د. سعد ناجي جواد
القاتل بريء والسارق محصن من العقاب وعلى الضحية ان تستجدي عطف الجلاد: هذه هي الديمقراطية التي اتى بها الاحتلال ومن جاء معه للعراق والعراقيين واحتمال الاذى ورؤية جانيه غذاء تضوى به الاجسام
ليس اصعب من فقدان الوطن والاضطرار الى العيش في الغربة الا فقدان الامل باستعادة الوطن نفسه. هذا ما اوصلنا اليه الاحتلال البغيض والمخططات الصهيونية- الامريكية- البريطانية. لم يكن يدر في خلد الغالبية العظمى من العراقيين انهم سيضطرون الى هجرة وطنهم الغالي، وعندما اضطروا الى فعل ذلك تصوروا ان هذه الغربة ستكون لفترة قصيرة يعودون بعدها الى ديارهم. وظلت عيونهم الدامعة ترنو الى وطنهم، ولكن المحتلين ومن اتى معهم كانوا عازمين على جعل العراق ارضا غير صالحة للعيش الكريم، وكانوا ولا يزالون مصرين على ان تظل دموع العراقيين جارية على ما يجري في بلدهم، وفي كل يوم يضربوا لنا امثالا على هذه الحقيقة المرة. اغتيالات لشباب وشابات بعمر الزهور لا لسبب الا لانهم عبروا عن رفضهم وبطرق سلمية للفساد والفاسدين، وقتلة يتجولون بحرية في شوارع المدن وامام دور ضحاياهم متباهين بجرائمهم، واطلاق سراح مجرمين قتلوا اكثر من سبعين شخصا بريئا، كانوا يؤدون صلاتهم في بيت من بيوت الله في عام 2014، واعترف الجناة بجريمتهم وتم اصدار حكما بالاعدام عليهم، ثم نقض الحكم الى السجن المؤبد وموخرا نقض هذا الحكم ايضا واطلق سراحهم. وكان اول شيء فعلوه بعد اطلاق سراحهم هو امطار دور اهالي الضحايا بالرصاص تحديا وترهيبا وامام انظار من يفترض بهم ان يحموا المواطنين. ونفس الشيء حصل مع المسؤولين عن كارثة العبارة المشؤومة في الموصل في عام 2018 وراح ضحيتها اكثر من 160 شخصا غالبيتهم العظمى من اطفال بعمر الزهور، حيث تفاجأت عوائل الضحايا، التي لا يزال بعضها يبحث عن اجساد اطفالها الذين غرقوا، بان شاهدوا المتسببين والمسوولين عن الكارثة يتبخترون في شوارع الموصل. اما اهالي البصرة الكرام فان مصائبهم مزدوجة: فبعد ان فقدوا في ايام قليلة نخبة من خيرة شباب مدينتهم من الجنسين اغتيالا وغدرا وفي وضح النهار، اصبحوا يعيشون يوميا المين، الم فقدان احبتهم وفلذات اكبادهم والم رؤية الجناة يتجولون في المدينة وبتحد سافر لمشاعرهم. اما المصيبة الثانية فانها تتمثل في الاقتتال الدامي بين العشائر الذي اصبح استخدام السلاح الخفيف والمتوسط بل وحتى الثقيل احدى سماته. والدولة وكل مؤسساتها الامنية والعسكرية عاجزة عن التصدي لهذه الظاهرة المروعة. ونفس الحالة انتقلت الى محافظات جنوبية اخرى.
لا ندري انبكي العراق ام نبكي ماساة اهله ام نذرف الدموع على الوطن الذي ابتلي باحزاب لم تكتف بسرقة موارده وقتل ابناءه، وتصر على الاستهتار بمشاعر الناس، مثلما فعل احد رؤوساء هذه الاحزاب قبل ايام عندما ظهر على احدى الفضائيات وهو يبرر القتل، بل ويحرض على المزيد منه. ويدعو الى تصعيد استخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين لم يفعلوا شيئا سوى المطالبة بابسط الخدمات كالكهرباء والماء الصالح للشرب ومحاسبة الفاسدين، وتكلم بامور اخرى تُوصِل الدم الى درجة الغليان. وكذلك فعل رؤوساء مليشيات ونواب في البرلمان، الذين يفترض بهم ان يكونوا صوت الشعب ومدافعين عنه.
في حديث لي مع عراقي حكيم عركته الحياة والتجارب قال لي ان هنال ثلاثة ردود فعل للغضب الاول هو ان تصرخ باعلى صوتك من شدة الغضب والثاني هو ان تتنازعك رغبة في الهجوم على من اغضبك لتشبعه ضربا، اما اشد واعلى حالات الغضب فهي تلك التي تقف فيها مذهولا من فرط الصدمة لا تدري ماذا تقول او تفعل. وهذه لعمري هي الحالة التي وصل لها غالبية العراقيين. فعندما لا يكون هناك قصاص لمجرم ولا عقاب لسارق ولا نهاية للاوضاع الماسوية التي يعيشونها، وعندما يجدون ان من يفترض به ان يطبق القانون يطبقه بصورة ملتوية بل ويحابي الجاني، ومن يفترض به ان يحمي الارواح يقف متفرجا على جرائم القتل. والاكثر من ذلك فان القاتل والسارق والفاشل يكافأ على افعاله بان يحصل على مناصب اعلى يوما بعد يوم. او ان يضطر اهل البلد الى الاستماع يوميا الى فاسد يتحدث لهم عن النزاهة او الى قاتل يتحدث لهم عن حقوق الانسان او الى متعاون مع الاحتلال او مشارك في تلفيق الاكاذيب لتبرير الاحتلال يتحدث لهم عن الوطنية وعن اخطاء الاحتلال الذي ايده وطبل وزمر له، وبدون اي خجل او شعور بان ما فعلوه لا يزال عالقا في ذاكرة العراقيين، بل وموثق صوتا وصورة.
اما الماساة الاكبر فتتمثل في امرين الاول اعتقاد البعض ان من تسبب في كل هذه الماسي يمكن ان يكون هو المنقذ. والثاني استمرار بعض الاصوات بالدفاع عن ماجرى ويجري منذ عام 2003 ولحد الان وعن من تسبب في ماساة العراق من الحكام الذين تسلطوا على رقاب الناس ومن كل المكونات. والامر المؤسف ان يكون بين هذه الاصوات اعلاميين معروفين او حملة شهادات عليا، يدفعهم اما تعصب طائفي او عنصري شوفيني او مغانم تافهة حصلوا او يحصلون عليها في ظل هذا الوضع الشاذ.
لقد عرفت شعوب كثيرة مثل هذه الحالة الماساوية، وتمكن طغاة وفاسدون وبدعم خارجي ان يتحكموا برقاب الناس، وتصوروا انه لا يوجد من يطيح بهم، وانهم سيتركون المناصب وما سرقوه لابنائهم واحفادهم، وكل هولاء الطغاة والفاسدين والقتلة فوجئوا بان وجدوا انفسهم في النهاية وبغمضة عين خلف القضبان او على اعواد المشانق، واصبح اقرب الناس لهم يبحثون عن جحر يختبؤن فيه ولا يجدونه. وكما قال شاعر العرب الجواهري
حتى اذا جدت وغوى وتضرمت
نارٌ تلف اباعدا واقاربا
لزموا جحورهم وطار حليمهم
ذعرا وبدلت الاسود ارانبا
3024 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع