زيد الحلّي
الحكومة تكره الصحافة ..!
قد يبدو العنوان الذي وضعته لعمودي الصحفي هذا الاسبوع صادما ، بعض الشيء على الصعيد الرسمي ، لكنه عند الصحفيين يمثل حقيقة وواقع معاش ، فالصحافة العراقية الورقية التي مر على سنيها 151 سنة منذ صدور العدد الاول من صحيفة " زوراء" وحتى اليوم ، لم تشهد وضعاً مأساوياً مثل الذي عانته في السنين القريبة المنصرمة ، وحديثي لا علاقة له بظروف كورونا وتداعياتها ، انما اتحدث عن مدة بدأت ملامحها تتضح منذ بداية العقد الماضي ، حيث بدأت عناقيد الصحف الرصينة تتساقط واحدة أثر اخرى ، بسبب شحة مواردها ، وابتعاد الحكومة عن شواطئها من خلال غياب مورد الاعلان الحكومي ، وعدم وجود مؤسسة رسمية تختص بالتوزيع ، حيث حرمت المحافظات من وصول الصحف اليها ، وبقيت حبيسة التوزيع الفردي البسيط داخل بغداد ، وتوزيع خجول في مراكز المحافظات بواسطة وسائط النقل الاهلية ، تنطلق من كراجات بغداد ، باتجاه مراكز المحافظات ، فيما غابت الصحف في الاقضية والنواحي نهائيا ، فضاعت بذلك المكتبات التي كنا نعرفها ..
ما الذي دعاني لكتابة ، هذه السطور ، واثار مواجعي .. انه البلد الشقيق ( المغرب ) الذي يشكو العوز المالي ، ويعيش اضطرابا اقتصاديا معروفا ، خصص يوم الجمعة قبل الماضية (26 حزيران) 25 مليون دولار ، الى الصحف المقروءة الصادرة في العاصمة ومحافظات القطر الشقيق ، دعما للصحافة والعاملين فيها ، لإيمان البلد الشقيق ان الصحافة هي الواجهة المضيئة في الحياة المدنية للمجتمع ، ونحن البلد الذي بدأت الصحافة فيه قبل نحو قرن ونصف ، نجدها تموت ببطء امام انظار الحكومة وامام البرلمان وامام رئيس الدولة ، دون ان يلتفت اليها احد منهم ، ناسين إن ذلك هو موت مجتمعي بالكامل ، وانني الان اشاهد ان هذا الموت الزؤام يتجه بقوة الى الصحف الشجاعة التي تواصل الصدور بعناد الابطال الان ، لكني احسُ ، انها ستتعب يوما ، في ظل حكومات متعاقبة لا تعي دور الصحافة ، وربما قريبا ترفع راية التوقف، باعتباره آخر الكي ، بعد معاناة طويلة ، واستنزافات ، لم يقو على استمراها اصحابها ، فاتجهوا مرغمين الى تشريد مئات العاملين من الصحفيين والفنيين .. هم الآن بلا عمل ، واظن ان عددا آخر سيلتحق بقافلتهم .. لقد قلت سابقا ، واعيد قولي : ان الكثير من الصحف ، قلصت اعداد موظفيها الى النصف ، وهي ايضا تتلكأ بدفع رواتب البقية الباقية من العاملين فيها ، وازاء هذا الواقع المؤلم ، ، لم يرف جفن للجهات المعنية ، من اجل وضع الأصبع على الجرح النازف .. فربما يأتي يوم نرى فيه العراق ، خالياً من الصحف ، بسبب فقدان الرعاية والدعم من كافة الجهات التي ينبغي ان تكون من اولى مهامها تشجيع الصحافة ..!
وبيأس اقول ، لندرس هذه الظاهرة قبل فوات الأوان ، ونقف على ابرز اشكالها ، واعمق محطاتها ، فحالة البطالة في صفوف الصحفيين العراقيين بلغت شَأواً ..خطيراً !
فهل، يتعظ من يجلس على كراسي الدولة ، قول الشاعر والاديب الايرلندي " اوسكار وايلد" ( في أمريكا، يحكم الرئيس لأربع سنوات، بينما تحكم الصحافة إلى الأبـــــــد) !
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
495 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع