ترجمة (عن الإنگليزيلة): د. زكي الجابر
تَواصُل - للكاتب البرازيلي ’’مواسير سكليار‘‘(Moacyr Scliar) (1)
إعداد وتعليق د. حياة جاسم محمد
أَنصتَ ’’روبرتو‘‘ إلى مُكالمةٍ هاتفيَّةٍ من أَخيهِ ’’مارسيلو‘‘ الذي كان، كما يبدو، يغلبُ عليه الاكتئاب. كان الارتباطُ التلفونيُّ رديئاً، والشيءُ الوحيدُ الذي استطاعَ ’’روبرتو‘‘ فَهْمَهُ هو كلمةُ ’’ماتَ‘‘.
صَرَخَ ’’روبرتو‘‘: ’’مَن الذي ماتَ؟ مَن الذي قُلتَ إنّه ماتَ؟‘‘. واستبَدَّ به القلقُ فأَخَذَ يكرِّرُ مُتَمْتِماً الكلماتِ نفسَها.
وعلى أيّةِ حال بَقِيَ الارتباطُ التلفونيُّ سيئاً، وشَرَعَ أحدُهما يُنادي الآخرَ أَنْ أَعِدِ السَمَّاعةَ وحاوِل تارةً أخرَى. وأعاد ’’روبرتو‘‘ السَمَّاعةَ وانتظرَ بفارغِ الصَبرِ رَنَّةَ التلفون. ومرَّتِ اللحظاتُ، ثُمَّ الدقائقُ، وظلَّ التلفونُ صامِتاً، فَخَطَرَ لَهُ أَنَّ أخاه يَتَوقَّعُ منهُ أولَوِيَّةَ البَدءِ. ثُمَّ حَدَّثَ نفسَهُ بِصوتٍ مُرتَفِعٍ: ’’وإذا ما فعلتُ ذلِكَ، وفَكَّرَ ’’مارسيلو‘‘ أَنَّ عليه أولَوِيَّة إدارَةِ القُرصِ، وإذا أدارَهُ سيجدُهُ مَشغولاً، ولِذا فَمِنَ الأصوَبِ أن أَنتَظِرهُ‘‘. وظلَّ ينتظرُ، والوقتُ ينصرمُ، والتلفونُ لا يرِنّ.
وبِعَفويّةٍ التقطَ السَمَّاعة وأدارَ رقمَ ’’مارسيلو‘‘، وكما تخوَّفَ تماماً كان الخطُّ مشغولاً.
أَوْقَفَ المحاولاتِ وانتظرَ بَعْضاً من الوقتِ، وشَرَعَ يَذرَعُ المكانَ جِيئةً وذَهاباً وهو يُدَخِّنُ. وبالرغمِ من اقتناعِهِ بِضَرورةِ الكَفِّ عن إدارةِ القُرصِ لم يَكُنْ بِوُسعِهِ الاقتناعُ، وجاءتهُ الإشارةُ بأَنَّ الخطَّ مشغولٌ.
ولِنَفْتَرِضْ أَنَّ رَفْعَ سمَّاعةِ التلفونِ يَسْتَغْرِقُ ثانيةً واحدةً، وثمانِيَ ثَوانٍ لإدارةِ القُرصِ، وثانيتين للإدراكِ بأَنَّ الطَرَفَ الثانيَ من الخطِ مشغولٌ، وخَمْسَ عَشْرَةَ إلى أربعينَ ثانيةً للانتظارِ بِقَلَقٍ قبلَ البَدءِ بمُحاولةِ إدارةِ القُرصِ مرَّةً أخرى، ولنُقَدِّرْ بعدَ ذلِكَ مقدارَ الوقتِ الذي يستَغْرِقُه ’’روبرتو‘‘ لِيَجِدَ تلفونَ ’’مارسيلو‘‘ غيرَ مشغولٍ.
وَفَوْقَ ذلِكَ كلِّه لِنَحزِرْ مَن الذي مات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لم يَسبِقْ نَشْرُ هذه الترجمةِ من قبلُ.
* تُرَى، ما كان الكاتبُ البرازيليُّ سيكتُبُ لو عاش في عصرِنا، عَصرِ التَواصِلِ الرَقمِيّ. هل تيسَّرَ التواصُلُ أم زادَ تعقيداً؟ ألمُؤَكَّدَ أنَّ الثَمَرَةَ كانتْ سَتكونُ قصَّةً لاذِعَةَ السُخرِيَةِ، شَأنُه في كلِّ ما كتبَ من قِصَصٍ ناقِدة.
1- مواسير سكليار (Moacyr Scliar) 1937-2011 كاتب وطبيب برازيلي، غزير الإنتاج. نشر أكثر من مائة كتاب في أنواع أدبية مختلفة: القصة القصيرة والرواية ورواية اليافعين وكتب الأطفال والمقالات.
1199 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع