المحامي /محمد عبدالرزاق الهاشمي
كنا ... وأصبحنا!
كانت لنا علاقات حميمة مع أشياء صنعت من أجلنا ولخدمتنا... كان لكل شيء منها طعم ونكهة ومذاق ... وكان تعاملنا معها بود ومحبة وحميمية... تلك الاشياء كانت تجمعنا وتلم شملنا فيها من الحميمية بقدر ما فيها من الفائدة والشغف... أما الآن فقد اضحت تلك الاشياء مدعاة لتفريقنا وبعثرة شملنا بعدما غزاها طوفان التطور التقني الحديث المتسارع.
كنا حين نريد ان نفتح او نغلق جهاز التلفاز او لنرفع او نخفض صوته، نقوم من مكاننا ونتجه صوبه لنلامسه برقة وحب ونضغط على الزر المطلوب كأننا نستأذنه في ذلك...
أما الآن فصار لدينا جهاز سحري اسمه الريموت كونترول ينفذ طلباتنا ونحن جلوس ليدعم فينا الكسل ويعزز روح الاتكالية...
كان التلفاز عبارة عن قناتين فقط وكنا نجتمع اما على هذه او على تلك قانعين بل أحيانا فرحين لمشاهدة برامج بعينها تحل علينا كضيوف محببة على قلوبنا...
قد نختلف على اختيار احدى تلك القناتين لكننا كنا نتفق في نهاية المطاف على واحدة منهما او نذعن لرأي كبيرنا...
كان يزرع فينا ذلك حب التسامح والتفهم والتفاهم واحترام الراي الآخر وتقدير مشورة الكبير فينا.
أما الآن فهناك تشتت بسبب الكثرة الكثيرة من القنوات رغم أن أغلبها كغثاء السيل...
وصار معظمها ادوات لبث الفرقة والضغينة واهدار الكثير من القيم الاجتماعية التي تربينا عليها.
بل ربما صار لكل واحد تلفازه فتفرقنا بعد تجمع وتشتتنا بعد توحد.
كان في المنزل جهاز هاتف واحد وكنا حين نتحدث عبره نحتضنه بود ورقّة... كان يجمعنا ولايفرقنا كأنه أحد افراد العائلة.
أما الآن فحدِّث ولا حرج عن هواتف هذا الزمن... التي جعلت كل واحد منشغل بجهازه لا يعبأ لمن حوله وبما حوله...
جهاز مضاره قد تضاهي منافعه ماديا وجسديا والاهم اجتماعيا.
كنا حين نود ان نشاهد فلما او مسرحية نشد الرحال الى دار السينما او المسرح سوية... نتفق ونجتمع اما كعائلة او كأصحاب لنقرر ماذا سنختار...
كانت لنا "كعائلة" طقوس في ذلك حيث غالبا ما كان يأخذنا الوالد رحمه الله يوم الخميس الى احد تلك الدور - لاحظوا التسمية ما أحلاها "دار" – بعدما نتهيأ بارتداء افضل الملابس وابهاها ونخرج كأننا مدعوين الى حفل استقبال رسمي رفيع المستوى...
اما الآن فبامكان اي شخص ان "ينزّل" ما يشاء من الاعمال الدرامية أو سواها عبر جهازه النقال او عبر اي من الاجهزة التقنية الحديثة ولكن... سيشاهدها لوحده نعم لوحده فقط... أقول لوحده فقط وان كان جالسا مع جمع من الاهل والاحبة والاصحاب...
كلما تقدمت الاختراعات وازدادت الاكتشافات العلمية والتقنية ازاء خدمة الانسان وتسهيل حياته، كلما كان لها تأثيرات جانبية سلبية قد توازي منافعها وربما تفوقها.
ما أجمل الأمس وما أبسطه...
900 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع