د. سعد ناجي جواد
خطة اسرائيل في شرذمة الوطن العربي تبعث من جديد.. والصفقة البائسة هي البداية.. والعراق الدولة المرشحة الاولى
منذ ان نشر احد الصحفيين الاسرائيليين خطته الرامية الى تفتيت دول الجوار الجغرافي لفلسطين في عام 1982، كإجراء ضروري لحماية اسرائيل من وجهة نظره، والحديث عنها يخفت ويثار حسب حالة الأمة العربية والحاجة الاسرائيلية لها. لمن لم يطّلع على هذه الخطة، والتي روِّجَ لها كثيرا في حينه وخاصة اسرائيليا، تحدث كاتبها عن ضرورة تقسيم وتفتيت الدول المجاورة لفلسطين وخاصة لبنان وسوريا ومصر. ولكنه اكد وشدد ان اهم دولة يجب ان تعمل اسرائيل على تفتيتها الى ثلاث دويلات هي العراق، حيث اعتبرها، وان لم تكن دولة مجاورة لفلسطين، اخطر دولة على بقاء ومستقبل الكيان الاسرائيلي، ودليله على ذلك مساهمات الجيش العراقي في كل الحروب العربية مع اسرائيل، ورفضه لتوقيع هدنة مع الكيان بعد حرب 1948، او اي تطبيع بعد ذلك. طبعا الكاتب الصهيوني كان يأمل ان تؤدي الحرب العراقية-الايرانية او الحرب الأهلية في لبنان والاجتياح الاسرائيلي الى هذه النتيجة، الا ان فأله خاب عندما نجحت المقاومة اللبنانية في افشال المخطط وبعد ان خرج العراق منتصرا في تلك الحرب، التي كان يجب تجنبها بالحكمة آنذاك. وعلى الرغم من ان الغالبية العظمى من العراقيين كانوا ضد فكرة الحرب اساسا، الا انهم، وبغالبيتهم العظمى ايضا دافعوا عن بلدهم ضد محاولات احتلاله وتجزأته. وربما كانت هذه النتيجة (التلاحم الوطني لحماية العراق والدفاع عن تربته) هي اكثر ما ادهش أعداءه والحصيلة الوحيدة المفرحة لحرب جلبت الكثير من الماسي والتدمير، وسالت بسببها دماء زكية كثيرة، والتي جرَّت بعد ذلك كوارث اخرى على العراق، لا تزال اثارها باقية لحد اليوم.
إلا انه وعلى الرغم من فشل الخطة الاسرائيلية آنذاك، الا ان احتلال العراق في عام 2003 أحياها مرة ثانية. وخير دليل على ذلك حديث نائب الرئيس الامريكي السابق جو بايدن عنها في اكثر من مناسبة، كان اخرها في عام 2007. ومن لم يتكلم عنها من قيادات المحافظين الجدد من الصهاينة الأمريكيين فانه كان في الحقيقة يضع الخطط المحبوكة للوصول الى هذه النتيجة. والأدلة على ذلك كثيرة جدا، ابتداء من الدستور الذي وضعوه ثم حل كل أصناف القوات المسلحة العراقية وبيع أسلحة الجيش العراقي في أسواق الخردة او تهريبها للخارج ودعم فكرة فدرالية غريبة قائمة على أضعاف السلطة المركزية والاعتماد على فاسدين والتستر على فسادهم وطائفيتهم ومن كل الاطراف، وتحريض ابناء محافظة على اخرى، الى غير ذلك من الأمور التي أصبحت اكثر من معروفة. ولكن العراقيين افشلوا هذه الخطة ايضا، على الرغم من ان أطرافا كثيرة في الحكومات التي توالت على حكم العراق بعد الاحتلال كانت اما متواطئة او راضية عنها.
اليوم ايضا تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل احياء هذه الفكرة مرة اخرى، على أساس ان نجاحها سيسهل كثيرا في تمرير صفقة ترامب البائسة. وهكذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل حاضرتان في الاجتماعات التي عقدت في الاْردن او دولة الإمارات، التي خططا لها ورتباها، مع (عراقيين) بعضهم يحمل صفة رسمية او عشائرية متوافقين مع هذه الفكرة الرامية الى تقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء بحجة زيادة عدد الأقاليم.
الخطوة الثانية في هذا الاتجاه جاءت مع الأسف من السودان، ومن مسؤول كبير يفترض فيه انه جاء إثر ثورة شعبية على نظام فرَّط بارض سودانية وقبل بتجزئتها بدفع ودعم اسرائيليين. والعذر المضحك المبكي الذي أعطاه هذا المسؤول للقائه مع رئيس وزراء اسرائيل، المتهم بالفساد والذي أحيل للقضاء بسبب ذلك وفشل تامين أغلبية لمي يستمر في الحكم، انه فعل ذلك من اجل الأمن القومي السوداني!! هذا الأمن الذي تستهدفه اسرائيل صباح مساء.
اما اخر الألاعيب الاسرائيلية في هذا الاتجاه هو التلويح للمغرب بفكرة ان التطبيع مع الكيان الصهيوني يمكن ان يؤمن للمغرب الاحتفاظ بالصحراء الغربية. وهذه الفرية تندرج مع الأكاذيب المكشوفة التي قُدِمَت للفلسطينيين كي يوقعوا اتفاق اوسلو ويعترفوا (بدولة اسرائيل اليهودية)، ولمصر والأردن كي يقبلا بالتطبيع. وكانت النتائج تمادي اسرائيل في سياساتها التوسعية ومحاولاتها لتفتيت الدول العربية، وخير مثل على ذلك ما يواجهه الاْردن اليوم من مؤامرة صهيونية- أمريكية شرسة لتركيعه لكي يقبل بالصفقة المشبوهة، وإلا فان النتيجة هي تدميره. ومصر لم تزل ضمن خطة التهميش والتفتيت الاسرائيلية.
اخيرا وليس آخر فان ما يندرج ضمن خطة اسرائيل الرامية الى تدمير الأمة العربية المحاولات الاسرائيلية-الامريكية لدفع حكام دول خليجية عربية كي تكون دولهم اداة لاشعال حرب جديدة في المنطقة كما فعل نظام خليجي في عام 1990.
ان كل ما يجري الان هو ليس فقط محاولة لتهميش او محو القضية الفلسطينية من الساحة والاهتمام الدوليين بالكامل، وإنما ايضا لمحوها من الذاكرة العربية تماما. الا ان هذا الحلم على الرغم من التشرذم العربي واصطفاف أنظمة عربية معه، سرا او عَلناً، خوفا او رغبة بالانصياع للأوامر الامريكية، سوف لن يكتب له النجاح لسبب بسيط هو وجود الشعب الفلسطيني وثباته على استرداد حقوقه، وخاصة الجزء المقاوم منه، واصراره على افشال هذه الخطة البائسة. هذه المقاومة التي قلبت الصفقة الى صفعة لمن قبل بها او روّج لها. نعم هناك من قال ويقول ان العرب والفلسطينيين بالذات لم يفعلوا شيئا عندما قامت الولايات المتحدة بالاعتراف بالقدس الشريف عاصمة ابدية موحدة لإسرائيل وأيدت ضم الجولان وستؤيد ضم غور الاْردن وزيادة عدد المستوطنات، وهذا الكلام صحيح، لكن الصحيح ايضا ان كل ما حصل هو في أراض محتلة اساسا من قبل اسرائيل منذ عام 1967 وهي تتصرف بها كما تشاء، والاهم ان يسال اصحاب هذا الرأي سؤالا اخر هو هل استطاعت اسرائيل ان تضم غزة بالقوة العسكرية مثلا؟ او هل تمكنت من ان تنهي المقاومة على الرغم من كل ما استخدمته من قوة عسكرية هائلة؟ والاهم هل تستطيع ان تنهي روح المقاومة والتحدي داخل نفوس الغالبية العظمى من الفلسطينيين؟ ان هذا الشعب البطل هو من سيفشل هذه الصفقة، والدليل ان كل التحليلات المستقبلية الاسرائيلية تؤكد على سوداوية ما سياتي بالنسبة لهذا الكيان الغاصب. في نفس الوقت فان انتفاضات الشباب العربي في كل الوطن العربي لابد وان تفشل المخططات الاسرائيلية للتطبيع التي اعتمدت لفترة طويلة على فساد النخب الحاكمة. وهذا الكلام ليس عاطفيا او خياليا أبداً وإنما نابع من حقائق تاريخية كثيرة أكدت ولا تزال توكد ان كل ما بني على باطل فهو باطل، وان الكيانات الغاصبة مهما طال بها الوقت فانها الى زوال، حتى وان لم يسعفنا العمر، نحن الجيل الذي شهد النكبة وعاشها، ان نشهد هذا الانتصار المحتوم الذي وعدنا به الباري عز وجل.
1597 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع