هيفاء زنگنة
العراق: الإعدام ثقافة شعبية؟
في الوقت الذي تراجع فيه تنفيذ الإعدام في العالم، وانخفضت الأعداد الى حد أدنى، حيث أبطلت نحو 170 دولة عقوبة الإعدام أو أوقفت تنفيذها سواء بالقانون أو الممارسة، للسنة الرابعة على التوالي ضاعف النظام العراقي عدد عمليات الإعدام المسجلة تقريباً بين عامي 2018 و2019 فوصل إلى 100 في 2019 مقارنةً بـ 52 في 2018 محافظا بذلك على مركزه الرابع بين الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام. ولعله يتطلع الى احتلال مركز اعلى، خلال هذا العام، اذ أعدم 21 سجيناً في أكتوبر، ثم 21 سجينا آخر الأسبوع الماضي، في سجن الناصرية المركزي، المعروف باسم سجن الحوت، أدينوا بتهمة الإرهاب والانتماء إلى تنظيم «الدولة الإسلامية».
تباينت ردود الافعال حول حملة الإعدامات ما بين الاستنكار والترحيب. حيث أجمعت منظمات حقوقية عراقية ودولية على استنكار وادانة حملة الإعدامات الجماعية ومن بينها منظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان في الامم المتحدة ومركزجنيف الدولي للعدالة بالاضافة الى عدد من خبراء الأمم المتحدة. وصفت منظمة العفو الدولية الإعدام الجماعي بأنه عمل مشين، حاثة السلطات العراقية على ان تضع حداً لإعدام الناس. إذ ان عمليات الإعدام الانتقامية لا تحقق العدالة للضحايا ولأسرهم، بل إنها تعمل على تعزيز صورة العدالة الجزئية، في الوقت الذي تكون فيه السلطات صامتة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة الأخرى التي لا تزال ترتكب في جميع أنحاء البلاد، كالتعذيب، والاختفاء القسري.
واذا كانت ذريعة اللجوء الى تنفيذ الإعدام بهذه الاعداد الكبيرة ( وهي المعلن عنها فقط) بالمقارنة مع بقية الدول في جميع انحاء العالم هي ان من نفذ بهم الحكم هم من الدواعش الإرهابيين، على الرغم من فساد القضاء وإجراء محاكمات جائرة، تستند في احكامها إلى ما يسمى «الاعترافات» التي انتزعت تحت وطأة التعذيب أو المخبر السري والتهم الكيدية، فان بقاء العراق في مركزه العالي، الذي تبوأه قبل ظهور داعش بسنين، وبالتحديد منذ احتلاله، يدل على ان تنفيذ الإعدام سياسة حكومية منهجية لقمع الأصوات المعارضة أو لبث الخوف في قلوب الأقليات أو الجماعات التي لا تتمتع بالحظوة فضلا عن محاولة النظام اثبات سيطرته وقدرته على الدفاع عن اتباعه.
النظام الذي تم تسويقه والترويج له كنموذج شرق أوسطي للديمقراطية وحقوق الانسان، اصبح أداة لسلب الحياة والوجه الثاني للإرهاب الذي يدّعي محاربته حتى حين تكون المعارضة سلمية، كما رأينا اثناء انتفاضة تشرين الأول / اكتوبر 2019 حين تم اغتيال 600 مواطن واعاقة الآلآف. ولم يحدث وتم اعتقال أو محاسبة اي مسؤول عن هذه الجرائم الموثقة بالصور والفيديوهات. انتقائية تطبيق العقاب هذه، واللجوء الى الإعدام رغم عدم وجود ما يؤكد فاعليته في وضع حد للجرائم والإرهاب، هو ما يدفع المنظمات الحقوقية الى اصدار التقرير تلو التقرير حول انتهاكات وجرائم النظام العراقي، وهو ما يدفعنا الى عدم السكوت.
«أظهر تقييمنا لإقامة العدالة في القضايا التي تتعلّق بالإرهاب في العراق، وقوع انتهاكات متكرّرة للحقّ في المحاكمة العادلة، في سياق التمثيل القانوني غير الفعال، والاعتماد المفرط على الاعترافات، والادعاءات المتكررة بالتعذيب وسوء المعاملة. وفي مثل هذه الظروف، يشكّل تنفيذ عقوبة الإعدام مصدر قلق بالغ، وقد يرقى إلى حدّ الحرمان التعسفي من الحياة تمارسه الدولة نفسها».أفادت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، بعد تلقيها خبر الإعدامات، وما قد تحمله الايام المقبلة لمئات السجناء الآخرين. بالاضافة إلى المفوضة السامية أصدر مركز جنيف الدولي للعدالة بيانا أدان فيه المحاكمات الجائرة والإعدامات الجماعية وحث على تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة. اذ يجب على العراق الإلتزام بالقوانين الدولية المتعلّقة بعقوبة الإعدام والمعاملة اللاإنسانية أثناء الاستجواب ويجب إحترام حقّ جميع المتهمين في محاكمة عادلة. كما ضمّنه رأي ثلاثة من خبراء الأمم المتّحدة في مجال حقوق الإنسان عن الإعدامات ووجوب وقف جميع عمليات الإعدام الجماعية فورًا، قائلين: «نحث الحكومة العراقية على ضرورة احترام التزاماتها القانونية الدولية ووضع حدّ فوري لخطط إعدام السجناء».
مقابل هذه المواقف والتقارير الحقوقية الانسانية المطالبة، كلها، بانهاء اصدار وتنفيذ احكام الإعدام الجائرة، هناك منظور سياسي شعبوي للاعدام يروج له الساسة باعتباره الحل الوحيد «لأخذ حقوق ضحايا الهجمات الإرهابية» وانه يجب العمل به لأنه «جزء من ثقافة وقيم المنطقة» كما دافع عبد الفتاح السيسي، في 2019 عن تنفيذ الإعدامات بمصر، وإن «الشعب عندما يسمع عن عدم تطبيق عقوبة الإعدام، لا يمكن أن يقبلوا منا أن نبقي هذا المجرم الذي مزق أشلاء آبائهم أو أبنائهم أو نسائهم، لأن لا قيمة للحياة إذا كان يعيش فيها هؤلاء، في نظر أهالي الشهداء» كما برر نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، رفضه ايقاف تنفيذ إعدام 129 سجينا في عام 2012 وما لايقل عن 169 خلال العام 2013 ملقيا المسؤولية على اهالي الشهداء وان توقيعه على تنفيذ الإعدامات هو لتحقيق رغبة الشعب، متعاميا عن حقيقة إن إعدام شخص بلا محاكمة عادلة هو إعدام للعدالة وللقضاء النزيه وتشجيع للخروج على القانون وإشاعة ثقافة القتل خارجه. وما اعتبره قصاصا رادعا لم يجعل العراق أكثر أمنا وطمأنينة بل ساعد على تنمية الاحساس بالظلم واشاعة روح الانتقام. ومايزيد من بشاعة الوضع بالنسبة الى السجناء وذويهم هو غياب التمثيل القانوني الفعلي (محام أو محامية) للمتهمين أثناء التوقيف، والتحقيق، والمحاكمة وما بعد المحاكمة في القضايا المسماة « إرهاب» أي التهمة الجاهزة المستخدمة منذ عام 2005 مع تزايد حالات اختطاف المواطنين، كرهائن لابتزاز العوائل من قبل ضباط أمن اشتروا مواقعهم بغية استرجاع ما دفعوا واثراء لانفسهم، أوميليشيات تبحث عن تمويل. في حالات كهذه قد يطلق سراح الإرهابي المدعوم من جهة قادرة على دفع الاتاوة كما حدث للكثيرين، بينما يعدم المواطن البريء او المتهم بارتكاب جرم غير خطير، فقط لأن اهله لا يملكون ما يطلبه الخاطفون من مال.
إن ادعاء الساسة أن اصدار أحكام الإعدام التي تحول البلد الى مسلخ بشري هو جزء من ثقافة وقيم المنطقة ادعاء مبتذل. فشعوبنا لا تختلف عن بقية شعوب العالم في رغبتها بأن يعامل كل شخص على قدم المساواة أمام القانون. ومن يرتكب اية جريمة سواء كانت ضد شخص أو مجموعة اشخاص يجب تقديمه للقضاء، وان يحاكم وفق القانون بدون تمييز كما يجب توفير الحماية المواطنين على قدم المساواة. وهذا ما لا يحدث في العراق تحت النظام الحالي حيث غالبا ما يعدم الأبرياء ويكافأ المجرمون.
1573 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع