انتحال الصفة صورة من صور الاحتيال

                                                 

             المحامي المستشار محي الدين محمد يونس

       

انتحال الصفة صورة من صور الاحتيال

في عام 1987 وكنت حينها أشغل منصب نائب مدير شرطة محافظة أربيل وعند اطلاعي على البريد الوارد للمديرية بغية التوجيه وتحويله إلى الشُعب المختصة وقع نظري على برقية سرية وفورية واردة من مديرية أمن محافظة أربيل معممة من قبل مديرية الأمن العامة على كافة مديريات أمن المحافظات في العراق فحواها وجود جندي هارب من الخدمة العسكرية منتحلاً صفة نقيب في الجيش العراقي ومن صنف القوات الخاصة تصحبه زوجته ويستقلون سيارة صالون نوع سوبر بيضاء اللون موديل 84 او 85 البرقية تتضمن طلب مديرية الأمن العامة في بغداد القاء القبض على الشخص المذكور وأرساله أليهم مع السيارة عند مشاهدته، تضيف بأنه يتنقل بين العديد من المحافظات مستغلاً لصفته الرسمية المزيفة ويقوم باستغلال المواطنين مادياً عن طريق ابتزازهم. 

تم تعميم البرقية كالعادة على توابعنا في مديرية شرطة محافظة أربيل وطلبنا منهم تنفيذها بدقة عند مشاهدة من تنطبق عليهما فحواها. لم تكد تمضي سوى ثلاثة أيام على تعميمها حتى جاءني اتصال هاتفي وكان الوقت عصراً من ضابط سيطرة نجدة أربيل ويخبرني: -
سيدي – اكو برقية معمة من قبلكم حول طلب القاء القبض على شخص منتحل لصفة ضابط.
سيدي – ضابط دوريات النجدة الآن معي في اتصال مباشر ويدعي بأنه حالياً يتعقب سيارة سوبر بيضاء وبنفس الرقم المطلوب داخل مدينة أربيل في شارع باتا يقود السيارة عسكري برتبة نقيب وبصحبته فتاة شابة.
سيدي – تعليماتكم.
أجبته – عزز قوة ضابط الدورية بسيارة إضافية، ضيقوا الخناق عليه وحرمانه من أي فرصة للتخلص والهرب بعد محاصرته بسيارتي النجدة، وأنزاله من السيارة بعد احكام السيطرة عليه ونزع سلاحه إن كان مسلحاً، يتم كل ذلك بهدوء وبغاية السرعة وقبل مشاهدتكم من قبل الجنود المتواجدين ربما في الشارع ومحاولة مساعدته والوقوف الى جانبه وهم ليسوا على دراية بموضوع وحقيقة هذا الضابط المزيف وجلبه للدائرة واستعمال القوة معه بالقدر اللازم لتنفيذ الأمر أن أقتضى ذلك وأفهام مراتب الدورية بأن المذكور ليس ضابطاً ومطلوب القبض عليه تجنباً لترددهم في تنفيذ الأمر عند مشاهدته بالزي العسكري وبرتبة نقيب.
بعد فترة قصيرة تقدر بحوالي نصف ساعة تم احضار النقيب المزيف وهو يرتدي بدلة عسكرية من أرقى الأنواع وبكامل الشياكة ويحمل النياشين وعلامات صنف القوات الخاصة تصحبه زوجته وهما يصرخان ويهددان: (شوفوا شراح نسوي بيكم، هاي آخر زمان الشرطة تعتدي على ضابط بالجيش العراقي من القوات الخاصة).
ضابط دورية النجدة تقدم نحوي وأدى التحية العسكرية قائلاً: - سيدي حسب تعليماتك وسلمني مسدس المذكور والذي كان من نوع برونيك. نهضت من مكاني وتوجهت صوبه صارخاً في وجهه.. اسكت سد حلگك واحترم نفسك وطلبت منه الجلوس مع زوجته وأن يكف عن التصرفات الحمقاء وإلا سيكون لنا معه تصرف من نوع آخر ليس من صالحه، توقف عن الكلام إلا أن زوجته استمرت في الصراخ والاعتراض على إجراءاتنا ضد زوجها وهي تردد:

شلون تتصرفون وياه بهذا الشكل وهو ضابط بالجيش العراقي وبرتبة نقيب هاي صايرة.. دايرة وبعدين هو شمسوي.

حصلت لدي قناعة من أن الزوجة لا تعلم شيئاً عن حقيقة زوجها وكونه ليس ضابطاً حقيقياً ومنتحلاً لهذه الصفة من خلال كلامها وأسلوب اعتراضها.
كنت قد أمرت بإحضار البرقية قبل حضور الدورية وبصحبتهم المطلوب وقد تبين مطابقة المعلومات المدرجة فيها بشكل لا يقبل الشك مع واقع الحال..
الزوجة خاطبتني قائلة: أخي هو انتو شرايدين من زوجي؟؟ ولم تكن تعلم بأني كنت قد اتصلت بضابط خفر مديرية أمن محافظة أربيل وأعلمته بأن الشخص موضوع برقيتهم بعد الإشارة الى رقم البرقية موجود حالياً عندنا وتم القاء القبض عليه.

بعد فترة قصيرة حضرت مفرزة من الدائرة المذكورة بأمره ضابط ودخل إلى غرفتي وبعد أدائه التحية رحبت به وطلبت منه الجلوس إلا أنه شكرني قائلاً: سيدي جاي آخذ هذا الشخص المطلوب.

أشرت بيدي نحوه الجالس وزوجته جنبه فأتجه نحوهما قائلاً للزوج:

گوم لك گدامي، نهض من مكانه بعد أن تيقن من انتهاء اللعبة وكشف حقيقته وحانت ساعة الحساب دون أن يعترض على أوامر ضابط الأمن إلا أن زوجته صاحت (أخي وين ماخذه لزوجي شمسوي وهو نقيب بالجيش العراقي آني هم جاية وياه وما أتركه) عندها خاطبها ضابط الأمن قائلاً:
"لج يانقيب يا بطيخ هذا زوجج جندي هارب ومنتحل صفة نقيب قوات خاصة وعليه عشرات أوامر القبض بكافة محافظات العراق ومنها أربيل من خلال استغلال المواطنين والنصب والاحتيال عليهم".

وعندما لم تلمس المذكورة أية ردة فعل من زوجها لنفي ما قاله ضابط الأمن ما كان منها إلا أن تنهار وتهجم على زوجها وتمسكه من صدره بعنف صارخة بوجهه: "فلان هذا الكلام صحيح، ليش ما ترد ليش ساكت احچي جاوبني" وأنهمرت الدموع من عينيها وهي تبكي وتصرخ عندما أطرق زوجها ودون حراك او كلام مستعجلاً الخروج من الغرفة ليتركها وتصحبه المفرزة إلى حيث مصيره وما اقترفت يداه من أثم واعتداء على الناس، وسُلمَ مسدسه إلى ضابط الأمن بعد تحرير وصل أستلام به و المسدس كما توجهت المرأة الى سيارة زوجها وانزلت حاجاتها من صندوقها. جلست المرأة وهي تبكي وتندب حظها الذي ورطها مع هذا الشخص المحتال. استفسرت منها عن كيفية زواجها منه فأجابتني:
بأنه قبل حوالي ثلاثة أو أربعة أشهر وهي طالبة في إحدى الكليات في بغداد شاهدها المذكور وهي خارجة من الكلية فنصب شباكه حولها وأخذ يتودد اليها وهو يستقل سيارة السوبر وبملابسه العسكرية ورتبة نقيب وكلامه المعسول عن المستقبل وبناء عش الزوجية وإنجاب الأطفال وكنت أخرج معه في بعض الأحيان إلى الأسواق والمطاعم ويشتري لي الهدايا المتنوعة وصدقت بكلامه.

وعند استفساري منها عن دوامه وكونه كان معها ومنقطعاً طول الوقت يتنقل من مكان إلى آخر أجابتني بأنها استفسرت منه عن ذلك وقد أجابها بأنه يعمل في قسم الاستخبارات ضمن القوات الخاصة ومهمته مراقبة الدوائر والأسواق وعندما كنت بصحبته كنت الاحظ مدى احترام المسؤولين له في الدوائر الحكومية والناس في الأسواق. وعند السؤال عن كيفية زواجها منه، صرحت بأنها أخبرت والديها بموضوعه وبأنه ينوي زيارتهم وكالت له المديح وهدفه الزواج منها، جوبه طلبها برفض والدها الذي طلب منها ارجاء زواجها لما بعد التخرج من الكلية وممانعة الوالد تلاشت تحت إصرارها ووقوف والدتها معها وطلبها من والدها:( ما طول قسمتها جاية وخوش قسمة نقيب بالجيش) اضافت المرأة بأنها نقلت موافقة ابويها للمذكور وفي اليوم المحدد جاء لزيارتهم وهو يحمل معه مختلف الهدايا وفي نهاية اللقاء حصلت الموافقة ثم زواجي منه. استفسرت أخيراً منها عن بيت الزوجية وفيما إذا جرى التعارف بينها وبين أهل زوجها، أجابت بأنها خلال الشهرين وهي فترة زواجهما عاشت معه في الفنادق في المحافظات التي كانوا يترددون عليها وأنها لم ترى أو تتعرف على أهله حيث كان يوعدها بذلك وهي من فرط انسجامها معه لم تلح علية لهذه الغاية. استمرت المرأة في البكاء وهي تردد ماذا سيكون مصيري وكيف ستكون مواجهتي لأهلي واقربائي وأصدقائي وماذا أقول لهم وذكرت بأن اهتمامها بالمذكور ومصاحبته جعلها تهمل المواظبة على الدوام في الكلية. طلبت من أحد مراتب الشرطة ايصالها إلى كراج نقليات بغداد لتستقل إحدى سيارات الأجرة وأن يأخذ اسم السائق ورقم سيارته وأن يوصي بالاهتمام بها لغاية إيصالها إلى ذويها وفعلاً تم ذلك بعد ان ودعتها وطلبت منها أن تصبر على ما حل بها وتتعض من هذه التجربة في حياتها وأن تشكر ربها في عدم شمولها بأمر القاء القبض. بعد فترة التقيت صدفة بأحد ضباط الأمن من ذوي الشأن في أربيل في مناسبة رسمية واستفسرت منه عن مصير النقيب المزيف أجابني بأن اعترافاته التي أدلى بها عندهم تضمنت عشرات عمليات الاحتيال والابتزاز ولم تسلم محافظة أربيل منها وكانت موجهة لمسؤولي الدوائر الرسمية من خلال مراجعتهم وهو بهذه الهيئة والصفة مستغلاً حاجة المواطنين لبعض المواد التي كانت محتكرة من قبل الدولة حصراً ضمن البرنامج الاشتراكي الفاشل حيث كان يحصل منهم على أذونات قطع لهذه المواد (الأطارات، الثلاجات، المجمدات، الطباخات... الخ، المواد الإنشائية الحديد، السمنت، الطابوق... الخ) ويقوم بعد ذلك ببيع هذه الأذونات للمواطنين بأضعاف أسعارها، والسلوك الآخر لهذا المحتال هو استغلال اصحاب المحلات من خلال شراء المواد منهم واعتذاره عن الدفع بحجة عدم حمله للنقود في لحظة الشراء وبأنه سيسدد ما عليه في أقرب فرصة سانحة، وعند استفساري منه عن سبب عدم شمول زوجته المذكورة بالإجراءات القانونية، ذكر لي بأن الأمر الوارد من مديرية الأمن العامة كان مقتصراً على أمر القاء القبض على الزوج فقط بالإضافة لعدم الحاجة لذلك لكونها لم تكن تعلم بأنه نقيب (فالصو) ولم تكن مشتركة معه فيما يقوم به من اعمال الاحتيال والتي اعترف بها جميعاً مع الدلالة على من وقع عليهم التغرير والنصب والاحتيال ومن الجدير بالذكر أن اشير من انه خلال فترة الحرب الإيرانية العراقية والتي استمرت لثمان سنوات شهدت الكثير من حالات انتحال الصفة لضباط او لوظائف مهمة أخرى وأغلبها كان من قبل الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية كما اود ان اشير الى ما ذكره هذا الضابط من أن دائرته القت القبض عل شخص كان منتحلاً لصفة ضابط في المخابرات العراقية ومن الطريف في سلوكه جرأته عندما راجع موظفاً كبيراً (نائب امين عام) لأحدى أدارات المجلس التنفيذي لمنطقة الحكم الذاتي في نفس فترة الحرب وأبرز له هويته المزيفة والتي تشير الى كونه ضابطاً كبيراً في المخابرات العراقية وبعد الترحيب به بشكل يليق بمكانته وشخصيته على ضوء الهوية التي ابرزها أخبره الضيف بكل اقتدار واتزان بأنه قد جاء من بغداد وفي مهمة خاصة تتعلق بأمن الدولة، اجابه نائب الأمين العام بأنه على أتم الاستعداد للتعاون معه وبكامل امكانياته الشخصية والوظيفية. الضيف: "استاذ اشكرك، شغلتي تستوجب اللقاء مع موظفة عدكم أسمها..." ويبدو انه كان يحاول إقامة علاقة معها دون ان يصل إلى نتيجة فلجأ الى هذا الأسلوب. قام المضيف بالضغط على الجرس الذي أمامه وطالباً من الفراش استدعاء تلك الموظفة المعنية بالأمر وبعد لحظات دخلت الى المكتب وطلب منها مسؤولها: ( شوفي الأستاذ شرايد منج)، الضيف: "استاذ بلكت اذا ما تصير زحمة تتركنا لوحدنا وتوصي الفراش محد يدخل علينا".

ترك المسؤول الكبير مكتبه لهذا المسؤول المزيف بعد ان اوصى فراشه بعدم السماح بدخوله لأي شخص ومهما كانت الأسباب، بعد ان أنهى الزائر مهمته في العبث بجسد الموظفة تركها طالباً منها إبلاغ مسؤولها بالعودة الى مكتبه والذي شكره على تعاونه معه خدمة للمصلحة العامة وأمن الثورة والحزب داعياً له أن يكثر من أمثاله. خرج هذا الجندي الهارب والمنتحل لصفة ضابط كبير في المخابرات العراقية من هذه الدائرة بكل حفاوة وتقدير بعد انجازه لهذه المهمة الخطيرة. أضاف ضابط الأمن بأنه عند القاء القبض على هذا الشخص واعترافه بكل ما قام به من عمليات احتيال ونصب ومن ضمنها الحدث الذي نحن بصدده أصدرت الحكومة العراقية قراراً بإحالة (نائب الأمين العام) على التقاعد جزاء تصرفه المهين لأصول الوظيفة..
ما دمت أتحدث عن حكاية هذا النقيب المزيف رأيت أن اسرد حكاية أخرى على شاكلة مجرياته من أحداث فعندما كنت أعمل في آمرية قوة الشرطة السيارة دائرة المشاور القانوني في بغداد عام 1972 انتشرت تفاصيل واقعة مفادها طلب القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي من وزارة الداخلية استعارة عدد من مراتب الشرطة السواق لاستخدامهم لديها وفعلاً تم تسمية أحد منتسبي الشرطة في دائرتنا وأرسل الى القيادة المذكورة وكان وسيماً وعلى درجة لا بأس بها من الثقافة، استخدم في القيادة المذكورة في مجال الحسابات ومراجعة البنوك وزود بسيارة من نوع مرسيدس لتمشيه اعمال القيادة المذكورة ومن خلال المراجعات تعرف على فتاة تعمل موظفة وخريجة احدى الكليات، اعجبا ببعضهما البعض وتطورت العلاقة بينهما ووصلت الى مرحلة اعلان نيتهما الزواج بعد رضا وقبول عائلة الطرفين وتم الزواج فعلاً وتم تأسيس بيت الزوجية وتكفل والد العروسة بجميع تكاليف هذا الزواج ومستلزماته إكراماً لعيون أبنته واعتذار العريس من كونه فقير الحال مادياً ومن عائلة لا مورد لها وتعتمد على ما يصرفه هو عليهم. في بادئ الأمر وعند تعرفه على البنت قدم نفسه لها باعتباره مديراً عاماً في القيادة القومية لحزب البعث وكان مظهره يوحي بذلك وكانت السيارة التي كان يقودها والحقيبة الدبلوماسية السوداء التي يحملها معه دائماً تزيد من مصداقية هذا المظهر والادعاء وبعد انتفاء الحاجة الى خدماته في القيادة المذكورة اعادته الى وزارة الداخلية شاكرة بعد ان خدم عندهم فترة تقارب السنتين. بعد عودته إلى دائرتنا حاول بشتى الطرق أن يخفي على زوجته ما طرأ من تغيير على حياته الوظيفية من خلال محاولته تبرير ما تلاحظه زوجته من مشاهد وامور مستجدة مثيرة للتساؤل، اختلاف نمط الدوام واوقاته، بدون سيارة وحقيبة دبلوماسية وتغيبه عن المنزل في بعض الليالي عندما كان يكلف بواجب الخفارة في المعسكر والذي كان يرتدي ملابس الشرطة فيه ويتركها عند مغادرتها، محاولاته وتبريراته في التستر على ما يمارسه من عمل حقيقي استمرت لحين عثور الزوجة على هويته الوظيفية في أحدى جيوب بدلته وتقرأ (نائب عريف شرطة) وبذلك انكشفت حقيقته وكما يقول المثل الدارج (حبل الكذب قصير) كانت المفاجئة للزوجة من العيار الثقيل وتداعياته ونتائجه على الزوج اكثر إيلاماً حيث قامت الزوجة بطرده من البيت والذي خرج منه بخفي حنين. جاءت الزوجة إلى دائرتنا في أحد الأيام وهي تحمل طفلها وأبرزت لنا كتاب صادر من محكمة الأحوال الشخصية يتضمن طلب تبليغ زوجها بالحضور لديها في يوم معين للنظر في دعواها طلب الطلاق، ارسلنا في طلبه ولدى حضوره ومشاهدته لزوجته وطفله انهمرت الدموع من كلتا عينيه والطفل الصغير يحاول القفز من أحضان والدته باتجاهه، لقد كلن مشهداً مؤثراً للغاية لا يمكن تحمله، اخذ الزوج يتوسل بزوجته باكياً وهو يردد (بنت الحلال اذا چنت عصام المدير العام او عصام الشرطي المهم في الحالتين آني عصام الأنسان اللي حبچ واخلصلچ وأبو طفلچ، صحيح صفتي الوظيفية چانت مزيفة لكن حبي الچ چان ويبقى صادق وحقيقي، العني الشيطان وخلي نعاود حياتنا الزوجية ونعيش بسعادة مثل ما چنا).

لم تتحمل الزوجة توسلات زوجها ومنظره المثير للشفقة ومحاولات طفلها الاندفاع نحو والده وهو في حضن والدته محاولاً التقريب بينهما فما كان منها إلا أن تضعف مقاومتها في العناد وفي إخفاء حبها وحنينها لزوجها وتشاركه البكاء. إزاء هذا المشهد الدرامي المؤثر ما كان مني وزميلي الملازم الحقوقي حسين علي العبوسي إلا التدخل ومحاولة اصلاح البين وإقناع الزوجة بالعدول عن عزمها وقرارها بالانفصال عن زوجها لاسيما كونه زوجاً صالحاً انسجمت وتعايشت معه طيلة هذه الفترة دون مشاكل، قاطعنا الزوج وهو مسترسلاً بتوسلاته لزوجته ( عيني حنان اذا چانت المشكلة بالشهادة والوظيفة، أعاهدچ امام الضباط أن أكمل الدراسة الإعدادية وادخل كلية القانون واصير محامي ناجح) اثناء حديثة مع زوجته اصبح اكثر قرباً منها فما كان منه إلا أن ينتزع طفله من احضانها ويضمه إلى صدره بكل قوة وقبله بشكل هستيري في كافة انحاء جسمه من رأسه إلى قدميه وبدأ الطفل بالبكاء في مشهد لم يألفه والأب يردد (لا تبچي ابني هذا صوچ امك اللي فرقتنا) تبدلت ملامح الزوجة وهي تعيد طفلها الى احضانها وتحاول إخفاء ضحكتها وهي تنظر الى زوجها وهو بهذا الحال من الانكسار النفسي ويخاطبها (أي هيچي ضحكي شبيچ) أعقبت كلامه بضحكة مسموعة وعند استفسارنا منها عن سبب الضحك أجابت بأنها تضحك من منظر زوجها وهو بملابس الشرطة. بدى علينا الارتياح بعد ان تكلل جهدنا واستعداد الطرفين للوئام والتصافي والصلح وعودة المياه الى مجاريها وخروجهما من الدائرة سوية والأب يحمل طفله بعد حصولنا له على إجازة لعدة أيام وطار فرحاً من هذه النتيجة وخرجا شاكرين جهودنا.
أعزائي القراء: عندما نأتي على نهاية المقال والذي تناولت فيه سرد ثلاثة حكايات نصب واحتيال عايشتها لثلاثة اشخاص تدخل ضمن هذا التصنيف الإجرامي والتي كانت ترتكب في ظل النظام السابق مع غيرها من جرائم الرشوة والتزوير والاختلاس وجدية ذلك النظام في تطبيق القانون وفرض العقاب المقرر كان حائلاً من تحول هذا النشاط الإجرامي إلى ظاهرة وكان محصوراً ضمن النشاط الفردي على عكس واقع النظام الذي جاء بعده والذي تميز بكثرة وشيوع انتشار هكذا جرائم في كافة مؤسسات الدولة وأصبحت جزءاً مهماً من ظاهرة الفساد العام المستشري وتداعيات ذلك على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المزرى والمتخلف من كافة جوانبه والطريف في الأمر شيوع رمز للدلالة على هذا النمط من الجرائم بالرقم (56) في المجتمع العراقي إشارة إلى المادة (456) من قانون العقوبات والتي عالجت وتناولت جرائم الاحتيال وطرق تنفيذها والجزاء المقرر لمرتكبيها. أملي كبير في رضاكم عما تناولته في مقالي هذا واودعكم في أمان الله ورعايته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

758 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع