عمر سلهم آل صالح بك*
حَسبِي مِنَ القاصِمَاتِ أنْ أفقِدَك
مَن الذي ماتَ أَبي؟ أنتَ أم أنا؟
كَفُكَ بِيَدي وروحٌ غادَرَتْ جَسَدَا
أروحُكَ تلك؟ وهذا الذَي يبكي جَسَدي؟
فأينَ روحي أنا؟
ما الذي اسْتَلَّه كَفُكَ مِنّي؟
أنا بِضْعُكَ، أنا بَعضُ روحِك.
أذاكَ الذي ماتَ منّي بِفَقْدِك؟
جُزْءً جُزْءً نموتُ حتى يُقال مات؟
وما طيبُ العَيشِ إن متًّ فيَّ!
وأيُّ جُزءٍ يَطِيبُ بهِ بَعدَكَ
أعطَيتَّني اسمَكَ مُيِّزْتُ بهِ.
وكُنيتَ باسمي أبا عُمَر
فما أغلى ما أعطَيتَ
حَسْبي مِنَ الفخرِ أني ابنُك
وحَسْبي مِنَ القاصِمَاتِ أن أفقِدَك
يَموتُ جَميعُه يومَ يموتُ المرءُ
ويومَ يموتُ أبوهُ يموتُ بِدَدْ
يا جبلاً يا ابنَ ذاكَ الجَبَلِ
يا جَبَلاً مِن جَبَلٍ مِن جَبَل
يا صابراً في العَيشِ على كَبَدٍ
يا حامِداً اللهَ على سَقَمٍ
تآكل مِنهُ العظمُ والكَبِدُ
يا سيّداً في الرِجالِ بحِلمِه
يا أباً ربّى وأنشأ يا نِعمَ الأب
يا عابِداً اللهَ في كُلِ حالٍ
يا راضياً بما أعطاهُ وبما أخذ
بَرَرْتَ فبُرِرتَ بِنَا حَولَك
مِنْ مُطعِمَةٍ مِنْ ساقيَةٍ مِنْ مُحَمِمة
مِمّن بالدّواءِ حينَ الموتِ عاجلك
بِلَهفَةٍ يُريدُ بهِ ردَّ المَنيّةِ
لكنَها إذ أقبلتْ أنّى تُرَد
مِن باكِيَةٍ عَشيرَها وإلفَها الذي
كانَ لها زوجاً وأخاً وسَنَد
مِن مُتَضرِّعةٍ لله أَن يَنسأَك
مِن ابنَةٍ ضَمَتكَ إليها
فهَالَها سُكونُ الجَسَد
هالَها أنْ لا يَضُمَّها بدَورِهِ
أنْ تُناديَهُ فلا يَرُد
مِن أصهارٍ بَكَوا فيكَ العمَ والأب
بَرُدَتْ يمينُكَ أبي في يَدي
والرُوحُ عَجلى في صَدرِكَ لتُغَادِرَك
قدْ هدَّتِ الآلامُ مَسْكَنَها
روحي فِداكَ يا لِهَولِ ما آلمَك
عَجَزَ اللِّسانُ ونَظرْتَ إلَيّ بِتَمَعٌنٍ
لَهفي عَليكَ لو أدري ما أرَدْتَ
قُلتُ أبي لا تخَف واشهَد بأَنَ اللهَ واحِدٌ
وأنّ مُحَمّداً رسولُهُ فأدركْتَ أَنَّهُ المَوتُ
وسالَتْ دَمعَةُ المُفارِقِ، وبَكَيتَنا قبلَ أنْ نَبكِيَك
بَردَتْ يَمينُكَ أبي في يَدي
عَجَبي كَيفَ تَموتُ هذهِ اليد
هذي التي حَمَلَتْ وأطعَمَتْ ورَبَّتْ
هذي التي صَلَّتْ وتَصَدَقَتْ ودَعَتْ
هذي التي تَعِبَتْ وتَعَرَقَتْ
هذي التي في كُلِّ عيدٍ أُقَبِلُها
فأيُّ عيدٍ يأتي وقد دُفِنَتْ
صُغرَى بَناتِكَ تسألُني حينَ هَمَمْنا إلى القَبرِ نَحمِلُك
إلى أينَ تأخذُهُ؟ كيفَ يَدفِنُ أباهُ الوَلَدُ؟
أُخَيتي والله لولا اللهُ ما ألْحدتُهُ بيَدِي
واللهِ لولا اللهُ لطاشَ مِنّي العَقلُ والرَّشَدُ
لكِنّها سُنّةُ اللهِ نُواري الترابَ احبابَنا
ليَقِينِنَا بأنَ اللّقاءَ غَد
في جنّةٍ أعدَّها لِكُلِّ مُؤمنٍ صابرٍ مُحتَسِبٍ
سنَلقاهُ هُناكَ ونَضُمُّهُ
لَهفَ قَلبي متَى يَجئُ غَد
يَموتُ الناسُ في كُلِّ يَومٍ
وكُلٌ على قَدْرٍ وكلٌ في أهلهِ مُفْتَقَد
لكِنَّكَ بَكاكَ رِجَالٌ عَزَتْ مدامِعُهُم
بكاكَ مَنْ لَمْ أعهَدْهُ مِنْ قَبْلُ بَكى
بَكاكَ مَنْ لَمْ تَربُطُهُ بِكَ وشيجَةُ
فكَيفَ بِمَنْ مِنْ صُلبِكَ وُجِد
كَيفَ بأخٍ مِنْ أبيكَ وامِّكَ
لو تَسمَعُ كَم بَكى وانتَحَب
ماذا فعَلْتَ فَطابَ ذِكرُكَ عِنْدَهُم
أم طابَ في السّماءِ وهذا الصّدى
أبي لو يُفتَدَى الناسُ مِنَ الموتِ
لَكُنتَ والله بالروحِ المُفتَدَى
نَعيتُكَ للنَاسِ ماتَ أبي
فكُنتُ أنا النَاعي والمَيّتَا
أبي أنا على العَهدِ فيما أوصَيتَني بأهلي
وأنا وهمُ على وَعدِ اللهِ إذْ وَعَد
لا يُقطَعُ عَمَلُ ابنِ آدمَ بعدَ مَوتِه
بعِلمٍ أو صَدقةٍ أو دُعاءِ ولد
أبشرْ ونَمْ قريرَ العَينِ
فلَن يَنقَطِعَ مِنّا عَنكَ المَدَدُ
*ماجستير تاريخ اسلامي
١٩٧٦
استاذ الاديان في كلية العلوم الاسلامية جامعة الموصل
1005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع