د. سعد ناجي جواد
كلمة متواضعة الى كل من لايزال يعتقد ان الولايات المتحدة هي الحل
اثار الحديث، بل والأحاديث المستهجنة التي ادلى بها الرئيس الامريكي مؤخرا عن العراق و أمواله، وصولا إلى الاستعداد لإفلاسه اذ (تجرأ) العراقيون على اخراج القوات الأمريكية المحتلة والغازية من البلاد، غضبا عارما عند عامة العراقيين (طبعًا غير الرسميين). علمًا بان هذه هي ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب بهذه الصورة المتعالية والمتغطرسة. فلقد سبق له ان تحدث عن ضرورة تجريد العرب من ربع أو نصف ثرواتهم لان الولايات المتحدة، (حاميتهم!!) هي أولى بهذه الثروات. كما تحدث عن ضرورة وضع اليد على النفط العراقي لتسديد ما صرفته الولايات المتحدة من ترليونات لاحتلال العراق. وفي الوقت الذي لم يسبق لرئيس أمريكي ان تحدث بهذا الأسلوب الفج، ولكن الحقيقة والأحداث السابقة توكدان ان جميع الرؤساء الأميركان كانوا يفكرون ويعملون بموجب هذه الطريقة، و بصورة غير مباشرة. وكانت النتيجة واحدة.
إبتداءا ما يسترعي الانتباه في هذا المجال، ان كل الاشخاص الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذبوا كي يدفعوها لاحتلال العراق، او تعاونوا معها من اجل هذه النتيجة، لم يفتحوا افواههم استنكارًا لهذا الحديث، لا بل ظهر من بين من تبقى من هذه الوجوه الكالحة القديمة من يردد نفس الاسطوانة المشروحة القديمة التي تقول بضرورة الاعتماد على امريكا لتخليص العراق مما هو فيه، والذي لم يحدث الا نتيجة للاحتلال البغيض. و الامر المؤسف ان يكون من بين يرددون هذه المقولة أُناس لهم تاريخ وطني او على درجة من الوعي بالدور السيء الذي لعبته امريكا وكل القوى الاستعمارية القديمة في المنطقة. وما يؤلم اكثر ان عددا لابأس به من اصحاب هذا الموقف يفعلون ذلك لأسباب طائفية بحتة، مما يوكد نجاح السياسة الأمريكية- البريطانية- الاسرائيلية في تثبيت الطائفية بين النخب. والحمد لله ان الجيل الجديد من شباب العراق قد اثبت ان هذه السياسة وهذه الممارسات مرفوضة وبالية، الا ان المشكلة تكمن في ان من استمرأ هذه السياسة واستفاد منها لا زال يعمل على تثبيتها، ولا ادل على ذلك من اصرار الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران في الدفاع عنها وليس عن العراق، يقابلهم احزاب ومليشيات وأشخاص يتواطئون ويتعاونون مع الولايات المتحدة وإسرائيل من اجل إقامة اقليم طائفي في المحافظات الغربية.
في العودة الى تصريحات ترامب يجب التذكير ان العراق هو صاحب الحق في مطالبة الولايات المتحدة وكل الدول التي ساهمت في احتلاله بالاعتذار . وبدلًا من ان يقوم الرئيس ترامب بتهديد العراق بانه سيسيطر على موجوداته النقدية وعلى تحميله ديون قد تغطي الناتج القومي للعراق لمدة عقد كامل من الزمن، ولا يهم في هذه المدة اذا مات العراقيون جميعًا من الجوع والمرض لعدم وجود سيولة نقدية تمكنهم من إدامة الحياة، كان يفترض بالحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال ، اذا كانت صادقة في نيتها لإخراج القوات الأمريكية، ان تلجا الى القضاء الدولي لكي تجبر الولايات المتحدة وبريطانيا وكل من ساهم في احتلال العراق بصورة غير شريعة و بدون اي قرار او موافقة من مجلس الأمن، على دفع التعويضات المناسبة لما سببه الاحتلال من تدمير للعراق وقتل العراقيين، وليس العكس. (وهذا الامر يشابه مطالبة إسرائيل الدول العربية بتعويضات بمليارات الدولارات عن املاك يهود عرب هاجروا الى اسرائيل، وتتتغافل عن حقيقة انها سلبت بلدًا كاملًا وممتلكات شعبه واحتلت ارضه وهجرته بدون رحمة). كما ان من على من يحكم العراق الان ان يوضح للرئيس الامريكي وللعالم ان القواعد التي تستغلها واستغلتها القوات الأمريكية منذ الاحتلال هي قواعد عراقية بنيت بسواعد وأموال عراقية قبل الاحتلال، وان وجود قوات اجنبية فيها يمثل خرقا لسيادة البلد، وان كل ما فعلته القوات الأمريكية هو أما اعادة بناء بعض ما دمرته اثناء الاحتلال او إضافات لخدمة تواجدها وليست لتعزيز قدرات القواعد الاسترايجية، وهذا الامر يشمل تغيير أسامي بعض القواعد ومنحها اسما استفزازيا ومهينا للمشاعر الوطنية.
وأخيرا فان على من يعتقد ان الولايات المتحدة حريصة على مستقبل ووحدة العراق ان يقرا الكتابات ويستمع للبرامج التي تتحدث عن ضرورة تقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء. وهم لا يتحدثون عن ذلك صراحة فقط و يروجون له في كل وسائل الإعلام، بل انهم يعملون بجد من اجل تحقيق هذا الهدف. حيث تم مؤخرا مثلًا تسريب معلومات توكد مشاركة قادة من الأحزاب الكردية والأحزاب والشخصيات التي تدعي انها تمثل المحافظات الغربية من العراق، و بالاسماء، في اجتماعات وتحضيرات لتحقيق هذا الهدف، ولم يقم اي من هؤلاء الاشخاص بتكذيب و نفي هذه الأخبار.
النقطة الاخرى التي توكد على عدم حرص الولايات المتحدة على وحدة وسلامة الأراضي العراقية تتمثل في سعي الإدارة الأمريكية على جعل العراق ارض المعركة بينها وبين ايران. وهذه النقطة لابد وان تثير تساؤلات حول طريقة تعامل الولايات المتحدة مع بلد (حليف) مثل العراق وما تخطط له ولمستقبله، وكيف تتعامل مع بلد (عدو) مثل ايران، حيث اكدت الإدارة الأمريكية في اكثر من مناسبة بانها لا تنوي إسقاط النظام في ايران ولا ترغب في تقسيم هذا البلد، وكان اخر هذه الإشارات الواضحة الامر الإداري الذي اصدره قبل أيام وزير الخارجية الامريكي بومبيو و عممه على كل السفارات الأمريكية يطلب فيه منهم بالتوقف عن دعم أية أنشطة للمعارضة الإيرانية سواء كانت كردية او عربية او تمثل قوميات اخرى معادية للنظام الإيراني، في الوقت الذي تخطط فيه نفس الإدارة لتقسيم العراق.
نقطة اخرى يجب ان لا تغيب عن البال تقول ان من يدعي العمل على اخراج القوات و النفوذ الامريكي من العراق هم نفسهم من تعاونوا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وحتى إسرائيل من اجل احتلال العراق وتدميره وجعله ساحة لنفوذ كل من هب ودب. وهم بهذا الادعاء أما يريدون استبدال الاحتلال الامريكي بنفوذ اخر او انهم يريدون، وفي وقت متاخر جدا وبصورة منافقة، ان يُحَسِنوا من صورتهم بين العراقيين. والدليل على ذلك انهم مصرون على قتل العراقيين و عدم احترام مطالبهم.
ما يحدث في العراق اليوم ذكرني بما كان يجري قبل وأثناء عمليات احتلال البلاد، حيث كانت غالبية متعلمة، ويفترض بها ان تكون واعية، تؤيد الاحتلال وتقول انه السبيل الوحيد للخلاص، وان الولايات المتحدة ستبني عراقا (ديمقراطيا ومرفها اقتصاديا وسيكون نموذجا تحسده دول الجوار)، ثم كانت النتيجة ما نعيشه اليوم، وما يخبأه المستقبل أسوأ وأخطر بكثير، وبتخطيط أمريكي اسرائيلي واضح، ومع ذلك لا يزال من يقول وبدون خجل، سواء عن وعي او عن سذاجة او تنفيذا لأجندات باتت معروفة، ان الخلاص لا يمكن ان يكون الا عن طريق امريكا، التي لم يسجل لها التاريخ اي تجربة تدلل على حرصها على تحرير الشعوب او الدفاع عنهم ضد الظلم والاستبداد.
4745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع