغادّة ( كما يسمـّون أنفسهم ) يسمـّون هذا النبات وكذلك وردته وبذوره ( شمسي قمر) وهم يتسلون بأكل بذوره كغالبيـّة الشعوب ) .
وتنتقل الأهزوجة في الشطر الثاني الى مرحلة اخرى وهي ذكر الغزالة و - غزالة - اسم علم معروف متداول وكان لدينا في حيّنا وأنا طفلة بضع نساء تـُدعى كل منهن غزالة . وهناك اهزوجة بغدادية اخرى يترددّ فيها هذا الأسم لا تزال تـُذكر بين حين وآخر حتـّى الآن وهي
غزالة غزّلوك ِ
بالماي دعبلوكِ
انت ِ وامك وابوك ِ
ولست ادري سبب ولع الهزاجين بالغزالة ، وربما قائل الاهزوجتن واحد . فكما تدّعي الاهزوجة ان غزالة هذه تغزل وتبيع غزلها وتكسب مالا ً كثيرا ً تملأ ُ به مخآبأها السرية ويكون ذلك في بئر الدار، ولقد كان لكثير من البيوت البغدادية آبار في القرن التاسع عشر و ما قبله .
أما ( بارة ) فهي عملة (عثمانية ) وربما يشير ذكرها في الأهزوجة الى زمن تأليفها أي القرن الثامن عشر أو بداية القرن التاسع عشر وربما أقدم من ذلك. وفي منتصف القرن العشرين (زمن سماعي لهذه الاهزوجة) كانت هذه اللفظة لا تزال حيّة وقيد الاستعمال بندرة ، مثلها مثل لفظة (حُقـّة) فلقد استمرّ استعمال هذه اللفظة ضمن الفاظ الاوزان بندرة ايضا الى بداية الربع الأخير من القرن العشرين ولبعض المواد والسلع فقط . واظنها لمّا تزل تـُستعمل بندرة فائقة . كما ان لفظة ( بارة ) ما تزال تـُذكر كما في المقولة الشعبية ( ما املك لا فلس ولا بارة ) لمن يدّعي الفقر والاملاق والافلاس .
- ولا انسى هنا ان انوه الى ان الشطر الاول أقرب ما يكون الى مناداة الباعة على سلعهم ترويجا ً لها -
وربما لايقصد بالغزالة هنا امرأة ما بل يقصد بها الشمس وهذا أقرب للسياق وأكثر تناغما ً فالغزالة اسم من أسماء الشمس . فيكون المعنى "ان خيوط الغزالة - أشعة الشمس - تغني الحياة وتنوّعها وتتسبب بالخير والنعمة للبشر اجمعين وبخاصة لمن يكدّ ُ ويكدح في سبيل رزقه " .
فسبحان البارىء المبدع الذي جعل النظام الشمسي سببا ًفي استمرار الحياة وديمومتها وبقائها ، فكأن الطفل هنا يغنـّي للحياة ويحث ّ نفسه والآخرين على العمل والنشاط .
*****
سميّة العبيدي
998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع