الدكتور كامل ابو جابر وداعاً

                                                

                         د. سعد ناجي جواد

الدكتور كامل ابو جابر وداعاً

مرة اخرى نفجع بغياب اخ كريم وزميل عزيز اخر، الشخصية العلمية والسياسية والوطنية، الاستاذ الدكتور كامل ابو جابر، استاذ العلوم السياسية ووزير الخارجية الاردنية الاسبق.

يندر ان تتمكن شخصية علمية شامخة وسياسية كبيرة ان تجمع بين التواضع والشفافية وروح النكتة ودماثة الخلق والثقة بالنفس، الا ان هذه الصفات كلها، وغيرها مثل الادارة الجيدة والقدرة على التحليل الصائب كلها تجمعت في الراحل الاستاذ الدكتور كامل ابو جابر. وربما من يعرفه جيدا يستطيع ان يضيف خصال حميدة اخرى لهذا الرجل.
تعرفت عليه بصورة غير مباشرة عندما كنت طالبا للدراسات العليا، من خلال اطروحته القيمة التي كتبها عن العراق. والتي نشرها ككتاب ايضا. ثم التقيته صدفة في مؤتمر علمي حول العراق في كندا. ومنذ ذلك اللقاء جمعتنا صداقة قوية استمرت الى اللحظة التي فجعت بها بخبر وفاته.
في لقائي الاول معه سالني عن العراق الذي أحَبَهُ كثيرا، وكانت الحرب العراقية-الايرانية في اوجها، وجرنا الحديث الى امور عديدة، وكان يشعر بالالم لذهاب هذا الكم الهائل من الضحايا بسبب الحرب او بسبب النزاعات السياسية. وروى لي قصة اثرت في كثيرا وكشفت لي الجانب الانساني والعاطفي في شخصيته. قال لي انه عندما استوزر لاول مرة، في السبعينيات، لاحظ ان جدول اعمال احدى جلسات مجلس الوزراء تضمنت فقرة تتعلق بالمصادقة على حكم بالاعدام على شخص ادين بالتجسس، وقال لي قبل ان تصل المناقشات الى التصويت على هذه الفقرة انسحبت بدعوى الذهاب الى الحمام، وعدت بعد التصويت. وتكرر الامر بعد فترة في جلسة اخرى ولنفس السبب، مما اثار انتباه رئيس الوزراء انذاك (زيد الرفاعي) فاستدعاني. وقال لي انه اجاب الرئيس بانه كان مرغما على الذهاب الى الحمام. فاجابه الرجل الا ان هذا الامر تكرر في نفس الوقت المخصص للتصويت على قضية مماثلة، فاجابه ابو جابر ربما كانت تلك مصادفة غير مقصودة، ضحك رئيس الوزراء وقال له هذه مصادفة غريبة بعض الشيء. طبعا لمن لا يعلم عن موقف المرحوم الدكتور كامل ابو جابر، من الصراع العربي الاسرائيلي، فانه كان من اشد المنتقدين لاسرائيل وظل حتى اخر ايامه في كتاباته واحاديثه يشبه الصهيونية بالنازية، الامر الذي اغضب الحكومة الاسرائلية اكثر من مرة.
توطدت علاقتنا بعد تاسيس الجمعية العربية للعلوم السياسية وتم انتخابه عضوا في لجنتها التنفيذية. واصبحت احرص على لقاءه كلما زرت عمّان، وكنت اجده في كل مرة اكثر تواضعا ودماثة. كنت احاول ان استفز ذاكرته حول بعض السياسين العرب والعراقيين الذين تعامل معهم، وكان يحب ان يطلق صفة (تيس) على كل سياسي وجد فيه غباءا كبيرا، وكان في بعض الاحيان يقول هذا تيس لكنه طيب وذاك تيس وغبي.
لقد كان الرجل يحرص على التقريب بين الفرقاء المختلفين سواء في الاردن او في الوطن العربي. وربما كانت قدراته العالية في هذا المجال هي ما جعلت الحكومة الاردنية تضعه على راس المعهد الملكي لحوار الاديان. اخر لقاء لي به كان بسبب مفارقة لم اجد لها اي تفسير لحد هذا اليوم. فبعد ان تركت العراق (عن طريق الاردن)، واقمت في بريطانيا قررت الذهاب الى عمان تلبية لدعوى من مركز علمي، وفوجئت ان طلبي للحصول على سمة الدخول الى بلد كنت زائرا دائما له، وتركت العراق عبر اراضيه، قد رفض. اتصلت بالدكتور كامل واخبرته بالقصة، جن جنونه، وقال انتظر مني اتصالا غدا. في اليوم التالي اتصل بي القنصل الاردني في لندن وطلب مني الحضور الى القنصلية. وبالفعل ذهبت ومنحت الموافقة في نفس اليوم، والتوصية كانت من الصديق الوفي ابو جابر.
ظرافته ودماثة خلقه كانت حاضرة دائما وفي اصعب الظروف، وساهمت في بناء الجو الاخوي بين اساتذة العلوم السياسية من خلال عمله في الجمعية. اما كتبه و بحوثه ومقالاته ومحاضراته سواء في الجامعة الاردنية او في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية فانها ستبقى مصدرا لا غنى عنها لاي باحث او دبلوماسي يريد ان ينجح في عمله .
رحم الله الاخ الكبير ابو صالح، والهم اهله ومحبيه وتلامذته الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا اليه راجعون
الرئيس الفخري للجمعية العربية للعلوم السياسية

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

849 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع