د. محمد السقا عيد
استشاري طب وجراحة العيون
هل تميز الطيور الألوان ...؟
لقد اعتدنا، نحن بني البشر، أن نفترض أن جهاز الرؤية لدينا يتربَّع فوق أجهزة الرؤية الخاصة بباقي الكائنات الحية ، فهو يمكننا من إدراك الكون في أبعاد ثلاثة، وأن نكشف الأشياء عبر مسافات بعيدة، وأن نتنقل هنا وهناك بأمان، ونستطيع أن نتعرف بدقة علي الأفراد الآخرين، وأن نكشف عواطفهم من مجرد نظرات خاطفة إلى وجوههم... والحقيقة أن هناك كائنات حية تري أفضل من الإنسان بمئات بل بآلاف المرات ، فنحن البشر حيوانات مبصرة نرى صعوبة في تخيل العوالم الحسية لمخلوقات لها قدرات تمتد إلى آفاق أخرى.
تتمتع الطيور بنظام لرؤية الألوان يفوق ذلك الموجود في جميع الثدييات بما فيها الإنسان، فحاسة البصر عند الطيور عجيبة من العجائب.
كيفية الرؤية عند الطيور
استلزمت الإجابة علي هذه السؤال سنوات طويلة من البحث توصل خلالها العلماء لحقائق مدهشة جدا، فالطيور جميعها تتمتع بنظام لرؤية الألوان يفوق جميــــــــع الثدييات بما فيهم الإنسان .
تمتلك الطيور أحد أكثر وأقوي العيون تعقيدا في عالم الحيوان، والسبب الرئيسي هو «أن النسيج الذي يكوّن الصورة والذي يبطن داخل العين غني بالخلايا البصرية أكثر من ذاك الموجود في أعين المخلوقات الأخرى. و يحدّد عدد الخلايا البصرية مدى قدرة العين على رؤية أشياء صغيرة عن بُعد. ففي حين أن شبكية العين البشرية تحتوي على حوالي ٠٠٠,٢٠٠ خلية بصرية في الملليمتر المربع، لدى معظم الطيور ثلاثة أضعاف هذا العدد؛ أما الصقور والنسور والعقبان فلديها مليون أو أكثر في الملليمتر المربع».
علاوة على ذلك، تتمتع بعض الطيور بميزة إضافية وهي وجود تجويفين — منطقتي استبانه بصرية قصوى — في كل عين يجعلان إدراكها للمسافة والسرعة أفضل. والطيور التي تلتقط الحشرات الطائرة هي مثال على ذلك.
لدى الطيور أيضا عدسة تتسم بليونة استثنائية تتيح لها التركيز السريع. تخيّل كم يمكن أن يكون طيرانها خطرا — وخصوصا في الغابات والأماكن التي تتشابك فيها الأشجار — لو كانت الرؤية غير واضحة؟. فسبحان الخالق.
وفي الطيور تحتوي كل خلية على مخروط صغير يشبه قطرة من النفط الملون والتي تفتقر إليها الخلايا البشرية ، و لاترى الطيور الأشعة فوق البنفسجية فقط ، وإنما تري أفضل بكثير من البشر وخاصة في الكشف عن الاختلافات بين لونين مماثلة .
هل تميز الطيور الألوان
عندما ينظر اثنان من الحيوانات من نوعين مختلفين إلى الشيء نفسه، هل يريان الصورة نفسها؟
والإجابة أن كل حيوان يرى الأشياء، بطريقته الخاصة... وتتلخص أحد أسباب هذا في تمتع كل نوع من الحيوانات بكميات ونسب مختلفة من الخلايا الحساسة للضوء.
ويعتقد العلماء أن الثدييات لاتملك أية خلايا مخروطية، فيما عدا الإنسان والقرد لذلك فإن الخراف والكلاب والأبقار وغيرها لاتري الألوان.
وعلى الجانب الآخر فإن العديد من أنواع الحشرات وعدداً كبيراً من الحيوانات البرمائية والطيور تتمكن من رؤية الألوان وإن كان بطريقة تختلف عن طريقتنا.
فالطيور على سبيل المثال تملك جهازاً لرؤية الألوان أكثر تعقيداً من أجهزتنا، إذ تتميز خلاياها الحساسة للضوء، بصبغات يصل عددها إلى خمس صبغات، ما يجعلها قادرة على اكتشاف ظلال لونية أكثر من الإنسان.
لهذا السبب تستطيع الصقور رؤية حشرة صغيرة لايتعدى طولها سنتيمترين ونصف السنتيمتر من ارتفاع خمسمائة متر، بينما لاتتمكن الأفيال من تمييز الأشياء البالغة الضخامة ولو من مسافة ثلاثين متراً.
ولاختبار رؤية الألوان عند الطيور قام فريق من العلماء ببعض التجارب علي ببغاوات استرالية صغيرة المعروفة لدينا باسم 'الدرة'
حيث دربت هذه الطيور علي الربط بين جائزة من الطعام والضوء الأصفر.
وكان الطائر ينطلق من موقع، يري منه مصدرين للإضاءة علي بعد نحو ثلاثة أقدام، أولهما هو ضوء التدريب الأصفر، والآخر خليط متنوع من الأحمر والأخضر... وفي كل مرة كان الطائر يذهب إلي الضوء الأصفر، ليجد قمعا صغيرا للبذور، ومن ثم يحصل علي وجبة سريعة ( كمكافأة ). أما إذا ذهب إلي اللون الخطأ، فانه لا يجد طعاما.
ثم قام العلماء بتغيير الخليط الأحمر والأخضر من تتابع غير منتظم، كما غيروا موقعي الضوء حني لا يربط الطائر بين الجانب الأيسر أو الأيمن ومكان الطعام.. لكن الطيور كانت قادرة بسهولة علي اختيار ضوء التدريب الأصفر والاتجاه نحوه مباشرة دون أدني خطأ.
وهذه الثروة من المعرفة بالألوان تفيد الطيور في العثور علي الغذاء وحماية نفسها من الأعداء... كما تفيدها في اختيار الزوج.
فبعض أنواع الطيور يبدو فيها الجنسان متشابهين للإنسان الفاحص، بينما تري عيــن الطائر فروقا بين الإناث والذكور في اللون أبعد من حدود الخبرة البشرية ( سبحـــان الخالق المبدع ).
رؤية الألوان بين الإنسان والطيور
وإذا كان الإنسان قادراً على استشعار ثلاثة أنواع من الأطياف الموجية المرئية الأساسية هي (الأحمر والأخضر والأزرق) عبر الخلايا المخروطية الموجودة في الشبكية، فإن الطيور قادرة بشبكيتها على استشعار الأشعة فوق البنفسجية نظراً لاحتواء هذه الشبكيات على 4 أنواع من الخلايا المخروطية. وهذا الأمر يعني أن الطيور ترى العالم من حولها بطريقة تختلف جذرياً عن رؤيتنا لأن رؤيتنا للأشياء ما هي إلا تراكب للألوان الأساسية الثلاثة التي تمثل جزءاً غير كامل من الضوء في عالمنا، أما رؤية الطيور للأشياء فتحدث ضمن بُعد رابع ملوّن لا يمكن لعيوننا بلوغه!
ولكن كيف يمكن للإنسان ذي الرؤية الملونة الثلاثية، تخيّل ما يمكن أن تراه العصافير من خلال رؤيتها الملونة الرباعية؟.
أغلب عيون الطيور قادرة على تلقي موجات الضوء الفوق بنفسجية بطول مابين 300-400 نانومتر، في الوقت الذي نحن مصابين بالعمى لهذه الموجات.
الواقع أننا نبدو بالنسبة للطيور، كمهندس يعمل في فضاء رباعي الأبعاد أو كمن أصيب بعمى الألوان، فهل يبدو من السهولة بمكان أن نشرح لرجل مصاب بعمى الألوان الفرق بين اللونين الأحمر والأخضر؟
يقول الباحث جون إندلير هذه الصعوبة تفسر السبب وراء عدم وجود دراسة جادة تتعلق بهذا الموضوع، لكن منذ عشر سنوات أصبح لدى أخصائيي دراسة سلوك العصافير والطيور، الوسائل اللازمة التي تمكنهم من دراسة ملكة الرؤية فوق البنفسجية لدى هذه المخلوقات بطريقة مباشرة من خلال تحليل شدة الإشعاعات الضوئية باستخدام أجهزة تحليل الطيف الموصلة بأجهزة كمبيوتر محمول.
هل ترى الطيور عبر الأشعة فوق البنفسجية ؟
في عام 1970 ، اكتشف الباحثين قدرة الحمام على تمييز الألوان عن طريق الصدفة ، كما أنهم اكتشفوا أن الطيور يمكنهم أن يروا الأشعة فوق البنفسجية ، وبالرغم من أنهم اعتبروا هذا الاكتشاف غريبا إلا انه كان مهما للغاية ، فكان من الطبيعي للعلماء أن يفترضوا أن رؤية الطيور مثل رؤية الإنسان .
وخلال العقود التالية، قام العلماء بعمل اختبار منهجي لرؤية الطيور وكشفت شيئا غير متوقع وهو أن كثير من أنواع الطيور، وليس فقط عدد قليل منهم يمكنهم أن يروا ضوء الأشعة فوق البنفسجية ، باستثناء أنواع الطيور الليلية مثل البوم، فعيون معظم الطيور هي أكثر حساسية لضوء الأشعة فوق البنفسجية وتسمي هذه العملية بالضوء المرئي ، فتقوم الطيور بالاعتماد علي هذه العملية في اختيار شركائهم والعثور علي الطعام وعمل المسح الضوئي للحيوانات المفترسة .
بعض المصادر التي يمكن الرجوع إليها:
- كتاب كل طيور الكتاب المقدس (بالانكليزية).
- بعُد رابع ملوّن ( مجلة العربي الحر)علوم وطب ورعاية صحية-انترنت وتكنولوجيا –أدب –دراسات اجتماعية – منوعات.
- تطور رؤية الألوان بين الإنسان والطيور-آفــاق وعـــلـوم - بقلم طريف سردست.
- نحل العسل — البصر وحاسة تتعلق بالحقل المغناطيسي
725 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع