بسام شكري
الورقة الأخيرة
لو استرجعنا الاحداث الدراماتيكية في العراق خلال الشهرين الماضيين سنتمكن من استبصار مستقبل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق والدول المجاورة له, فبعد ان اشتدت موجة الاحتجاجات والرفض الشعبي للنظام الفاسد القابع في المنطقة الخضراء وبعد الاف الضحايا بين الشباب المتظاهرين خرجت فتوى المرجعية الدينية باستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لامتصاص النقمة الشعبية العارمة واصبحت الحكومة هي حكومة تصريف اعمال و مفهوم حكومة تصريف الاعمال حسب القوانين والأنظمة والأعراف الدولية هي حكومة تقوم بتصريف الاعمال دون اتخاذ أي قرارات سواء في تعيين موظفين جدد او صرف اي مبالغ او توقيع أي عقود وتصريف الاعمال لغاية تشكيل حكومة جديدة تقع على عاتقها إدارة الدولة لكن هذا لم يحصل في العراق فقد استمرت عمليات السرقة والنهب وخصوصا في عقود البترول حيث وقعت خلال الشهرين الماضيين عقود بمليارات الدولارات مع شركات وهمية وتم استغلال الفراغ السياسي في تعيين الاف الموظفين بطريقة البيع المباشر حسب النظام المعمول به في العراق حيث ان الوظائف في العراق ومنذ سنة 2003 يتم بيعها علنا وأسعار كل وظيفة معروفة ابتدأ من الساعي الى الوزير وموضوع الفساد مسكوت عنه من قبل المراجع الدينية الإسلامية الشيعية والسنية لان تلك المراجع تأخذ حصتها إضافة الى امتيازات هائلة في كافة مفاصل الدولة .
يتذكر الجميع خلال فترة حكومة تصريف الاعمال كانت الطغمة الفاسدة تطرح مرشحين لرئاسة الوزراء بمعدل مرشح واحد أسبوعيا تقريبا حيث تجاوز عدد المرشحين الخمسة والعشرين مرشحا وجميعهم من نفس الطبقة السياسية - الدينية حيث يتم تدويرهم بطريقة مشابهة لعملية تدوير النفايات التي تعود عليها الشعب العراقي منذ 16 عاما وكانت الجماهير ترفض كل مرشحي المنطقة الخضراء في الوقت الذي وضع شباب التظاهرات شروطا للمرشح أولها ان يكون من خارج الطبقة السياسية – الدينية الحاكمة وبعد ان تم استنفاذ كل المخلفات التي يرغبون في تدويرها خرج علينا مقتدى الصدر الذي يمثل المهرج الأول في سيرك المنطقة الخضراء بترشيحه احد اقربائه كرئيس وزراء وهو محمد توفيق علاوي وفي نفس الوقت امر ميليشياته التي دخلت الى ساحات التظاهرات بحجة حماية المتظاهرين قبل شهر ونصف تقريبا امر تلك الميليشيات بفض الاعتصامات واحراق خيام المعتصمين ومن يعارض من المتظاهرين يتم قتله فورا وقامت ميليشياته بحملة اختطافات واسعة يتم خلالها اختطاف الشخص وتهديده بالقتل وتوقيعه على تعهد بان لا يعارض ما يقوله مقتدى الصدر وان يغادر ساحات الاعتصامات حال اطلاق صراحه وقد يتم قتل الشخص المختطف وقد يعتدى عليه جسديا بأساليب مختلفة واستمرت عمليات القتل والحرق التي كان اخرها مجزرة مدينة النجف الاشرف التي استنكرها المجتمع الدولي والسفارة الامريكية في بغداد والأمم المتحدة وقد ابدع المستنكرون في نفاقهم للحد الذي اعتقد المعتصمين ان هناك تدخل دولي وشيك .
ان رئيس الوزراء الجديد لم ولن يتمكن من تشكيل حكومة من خارج الطبقة السياسية – الدينية لأنه هو بالأساس من تلك الطبقة وانه شخص ضعيف وتاريخه المهني مهزوز ولا يتمكن من إدارة مدرسة ابتدائية في منطقة ريفية فكيف سيدير دولة مثل العراق في ظل هذه الظروف؟ والمضحك ان محمد علاوي الذي يخرج علينا بتصريحات رنانة في حماية المتظاهرين في نفس الوقت يعقد اجتماعات يومية مع الكتل السياسية الفاسدة لتشكيل حكومة جديدة تقود البلاد لمرحلة انتخابات جديدة ومن جانب اخر يخرج علينا عادل عبد المهدي بتصريحات استنكار للمجازر التي يتعرض لها المتظاهرين فمن منهم رئيس الوزراء ومن هو صاحب القرار؟
من الذي يلعب اللعبة من وراء الستار؟ من هو الذي كان يطرح أسماء مرشحي رئيس الوزراء على مدى شهرين؟ هل هي إيران ام أمريكا ام مرجعية السيد السيستاني؟ ان كل العراقيين يعلمون ان هناك توافق بين الأطراف الثلاثة " الحلف الثلاثي " التي كانت تمسك الأرض في العراق والتي فقدت سيطرتها على الأرض منذ 1-10-2019 واخذت تحاول بشتى الطرق إعادة السيطرة على العراق لكي تستمر في نهب ثروات العراق وعلى راسها البترول وفي الاستمرار في تجهيل العراقيين واعادتهم الى العصور المظلمة وهنا يبرز التناقض فالأنترنيت قد وفر للجميع المعرفة المجانية والسريعة والحلف الثلاثي يريد إبقاء العراقيين في سراديب الجهل والظلام وهذا غير منطقي ورئيس الوزراء علاوي لم ولن يتمكن من تشكيل حكومة والمتظاهرين لن يتوقفوا عن التظاهرات والحلف الثلاثي لن يتمكن من إبادة الشعب العراقي كليا واللعبة الطائفية في اشغال العراقيين قد انتهت وانكشفت والقاعدة وداعش أيضا والان اصبح اللعب على المكشوف بين طرفين هما الشعب العراقي والحلف الثلاثي " أمريكا وايران ومرجعية السيستاني " فأي من الطرفين سينتصر ؟
ان ميزان القوى يميل للشعب العراقي لعدة أسباب منها ان الحرب تدور على أراضيه وهو اعرف من غيره بمكامن القوة والضعف ولأنه مالك الثروة وان عدد أبناء الشعب العراقي أكثر من أعضاء الحلف الثلاثي الموجودين حاليا داخل الأراضي العراقية وهم يمتلكون التاريخ والجغرافيا واما الاخرين فهم قلة قليلة من المحتلين وعندما يشعر الحلف الثلاثي بقرب خسارته للمعركة وان كافة الأوراق التي تم طرحها قي خسرت واخرها ورقة مقتدى الصدر ومحمد علاوي فان ذلك الحلف سيتراجع.
والاهم الان هو ان الحلف الثلاثي بدا يتفكك فايران التي تريد الاستئثار بثروات العراق الهائلة بدأت بتحريك ميليشياتها في العراق لاستهداف مصالح ومقرات الأمم المتحدة والدول الأوروبية لإخراجهم من المعادلة وهنا سيتحول ميزان المصالح وستدخل دول جوار العراق على الخط بتحريك من الدول الأوروبية التي سيصيبها التهديد في مصالحها وستبدأ حرب إقليمية لا احد يتمكن من ايقافها وستصل نيرانها الى أوروبا واسيا واما مرجعية السيستاني التي فقدت اغلب جمهورها اثبتت بالملموس انها الوجه الديني الذي يحتمي به نظام الأحزاب الفاسدة وامريكا التي تريد ان تحافظ على مصالحها وامن سفارتها في بغداد انكشف دورها كحارس وشريك للحكومة الفاسدة وان شعاراتها بانها من جاء بالديمقراطية للعراق وانها تقف على الحياد كانت شعارات كاذبة.
لقد تراجع دور ايران في العراق بشكل كبير واصبح العراقيين يعلنون صراحة بإخراج ايران من العراق والصدر قد انكشف كليا بعد مجازر ميليشياته الأخيرة ومرجعية السيستاني أصبحت عبارة عن خطب جمعة بأسلوب دبلوماسي يريد ان يضحك على الجماهير ويحافظ على مكاسبه المادية وامريكا أصبحت تغرد خارج السرب لان الرئيس ترامب مشغول حاليا بصفقة القرن سيئة الصيت والمرحلة القادمة ستكون مرحلة مواجهة مباشرة بين اطراف عديدة سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الدول الصناعية الكبرى باليابان وألمانيا وامريكا لتأثرها بفقدان مصادر الطاقة في معظم دول الشرق الأوسط وتوقف حركة نقل البضائع و الافراد والخدمات وتأثر النظام المصرفي العالمي نتيجة لكل تلك المتغيرات وستكون فرصة ذهبية للصين للدخول على الخط .
هذه التوقعات ستحصل حتما لكن إذا ما تمت عمليه إعادة برمجة اللعبة من جديدة وإخراج الحلف الثلاثي كليا او جزئيا من التأثير على الأوضاع في العراق لكن كيف ستتم عملية إعادة برمجة اللعبة؟
لقد وصلت أصداء تجاهل المجتمع الدولي والأمم المتحدة للمجازر التي ترتكبها ميليشيات ايران في العراق الى كل انحاء العالم وطال الوقت المسموح به للمتظاهرين بالتعبير ان مطالبهم وبدا العالم يتحلحل وبدا لغط كبير في البرلمان الأوروبي الذي اوصل الأمور الى ان أصدرت أربعة عشر سفارة أوروبية في بغداد بيانا مشتركا يدين قتل المتظاهرين و من جانب اخر اخذت الأحزاب الأوروبية بمطالبة حكوماتها بشكل علني من خلال البرلمانات والصحف الأوروبية التي كانت تتجاهل و تتغاضى عن ما يحصل في العراق بأوامر مباشرة من بريطانيا حامي حمى ايران في أوروبا وقد اشتدت المطالبات باتخاذ موقف حاسم تجاه العراق خلال الشهر الماضي ان عالم اليوم ليس بريطانيا وامريكا فقط خصوصا وان أوروبا أصبحت اليوم حرة بعد خروج بريطانيا منها .
ان العالم المتحضر اليوم ينظر بعين الترقب الى دول الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه لكي يتخذ القرار المناسب لفرض الحماية الدولية للمتظاهرين وإيقاف لعبة القتل والبدء بعملية تغيير نظام الحكم في العراق لكي يتماشى مع أنظمة دول الخليج البترولية والمهمة للغرب وللعالم.
وخلاصة القول ان كل الأوراق قد احترقت والتي كانت الورقة الأخيرة ورقة الصدر – علاوي قد احترقت خلال اقل من أسبوع ويجب البدء بمرحلة جديدة لدولة عراقية علمانية بعيدة عن التأثيرات الدينية والإقليمية.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
4706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع