بقلم : عبد الواحد الجصاني
كتاب القرن : النفاق الكبير للدكتور يورغن تودنهوفر
الدكتور يورغن تودنهوفر ، مفكر وسياسي الماني ولد عام 1940، وبعد نيله شهادة الدكتوراه في القانون الدولي عمل قاضيا ثم عضوا ورئيس لجنة نزع السلاح في البرلمان الالماني ثم مشرفا على أكبر دار للنشر في المانيا، ثم متفرغا للبحث ورئيسا لجمعية إنسانية مقرها ميونيخ تقدم خدماتها للاجئين في المانيا.
كان تودتهوفر طفلا عندما شاهد تدمير مدينته أوفنبرج بولاية بادن فرتنبرج الألمانية من قبل الطيران البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية ، ورأى بعينه المعنى الحقيقي للحرب ودفعه ذلك للبحث عن حقيقة حروب الغرب ، وقضى ستين سنة من عمره المديد متنقلا بين بؤر التوتر والصراعات في العالم من حرب الجزائر عام 1960 الى حروب انغولا وموزمبيق وشيلي وكوبا والمكسيك وفنزويلا والكوريتين وميانمار ولاو وكمبوديا وفييتنام وافغانسان والعراق وفلسطين وسوريا والصومال واليمن ، واصدر عشرات الكتب ونشر مئات المقالات ، ولديه حاليا اكثر من ستة ملايين متابع لموقعه على الانترنت. ومن بين إنجازاته الفريدة سفره خفية الى العراق برفقة مقاومين عراقيين وقضى اسبوعا مع المقاومة العراقية في الرمادي وكتب عن تلك التجربة كتابه (لماذا تقتل يا زيد) الذي نشر عام 2008 وكانت خلاصته إن العراقيين قاتلوا الامريكان لإنهم غزاة ارتكبوا جرائم ابادة ضد شعب العراق ، كما انه الصحفي الغربي الوحيد الذي سمح له ابو بكر البغدادي بزيارة الدولة الاسلامية وقضى عشرة ايام متنقلا بين الرقة والموصل وكتب عنها كتابه (عشرة ايام في الدولة الاسلامية). وهو وثيقة فريدة في عرض حال (الخلافة الاسلامية) البائس وتخلفها . وخلال معركة الموصل عام 2017 زار الموصل ووثق جرائم قوات التحالف والقوات العراقية تجاه أبناء الموصل المدنيين، ووثّق استخدام (القنابل الذكية) لقتل المدنيين الابرياء.
وخلال تنقله بين بؤر الصراع في العالم تعرض تودنهوفر لخطر الاذى والموت اكثر من مرة ، ومنها في البريقة في ليبيا حيث دمر صاروخ سيارته وقتل مرافقه ، ثم محاولة القاعدة اختطافه عندما كان في الرمادي في العراق، ثم الإعتداء عليه وإغتصاب المصورة التي رافقته خلال زيارته ميدان التحرير في مصر بالذكرى الاولى لثورة يناير، وآخرها إصابته بطلق ناري من الجنود الصهاينة خلال مشاركته في تظاهرة لشباب غزة ، ولا زال يعاني من هذه الاصابة لحد الآن.
تودنهوفر لا يدعو لسيادة قيم العدالة بين الشعوب كناصح وحسب، بل عكس هذه المباديء في سلوكه ، فقد انفق ثروته ، بما فيها قصره الجميل في ميونيخ وريع كتبه، في مساعدة الضعفاء في العالم فبنى دارين للأيتام في افغانستان ، ومستشفى لعلاج مرضى الايدز في الكونغو، وملعبا في غزة، وعالج أطفال العراق الذين شوهتهم قنابل امريكا في المستشفيات الاردنية،إضافة الى أنشطة جمعيته الانسانية المتواصلة في ميونيخ.
آخر كتب الدكتور تودنهوفر هو (النفاق الكبير) الذي صدر باللغة الألمانية في العام الماضي، ومثل بقية كتبه، تصدر هذا الكتاب قائمة الكتب الاكثر مبيعا في المانيا، ووصفه نعوم تشومسكي بأنه أكمل كتاب يعرض التاريخ بموضوعية ووصفه صحفيون بإنه (كتاب القرن) وهو يترجم حاليا الى عشرات اللغات الأخرى .
يعرض تودنهوفر في كتابه تاريغ العنف الوحشي للغرب ونفاقه الكبير ،ويستعرض بالأدلة التاريخية وبمشاهداته الشخصية في مناطق الحروب أمثلة صارخة على نفاق الغرب وعنصريته العرقيّة والثقافيّة، واحتقاره للشعوب الاخرى ، ويذكر شواهد تاريخية وكمية هائلة من الوثائق عن بربرية الغرب من أيام الامبراطورية الرومانية مرورا بالحروب الصليبية وجرائم البعثات الاستكشافية الغربية للعالم الجديد في القرن الخامس عشر، وإجبار الصينيين بالقوة على شراء واستهلاك المخدرات (حرب الأفيون)، وتجارة الرقيق ، والقوانين البلجيكية في الكونغو التي تعاقب السود ، بدءا من عمر سبع سنوات، بالجلد حتى فقدان الوعي إذا ضحك الاسود بصوت عال بحضور شخص ابيض، الى آخر جرائم الجيش الامريكي وقوات التحالف في افغانستان والعراق، ومنها جرائم ابو غريب واستخدام كلاب مدرّبة لإغتصاب الأسرى من طالبان في قاعدة باغرام .
كما يستعرض الكتاب تهافت الاطروحات العنصرية للغرب ومنها ادعاؤه أن الاسلام يدعو الى العنف والارهاب ، وإن العرب والمسلمين برابرة متخلفون، ويرد على ذلك بالقول وبالاستشهاد من القران الكريم ومن السنة النبوية أن الاسلام دين سلام وإنه اقل ميلا للعنف من المسيحية واليهودية، وإن الحضارة العربية الاسلامية هي التي علّمت الغرب العلوم والآداب وأيضا علّمتهم كيف ينظفوا انفسهم ويرتقوا بمدنهم الى المستوى الانساني ، ويستشهد بقول ملكة اسبانيا إيزابيلا أنها لم تغتسل في حياتها سوى مرتين ، الاولى عند ولادتها والثانية عند زواجها ، بينما يفتخر دوق (نورفولك) بإنه لم يغتسل طيلة حياته ، ويشير الى أن لندن كانت ، ولغاية منتصف القرن التاسع عشر عشر، بلا نظام لجمع الأزبال ، ولم يكن في لندن نظام صرف صحي وكان أهلها يدوسون على قذاراتهم وأصبحت شوارعها " جنّة للخنازير" ، بينما كان العرب في الاندلس. يغتسلون خمس مرات في اليوم وينظفون أسنانهم بالفرشاة.
كما إستعرض في كتابه فضائع الحروب المحلية والاقليميةالقائمة في منطقتنا ووجه نداء للدول العربية والاسلامية أن كفاكم صراعات عبثية فيما بينكم ، وتوحدوا إزاء الاخطار المشتركة.
إنّ غنى كتاب "النفاق الكبير" بالمعلومات والمصادر والاستشهادات يجعل إختصار استنتاجاته الرئيسية بسطور قليلة ضربا من المجازفة، وهي لا تغني مطلقا عن المتعة الفكرية بقراءة الكتاب والتعرف على جوهره وجواهره، لكني سأجازف بعرض بعض خلاصات الكتاب كالآتي:
•
لم يحارب الغرب في اي جزء من العالم من أجل قيم حضارته، بل حارب من أجل مصالحه الضيقة ، ومن أجل الهيمنة والمال والسيطرة على الأسواق ، واستخدم الغرب في اغلب الحالات أساليب ارهابية للوصول الى اهدافه ، ولم يهتم بمعاناة الشعوب ولم يحترم ثقافاتها.
•
ومن أجل أن يفرض الغرب مصالحه على الآخرين غلّف حروبه الاستعمارية ، وبطريقة مخزية، بقيم نبيلة مثل حقوق الانسان والمساواة والإخاء والديمقراطية, من أمثلة هذا النفاق قولهم غزونا أفغانستان لنسمح للفتيات الافغانيات بالتعليم والذهاب الى المدارس.
•
أنانية الغرب وسياساته المبنية على مصالحه والمغلّفة زيفا بالقيم النبيلة كانت ولا تزال مُسخّرة لخدمة نُخبه المهيمنة ، ولم تكن مطلقا مسخرة لخدمة شعوب العالم ، ولا لشعوب اوروبا ذاتها، بل حتى سكان اوروبا كان عليهم أن يدفعوا ثمن سياسات وحروب نخبهم قصيرة النظر المدفوعة بالمصالح الضيقة، واذا واصل الغرب سياساته المنافقة قصيرة النظر هذه فإنها ستعيد انتاج كل كوارثه عبر التاريخ ، ولذا لا يمكن الاستمرار الى ما لا نهاية في سحق مصالح الشعوب الاخرى وثقافاتها من دون ان يدفع الغرب ثمنا باهضا في يوم ما.
•
ديمقراطية الغرب ذاتها فيها من الزيف الكثير، وهي تواصل خداع شعوب الغرب بطريقة منهجية في مسائل الحرب والسلام . وسيؤدي ذلك الى ابعاد شعوب الغرب عن سياق حقيقي لديمقراطية اتخاذ القرار، ولعل هذا هو سبب ظهور الاحزاب المعادية للديمقراطية الشعبوية منها والعنصرية والقطريّة. نحن ، كغرب، نعيش للأسف في زمن الثورة الرقمية لكن بقوانين العصر الحجري.
•
الشعبوية والعنصرية والقُطرية لا تحل أي مشكلة ، والذين يتبنون هذه الافكار يريدون إحياء اسوأ ما في الحضارة الغربية من قيم الخداع والممارسات السيئة ويجعلونها متداولة بصورة علنية وبطريقة أكثر شراسة ، وترامب ليس المثال الصارخ الوحيد، فشخصيات مشابهة أخرى بدأت تظهر في اوروبا ، والديمقراطية الاوروبية معرضة للإنهيار نتيجة ذلك.
•
الغرب بحاجة الى ثورة إنسانية سلميّة ، وبدلا من سوء استخدام قيم حضارته لانتهاك الشعوب الاخرى وثقافاتها. على الغرب أن يكون مخلصا لتعهداته التي تحدث عنها لقرون بأن يكون انسانيا ، على الغرب ان يُظهر قيمه في سلوكه، وأن يعامل الشعوب الاخرى وثقافاتها بمثل ما يرجو ان يعامله الآخرون .
•
مطلوب من الاعلام الغربي ان يلعب دورا مركزيا في الدعوة للثورة الانسانية ، وللأسف فإن الاعلام الغربي اليوم هو حليف الأقوياء المتنفذين ويغطي على نفاقهم بدلا من فضحه ، وإذا لم يتغير هذا الوضع فإن الناس ستبحث عن مصادر اخرى للمعلومات وبالنتيجة سيحكم هذا الاعلام على نفسه بالتواري والفناء.
•
يبدأ إنهيار الحضارات عندما تفقد مصداقيتها ، وإذا استمر الغرب بخيانة قيمه بلا خجل فسوف تفنى حضارته ، وعلينا أن نقف بوجه ذلك ، فالحرية والاخاء والمساواة وحقوق الانسان والديمقراطية وسيادة القانون هي قيم تستحق أن نقاتل من أجلها، وكل واحد منا عليه دور يلعبه، بضمن ذلك من خلال خلق حركة سياسية جديدة، إذا دعت الحاجة لذلك، حركة سياسية تكون نموذجا لقيم حضارتنا بدلا من تزويرها.
وأخيرا ،، آمل من الاخوات والاخوة الذين يقرأون هذه الخلاصة أن ينشروا افكار كتاب الدكتور تودنهوفر على الرأي العام العالمي ، فالاعلام الغربي حارب هذا الكتاب بالتجاهل ، ورفضت دور النشر الغربية الكبرى نشر طبعته الانجليزية ، ورفضت محطات التلفزة الغربية استضافته للحديث عن هذا الكتاب، ولذا أدعو دور النشر العربية أن تتصل بالدكتور تودنهوفر للاتفاق على نشر الطبعتين العربية والانجليزية من الكتاب. وأدعو محطات التلفزة العربية لإستضافته.
والله المستعان.
بغداد في الرابع والعشرين من نيسان 2020، الاول من رمضان 1441.
1132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع