ألإنسان أقسى مخلوق على نوعه

                                              

                        يعقوب أفرام منصور

ألإنسان أقسى مخلوق على نوعه

يتميّز الإنسان بكونه أرقى الأنواع الحيوانية إطلاقًا بفضل كونه حيوانًا ناطقًا ذا روح أو نسمة حياة إلاهيّة، وذا عقل وضمير، وميزات التفوّق هذه تضعه حيال مسؤوليّة أخلاقية في مجال تصرّفاته وميوله وأفعاله في التعامل والتعاشر وممارسة الأنشطة، واتخاذ المواقف. لذا منذ البدء الوجودي المدرك حدّدت الشرائع السماوية، ثم الوضعية حدودًا للممكن والجائز من أفعاله وميوله وتصرّفاته. ولمّا وصل إلى الدرجات الأولى من الإرتقاء، إرتسمت له ( في ضوء الشرائع والقوانين ) حدود للمناسب والفاضل والصالح وأضدادها: المنكَر والردىء والطالح من الأفعال والميول والتصرفات والمواقف، وخصوصًا النهي عن القتل، والحث على الحب والتحابب فيكون ما يصدر عنه من أفعال خلافًا للحسنات والإيجابيات، وتجاوزًا للمحرّمات، يُعدّ شرعًا وقانونًا خطيئة وإثمًا وجُرمًا، يستحق عليهاالعقاب والقصاص.

ثمّةَ حقيقة صارخة مؤسفة ومؤلمة ـ حقيقة ملموسة عن الإنسان، هي إن أشرس الحيوانات الوحشية المفترسة ـ وهي من فصيلة السباع ـ الأسد والنمر والفهد والذئب والكلب والقط والثعلب ـ من جهة ـ ثمّ المسلحة بمخالب وقرون وأنياب ـ من جهة ثانية ـ لا تبطش بأنواعها المماثلة إلى حد القتل والسفك والتمزيق والولوغ في الدم ، كما تفعل الذئاب في فرائسها وليس في أفراد نوعها (ألذئب) ! ووحيد القرن لا يبقر بطن أو صدر وحيد القرن، والدب لا يفترس دبًا ، والقرد لا يقتل قردًا، والفيل لا يبطش بنظيره بالخرطوم أو بالنابَين، والحيّة لا تلدغ الحيّة، لكنها تلدغ أنواعًا غيرها ـ كما فعلت بأسد على الرغم من ضخامته وشجاعته، بالإلتفاف حول رقبته حيث لدغته لدغة الموت، كما شاهدتُها تفعل ذلك في شريط سينمائي، وانفكّت عنه بعد دقيقتبن حين غدا جثّة هامدة!
لكنّ الإنسان الحضري المتمديِن، ذا النسمة الإلاهيّة، الذي تنهاه شريعة كتابية عن القتل، ويجرّمه قانون مدني، فهو يقتل مخلوقًا نظيره وأخاه من نوعه الآدمي بأشكال وأساليب في منتهى القسوة والهمجيّة أحيانًا، لا تقترفها أنواع وحوش الغاب! فما أقسى الإتسان، وما أوحشه وأكفره !
تتجلّى مصداقية عنوان هذا المقال على مضامينه المشهودة والمدوّنة منذ القِدم، والمتواصلة بتصاعد وتفاقم مع الأرتقاء المدني والصناعي والتكنولوجي، حين يستعرض الإنسان تاريخ الجنس البشري االحضاري، ووقائع عيش المجتمعات الكبيرة في الحواضر وحتى في أصغر القرى.
ما أفظع قتول ضحايا الحربين العالميتين: ألأولى (20 مليونًا) والثانية (49) مليونًا ! وما أكثر ضحايا الحروب الموضعية اللا حقة في فلسطين ومصر وكوريا وفيتنام وأوستراليا وأقطار الشرق الأوسط منذ 50 عامًا ! ما أكثر ضحايا القتل والسفك والذبح بسبب خلافات وأحقاد وكراهيات عنصرية ودينية ومذهبية وطائفية!
بلغت قسوة الإنسان على الإنسان أن آباءً قتلوا أولادهم، وأبناءً قتلوا آباءهم، ورجالاً قتلوا نساءهم وأمهاتهم وشقيقاتهم، ونساءً قتلن أزواجهن وأولادهنّ !
أيّ جريمة فظيعة إرتكبتها أمريكا وحلفاؤها في قصف هيروشيما وناغازاكي في آب 1945 بقنابل ذرّية، وأيّ جريمة فظيعة إقترفتها أمريكا بحق شعبها في قصف ناطحتي سحاب في سبتمبر 2001 في أمريكا نفسها، تمهيدًا لإشعال حروب في الشرق الأوسط حتى الأن؟!
ما أكثر ضحايا ثورات الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة والإستقلال من حكّامها الظالمين والمستبدّين، ومن دوَل الغرب المستعمرين !
قبل 300 سنة من مولد المسيح، قال (لآوتسو) الحكيم الصيني : " إن نظام الحكم الذي يُمجّد الحرب، ويؤلّه السلاح، يغدو الموت في ظِلّه أعذب من الحياة .. وإن شرّ الأسلحة والجيوش أكبر من جميع الشرور الأخرى !" وبعد 2300 سنة من هذه المقولة الذهبية الإنسانية، ها إن البشرية تلمس حُمّى تسابق الدول الكبرى إلى ممارسة جريمة التسلّح التي كانت قد انحسرت قليلاً قبل بدء العقد الأخير من القرن العشرين، لكنها عادت ساخنة مع مطلع عام 2001 المشؤوم! أجل تسابق لأجل الإبادة الجماعية، وبباعث من تباهي وتبختر الرؤساء الكبار، وتفاخر العلماء عديمي الضمير، وبحثّ من القوى الهدّامة العاملة منذ ثلاثة قرون. كم تربح شعوبكم من هذا التسابق الحثيث المذنب، وكم تخسر ؟!
من المضحك والمبكي أيضًا أن نسمع بوجود جمعيات للرفق بالحيوان في حين عدم وجود رفق بالإنسان !
ما جدوى منظمات حقوق الإنسان التي جلّ همّها المشهود إعلامي وإعلاني وإحصائي، إذ لم نسمع أو نقرا يومًا إن إحدى هذه الجمعيات ناشدت الدول المعتدية والمحاربة أن توُقف سفكها الدماء، وتكفّ عن تخريبها الدور والمؤسسات والمستشفيات، وأن ترفع نداءاتها الى مجلس الأمن الدوَلي، وفي حين الأنكى من ذلك أن هذه الدول الكبرى الي تنتج الأسلحة المتطوّرة المهلِكة، وتربح المليارات من بيعها لتعميم ومضاعفة الشرور بالقتول والتخريب والحرق، هي التي أوجدت المنظمات الإرهابية، وتزوّدها بأحدث نتاجاتها المميتة والفتّاكة لتحقيق أطماع هذه الدول الكبرى الجشِعة في المال والغطرسة والإستعباد وبسط نطاق سيطرتها وتجارتها، وذلك لصالح تلبية أهواء أشرار العالم المتفرّجين على المذابح والمهالك والحرائق والإبادة الجماعية؛ ومؤخّرًا في مطلع هذا العام بحرب وربما لاحقًا بحروب بيولوجيّة!!
والذين يعيشون يرون!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع