د. سعد ناجي جواد
في ذكرى مولد سيد الكائنات محمد ﷺ
تحل اليوم الذكرى العطرة لولادة نبي الرحمة محمد عليه افضل الصلاة والسلام. لم يخطر في بالي يوما من الايام ان اكتب مقالا احياءا لهذه الذكرى المحببة الى قلبي لسبب بسيط هو اعتقادي ان ما قام به هذا الرجل اليتيم الامي العظيم اكبر واعظم من ان يقيّمه شخص بسيط مثلي. ولأني مؤمن باني مهما كتبت وكتب غيري فان ذلك لن يوفي الرسول الكريم حقه، وان وجود ملياري مسلم يؤمنون برسالته ويعملون بموجب الكتاب الذي اُنزِلَ عليه وسنته الشريفة كاف لتقويم سيرته العطرة وانجازه الانساني الكبير. لهذا لم يكن غريبا ان يصنفه كبار الكتاب والمثقفين الغربيين ومن غير المسلمين كاعظم شخصية في تاريخ البشرية، وبالعبقري الذي اصلح حالة امة باسرها ووضعها على خارطة الحضارات الانسانية. الا ان الهجمة التي يتعرض لها شخصه الكريم ومعه الدين الاسلامي الحنيف هي ما جعلني اكتب هذه السطور.
ابتداءاً يجب التذكير ان الدين الاسلامي هو الدين الوحيد الذي يأمر تابعيه بإحترام كل الانبياء وبدون استثناء، والقران الكريم ثبت في اكثر من مكان هذه الحقيقة: بسم الله الرحمن الرحيم (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ). صدق الله العظيم
لم اكن افهم معنى العداء للاسلام حتى حضرت الى الغرب للدراسة وانا في العشرين من عمري، حيث لمست بشكل ملموس الكراهية الكبيرة التي يحملها البعض لهذا الدين وللمؤمنين به، ثم تيقنت ان السبب الاساس يعود الى نجاح هذا الدين في ملامسة القلوب وانتشاره، وغالبا بالاقناع، بين شعوب كثيرة في اسيا وافريقيا واوربا. وتيقنت ايضا ان متطرفي الغرب يكرهون المسلمين بصورة عامة، والعرب من بين المسلمين بصورة خاصة، لسبب رئيس ذلك لانهم يعلمون جيدا ان هذه الشخصية العظيمة والقران الكريم الذي نزل عليه هما من حما وحافظ على جود هذه الامة ورسالتها، سواء من الهجمات الصليبية او محاولات الاستعمار الغربي لمحو هويتهم.
من هذا المنطلق انا لا استغرب ما يقوم به سياسيو ومتطرفو الغرب، لان هذا نابع من تعصب ديني وكره دفين وقديم، ومن يخالف هذا الراي عليه ان يتذكر ماذا فعلت بريطانيا في العراق اثناء وبعد الحرب العالمية الاولى، وكيف استخدم بطلها الوطني ونستون تشرتشل الغاز الكيماوي ضد الثوار في وسط العراق في ثورة العشرين، ولما اراد البرلمان محاسبته قام هو بتعنيف البرلمان لانه سآءله عن (قتل حثالات من العرب)، وعليه ان يتذكر كيف ساعدت بريطانيا الصهاينة على احتلال فلسطين وسكتت عن جرائمهم المروعة ضد ابناءها الآمنين، وان يتذكر ماذا فعلت فرنسا في سوريا وكيف وقف جنرالها على قبر البطل صلاح الدين الايوبي ليقول الان انتهت الحرب الصليبية، وما قامت به من جرائم ابادة في المغرب العربي، وخاصة في الجزائر، وما فعلت ايطاليا في ليبيا، وكل هذه الجرائم سبقت ظهور المنظمات الارهابية التي تدعي الاسلام، واخير وليس اخرا ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق من جرائم ابادة بحصار لا انساني قتل مليوني شخص وبعد ذلك في عام 2003، والقائمة تطول.
في كلمة جميلة لوزير الخارجية الفلندي قال ردا على ما تدعيه بعض الحكومات الغربية، واخرها ما قاله ويفعله الرئيس الفرنسي ماكرون، ما يلي: (لم اعد افهم اي شيء، عندما نسخر من السود نسمي ذلك عنصرية وعندما نسخر من اليهود نسمي ذلك معاداة للسامية وعندما نسخر من النساء نسمي ذلك تحيزا جنسيا وعندما نسخر من المسلمين نسمي ذلك حرية تعبير). ويمكن اضافة محرمات اخرى قد تُنهي الحياة المهنية والاجتماعية واي مستقبل لاي شخص في الغرب يتجرا على انتقادها مثل المحرقة اليهودية بل وحتى قضية المثليين. والكل يعلم ماجرى موخرا لرئيس ثاني حزب في بريطانيا عندما رفض الاعتذار عن نقده لاسرائيل والصهيونية وما تقوم به من اضطهاد للفلسطينين، وكيف انه خسر الانتخابات واضطر الى الى الاستقالة. كما قلت ابتداءا ان الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والسلام ليس بحاجة لامثالي لكي ندافع عنه، ورسالته ستبقى خالدة ومعدل الاشخاص الذين يدخلون في الاسلام في الغرب في تزايد، على الرغم من تزايد القتلة والمجرمين والارهابيبن الذين يستغلون اسم الاسلام للقيام بجرائمهم، والتي ثبت ان من يخلق ويدعم الكثير من هذه النماذج الشاذة هو الغرب نفسه والولايات المتحدة. واخر دليل على ذلك رسائل السيدة كلنتون التي تم الافراج عنها موخرا. او ارتكاب جرائم يتم اتهام العرب والمسلمين بها، كما فعلت العصابات الصهيونية التي كانت تقتل اليهود في الوطن العربي (وتتهم العرب) لكي تدفعهم الى الهجرة الى فلسطين المحتلة. وهذا ما اعترفت به وثائق الموساد الاسرائيلي.
لكن الذي يؤلم ويحز في النفس ان تصدر بعض الاصوات من داخل العرب والمسلمين تؤيد ما يقوم به الغرب من إساءات وتصر على اعتبارها حرية رأي، او تعتبر التمسك بالاسلام نوع من انواع التخلف، في حين انهم يعلمون جيدا ان العباقرة والمبدعين في كافة العلوم ابان النهضة الاسلامية فعلوا ذلك وهم متمسكون بمباديء دينهم. ان الاجدر بهذه الاصوات ان تصر على دعم المطالبة بقانون يُجَّرِم من يسيء الى الاسلام والى الرسول الكريم احتراما لراي ربع سكان العالم، اسوة بالقوانين التي تُجَرِم من ينتقد عصابات قتلت وشردت شعبا كاملا.
لقد اثبت الغالبية العظمى من المسلمين في هذه الايام، ومن كل المستويات تمسكهم بدينهم وبرسولهم الكريم، وعلى مكانته العظيمة في نفوسهم. وما على الغرب الذي يدعي حرصه على احترام مشاعر اصغر الفئات الا ان يحترم مشاعر هذا الكم الهائل من البشر. عودنا مفكرو الغرب المتنورين على احترام الراي الاخر واحترام مشاعر الاخرين ولا ادري لماذا عندما يصل الامر الى الاسلام والمسلمين ونبيهم تذهب كل هذه الصفات والمبادىء والاخلاق ادراج الرياح.
اعاد الله هذه المناسبة الغالية على الامتين العربية والاسلامية وهما اكثر تمسكا بمباديء دينهم السامية وبقرآنهم وبنبيهم عليه افضل الصلاة والسلام.
3779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع