رفيف الشيخلي
فصام الجسد
نعاني في مجتمعاتنا، الشرقية بالخصوص، من حالة تناقض عجيبة، كلنا نمارسها تقريبا، لكن قلة قليلة منا من ينتبهون إلبها. وهي أننا نحكم على الآخرين من مظهرهم، ثم ننفي أن يكون للمظهر، من طريقة لبس واختيار الألوان وتسريحة الشعر وشكل اللحية، بالإضافة لتعابير الوجه أهمية بالغة في إظهار الذات والشخصية...
أو بمعنى آخر، نحن نقوم بفصل الروح أو الشخصية عن الجسد، وننسى أن الروح لا تتمظهر إلا عن طريق ذلك الجسد الذي نحاول بشتى الطرق منعه من التعبير. وحتى الأديان، فيها الكثير من المظاهر الجسدية التي هي في جوهرها تعبيرات روحية فكرية عاطفية، أو باختصار "إيمانية" والأمثلة كثيرة على ذلك، منها الصلاة مثلا، فهي فعل جسدي، عبارة عن حركات نمارسها عن طريق الجسد. لكنها تعني إيماننا وتوجهنا الروحي والفكري والعاطفي إلى الخالق. ونفس الأمر ينطبق على الصيام والحج. نحن نمسك عن شهوة الجسد والبطن، وهي أفعال جسدية، للتعبير عن إيمان وتوجه..
وفي حياتنا الاجتماعية، لا نكف عن إبداء الآراء، أو إطلاق الأحكام على الآخرين، ولو بشكل لا واع، عن طريق الحكم على مظهرهم الخارجي. فنعرف هذا بأنه متدين من لحيته، وذاك بأن له فكر غير تقليدي من شعره الطويل أو ألوان ملابسه... والآخر سيد من عمامته السوداء
بل الأكثر من ذلك، أننا قد نحكم عاطفيا على الآخر دون وعي منا بالأسباب، فنفر من شخص لأنه كثير التجهم، ونشعر بمودة إلى المبتسم... نحب التحدث مع من ينظر إلينا باهتمام أثناء الحوار، وننزعج من الذين يهتمون بأمور أخرى أثناء حكينا...
وبالرغم من أننا كلنا نعيش هذه الأمور، ونفهمها ولو بشكل بسيط، إلا أن الكثير من يقمع التعابير الجسدية البسيطة، له وللآخرين. والأمثلة مختلفة ومتفاوتة على ذلك. منها مثلا ما حصل من هجوم على سراويل "برمودا" مع أنها لا تسيء إلى الآخر في شيء، لا من حيث التقاليد ولا الأخلاق ولا الدين، أم أننا ننسى أن عورة الرجل من السرة إلى أسفل الركبة؟ وهناك من يتهم كبار السن الذين يلبسون الألوان الزاهية بالتصابي ! والتصرف الذي يمارسه الأغلبية، هوالتجهم في التعاملات اليومية مع الباعة والناس في الإدارات والمؤسسات. وأليست الابتسامة صدقة؟
والأمَرّ من ذلك، أن الأغلبية، تتناسى أن مظهر الجسد واختيار تسريحات الشعر ولون الملابس، هو نوع من الانتماء. تماما كانتماء أصحاب اللحى الطويلة إلى فئة معينة. فحين نرى رجلا كهلا يرتدي ألوانا زاهية، فهو ليس متصابيا، بل إنه يعلن انتماءه إلى فئة محبي الحياة. والمرأة التي لا تغمس وجهها في علب المكياج، أو التي تقص شعرها قصيرا، ليست مسترجلة، بل تعلن انتمائها لفكر معين، وتعلي من شان شخصيتها.
ومن المعروف أن الفئة التي تبالغ في التعبير عن انتماءاتها عن طريق الملابس والمظهر هي فئة المراهقين والشباب. والسؤال هنا، ما الضير في ذلك؟ ما الضير من لبس الأسود للتعبير عن الرفض والحزن؟ ما الضير في التشبه بميسي؟ أو إطالة الشعر؟ كلنا نحتاج للتعبير عن أفكارنا وما نحبه من الأمور بشكل أو بآخر. وهذا أفضل بكثير من أن يتم استغلال رغبة هؤلاء الشباب من قبل مليشيات وما شابهها لتوجيه غضب مستورد إلى النفس والآخر.
1383 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع