القس لوسيان جميل
حكاية مردان، او الراهب حنا - حكاية شعبية استخدمتها في العام 2010
عنوانها الآخر: الى كنيسة منكوبة بحسها المسيحي والوطني
حكاية ذات مغزى اعيدها الآن لفائدتها في لاهوتنا المعاصر
اعزائي القراء
كان ويا ما كان،
كان في سالف الأيام والأزمان، قاطع طريق شرير اسمه مردان. في احد الأيام نور الله عقل مردان ولين قلبه، فتاب مردان توبة نصوحا وترك حياته الماضية التي كان قد قضاها بالسرقة وسلب اموال الناس. غير ان مردان لم يكتف بالتوبة، لكنه قصد ديرا في البراري، وقدم طلبا الى رئيس الدير للانتماء الـى تلك الرهبنة، بعد ان حكا له قصة حياته كلها. فلما اقتنع رئيس الدير مـن صدق نوايا مردان قبله اخا جديدا في الدير وألبسه الثوب الرهباني وأعطى له اسما جديدا هو اسم الأخ حنـا، او الراهب حنـا. ولما استقر الأخ حنا في الدير بدأ يتعلم هناك اصول الحياة المسيحية والرهبانية وقواعد الصلاة والتأمل والعبادة. وقد تعلم الأخ حنا في الدير امورا كثيرة، لكن اهم ما كان قد تعلمه هو وصية منسوبة الى السيد المسيح تقول: من ضربك على خدك الايمن فحول له الآخر. وفي يوم من الأيام بينما كان الراهب حنا صاعدا الى سفح الجبل ليعمل في كرم يعود للدير، واذا بقاطع طريق يوقفه ويغرز وتدا في الارض ويقول له: اجلس هنا على هذا الوتد ايها الراهب. فلما رأى الأخ حنا جدية الموقف وخطورته، اخذ يفكر في نفسه ويقول: ان معلمي يسوع قال: من ضربك على خدك الايمن فحول له الآخر، لكنه لم يقل من طلب منك ان تجلس على وتد " خازوق " عليك ان تطيعه، حينئذ قال الراهب حنا في نفسه: اليك عني ايها الراهب حنا، وتعال يا مردان من جديد. ثم مد مردان يده الى الوتد وقلعه من الارض وضرب به اللص وقتله وتخلص من شره.
مغزى حكاية الراهب حنا:
اما مغزى قصة الراهب حنا فواضح وبسيط، ذلك ان هذا المغزى ليس مغزى سياسيا، لكنه مغزى لاهوتي وأخلاقي، يشمل جميع الناس بشكل عام، ويشمل المسيحيين في هذا المقال بشكل خاص، فضلا عن مؤسساتهم الكنسية المختلفة ، اما شمول المسيحيين الخاص بمغزى المثل فيعود الى ما نجده عندهم وفي اوساط كنائسهم باكليروسهم ولاهوتيتيهم من ضبابية حول مفهوم السلام وحول سائر الفضائل المماثلة التي نجدها في ما يسمى الموعظة على الجبل، او التطويبـات، حتى نكاد نؤكد مع المثل السرياني السوادي الذي يقول: ان الضباب عرس الذئاب.
وفي الحقيقة من يدري!
فقد يحسب البعض ان الخلل في مفهوم السلام في الكنيسة يأتـي مـن خلل في قراءة الكتب المقدسة، ومنها كتاب الانجيل، ومن جهل بحقيقة النصوص الكتابية، غير ان الحقيقة ليست كذلـك فقط. ذلك ان الخلل الحقيقي يعود الى قراءة مؤدلجة ومسيسة لهذه الكتب، كما كان الخلل في السابق يعود الى قراءة حضاريـة مؤدلجة للكتب المقدسة، يمكن ان نسميها قراءة ما قبل العلم، او القراءة البدائية الساذجة. علما بأن الأدلجة تتسرب الى قراءة حضارية معينة للكتب المقدسة تسربا خفيا، قد لا يشعر به القارئ او اللاهوتي بسهولة، ويعتبر ما يقرؤه وما يفهمه لاهوتيا حقيقة لا لبس فيها، الأمر الذي يحصل ايضا مع القراءة البسيطة الساذجة التي تعتمد على رؤية حضارية خاصة.
هذا وقد يأتي الخلل الذي يقود الى فهم مؤدلج لكلام الموعظة على الجبل من طبيعة الموعظة على الجبل نفسها. ذلك ان ما كان بسمو مفردات الموعظة على الجبل الانسانية الرفيعة التي تتوجه الى المشاعر اكثر مما تتوجه الى العقل، يصعب تحديده وتعريفه بسهولة، وبالتالي تتعذر المعرفة الكاملة بطبيعته، من هنا يبقـى الباب مفتوحا لتعريف ملتبس يحمل اكثر من معنى، كما يبقى الباب مفتوحا، سواء لقبول معنى التطويبات او لرفضها او لتشويه معناها من اجل التخلص من تبعاتها. وهكذا وعوضا عن الكلام عن الخلاص الحضاري على الأرض، أي التحرير الذي يطلبه الله او مقدسنا الأنثروبولوجي، يتم الكلام عن خلاص في عالم آخر، لأن خلاص هذا العالم يتطلب مواقف لا يريد رجل دين ان يسمح بها، او حتى يسمع بها. اما ملكوت الله فيتم ابعاده الى العالم الآخر، عوضا عن ان يكون انقلابا سعيدا ومطلوبا يحصل في عالمنا الحاضر، هذا الملكوت الانساني الذي يحمل معاني كثيرة بنيوية، انسانية تتعلق بالمشاعر وتطبيقاتها ورموزها الاجتماعية التي ليست رموزا بسيطة.
وبما ان كلام الموعظة على الجبل هو كلام قيل مـن اجل مجيء ملكوت الله الحقيقي في هذا العالم، فان هذا الكلام تحول من كلام يخدم الانقلاب في حياة الفرد وفـي حياة المجتمع الى كلام لا يخدم سوى الشريعة والمتمسكين بها. لذلك نفهم لماذا قبل المسيحيون الأوائل التطويبات بمعناها الديناميكي الحقيقي الذي كانت له القدرة على نقل الجبال رمزيا من محلها ولماذا استطاع المسيحيون الأوائل ان يضعوا التطويبات او الموعظة على الجبل في حياتهم العملية ويستفيدوا منها في نضالهم، في حين صارت هذه التطويبات عقبة مهمة في طريق كنيسة ما بعد قسطنطين الملك، هذه الكنيسة التي تحولت بليلة وضحاها من كنيسة مضطهدة الى كنيسة في الحكم جنبا الى جنب مع الأباطرة، فيما يسمى الثيوقراطية المسيحية.
لذلك ايضا نرى كيف عمدت هذه الكنيسة في خطابها الى تحوير خطاب التطويبات ليكون ملائما لوضعها الاجتماعي الجديد، وهو وضع الأمة الدينية الثيوقراطية، حيث كان على الكنيسة ان ترضي ربين في آن معا: الله والإمبراطور، ربما كما يحصل للكنيسة الآن في اماكن عديدة من العالم، ومنها الكنيسة الجامعة، وكنيسة العراق التي تسعى الى ترضية او عبادة اكثر من ربين، لأنها اصبحت كنيسة فاقدة لهويتها، واصبح اي نقد لها واي تحريض على التواضع امرا ممنوعا وربما مزعجا ايضا لكنيسة تعودت على ان تنال التبجيل دائما. ففي الحقيقة قد غلبت
هنا ثقافة الامبراطورية على ثقافة التحرير الاولى في الكنيسة، هذه الثقافة التي نجدها في طول الاناجيل وعرضها، ونجدها بشكل خاص في الموعظة على الجبل التي ادرجها الآن امام انظار القارئ ليكـون على علم بالأمور التي نتكلم عنها. فالموعظة على الجبل تقول:
طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات.
طوبى للمحزونين لأنهم يعزون
طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض
طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون.
طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون.
طوبى لأنقياء القلوب، لأنهم يشاهدون الله.
طوبى لصانعي السلام لأنهم ابناء الله يدعون.
طوبى للمضطهدين من اجل البر لأن لهم ملكوت السماوات.
طوبى لكم اذا عيروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم كذبا كل كلمة سوء من اجلي
افرحوا وابتهجوا لأن اجركم في السماوات عظيم. هكذا اضطهدوا الأنبياء قبلكم.
ملاحظة: ان كلمة طوبى السريانية مماثلة لكلمة هنيئا. وعبارة البر تعني ( الحق عندنا )، لكنها كانت تعني السير بحسب الشريعة الالهية في مفهوم الأمة الثيوقراطية. اما اذا اردنا ان نتكلم عن الروحانية وعن التصوف فاننا بحسب معرفتنا بالإنسان، فاننا لا نجدها في يسوع المسيح الأسطوري، بل نجدها في يسوع الانسان وفي قواعد التطويبات على الجبل، فهي ينبوع كل روحانية حقيقية وحتى كل تصوف مسيحي، فضلا عن بعض الصفات النفسية الجسدية عند المتصوف التي تكون عنده بشكل حاد جدا Super sensibilité .
سؤال ودي الى الأخ المسلم: ولكن قبل ان اواصل كلامي اود ان اسأل اخي المسلم وأقول له: ترى الم يحصل لك ان وقعت عينك على نصوص قرآنية وغير قرآنية تشيد بالمستضعفين الأوائل مـن المسلمين الذين قيلت بحقهم مثل هذه الكلمات الرائعة؟ اعتقد جازما ان كلام التطويبات موجود بشكل او بآخر في كثير من النصوص الاسلامية الاولى المقدسة وغير المقدسة، بكون الموعظة على الجبل كلاما عميقا يعود الى طبيعة الانسان بصفته انسانا. لكن المسلمين، على علمي القليل، ربما لا يعيرون بالا بكفاية لهذا الكلام الانساني المبثوث في ادبياتهم وكتبهم المقدسة كلها، لأسباب لست بصددها الآن، شأنهم شأن المسيحيين طبعا.
اما التحوير الذي حدث في معاني الموعظة على الجبل فناتج عن التباس وغموض حصل بعد ان خرجت الكنيسة مـن خفاء " الدياميس " الى العلن، أي بعد ان تحولت الكنيسة من كنيسة مضطهًدة تعمل طقوسها وتمارس ايمانها بخفاء في مقالع مهجورة خارج مدينة روما الوثنية، الى كنيسة حاكمة مع الامبراطور قسطنطين ومن جاء بعده، بعد ان اهتدى هذا الامبراطور الـى المسيحية، او هكذا خيل لكثير من المسيحيين آنذاك، وبعد ان أعلن الملك قسطنطين المسيحية دينا رسميا للدولة الرومانية عام 313 ميلادية، بما يسمى بمرسوم ميلانو. اما هذه الحالة الجديدة فقد نشأ عنها ما سمي في الستينيات من القرن المنصرم، من خلال تحليل سوسيولوجي ( اجتماعي )، بالمساومة الكبرى بين الكنيسة والدولة، هذه المساومة التي كانت تقتضي من الامبراطور حماية الكنيسة، كما كانت تقتضي من الكنيسة الدفاع عن الامبراطورية، بما تملكه من وسائل لاهوتية وأخلاقية كانت تناسب وضعها الثيوقراطي ( كأمة دينية ) ومن سلطة غالبا ما استخدمت بشكل تعسفي، كما يحدث ذلك في ايامنا ومن قبل في كل زمان ومكان، وفي كل المؤسسات الكنسية الراهنة، لا بل في كل وقت وزمان بنسب مختلفة، اللهم الا اذا كانت المؤسسة الكنسية مجبرة على التنازل عن عنادها، كما حصل في اعقاب الثورة الفرنسية.
قراءة مؤدلجة للتطويبات: من هنا نحن لا نستغرب ان تكون قد حصلت قراءة اجتماعية مغايرة لكثير من المبادئ الانسانيـة التي نجدها في العهد الجديد وفي الكنيسة الأولى التي سميت بكنيسة الدياميس، أي المقالع المهجورة التي كان يجتمع فيها المسيحيون الأوائل في عهد ما قبل قسطنطين ويقيمون فيها طقوسهم، في زمن يمكن تسميته بزمن النضال المسيحي السري، الذي يماثل نوعا ما زمن الهجرة النبوية الشريفة، لأننا امام حالة انسانية متماثلة ومتشابهة من كثير من الوجوه.
اما هذه القراءة المؤدلجة التي فرضت نفسها بعد عهد قسطنطين فهي تعود الى مسألة الخلاص ومسألة العالم الآخر، ومسألة السلام ومسألة فضيلة التواضع والصبر ومسألة موعظة يسوع على الجبل او التطويبات، وغيرها من الفضائل النبيلة السامية. علما بان مثل هذه القراءة المؤدلجة خدمت ردحا طويلا حاجة الكنيسة الى اخضاع الطبقات الاجتماعية المسحوقة لطبقة الاقطاع الحاكمة آنذاك، لأن الكنيسة كانت تحض الطبقات المحكومة على تحمل وضعها وعلى الصبر وعلى الابتعاد عن العنف وعن التمرد وعن الثورة، في حين لم يكن خطاب الكنيسة الموجه الى اقوياء العالم فيما يخص العدالة الاجتماعية يلقى اذنا صاغية عند احد ولم تمارس الكنيسة دعوتها النبوية لشجب الظلم الا قليلا، ربما الى زمن البابا بيوس العاشر، ومن زاوية الحرس على المسيحيين فقط. علما بأن كنيسة الغرب، كانت ردحا طويلا مع الرأسمالية والاقطاع كما كانت غير مبالية بالعمال والطبقات المسحوقة لفترة طويلة حتى حلول عهد الماركسية التي كسبت كثيرا من جرف الكنيسة الكاثوليكية. لقد كان الشيوعيون والاشتراكيون في الغرب الأوربي، وليس في الشرق الشيوعي، يقولون للكنيسة: خذوا الأبناء لكم الى عمر 16 سنة ثم بعد ذلك هم سوف يأتون الينا.
دعوة الكنيسة السلبية: وهكذا كانت دعوة الكنيسة الى السلام والى ممارسة الفضائل الأخرى التي تدعو اليها الموعظة على الجبل، او التطويبات الانجيلية، دعوة سلبية تطالب المسيحي الاعتيادي بالرضوخ الى استلاب الأقوياء باسم سلام المسيح الذي اعطته الكنيسة معنى مغايرا لمعناه الأصلي الذي نجده في الاناجيل، ولاسيما في نص الموعظة على الجبل. وهكذا فان رعايا الأمة المسيحية القسطنطينية كانوا قد صاروا مثل الأخ حنا او الراهب حنا في المثل، قابلين ان يقدموا خدهم الأيسر لمن يضربهم على خدهم الايمن، وان يتحملوا اهانات كثيرة عملا بتوصية سيدهم الذي كان قد قال لرسله: من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر. او اقله هكذا كان يبدو للكنيسة التي كانت قد اطمأنت على تعليمها ولاهوتها وعلى امتها وعلى نفسها وعلى امتيازاتها الكثيرة. ولكن هل كانت السلفية الكنسية تشعر بالآلام التي كان يتحملها الشعب المسيحي جراء عبوديته الجديدة في امته؟ في تحليلي الشخصي ان السلفية وجريا على عادة كل السلفيين في العالم، لم تكن تشعر بالآلام التي كان يقاسيها المؤمنون من نظام امتهم الفاسد، والا لكانت اصلحت نفسها قبل ان يصبها ما اصابها في الثورة البروتستانتية وفي الثورة الفرنسية المتوحشة بعد ذلك. حقا انها لم يكن بحسابها ان الراهب او الأخ حنا سوف يعود الى طبيعته الأولى، ويعود ويرجع مردان المتوحش، فيرفض ان يبقى جالسا على الوتد ( الخازوق ) الى الأبد ثم يمد يده الى الوتد او الخازوق الذي ارادت كنيسته ان يبقى جالسا عليه، ويجابه به كنيسته المعتدية، لكي يتحرر منها الى الأبد. هذا مع اضافة ان سلفيات العراق، وبمستوى اساقفة وبطاركة قد أذوا المجددين كثيرا دون اي مستند غير عقائد اسطورية لا يقبلها عقل اي انسان سليم. نذكر من هؤلاء البطريرك روفائيل بيداويذ والمطران كوركيس كرمو، هؤلاء ارتكبوا جرائم حقيقية بحق المجددين، وفي مقدمتهم القس لوسيان جميل، لأنه كان الوحيد في الكنيسة الكلدانية قد وقف بوجه الاستبداد العقائدي الأسطوري الذي كانت السلفية تتمسك به، وتؤيدهم في ذلك السفارة البابوية بكل نشاط وقوة.
غير ان القس لوسيان جميل الذي كان المفروض فيه ان يتأذى كثيرا ويتألم كثيرا، وربما يتراجع عن علمه وعن بشارته، لم تستطع السلفية ان تكسر شوكته بل ظل صامدا، يسدون امام عمله منفذا فيفتح عشرة منافذ عوضها. وهو الى حد هذا اليوم يؤمن بحقيقة ما يبشر به، ويتقدم في نجاحه خطوة بعد خطوة، على الرغم من سوء صحته. فما ارتكبته السلفيات الكنسية ومعها كل مناصري محتلي العراق بمحاولة شيطنة القس لوسيان، قد باءت بالفشل، وقد كان هذا الفشل امرا طبيعيا. هذا مع العلم بأني سأفرد مقالا خاصا بموقفي الحقيقي تجاه القومجية وتجاه عدوانهم المستمر على الشرفاء، وعلى كنيستهم، التي من يحبها يعمل على اصلاحها من الداخل، ولا يعمل على تدميرها ولا بالانفصال عنها واختيار قوميات كاذبة ومندثرة بديلا عنها.
وبعد هذا: قد يلاحظ القارئ الكريم ان كلام الموعظة على الجبل لم يكن كلاما عاما لا يتوجه الى احد بدون تمييز، لكنه كان كلاما موجها الى المسيحيين الأوائل المضطهدين بسبب ايمانهم الجديد. كما يمكن ان يكون هذا الكلام عينه كلاما موجها الى كل انسان اهتدى الى الحقيقة من بعد ضلال، ويريد ان يحيا بموجبها، على الرغم من صعوبات عيش الحقيقة المشهورة بمرارتها .
وبديهي ان يكون لمثل كلام التطويبات او الموعظة على الجبل وقع عظيم على حياة الناس المضطهدين، وتكون التطويبات خير عون لهم، لكي ينتصروا على ضعفهم وعلى الآلام التي يسببها لهم المضطهدون، وبالنهاية لكي ينتصروا في مسعاهم نحو التجدد والتغيير. وهكذا نجزم بأن الموعظة على الجبل شرعة انسانية ـ روحية كانت موجهة الى المسيحيين الأوائل، وليس الى كل انسان، كون الأمور الانسانية العامة لها خصوصيتها ايضا. اما اليوم فيمكن ان تتوجه التطويبات الى كل انسان يحمل قضية انسانية مهمة ويحاول ان يحيا بموجبها. هذا، ولا ننسى ان الكلام الذي كان يوحنا الانجيلي قد وضعه على لسان يسوع، والذي يقول: انتم في العالم، لكنكم لستم من العالم، يشبه التطويبات كثيرا، لا بل ان التطويبات موجهة الى اناس ينطبق عليهم كلام يوحنا الانجيلي اعلاه، وكان يمكن ان يقال: طوبى لكم انتم يا من يقول عنكم وعن امثالكم انجيل يوحنا: انتم في العالم ولكنكم لستم من العالم، لأنكم ستنالون السعادة التي تعد بها التطويبات لرسل يسوع اولا، ثم لكل من يملك بشارة التجديد ليقدمها الى الأخرين المحتاجين الى التطويبات، حتى وان كان مصيركم التألم والاستشهاد. هذا، مع العلم ان هذا الفرح هو فرح وجداني داخلي، وليس فرحا بمادة يحصلون عليها، حتى وان كنا لا نبعد بعض المكاسب الاجتماعية والمادية الناتجة عن فرحة التغيير.
كيف تم تحوير وأدلجة التطويبات: اذا حاولنا ان نستخدم علم الاجتماع لفهم الأدلجة التي حدثت في مجتمع ما بعد قسطنطين الملك سنرى ان مصير التطويبات كان مرتبطا بمصير مفردة ملكوت الله وبمفردة الخلاص ، فنحن، اذا تأملنا مليا بكلمة ملكوت (ملكوثا) السريانية نجد انها تعني الحكم، وعندما يقال ملكوت الله يعني حكم الله على الأمة ( الشعب )، والذي يسمى ثيوقراطيا Théocratie. فهذه الكلمة اذن لا تعني ابدا ملكوت السماء، حتى وان كان متى الانجيلي يستخدم كلمة ملكوت السماوات عوضا عن ملكوت الله، لأن متى مثل سائر اليهود لم يكن يريد ان يتلفظ باسم الجلالة، فبدله بما كان يعتقد انه يساويه. فملكوت الله في الأناجيل كان يعني الوضع الاجتماعي الجديد الذي بدأه يسوع ورسله، لكي يحل محل الوضع الثيوقراطي اليهودي القديم الذي كان قد سقط بيد الرومان، فلما ظهرت بشارة يسوع بدأ هو وتلاميذه ينفصلون عن اليهود الذين كانوا قد فقدوا سيادتهم الحقيقية، ولم يكونوا بعد قد كونوا امة مستقلة وشعب الله الحقيقي، بل كانوا اناسا يعيشون على الشريعة وحدها، لأنه لم يكن بيدهم شيئا آخر يعملونه، حتى اننا نعرف ان الحكم النهائي على يسوع لم يكن من صلاحياتهم، بل من صلاحيات الوالي الروماني.
ماذا فعل يسوع وتلاميذه: ان يسوع وتلاميذه يبدو انهم بدئوا بالتبشير على مستوى ما يسمى اليوم البنى الفوقية للآمة اليهودية. فبعد الاحتلال كانت البنية التحتية لأمة العهد القديم في خبر كان، يعني لم تكن بعد هناك امة دينية ثيوقراطية ( شعب الله )، بعد الاحتلال الروماني. اما الشريعة وسائر الرموز الأخرى الخاصة بالأمة، فقد بقيت معزولة عن امتها، واصبحت لا تعني شيئا مهما في تلك الحياة التي كانت قد تفككت تماما بانفصال البنى التحتية عن البنى الفوقية الحضارية.
غير ان ما نقوله الآن لا ينفع فقط في حالة بشارة يسوع، لكنه ينفع في حالة كل البشارات الأخرى عندما تنقسم حالات معينة الى سلفيات حاكمة وشعوب تريد التحرر مثل حالة كنيستنا الملقبة بالكنيسة الكلدانية التي اصبحت جسدا ميتا بلا روح، ويحتاج هذا الجسد الى مردان جديد، لكي يفرض وضعا جديدا على هذه الكنيسة وعلى رعاتها الحاليين من بطاركة واساقفة وسفارة بابوية، مثل ما كان السلفي البطريرك روفائيل بيداويذ وقبله البطريرك بولس شيخو، والمطران كوركيس كرمو رحمهم الله جميعهم. فقد عادى المذكورون القس لوسيان وحرموه من كل حقوقه اللاهوتية التي لم تكن تنسجم مع اساطيرهم.
اما مصطلح الخلاص فليس سوى النتيجة الناجحة لمن يسلك طريق التطويبات ويتحمل كل مشاكلها واضطهاداتها المتنوعة. على فكرة فقط: في يوم من الأيام كنت قد كتبت في مجلة الفكر المسيحي موضوعا عن الخلاص بهذا الاتجاه الذي اتكلم به الآن، وربما اقل دقة مما اكتب الآن. غير ان السلفية الكنسية آنذاك كانت قد طلبت من القس ابراهيم ان يحاكمني على هذا الموضوع محاكمة كنسية فامتنع وخيب آمالهم. كما كان الأب لويس ساكو ( سيدنا البطريرك حاليا ) قد افحم مجلس الأساقفة الذين كانوا قد طلبوا منه ان يتنكر لفكرته، اعتقد كانت عن القربان، لا اتذكر جيدا، لكن اتذكر انه كان قد صور صحيفة من كتاب مرخص به كانت تقول ما كان قد قال به الأب لويس ساكو. ترى الا يحق لنا ان نشبه غالبية اساقفتنا بمن كانوا قد حاكموا واعدموا العالم كوبرنيكوس، وحاكموا واجبروا العالم غاليلو تحت تهديد الحرق، بأن يتنكر لأفكاره العلمية التي لم تكن تخص الكنيسة لا من قريب ولا من بعيد؟ كما الا يحق لنا ان نشبه المذكورين بالفريسيين والكتبة الذين كانوا قد حكموا يسوع بالموت على الصليب؟ ( علما بأني لا اتكلم عن يسوع المسيح الذي تتكلم عنه العقيدة الأسطورية والتي تكلم عنها البابا يوحنا بولس الثاني )، علما بأن القتل الجسدي لم يعد ممكنا في ايامنا هذه، والا من يدري ماذا كان بإمكان رؤسائنا ان يفعلوا بالمجددين؟
هذا، وبما ان المسيحيين الأوائل عرفوا ان كلام الانجيلي يوحنا الذي وضعه على لسان يسوع والذي يقول لرسله: انتم في العالم لكنكم لستم من العالم، فان هؤلاء المسيحيين كانوا قد تأكدوا ايضا ان ما كانوا قد سمعوه من يوحنا كاتب الانجيل الرابع، كان انقلابا حقيقيا وجذريا، ولذلك كانوا قد سمو كتابهم المقدس انجيلا، أي بشارة وسموه العهد الجديد، في حين سموا كتاب اليهود المقدس بالعهد القديم، مقتنعين بأن مفهوم الخلاص كان يعني خلاصا من هيمنة الأمة الدينية اليهودية ومن افقها الضيق ومن كافة رموزها التي كانت قد نخرت وذوت، ولم يكن مفهوم الخلاص يعني الخلاص في العالم الآخر بأي شكل من الأشكال، ولا مفهوم ملكوت الله ( ملكوت السماوات ) كان يعني الجنة.
من هنا يتأكد لنا ان تحريفا اصاب معاني الخطبة على الجبل في جميع بنودها عندما نعرف ان معاني الخطبة على الجبل تحولت على ايدي كنيسة قسطنطين الى معاني تجعل العالم الآخر بديلا لعالم الانسان الواقعي الحقيقي الذي يتم فيه الانقلاب من حياة قديمة لا تخدم انسانها بكفاية الى حياة ترفض العهد القديم وتضع العهد الجديد بديلا ديالكتيكيا له. يثم نسأل ترى هل يمكن ان توجد مثل هذه الظاهرة عند الأفراد ايضا؟ نقول نعم وبكل تأكيد، وهي دليل على الصحة وليس على المرض او التمرد على الشرائع والتقاليد. اما هذه الحالة فقد حدثت لأن الكنيسة اعتبرت ملكوت قسطنطين هو الملكوت الموعود البديل لملكوت موسى الثيوقراطي. لذلك نفهم ان تغلق كنيسة قسطنطين والكنيسة التي خلفتها ملف النضال الثوري وتعتبر اية شكوى وأي اضطراب يحصل مخالفا لإرادة الله. كما فعل البابا البولوني المعقد ضد الشيوعية الى جعل يسوع انسانا مسخا لا يفيد العالم بشيء سوى انه خلصه من خطيئة آدم وحواء حسب الوعود. ولذلك كان قد فرض على كنيستنا، التي لم تكن ملكا طابو باسمه، شعارا يقول: المسيح هو هو بالأمس واليوم والى الأبد. لقد كان البابا المذكور قد قبر يسوع واضاع اسمه الى الأبد، بحسب ظنه الخائب، لكنه، هو ومن سار على خطواته، في العالم كله، وحتى عندنا في العراق، قد ظلموا انفسهم بأيديهم، وساهموا مساهمة كبيرة في نشر العلمانية الملحدة او غير المؤمنة، في اغلب دول العالم المتقدمة حضاريا، وبما يسمونهم في فرنسا من لا اله لهم ولا مقدسا Les sans dieu . اما عندنا فان يوحنا بولس اعاد الاعتبار باطلا الى السلفية المتفشية في الكنيسة الغربية وفي كنيستنا المشرقية الجاثمة على انفاس المؤمنين. من هنا يمكننا ان نفهم قليلا تحليل ماركس الذي اعتبر الدين افيون الشعوب، في حين اننا نعلم ان الدين نفسه لا يمكن ان يكون افيونا، حتى لو كانت اجتهادات لاهوتية سلفية معينة تساعد على هذا الوصف، لأن السلفيين ييطلبون من المؤمنين باسم السلام ان ينسوا همومهم وعذاباتهم الاجتماعية على امل الحصول على الملكوت القادم في العالم الآخر.
مبدأ السلام في العهد الجديد: ان مشكلة السلام وسائر الفضائل الانسانية الأخرى التي نجدها في التطويبات تتحمل اكثر من معنى، ولاسيما اذا فصلت هذه الفضائل من اطارها الواقعي الأصيل. فنحن نعرف مثلا ان مقولة من ضربك على خدك الايمن فحول له الآخر، ومقولة: اعد السيف الى غمده فان من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخذ وغيرها من المقولات الانسانية السامية التي نسميها فضائل، هي مقولات تعالج ظرفا خاصا، عندما كان المسيحيون بأجمعهم في حالة بشارة سلمية، ولا يملكون أي سلاح حقيقي يدافعون به عن انفسهم. ولذلك كان على هؤلاء المسيحيين، وعلى كل مسيحي، لا بل على كل انسان يكون اليوم في مثل حالتهم المذكورة، ان يتحلـى بالصبر وباستعداد للتضحيـة وبالصمود وبروح المسالمة الضروري لأي تبشير من نوع التبشير الذي وجد المسيحيون الأوائـل انفسهم ملتزمين به. علما بأن ما تقدم قوله لا يعني حرمان الكنيسة من الادلاء برأيها في مسائل الخير والشر في قضايا تعد سياسية، لأن السياسة في الواقع نشاط روحي وعملي كما ان العمل الكنسي المسيحي الايماني عمل روحي وعملي وسط اية سياسة كانت. اما ان يقبع رجل الكنيسة بحسب طلب السياسيين في سكرستيته، اي في الغرفة حيث توجد الملابس والأواني المقدسة فتلك دكتاتورية واعتداء من قبل من يتفوه بمثل هذا الكلام، ولاسيما اذا كان قائله يقبل ان يكون رجل الدين في صفه ويعمل كل الأنشطة المشبوهة بدون ان يستطيع ان يعارضه احد، فان الزام الآخرين الذين لا يؤيدونهم في اهدافهم بأن لا يعملوا بالسياسة وتحت التهديد، هو عدوان لا يضاهيه عدوان في مجال السياسة. علما بأن ما اقوله قد حصل في امكنة متعددة في العراق وفي امريكا الجنوبية وفي افريقيا. وفي الحقيقة اننا اذا فصلنا هذه الفضائل المذكورة عن اطارها الحقيقي فقد يعطى لها معنى آخر بديل للمعنى الأصيل، فيتحول النص الانجيلي الى مطلب يوجه الى ضعفاء العالم وحدهم، في حين يترك حبل الأقوياء على الغارب، حتى ينقسم العالم الى عالم اسياد وعالم عبيد، كما حصل ذلك في العالم مرات عديدة.
المغزى الأخير لحكاية مردان:
عندما يكون الكاتب مطلعا على ما جرى في الثورة الفرنسية من رفض وتدمير لكل مرتكزات الثيوقراطية ولاهوتها، بما في ذلك لاهوت الخنوع الذي بشرت به الثيوقراطية المسيحية لأزمنة طوال، سيعرف لماذا كانت شرائح واسعة من الأمة الدينية في الغرب قد فقدت صبرها وقامت بثورة احتجاج ضد كنيستها المتواطئة مع الاقطاع وشروره، بعد ان كانت قد انتمت الى امة قسطنطين، لأنها كانت قد وجدتها افضل من عبودية الرومان غير الانسانية، فانفصل لوثر الذي كان راهبا عن الكنيسة وكون لنفسه منهجا خاصا به، يخلصه من استبداد كنيسته، لكني لا اتكلم عن ذلك المنهج لأن الكلام عنه يطول كثيرا، ولكن خلاصته ان البروتستانتي يكتفي بقراءة الكتاب المقدس حيث ان الروح القدس يلهمه معنى ما كان يقرأه، دون ان ينتظر تفسيرات كنيسته المؤدلجة بأدلجة امة قسطنطين الاقطاعية. غير ان شعب الأمة الدينية المسيحية ، ثار مرة ثانية على امته بثورة عارمة متوحشة، سميت الثورة الفرنسية، واحرق الأخضر واليابس على السواء: قتل الملك واقفل الكنائس ونصب تمثال الحرية على مذبح احدى الكنائس في فرنسا، واضطهد رجال الدين والرهبان والراهبات وغير ذلك. فهذا الشعب الفرنسي خلع لباسه المسيحي الاجتماعي ولبس ثوب العلمانية الملحدة وعاد انسانا يأخذ حقه بيده ويدافع عن هذا الحق حتى لو كلفه ذلك حياته. فقد رفض ذلك الشعب ان يجلس على خازوق الملكية وخازوق الكنيسة وحطم كل قيد كبلته به الكنيسة والملكية آنذاك.
اما اليوم : ففي تحليلنا ان عالم الضعفاء بأسره مدعو الى رفض الجلوس على خازوق الدول القوية جميعها بأية حجة كانت، والى اسقاط الحجج التي تتذرع بها تلك الدول من اجل الهيمنة على الشعوب، ومنها ذريعة الارهاب التعسفية التي ليست اكثر من اجازة تمنحها الدول القوية لنفسها لقتل الناس وهدر كرامتهم. وربما يكون الأب كاملو توريز الكولومبي خير مثال لإنسان نزع رداءه القسسي او الرهباني وحمل بندقيته والتحق بالثوار في بلده ومات شهيدا سعيا وراء سلام آخر لا تفهمه الكنيسة المؤسسة بسهولة.
اما الانسان العراقي: اما الانسان العراقي، سواء كان مسيحيا او مسلما، وسواء كان رجل دين او علمانيا، فلا يحتاج الى تغيير اسمه ولا الى تغيير ثوبه، كما فعل مردان و كاميلو توريز، لكي يرفض شر الأشرار من اينما جاء، سواء على مستوى المجتمعات او على مستوى السياسات. فالخير هو خير والشر هو شر، ولا يمكن مثلا ان ينقلب الشر خيرا والخير شرا، كما حصل عندنا في العراق، ما بعد احتلال بوش الابن الشرير والظالم له. حيث اخذ العملاء والقومجية والموعودون يسمون العراق المحتل بالعراق الديمقراطي ويسمونه العراق الجديد، ويسمون رافضي الاحتلال الوطنيين المخلصين لوطنهم ولأمتهم بتسميات سخيفة ما انزل الله بها من سلطان، مثل تسمية البعثي والعروبي ومن لا اصل له ومن لا يحترم قوميات الأخرين الخ... علما بأن كل ما كان القومجية قد قالوه كمزايا للعراق المحتل، كان مبنيا على اكاذيب مدروسة وعلى تضليل شرير قام به خاصة الأشرار الذين جاءوا على، او خلف دبابات المحتلين، وتعلموا ما كانوا ينادون به في مدرسة المحتلين الأشرار.
والآن نعود الى فكرتنا الأولى، أي الى الراهب حنا ومردان، ونقول: بعد ان صرح السيد ترامب بأن احتلال العراق من قبل السيد بوش الابن بحجة وجود اسلحة دمار شامل كان اسوأ قرار عملته امريكا في تاريخها العسكري كله، كلف الجانبين خسائر كبيرة، مع انه كان قد ثبت ان العراق لا يملك اسلحة دمار شامل، نرى ان حالة القومجية وعملاء المحتلين اصبحت في وضع جديد لا تحسد عليه. غير اني هنا لن انقل تصريح السيد ترامب بكامله، والذي جاء في شفق نيوز، لكنني هنا وضعت فقط مختصرا له لأني سوف اتكلم عنه بشكل مطول في مقال آخر. علما ان السيد بليكس رئيس لجنة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق، وقبل مدة، صرح هو الآخر بأن العراق لم يكن يملك اسلحة دمار شامل، لكنه في حينه خاف من ان يقول الحقيقة كاملة، لأن امريكا وحسب قوله، كانت قد هددته بأنها ستتهمه بنقص المهنية، اذا تكلم. علما بأني لا اعرف لماذا صرح السيد ترامب بهذا التصريح، ولا يهمني ان اعرف السبب، لكن يهمني التصريح نفسه، لأنه ذو قيمة عالية في وضعنا العراقي الراهن، وفي وضع دول اخرى عربية اعتدوا عليها باسم ما يسمى الربيع العربي المخجل.
اما اليوم فقد رأيت تصريحا آخر مهما للسيد كولن باول وزير خارجية امريكا في زمن السيد بوش الابن. فالسيد كولن باول، وفي معرض انتقاده للسيد ترامب يقول: ترامب «يكذب طوال الوقت».. وسأصوت لبايدن واشنطن - أ. ف. ب، هذا مع العلم ان اكاذيب ترامب التي تكلم عنها كولن باول لا تهمني هنا في موضوعي هذا، وانما يهمني تصريح السيد باول نفسه لعين السبب الذي كان يهمني تصرح السيد ترامب قبله أي ما يهمني هو تصرح ترامب عن بوش الابن وتصريح كولن باول عن اكاذيبه الخاصة ونتائجها عليه. فكولن باول الذي كان من أشد المدافعين عن غزو العراق، قدم في الخامس من فبراير 2003 أمام مجلس الأمن الدولي عرضا كاملا حول أسلحة دمار شامل يملكها العراق وشكلت ذريعة لغزو هذا البلد. مع ان كلام كولن باول كان مستندا مثل كلام بلير الى الكذب. هذا، وقد اعترف كوان باول بأن ذلك الكذب «لطخ» سمعته. وقال «إنها وصمة لأنني أنا من قدم هذا العرض باسم الولايات المتحدة أمام العالم، وهذا سيبقى جزءا من حصيلة عملي.
وكلمة موجزة من روسيا:
اعتبرت وزارة الخارجية الروسية، أن الولايات المتحدة تواجه حاليا الفوضى التي كانت تزرعها خلال السنوات الماضية في دول العالم الأخرى، مشددة على أن "العنصرية قد بلغت حدا لا يمكن إخفاؤه. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في حديث لقناة "روسيا " إن "مشكلة العنصرية في المجتمع الغربي وخاصة في الولايات المتحدة تصاعدت بشكل حاد، وهذه المأساة وصلت إلى حد لا يمكن إخفاؤه"، حسبما نقلت قناة "روسيا اليوم".وأشارت زاخاروفا إلى أن "هذه القضية ليست ملحة فقط في الولايات المتحدة وإنما كذلك في بعض الدول المتحالفة معها".
وأضافت: "ما يحدث حاليا في أوروبا والولايات المتحدة يشير إلى أنهم يواجهون ما كانوا يزرعونه. هم زرعوا الفوضى في العالم والآن يواجهون الفوضى في بلدانهم ). ومن تلك الفوضى ما عملته الولايات المتحدة وانكلترا بالعراق وبالعالم العربي فيما كانوا يسمونه كذبا الربيع العربي ــ تعليق الكاتب ). كما ذكرت الوزيرة الروسية أن الولايات المتحدة تواجه تداعيات السياسات التي اتبعتها في كل أنحاء العالم وبينها "زعزعة الاستقرار والتلاعب بالخلافات الداخلية التي توجد في كل دولة ولدى كل شعب ويجب تجاوزها بناء على الأسس القانونية". وهنا يقول الكاتب من جانبه: من يدري لعل فيروس الكورونا صار نتيجة تلك الفوضى التي تتكلم عنها السيدة زاخاروفا، والتي شملت كل حياة البشر: سياسة وبيئة ووسائل دمار شامل وتوجه نحو الهيمنة على العالم واهمال الاعتناء بالبيئة والانسان في كل مكان، حيث يبدو ان الطبيعة انتقمت لنفسها عن طريق كوفيد -19
نواصل كلامنا السابق:
في هذه الكلمة التي تستغل فذلكة مردان الذي تحول الى الراهب حنا سوف احصر كلامي برؤساء الدين المسيحيين فقط، كبيرهم وصغيرهم. وفي بالي بلدات مسيحية كثيرة انخدع رجال دينها وقبلوا ان تسوقهم جماعات قومية كانت من زمان معادية لشخص المرحوم صدام حسين ولعروبة العراق التي لم يفهم الخبثاء معناها الحقيقي، او لم يريدوا ان يفهموا تلك الحقيقة، لأن الدعاية الأمريكية مدعومة بعملاء حقيقيين، كانت قد وضعت غشاوة على عيون رجال دين تلك المناطق المسيحية او التي يتواجد فيها مسيحيون من ازمنة بعيدة، مثل كركوك وكرمليس وبرطلة و قرقوش التي قلب اسمها على يد العملاء والمخدوعين من رجال الدين الى بغديده، هذا الأسم الذي ليس اسما مسيحيا ولا اسما محايدا قطعا، لكنه يعني بيت الآلهة الوثني وهو ليس افضل من اسم قره قوش الذي كنا متعودين عليه والذي كان يدل على تاريخ موضوعي.
هذا ولا ننسى ما جرى للمسيحيين من اندفاع وتهور مصحوب بعقد قديمة وحديثة في بلدة عنكاوا وفي بلدات اخرى يقطنها خاصة مسيحيون من الذين يسمون انفسهم آشوريين زورا وبهتانا، في حين انهم كلهم من ظهور ومن حضارة المسبيين في العراق الذين تحولوا الى المسيحية واسسوا كنيسة المشرق، قبل ان تسمى الكنيسة الكلدانية باسمها المشوه هذا من قبل روما. اما سياسيا فقد احتارت الجماعة كيف تسمي تجمع هؤلاء المسيحيين تحت اسم واحد يكون عائدا في نهاية الأمر الى كردستان فتفتق ذهن الأسياد عن تسمية حسبوا انها ستشمل كل الأطياف المسيحية، فسمت العملاء بتسمية كلداني سرياني آشوري. ولله في خلقه شؤون.
واذن، فان رجال دين كثيرين وفي بلدات كثيرة، قبلوا ان يرتدوا ثوب الراهب حنا، لكي لا ينطقوا بكلمة صادقة ضد المحتلين وضد اعوانهم، وسايروا الأعوان بشكل طبيعي، كما كان يفترض في الراهب حنا ان يقبل الاعتداء عليه باسم سلام كانت رهبنته قد فرضته عليه. طبعا نحن لا نقول هنا بأنه كان على رجال ديننا بأن يحاربوا المحتلين بكل الوسائل المتاحة، لكننا نقول فقط: كان عليهم ان يقولوا كلمة صادقة بحق العراق المحتل وكلمة رادعة للمحتلين، او حتى عمل رادع ضد العملاء القومجية وغير القومجية من الانتهازيين المصلحيين، لكي يستطيعوا ان يقولوا: لقد ادينا واجبنا. اما في بلداتنا المسيحية فقد تصرفوا وكأن المحتل كان صادقا في ما كان يدعيه. ولذلك رأيناهم يقومون بفعاليات ميليشياوية بحجة حماية البلدة من الارهابيين، كما كانوا يقولون. لكن في ظني ان الجشع المالي، والتباهي السلطوي كان في اساس انحراف هؤلاء المنحرفين من رجال الدين، فضلا عن نشأتهم الاكليروسية السيئة وطبع كل واحد منهم الخاص المعقد الموروث من الآباء والأجداد. حقا لقد رأينا رجال دين يعشقون القوة عند المحتلين ويمتدحون هذه القوة بشكل مقزز، دون ان يتساءل أي منهم ويقول: ترى هل انا علماني، حبلي على الغارب، بحيث اتكلم واتصرف في هذه المسائل كما يحلو لي ام انا قسيس او مطران ملتزم بمسيحيتي قبل كل اعتبار آخر؟
ولكن املي : ولكن املي ان تكون اللعبة قد اوشكت على الانتهاء، واقصد بأنه من اليوم وصاعدا لن تبقى في العراق مناطق خضراء يعبث من يسكنها بوطنه وبأهله، كما يشاء. فاليوم، وبعد كل ما جرى للعراق وللعراقيين، وللمسيحيين بشكل اقوى، قد انتهى دور الراهب حنا واتى دور مردان، الذي سيعيد حقوق الناس، وخاصة حقوق المسيحيين المظلومين من قبل المحتلين واعوانهم، واقصد هنا بالدرجة الأولى الأعوان من المسيحيين، دون استثناء الأخرين بشكل كامل. ذلك ان السيد ترامب قد قال ايضا: بعد الكورونا انتهت العولمة وانتهى النظام العالمي الجديد، والذي بالحقيقية لم يكن جديدا الا بمساوئه. فالنظام العالمي كان قد اسس قواعد ظالمة ومجحفة بحق الشعوب، وفي مقدمتها الشعب العراقي وارضه وسياسته الداخلية والخارجية، حيث ان المحتلين واعوانهم لم يتركوا شيئا في العراق الا واستباحوه، فصحونا، نحن العراقيين على عراق لم نعد نعرف شكله وطعمه ورائحته، لقد كان العراق قد وقع تحت عبودية لم يرها في تاريخه كله، في حين كان القومجية المسيحيون يزعقون ويزمرون بمديح العراق الجديد.
وهنا نسأل: كيف تجاسر القومجية على الزعيق بمقولات كاذبة وسمجة كتلك التي سمعناها، وكيف استمروا في الزعيق نفسه كل هذه المدة الطويلة في حين كان المسيحيون يهجرون وتنهب بيوتهم ولم يستطع القومجية ولا سادتهم من ان يعملوا لهم شيئا. ان هذه الظاهرة الغريبة لا تفهم الا بافتراض واحد وهو ان القومجية بشكل عام، كانوا قد تعرضوا الى تخدير نفسي لا يستطيع المخدَر ان يفوق منه بسهولة. ولذلك واصل المخدَرون طريق الكذب، لكي يستطيعوا ان يحافظوا على ماء اوجههم ويحتفظون بالمصالح التي كانوا قد حصلوا عليها. لقد بقوا يمجدون قتلتهم ومهجري مسيحييهم وناهبي ثروات بلدهم ولسان حالهم يقول: انا ومن بعدي الطوفان. ولهذا ارى انه لم يعد بيدنا نحن الشرفاء سوى ان نعود الى مثل مردان الذي كان قد صار راهبا باسم الأخ حنا ثم رفض تسمية الأخ حنا الى الأبد، دون ان يتخلى عن رهبنته.
ولكن من سيكون اليوم الأخ – حنا مردان فيرفض ان يجلس على الوتد الذي كان قد وضعه له قاطع طريق آخر ويقول في سره: ان سيدي قال من ضربك على خدك الايمان فحول له الأخر: لكن سيدي لم يقل من يطلب منك ان تجلس على خازوق فعليك اطاعته، فعمل مردان ما عمله. يعني من سيكون مردان يا ترى فينتزع الوتد ( الخازوق ) ويضرب به كل من قبل التفاهم مع المعتدين على العراق وقبل اكاذيبهم، لا بل برر تلك الأكاذيب ايضا. هنا امتنع عن ذكر الأسماء، واتكلم بشكل عام فقط.
تطبيق المثل فعليا: اذا عُرف كاتب هذه الأسطر جيدا، سوف لن يتجرأ احد لوصفه بأنه يدعو الى العنف. ولذا اريد من القومجية ان يطمئنوا ولا يشرعوا بالدفاع عن انفسهم بأكاذيب جديدة بقولهم ان كاتب القصة يهدد بالانتقام من القومجية الكذابين اعوان المحتل وشركائه في تدمير العراق، على الرغم من اننا يمكننا تشبيه القومجية بقاطع الطريق الذي قتله الأخ حنا – مردان. فالمخلصون للحقيقة ولوطنهم ولمسيحييهم من الذين غشهم القومجية العملاء، لن يسمحوا لأنفسهم ابدا ان يلجؤوا الى الوتد، كما فعل مردان، يعني انهم لن يسمحوا لأنفسهم بأن يلجئوا الى السيف او البندقية وغير ذلك من مظاهر العنف بوجه احد، ليس لأنه لا يجوز لهم ذلك شرعا، لكن فقط لأنهم لا يستطيعون ماديا ان يفعلوا ذلك، كما كان يسوع في زمانه. اما اذا تعرض القومجية للانتقام فذلك لن يكون من جانب المسيحيين الطيبين حتما. وحينئذ سوف نقول فقط: على نفسها جنت براقش، ولن يحن قلب احد الطيبين عليهم. ثم اننا نقول بوجود قانون نيوتن الذي يقول: لكل فعل رد فعل، غير اني وجدت شخصيا ان هذا القانون لا يصح فقط في الفيزياء ولكن يصح ايضا على المستوى الانساني السياسي والاجتماعي، مع فارق ان تأثير القانون المذكور غير مرتبط بزمن محدد وفوري مثل القانون الفيزيائي. واذن فبحسب القانون المذكور لا نستبعد ان ينال المعتدون على العراق في 2003 جزاءهم العادل، من جهة ما لا احددها لأني لا اعرفها، لأن الاحتمالات كثيرة ومتشعبة. ولكن فقط اسأل: ترى هل بدأ العد التنازلي للتعامل الصحيح الرادع مع القومجية؟ من يدري!
بمن يبدأ مردان: واذن بمن يبدأ مردان عمله التوعوي للرد على الأشرار الذين شاركوا في تدمير العراق وتدمير مسيحييهم؟ لكي نعرف من اين نبدأ: علينا ان يستهدف عملنا الرادع السلمي اولا الأحزاب التي شاركت بشكل مباشر في احتلال العراق من خلال اكاذيب شيطانية. وطبعا سوف نضع على رأس القائمة السيد يونادم كنا الكذاب الأول والملفق الأول لمظالم ما انزل الله بها من سلطان. فأول شيء نعمله هو ان نقطع الصلة مع هذا الكذاب ومع قوميته الكاذبة من جذورها، ومع حركته الأشورية الديمقراطية دون ان نتعرض لمن يلقبون انفسهم عن جهل بالآشوريين. ففي هذا العمل السلمي والتوعوي، يجب ان نجمع كل الخيرين، لكي يشكلوا نداء غير منقطع، دون ان نسمح لأنفسنا بأن نكذب، كما فعل يونادم كنا وحركته الديموقراطية الآشورية التي ليست لا آشورية ولا ديمقراطية، ولا هي حركة حقيقية. كما يشمل كلامنا كل حزب وحركة نهجت نهج يونادم في اكاذيبه. وكما ملأ يونادم الدنيا بضجيجه الفارغ، على الوطنيين ان يملؤوا الدنيا وبكل الوسائل بضجيج معاكس بحسب فكرة مردان التي خالفت توصيات رهبنة الأخ حنا، باستثناء استخدام اللسان بديلا للوتد وللسيف والبندقية. فعمل مردان يتطلب فضح المعتدين جميعهم، وبحسب زخم نشاطهم العدواني، ثم ياتي دور الأحزاب الكلدانية المعتمدة هي الأخرى على التباس كلمة الكلدان، وانتقاء المفردة التي تخدم مصالهم السيئة، كما يأتي دور كل القومجية من الذين تأبطت كل جماعة منهم قومية مندثرة كانت قد شبعت اندثارا وموتا. هؤلاء يستحقون ان يكونوا مهزلة وفرجة للعالمين، هم ومظلمياتهم السخيفة. علما بأن ما نعمله لن يرتقي ابدا الى مستوى أي نوع من التنظيم ويبقى مسألة شعبوية متنورة ومنورة، كما لا نمانع اذا ما قامت حركة او تنظيم يضع القومجية بحدهم سياسيا. اما الأشرار من الذين دأبوا على سب الناس وشيطنتهم بالكذب واللعب على الكلمات، فهؤلاء لا يستحقون غير الاحتقار، ربما ليس لشخصهم ولكن لاسلوبهم العدواني معتمدين على قوة اسيادهم وعلى مناطقهم الخضراء، وبعضهم قد اعتمد بنذالة على اسم وهمي يحسب انه سيحميه يوما من الحساب.
دور رجال الدين المسيحي: ثم ياتي دور فضح رجال الدين، حتى من غير تسميتهم ان امكن، كأشخاص قبلوا المشاركة في الترويج للمحتلين ولبعض القومجية. غير انني استثني من الانتقاد ( ولاسيما الانتقاد الخارجي ) غبطة البطريرك لأن غبطة البطريرك كمسؤول عن الكنيسة عمل ما كان يستطيع او يحسب انه يستطيع ان يعمله، او يحسب كذلك انه كان مجبرا على عمله. ولا ننسى في كل هذا ان غبطة البطريرك كأغلب رجال ديننا لم يكن مؤهلا بكفاية لمجابهة الظروف التي مررنا بها. وهنا اريد ان اعلم القارئ بأني املك مستمسكات على بعض من رؤسائنا الذين سايروا واشتركوا بقلة وعي، وربما بحقد دفين، مع السيد يونادم كنا، في القول لصحيفة سعودية يديرها السيد كريشان، الذي كان يعرف مهنته جيدا في اخراج كلمة سوء من جميع المشاركين، بقولهم ان المسيحيين كانوا مضطهدين في وقت صدام وكانوا مهمشين ومبعدين من الوظائف، علما بأن تلك المقابلة السيئة وجدتها على مدونة البطريركية. وفيها وجدت اسمين لرجال دين استغلهما السيد كريشان لمأربه العدوانية الخاصة.
وهنا لابد وان نذكر الى جانب موقع عنكاوا السيء الصيت، مواقع اخرى كثيرة نبتت بعد الاحتلال مثل دغل سيء، حيث كانت غايتها كلها تمجيد قومية مندثرة معينة وسب كل من يعارض وجود مثل تلك القومية. حتى كادت كل محلة من محلات البلدات المسيحية تملك موقعا للسب والشتم وشيطنة الآخرين حتى قرف الناس الطيبون والعقلاء منها ومن اصحابها. وهنا يحق لنا ان نتساءل: ترى من اين لهؤلاء السكارى بالمحتل والمخدرين والحاقدين كل هذا المال الذي يصرف على مدونات السوء، من دون ان نستثني واحدة منها. علما بأن موقع البطريركية لا يدخل تحت هذا الكلام؟ ترى الا يستحق هؤلاء تعريتهم وفضح عمالتهم وحث الناس على عدم احترامهم كأشخاص وكمدونات الدجل التي يملكونها او بالأحرى التي اعطيت لهم مجانا ومع الممنونية، حيث كانت غاية المحتلين ان تعمل تلك المدونات على التغطية على اعمال المحتلين الشنيعة وعلى اعوانه بحجة تمجيد قومياتهم الكاذبة. وفي الحقيقة نحن نشهد لهؤلاء العملاء مالكي المدونات المجانية بأنهم جميعا لم يقصروا مع اسيادهم، ولكن من الآن وصاعدا لنقل لهم جميعا: يكفي بقى!!
ثم أتي الى اخر فصل من الأعمال العدوانية التي ارتكبها العملاء، وهو فصل المطران اميل وذيله القس هديل. على حسب معلوماتي الأكيدة هؤلاء جاءوا الى تلكيف ومعولهم بيدهم لكي يهدموا أي عمل روحي بناه القس لوسيان خلال خمسين سنة من عمل جبار لا يعمله الا المؤمنون. انا حقا لا افهم وقاحة من قال منهم بأنهم يريدون ان يجعلوا من خورنة تلكيف مثل سائر خورنات الأبرشية، يعني يجعلون من خورنة تلكيف مثل كرمليس ومثل رديفتها الخورنة السريانية الكاثوليكية قره قوش. ان هؤلاء الناس يمكن ان يقال عنهم أي شيء ما عدا انهم اساقفة وقسس. ففي الحقيقة هؤلاء لم يعبثوا بتلكيف لوحدهم وبقوتهم المسيحية الذاتية، اذ ان كل ما عملوه في تلكيف لم يكن من وحي اية كنيسة كانت، لكنه كان استجابة لأوامر الأحزاب السياسية التي قبلت خدمتهم. فالمطران اميل والقس هديل الذي كان يعرف واجبه وزيادة كانوا خداما مطيعين لأوامر اسيادهم في تخريب كنيسة تلكيف. علما بأن اول عمل قاموا به بأوامر السياسيين هو انهم وضعوا حوالي 15 شابا يتقاضون اجورا معينة ويعملون أي شيء يأمرهم به هديل، الأمر الذي كانت الأحزاب نفسها قد طلبته مني بالحاح فرفضته بشكل قطعي. علما بان هؤلاء الشباب كانوا اولاد واقرباء جماعات منتمية الى الأحزاب السياسية التي كانت مسيطرة في تلكيف، وفي عين الوقت كانوا اولاد من نسميهم الآن اغنياء تلكيف.
وهنا اذكر لكم قصة واقعية تريكم من كان هذا الهديل وبحسب أية شريعة هوجاء كان يسير. ففي احد الأيام صار في تلكيف التناول الأول. قبل التناول بأيام جمع القس هديل آباء المتناولين. واوصاهم فيما اوصاهم، وكأنه شاويش عسكري، بأن يعترف الآباء ويتناولوا مع ابنائهم. في ذلك الاجتماع كان مع الأباء مدرس هو صديقي الحميم وهو انسان متدين، لأنه كان يحضر ندواتي ويسجل غالبا كل ما اقوله، وكثيرا ما كان يقاطعني ويقول لي: ابونا هذه الفكرة درسناها نحن ايضا في الكلية، قسم علم النفس. هذا يعني ان ذلك الكهل العصامي الذي كان معلم ابتدائية، لكنه كان طموحا فداوم في الكلية – فرع علم النفس، وتخرج بنجاح. علما انه في هذه الأيام احيل على التقاعد لأنه كان يدرس في الثانوية في القوش حيث كان قد لجأ بعد دخول داعش. كما يعني ان ذلك المدرس كان على قناعة كاملة بأن ما كنت اعلمهم اياه يستحق الاهتمام والتقدير وحتى الايمان. ويعني ايضا انه كان مرتاحا من نهج كنيسة القس لوسيان المتحررة من جمود السلفية، وكان مقتنعا من فكرة التوبة الجماعية ومن تناول القربان باليد، ومن غير ذلك الكثير طبعا.
فلما انتهى القس هديل المستجد بالقسسية والمدعوم من المطران اميل الحاقد على تلكيف وعلى القس لوسيان، والمدعوم كذلك من الأحزاب السياسية قال له الأخ المدرس بلطف: ترى الا يوجد مجال في مسألة الاعتراف؟ فما ان قال المدرس المذكور تلك العبارة حتى اجابه الطفل المراهق بالقسسية هديل بلهجة صارمة وتعسفية شبيهة بالأمر العسكري قائلا: اذا كنت لا تعترف فخذ ابنك واطلع، هنا اعلق فقط على هذا القول المتعجرف الذي لا يمكن ان يصدر من علماني مسن، فكيف يمكن ان يخرج من قسيس يفترض به ان يكون مؤدبا وعاقلا ولطيفا لأنه محسوب على ملاك القسس، حقا اتساءل في اية زريبة كان قد تعلم القس هديل حتى يصل الى هذا المستوى. وعليه ما كان من السيد المدرس حتى اخذ ابنه وخرج خارج غرفة الاجتماع. شخصيا ارى انه ما كان ممكنا ان يصل هديل الى هذا المستوى الشاذ جدا والمخالف لكل الروحية المسيحية، لولا ان مطرانه المطران اميل نونا كان اسوأ منه وكان داعمه في كل ما يعمل، كما كان اغراء علاقاته السياسية الجديدة قد اكسبوه قوة اهانة أي احد لا يطيعه بشكل فوري وحرفي. فلما كان السيد المدرس خارج غرفة الاجتماع لحق به شخص كان يحسب نفسه في الخط المعتدل، وقال له: انت مالك تصير عصبيا: انت اذهب عند القس وقل له ما تشاء، يعني اضحك عليهم. وفعلا عمل الاستاذ بمشورة الوسيط، وذهب عند القس واخذ يمزح مع القس، في كرسي الاعتراف. طبعا اعرف ماذا كان قد قال للقس لكنني لا احتاج ان ابوح به. ولكن ترى هل نسي ذلك المدرس الاهانة التي وجهها اليه ما يسمى القس هديل. بالطبع هو لم ينسى، بل ذهب الى البيت وعمل مراسم التناول الأول، ثم عمل شعرا او فلنقل عمل نظما هجائيا سمى القس هديل بالـ / هزيل. وتناول المطران بكلمات اخرى كان يستحقها. ثم اعطى لي نسخة من شعره الذي اراد توزيعه على فئات محدودة. غير اني نصحته بأن لا يوزع شيئا على احد، وقلت له بالحرف الواحد، ان هؤلاء لا يخافون الله وسوف يشكونك لدى احزابهم السياسية التي باعوا لهم تلكيف وقبل ذلك باعوا لهم انفسهم، فقبل المدرس نصيحتي والحمد لله، ولكن من ذلك اليوم والاستاذ يتندر بأميل وبهديل وبغيره من مؤيدي الاحتلال. غير اني في معرض كلامي هذا، لا انسى ان اذكر بأن هديل خرج من تلكيف وفي جعبته سيارة آخر موديل من الأحزاب السياسية التي كانت مسيطرة على تلكيف، وما خفي كان اعظم، بينما القس الأشوري كانت حصته سيارة وبيت سكن لعائلته، هذا فضلا عن ان الأحزاب السياسية المذكورة كانت سخية في كل ما كان هديل يطلبه منهم من اجل شراء او بناء شيء جديد في الكنيسة يكحل بها عيون المؤمنين لكي يرضوا عن افعاله وافعال مطرانه المستهجنة. اما بخصوص اميل فاذكر للقارئ الكريم ما سمعناه من شخص القوشي الذي قال لنا بصراحة: لقد اخذتم منا اميل وخلصتمونا منه. فتصوروا كم كان هذا الشخص غير محبوب Apathique وهي كلمة تعني Non sympathique. فهل توجد صفة مذمومة في حياة قسيس او اسقف اكثر من هذه الصفة. وهذه تجربتي الأولى مع المطران اميل: فعندما فاتحني بالتقاعد لم ارفض، غير اني قلت له: ولكن من سيخلفني كخوري تلكيف. فلم يجبني، بل قال: اذن لندع التقاعد بعد العيد الكبير. بعد العيد فاتحني ايضا بوجوب التقاعد: وقلت له: نعم يا سيدنا: ولكن من سيخلفني في الخورنة. كنا جالسين في غرفة استقبال الكنيسة، وكان خارج الكنيسة قد تجمع بالصدفة شباب تلكيف الذين غالبا ما كانوا متواجدين بالصدفة بالقرب من غرفة الاستقبال. في هذه الأثناء جاء المطران ودعاني الى غرفة الاستقبال فدخلت الغرفة معه. فلما دخلت امرني مرة اخيرة بطلب التقاعد. قلت له يا سيدنا ان تلكيف لها خصوصيتها، اعرف ذلك من جراء خدمتي فيها لمدة خمسين سنة ومن جراء الظروف الاستثنائية التي نحن فيها، فانا مستعد ان اطلب التقاعد واسلم الخورنة للقس الذي اخترته. انا مستعد ان اسلم له كل طقوس الكنيسة وكل خدماتها الأخرى، ولكن اريد منك مؤقتا فقط ان تترك لي فقط مراقبة السياسة العامة للخورنة لكي نحافظ على بعض الأسس الأساسية لما كان قد تعود عليه المؤمنون. فقال لي بالحرف الواحد: واذن اش طلع منا، ثم قال ايضا: وبلكي ما تخلص الظروف( من يعرف متى ستنتهي هذه الظروف). انت عليك ان تطلب التقاعد. وهنا ايضا لم يقل لي اسم القس الذي سيخلفني. اما عبارته تلك فكانت تعني: اذا كنت انت مراقبا لسير سياسة الخورنة فكيف استطيع انا ان آخذ حريتي واعبث بالخورنة طالما انت موجود ؟ فلما رأيته مصرا اصرارا اجراميا على حساباته الاجرامية، نهضت وقلت له بغضب: اذن انت لا تستحق ان تكون طيبا!! وخرجت من القاعة، فلما رأى شبابي وجهي وقد احمر قالوا لي ماذا بك، قلت لهم لا شيء لقد علقتها مع المطران. ثم كتبت للمطران قبولي بالتقاعد. بعد ذلك مباشرة وكان ذلك في يوم جمعة، جاءني المطران ومعه القس هديل، فاستقبلتهما في قاعة الاستقبال ايضا، وقال لي لقد قبلت استقالتك وعينت القس هديل خوري لكنيسة تكيف، فلم اجبه بشيء. فقال لي اما تبارك له. قلت له بلى، مبروك، قلتها لمن كنت اعرف انه كان قد جاء ليدمر الخورنة التي تعبت عليها مدة خمسين سنة كاملة، وارجاعها الى حياتها المسيحية الريفية القديمة في زمن ما قبل الستينات. لا بل ارجاعها، بحسب تصريح القس هديل نفسه، الى ما كانت، ولا زالت عليه حتى الآن، خورنة كرمليس وغيرها الفاقدة لحقيقتها المسيحية. يعني كان اميل وهديل يريدان ان يعودا بخورنة تلكيف الى عصرها الحجري، كما كان كولن باول قد هدد العراق بإرجاعه الى العصر الحجري.
ثم: جاء الأحد، وكان ذلك اليوم يوم يوبيلي الخمسين، فدخلت الكنيسة وبدأت القداس. بعد الانجيل جلست وحكيت قليلا، ثم اعلنت ان ذلك القداس كان قداسي الأخير في الكنيسة، لأني احلت نفسي على التقاعد بسبب قانون انا نفسي كنت قد تعبت في اقراره، ثم قلت للجماعة بأني اعتذر منهم عن كل تقصير عملته بحقهم. علما بأني شخصيا لم اكن نادما على اني كنت قد سعيت في اقرار قانون التقاعد لكل رجال الكنيسة بكل مراتبها، ولذلك ما كان يمكن ان اكون متألما من تصرف المطران معي لولا اخلاق المطران الحاقد على كل ما كان جميلا في خورنتي. عندما انتهيت من القداس خرجت الى فناء الكنيسة حيث كان الساعور قد هيأ بعض المرطبات بمناسبة يوبيلي الذهبي. وانا امشي نحو باب الخروج متمالكا نفسي وعواطفي، شاهدت جميع النساء اللواتي كن باقيات في الكنيسة يضعن غطاء رأسهن على اوجهن ويبكين. اما في فناء الكنيسة فقد التم حول الرجال، منهم من كان يبكي ومنهم من كان يسلم بحرارة صامتا. احدهم قبلني وهو يبكي قائلا: نحن يجب ان نعتذر لك. وطبعا يفهم القارئ بأن هذه المحبة من جانب المؤمنين كانت خير تعزية لي، هذه المحبة التي وجدتها ولمستها ايضا بعد خمس سنوات من الهجرة، حيث جاءت لي لمرتين متتاليتين ومن فيس بوكين مختلفين حوالي 350 ردا لم اكن اتمنى احسن منها، فضلا عن 400 رد اخر كان قد اكتفى اصحابها بإشارات بسيطة. اما في الأحد الذي تلى ذلك فقد ذهبت الى الكنيسة وجلست صامتا. بعد الانجيل اخبر المطران الجماعة بشكل رسمي عن قبول طلبي للتقاعد، وقال كلمة مديح بحقي وشكرني على اتعابي الجيدة في الكنيسة، مع نصف اعتذار لكل تصرفه الأهوج معي. بقوله: ولكن لابد لكل انسان ان يخطئ. في نهاية القداس تناولت من يد المطران وبعد قليل خرجت من الكنيسة وتوجهت الى بيتي.
غير اني اتساءل واقول: ترى لماذا اخطأ المطران اميل معي مثل ذلك الخطأ الذي لا يمكن غفرانه بسهولة، ولماذا تصرف بذلك التصرف المتوحش للغاية، مع انسان ما قصر في عمله الخورني وغير الخورني كما هو معروف، ولمدة خمسين عاما. ترى هل ينطبق عليه المثل الفارسي الذي يقول عن الدولمة: لو لم تكن حيلة في الدولمة ما كانوا يلفلفونها. اما انا فأقول: لو لم يكن هناك سبب حقيقي ما كان يعقل ان يتصرف المطران بشكل مباشر، او عن طريق قسه، بالتصرف الذي حصل منه بالفعل، ولاحقا التصرف المقصود المعاند الذي تصرف به القس هديل الخارج عن المعقولية مع الجماعة. ولهذا اقول: نعم كان يجب ان يكون هناك سبب، ولكن ليس سببا واحدا، بل اسبابا بنيوية كثيرة. لكن هذه الأسباب لم تكن تعود الى القس لوسيان بل كانت تعود الى المطران اميل والى قسه الطموح. فالقس لوسيان لم يكن مقصرا في عمله الكنسي ولا في عمله كقسيس مؤمن برسالة التوعية الحضارية الروحية المعاصرة التي لم تشمل فقط تلكيف ولكنها كانت قد شملت ابرشية الموصل برمتها، فضلا عن كنائس اخرى كاثوليكية خارج الأبرشية الكلدانية. كما اني لم انتقص من واجب الاحترام للمطران اميل قبل ان احال الى التقاعد بتلك الطريقة المهينة جدا والحاقدة. ولهذا اقول لو كان هذا الانسان مسيحيا ومطرانا حقيقيا، لكان من زمن طويل قد قال لي من سيخلفني ولكان قد قال لقسه الفتى بأن يأتي عندي ويتعلم كيف كنت ادير الخورنة كراعي حقيقي من الرعاة الصالحين الذين يقول عنهم الانجيل، بالعكس من المأجورين، والذين يحسبون ان الخورنة هي ملكهم طابو يعملون بها ما يشاءون، ويتعاملون مع ابناء الرعية وكأنهم مجرد جنود يجب تطبيق القانون بحقهم. غير انه يبدو لي ان الخورنة نفسها لم تكن تهم لا المطران اميل ولا قسه الصغير هديل، لأن قوتهم لم تكن مستندة الى محبة رعيتهم، بل الى رضى الأحزاب السياسية التي كانت مهيمنة على مقدرات تلكيف، وعلى بعض اغنياء تلكيف المسيسين هم ايضا. فضلا عن ذلك كله فانا متيقن بأن سياسة المطران اميل – هديل الموالية بشكل كامل للأحزاب السياسية وخضوعهم لكل مطالبهم كانت قد هيجت مشاعر العرب ضد اهالي تلكيف وتسببت في نهب بيوتهم واحراق بعضها. وهنا فقط اود ان اذكر كلاما سمعته من القس هديل عندما كان قد جاء عندي لكي يعطيني راتبي التقاعدي، فلما اعطاني راتبي ادار لي ظهره ماشيا وقال بصوت عالِ: لقد خدعونا: وكان يقصد لقد خدعتنا الأحزاب السياسية التي كانت قد وعدتنا بحمايتنا من داعش. يا للمساكين البؤساء!! ان الأحزاب اعطتكم مكافأتكم فماذا كنتم تنتظرون اكثر من ذلك؟ هل كانوا يرسلون لكم عدة دبابات ومصفحات لحمايتكم؟ ومن قال لكم انهم كان بإمكانهم ان يفعلوا ذلك ؟ اما كنتم تعرفون مقدما بأن هذا هو عادة مصير العملاء المأجورين الذين سلموا زمام امور خورنة مسيحية كنسية بيد احزاب سياسية لا يهمهم احد الا بقدر فائدتهم منه؟ ومع تلك الخيبة لم يتردد القس هديل بالمجيء الى تلكيف من استراليا، وليس من باطنايا او القوش مثلا، لكي يعمل اجتماعا بأغنياء تلكيف المشهورين في اغلبهم بانتمائهم الفعلي او العملي الى الأحزاب الكردية. اما سبب اجتماع القس هديل بأغنياء تلكيف فكان سياسيا محضا يعود الى سياسة العهر في زمننا المنكوب بسياسييه وبكثير من رجال دينه. علما ان المطران اميل وقسه لم يكونا من ابناء تلكيف، وما كانا مهتمين بمشاعر الأهالي، مع انهما، وفي الزمن القصير الذي قضوه في تلكيف، قد اكملا مهمة تدمير خورنتنا الرائعة تدميرا لم تشهده في أي زمان. اما تحليلي الخاص لعمل المطران اميل التخريبي في تلكيف فيعود الى طبعه السيء الذي كان يعبر عنه وجه لا يعرف ان يضحك ولا حتى يبتسم، ويحسب نفسه مخولا لقمع من يضعهم في دائرة فكره. واخمن ان اسباب العداء الشديد لخورنة تلكيف ولقسها، لا بل لقسسها القدماء، يعزى الى الافتراءات التي كان بطاركة واكليروس ما بعد العام ستين يروجونها، ولاسيما في مقولة كانت قد راجت بينهم تقول: ان المطران ددي مطران الموصل ضعيف ولا يستطيع ان يضبط قسانه، فكان البطريرك روفائيل بيداويذ قد رسم المطران كوركيس كرمو لكي يضبط قسان الموصل، وخاصة القس لوسيان الذي كان على رأس حركة تجديد الكنيسة ومعاصرتها. وهكذا، وكما عمل البطريرك على اقصاء القس لوسيان من اية مشاركة في نشاطات الكنيسة وفشل في ذلك، فقد كان المطران كوركيس كرمو وعلى الرغم من اساءاته المتكررة للقس لوسيان وعمله، قد فشل هو الأخر فشلا ذريعا. فلما اغتيل الرجل الطيب المطران المرحوم فرج رحو، جاء المطران اميل المتوحش متجاوزا كل الأعراف والقوانين المسيحية والكنسية، يساعده في مهمته قس طفل في القسسية وطموح الى السلطة والمال، جاء مثل روبوت بشري لا يعرف للمشاعر معنى، وحسب نفسه انه زعيم الأزمان الذي يستطيع ان يقضي على توجهات كنيسة تلكيف التقدمية كما يستطيع ان يضع القس لوسيان عند حده، الأمر الذي فشل فيه غيره من الاكليروس، فتحول المطران، يساعده في ذلك طبعه الكئيب الشرس، الى هتلر جديد، اراد ان يفرض قانونه العسكري الانضباطي على كنيسة الموصل، ولاسيما على خورنة تلكيف رائدة التجديد. فكانت اجتماعات المطران مع قسسه اجتماعات ضباط صف مع آمرهم العسكري. وقد كان المطران يتكلم الأول، وهذا امر طبيعي، فلما كان ينتهي من الكلام، كان يعطي الكلام للجميع بالدور، يحق لكل واحد ان يقول شيئا حتى ينتهي من الكلام آخر واحد. اما اذا اراد احدهم ان يناقش فيقول له: انت تكلمت !! فالمناقشة عند المطران اميل كانت ممنوعة. قل ما عندك مرة واحدة واصمت، وطبعا يكون القرار النهائي للضابط. لقد حضرت تلك الاجتماعات الصفراء السوداوية مرات قليلة، لكن لم استطع المواصلة مع تلك الاجتماعات المبرمجة التي ما كان يجوز لها ان تخرج على النص المكتوب. ولهذا كنت قد تركت تلك الاجتماعات مبكرا كما يقال، لآنها كانت اجتماعات كئيبة ومسيسة. علما اني منذ البداية كنت قد لاحظت خضوع هديل ومعه القس بسمان الذي ترك القسسية وتزوج للمطران خضوعا مشبوها ينم عن تأييدهم لمطرانهم في كل صغيرة وكبيرة.
المؤامرة الأخيرة: هذا، وقبل ان اغلق كتابتي هذه، أتي الى نقطة اخيرة من المؤامرة على كنيسة العراق، وهذه المرة على غبطة البطريرك نفسه. اما ابطال المؤامرة الجديدة فكانوا بالتأكيد المطران اميل وقسه هديل، ثم وجدت بالصدفة اسم المطران سعد سيروب، وشعرت بوجود عصابة تدير تلك المؤامرة لا اعرف تماما ممن كانت تتألف. ولكن اعرف انها عصابة يمكن تسميتها بــ / لجيون أي زمرة من الشياطين التي كان يسوع قد اخرجها من ممسوس شرير. اما هذه المؤامرة فتشبه نكتة سمجة قدمها المطران سعد سيروب قبل ان يصاب بكورونا. فبحسب تقديري كان سيدنا البطريرك قد اخطأ اصلا برسامة سعد سيروب كما كان قد اخطأ في تقديم اميل نونا الى الأسقفية. وسبحان من لا يخطئ. فالعجيب وغير المفهوم عن المطران سعد سيروب هو انه وقبل ان يعمل في ابرشيته، كان قد طلب من غبطته ان يعمل ما سماه سنة سبتية، أي ان لا يباشر العمل في الأبرشية لمدة سنة. اما قبل ان يصير سعد سيروب مطرانا كان ينتقد البطريرك تحريريا من دون أي مبرر، في مسائل عديدة. فهل يا ترى فاق المطران سيروب من سباته ليبدأ عمله التخريبي بالكنيسة؟ ثم ليدعو الى مساءلة غبطة البطريرك عن سبب نقل المطران اميل وقسه الى استراليا؟ فيا سيدنا سيروب هل انك لا زلت في سبات ولم تصحو بعد، كما يحدث عند بعض المراهقين ان تطول مدة المراهقة عندهم اكثر من المعتاد؟ وهل هذا هو السبب حقا في انك لم تعرف التخريب الممنهج الذي عمله المطران اميل وقسه في بنية ابرشية الموصل، وخاصة في بنية خورنة تلكيف الايمانية وتسليمهم زمام خورنة تلكيف بيد الأحزاب السياسية؟ ثم تأتي وتقول نريد ان نعمل مساءلة لسيدنا البطريرك عن سبب تحويله المطران اميل وقسه هديل الى استراليا، كما ظهر ذلك كخبر على احدى صفحات الفيس بوك؟ فنحن بالحقيقة، وفي زمن العهر هذا، نشهد مؤامرات لا نعرف اولها من آخرها، في حين تأتي المؤامرة التي نعدها اهانة لغبطته، حاشاه، من شخص سعد سيروب الذي كان للبطريرك فضل كبير عليه هو الذي لم يكن يستحق ان يصير اكثر من قس بسيط. وصدقت الحكمة العربية التي تقول: اتق شر من احسنت اليه. ومع هذا، ومن دون ان نملي على غبطته شيئا، يمكننا ان نتساءل فقط اذا ما كان لا يحق لسيدنا البطريرك ان يعرف جميع اعضاء هذه العصابة التي ينتمي اليها سعد سيروب، او التي يتزعمها، والتي اعطت لسعد سيروب ومن معه الجسارة، لا بل الوقاحة التي اوصلته الى حد مساءلة غبطة البطريرك عن سبب نقل المطران اميل الى استراليا، مع ان استراليا لم تكن سيبيريا مثلا اليس كذلك!!! علما بانني لا اذكر سبب تحويل المومأ اليهم الأمني لهذين الشخصين الذين عبثا بنظام تلكيف الروحي والسياسي.
هذا وبناء على كل هذه التحركات المتصلة بالمؤامرة على تلكيف، انصح المطران اميل وقسه هديل ان يهدؤوا قليلا في استراليا ويؤدوا واجباتهم المسيحية والكنسية بتواضع وبدون قارش وارش، لأن زمن العربدة قد انتهى، وعليكم ان تعرفوا انكما قد فشلتما في ثني القس لوسيان، كما فشل من قبلكما بطاركة ومطارنة آخرون. فانتاج القس لوسيان جميل وهو في المهجر القسري في مدينة دهوك الجميلة بلغ كتابين لاهوتيين احدهما: كيف نتكلم عن الانسان اليوم. اما الكتاب الثاني فموضوعه: قواعد انثروبولوجية لظهور الروح وحركته وارتقائه. ثم كتاب آخر بعنوان: اوراق فكرية وفلسفية ولاهوتية منثورة غير مكتمل بعد لأن الكاتب انشغل بكتابة مواضيع كنسية كثيرة جدا، على طلب غبطته ممن له قدرة على والحمد لله. فهل استطاع المطران اميل وقسه هديل ان يقضي على روح القس لوسيان، هذا الروح الذي لو اجتمعت عليه سلفيات العالم كله وعصابات السلطة، فلن تستطيع ان تنال منه. مع اني اتحدى مخربي كنيستي بأن يفهموا صفحة واحدة مما كتبته.
القس لوسيان جميل
تلكيف ـ محافظة نينوى ـ العراق
23-6-2010
تجديد وتعليقات جديدة في 10 / 6 / 2020
1469 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع