فاطمة هادي شاكر القريشي
ما يزال اسمه بوبي
كان من اللطافة أن أسميه باسم يكاد يشعرني أني سعيدة به، فيتوسل مني الرفق به والاهتمام، حتى في طهو الطعام له... خرجنا يوماً سويه وهو يسير خلفي، لأتبضع بعض الفواكه والخضار. أشعلَ في داخلي الحنق، وهو يلاعب قطة صغيرة بين عشرات السيارات التي تزدلف منهما، وما إن أتممت التبضع، وتركته حتى لحق بي محاولاً إرضائي وضعتُ له شيئاً من الطعام في آنيته المفضلة عشتُ مع أهلي مدللة يهتم بي الجميع ،وزوجي الذي فُقد في سبايكر ما زال مصيره مجهولاً ، صرت بعده أشعر بالوحدة والفراغ إلا من (بوبي) الذي أصبح صديقا حميماً لي، يؤنس وحدتي، ويؤمِّن بيتي الذي يقع في أطراف المدينة الذي قطنته منذ حــوالي ست سنـوات كنـت أقضــي وقتي بقـراءة الكتب التــاريخية والمجلات والروايات البوليسية لجاتا كريستي، التي علمتني كيف يعيش الإنسان حين يكون بين الضباع لكن بنفس الوقت هناك موازنة يقيمها القانون بين شرار الناس والآخرين المسالمين الذين يقعون ضحية نواياهم... زوجي أسعد محبُّ للوطن والحياة، مسالم، يعيش قنوعاً بما تقدم يداه ، يحبني كثيراً ويسعى لإسعـادي ولـو بإهـداء عقد مـن نبـات الجمان فيطرز به جيدي في يوم كُنَّا نتمشى في أحدى طرقات المدينة الذي تظلل حافاته الأنقاض والنفايات والأدغال .
قال لي :
- نحن نجاهد من أجل بناء الوطن، فمتى تتحقق طموحاتنا الخاوية من الواقع، فمنذ أيام الحصار وجدنا أنفسنا في دوامة الضيق بانغلاق طموحاتنا، وها نحن اليوم بعدما تأملنا التغيير لم نجد إلا انغلاقاً أوسع وحرباً أعتى، فالمفخخات تحصد العشرات منا. نأسى على أعمارنا التي انقضت بالحرمان. وهو ينظر يميناً وشمالاً إلى الشجر الذي تيبس والأدغال من بين النفايات صارت تزحف على أكتاف الأرصفة التي تثلمت حافاتها من فرط الإهمال النفوس تغيرت بعدما غلبت عليها المصالح والمنافع المادية، نساء الشهداء في محنة من أمرهن، ولم يبق من تقرير مصيرهن إلا أن ينفـردن بعيدا عـن الناس هـو أجـدى أمـر لهن في زمن تهاوت به القيم، ولم يبق إلا الأليف من الحيوانات بجوارنا... لكن قررتُ أن أُدجِّن صغار القطط ، لتكون هي الأخرى عامل تسلية لبوبي.
1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع