محنة الأكراد.. دروس مستمرة ولا من معتبر

                                                  

                          د. سعد ناجي جواد

محنة الأكراد.. دروس مستمرة ولا من معتبر

لا يمكن لأي إنسان منصف ان ينكر حقيقة ان الشعب الكردي والأمة الكردية قد تعرضا لظلم كبير منذ الحرب العالمية الاولى، ومنذ ان بدأت الدول الأوربية في وضع مشاريع تقسيم منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق اسيا. فاستثناءا عن قوميات المنطقة حُرِمَ الأكراد من تاسيس كيان او دولة خاصة بهم، ومن حرمهم من ذلك دولتان أوروبيتان إنتصرتا في تلك الحرب وهيمنتا على المنطقة، بريطانيا وفرنسا.

ولم تكتف هاتان الدولتان بحرمان الأكراد من التمتع بدولة خاصة بهم، شانهم شان شعوب المنطقة، او الطارئين عليها مثل الصهاينة، بل وتماديتا في الظلم بان قامتا بدعم الدول الجديدة التي تشكلت بعد الحرب في سياساتها التي كان ينتج عنها في الغالب إضطهادا للأكراد المطالبين بحقوقهم الثقافية والسياسية في الدول التي تواجدوا فيها.
علما بان الدولتين الاستعماريتين، بريطانيا و فرنسا، عملتا في بعض الأحيان على تحريض الأكراد في الدول التي اصبحوا جزءا منها، وفي اكثر من مناسبة لكي يتمردوا على الحكومات التي كانت تحاول ان تتصرف باستقلالية وترفض توقيع معاهدات مذلة معهما، وعندما كانت هذه الحكومات ترضخ وتوقع معاهدات مع الدول المُستَعمِرة، تقوم الاخيرة بمساعدة الحكومات المحلية في قمع الانتفاضات والثورات الكردية التي شجعتها.
ولكن وللأسف فان الغالبية العظمى من القيادات الكردية، العشائرية والحزبية، ظلت تعتقد بل وتؤمن بان مصلحتها وتحقيق ما تصبو اليه لا يمكن ان يتم الا بالتعاون مع الدول الاستعمارية السابقة والجديدة، الامر الذي دفعها الى وضع التعاون مع الحركات الوطنية في الدولة التي يعيشون فيها في المرتبة الثانية بل وحتى في مرتبة ابعد من ذلك بكثير. لا بل انه في بعض الأحيان فان قيادات كردية عمدت ذبحا وتقتيلا بأطراف الحركة الوطنية الذين لجأوا الى المناطق الكردية، خدمة لأجندات خارجية.
ولم تستطع الكثير من القيادات الكردية ان تستوعب حقيقة ان من غدر بهم ومزق شعبهم لا يمكن ان يضمر لهم خيرا، وان ما يقدمونه لهم هو ليس حبا بهم بل نكاية بحكومات او سياسات الدول التي يعيشون فيها، خاصة اذا كانت هذه السياسات معادية او ترفض الخضوع للإملاءات الغربية. بدليل ان يد العون الغربية لم تكن تمتد لمساعدة أكراد ايران ايام شاه ايران، ولا أكراد تركيا عندما كانت تركيا تسير تماما في الخط الغربي الناتوي. وهذا الامر ليس بالجديد. ففي العراق مثلا بعد الحرب العالمية الاولى اتبعت بريطانيا سياسة تحريض أطراف عشائرية كردية ضد النظام الملكي، كلما شعرت ان هذا بعض ساسة هذا النظام، وبعض البرلمانيين، كانوا يرفضون توقيع معاهدة طويلة الأمد تجعل من العراق خاضعا لبريطانيا بصورة كاملة. و بعد ان كانت تنجح في توقيع هكذا معاهدات كانت بريطانيا ترسل القوات البريطانية المسلحة، وعلى رأسها القوة الجوية الملكية، لسحق الانتفاضات الكردية التي شجعتها هي ابتداءا.
ونفس الشيء حدث مع أكراد ايران عندما صدّقت القيادات الكردية بوعود وتعهدات الاتحاد السوفيتي وأعلنوا قيام جمهورية مهاباد ذات الحكم الذاتي، ثم ما لبث السوفيت ان تنصلوا عن وعودهم وتخلوا عن مهاباد وتركوها لكي تسحق و يعدم قادتها من قبل قوات الشاه المدعومة من بريطانيا والولايات المتحدة، بمجرد ان قدم الشاه لهم (السوفيت) بعض الامتيازات داخل ايران. وتكرر الامر في العراق الجمهوري الذي اعترف ولأول مرة (وثبت ذلك في الدستور) بالأكراد شركاء للعرب في الوطن، الا ان قيادات عشائرية تواطأت مع ايران لإعلان تمردات مسلحة متعددة في العراق، و استجاب قسم اخر منها لمخططات بريطانية ايضا.
ووصل الامر بالحزب الديمقراطي الكردستاني ان يذهب هو الآخر الى إقامة علاقات متينة مع ايران، ومن خلالها مع إسرائيل والولايات المتحدة، ضد وطنهم الذي اعترف بوجودهم، في الوقت الذي كانت فيه ايران لا تعترف بهم كقومية. واستمر الامر حتى بعد ان اقر العراق مبدأ الحكم الذاتي الذي كانت الأطراف الكردية تطالب به، (ولم يقر هذا المبدأ ولحد اللحظة في أية دولة أخرى مجاورة يعيش فيها الأكراد). ومع ذلك ظلت الأحزاب والقيادات الكردية العراقية مستعدة بل وتذهب للتعاون مع أنظمة هذه الدول ضد العراق. وعندما تخلت كل هذه الجهات عن الثورة الكردية في عام 1975، قبلت القيادات الكردية بهذه الطعنة في الظهر من قبل ايران وإسرائيل والولايات المتحدة، وظلت علاقاتها مع جميع هذه الأطراف متينة وخانعة، على الرغم من ان هذه الدول اجبرت هذه القيادات على ان تعيش حالة اللجوء المذل على أراضيها.
وتكرر السعي لكسب رضا الدول التي غدرت بهم على حساب مصالح الشعب الكردي خاصة والشعب العراقي عامة. لكي يصل الى حد التعاون مع قوات الاحتلال لتدمير العراق وجعل أراضي كردستان العراق مرتعا للنفوذ والوجود الأمريكي والاسرائيلي والإيراني الذي غدر بهم اكثر من مرة.
أكراد سوريا لم يختلفوا في ذلك. فعلى الرغم من غالبيتهم هم من اصول ومن عوائل نزحت الى المدن السورية هربا من تركيا الاتاتوركية، وقبلها العثمانية، بسبب الحملات العسكرية الكبيرة لتصفيتهم كشعب، الا ان احزابهم فضلت التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل ضد الدولة السورية، لا بل ان قسما منها تعاون لفترات حتى مع تركيا.
وها هي تركيا اليوم تشن عليهم حربا تدميرية لا تفرق فيها بين ما هو مدني او مسلح، وبعد ان تخلت عنهم الولايات المتحدة بقرار اتخذته واشنطن في لحظات، وبعد سنين من التحريض لهم ضد الدولة السورية وبعد ان زودتهم بالسلاح لكي يقاتلوا به ابناء جلدتهم من السوريين، بل وحتى بعض الأكراد الذين يشتركون معهم في الهوية القومية. وهكذا تتوالى الطعنات عليهم مِن مَن اعتبروهم حلفائهم ومن الذين تعاون معهم لتدمير بلدانهم ومجتمعاتهم التي تتعامل معهم كأشقاء تاريخين.
بالتأكيد ان احدا لا يستطيع ان ينكر ان بعض سياسات الدول التي يعيش فيها الأكراد كانت تعسفية ضدهم، ولكن لو ابدت الأحزاب الكردية في هذه الدول نصف او حتى ربع المرونة التي تبديها للدول الخارجية التي تأتمر بإمرها لتحقق سلم وهدوء وتنمية لصالح العرب والأكراد في هذه البلدان. ويبقى الامر الأكثر إيلاما ان ما ينتج عن مسلسلات الغدر هذه هو قتل وتهجير لأبناء الشعب الكردي البسطاء في حين ان قياداتهم كانت ولا تزال تجد مكانا امنا لكي تعيش فيه حياة مرفهة وتنعم بما جمعته من أموال جراء خدماتها للدول الأجنبية. والسؤال الذي يبقى يطرح هو هل ستتعض القيادات الكردية من هذا الدرس الأخير؟ والسؤال الأهم هو هل سيتعض كل من يعتقد ان الاعتماد على الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل هو الحل للمشاكل التي يعانون منها؟ وهل سيقتنعون اخيرا بان الحل الأصح والانفع والأنجع يكمن في التعاون مع الحركات الوطنية في البلدان التي يعيشون فيها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1100 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع