د. سعد ناجي جواد
ترامب ينهي بيده طموحاته الحالية والمستقبليه.. والسؤال هو ما هي تاثيرات ما جرى ويجري على منطقتنا العربية؟
ما جرى يوم امس في الولايات المتحدة الامريكية وفي العاصمة واشنطن بالذات، ولاول مرة في تاريخ انتخابات هذا البلد، امر لا يمكن ان يمر مرور الكرام ليس فقط امريكيا وانما حتى على مستوى الديمقراطيات الغربية. وربما كان استهجان رئيس الوزراء البريطاني بوريس حونسون اول رد فعل في هذا المجال، على الرغم منه انه يعتبر من اقوى حلفاء الرئيس الامريكي الحالي. وكذلك من رئيسة وزراء اسكتلندا التي رفضت السماح له بالقدوم الى المنتجع الذي يمتلكه هناك للهروب من حفل تسليم السلطة كما اشيع ان هذا ما يريد فعله.
ان ماجرى، بالاضافة الى انه كشف الطبيعة النزقة والمتهورة والنرجسية الفظة للرئيس ترامب، فانه بين استعداده للتمسك بالمنصب بالقوة وبصورة لم تالفها الديمقراطيات الغربية بصورة عامة والتجربة الامريكية بصورة خاصة. وبمحاولته يوم امس استعمال الغوغاء من مناصريه بصورة فجة اثبت انه لا يختلف في تفكيره عن اي بلطجي من زعماء او سياسي العالم الثالث، وهذا ما اثار غالبية الراي العام الامريكي ضده، وحتى من حزبه الجمهوري الذي كان قسم منه يجاريه في ما كان يدعيه من ان الانتخابات شهدت تزويرا. ما يجري الحديث عنه الان هو ان السلطة التشريعية والتنفيذية في البلاد قد تتخذ اجراءات قانونية قد تصل الى حد عزله عن منصبه حتى قبل انتهاء المدة القانونية المتبقية من حكمه. وظهر من السياسيين الاميركان من يطالب باحالته الى المحاكم بتهمة تحريض الراي العام على مهاجمة الكونكرس الامريكي والاعتداء على القوات الامنية التي تحميه ومحاولة اقتحام المبني بالقوة لافشال التصويت على نتائج الانتخاب. وهناك تهما اخرى، مثل تهمة تحريضه لنائبه، الذي كان يراس الجلسة، بموجب الدستور، على عدم المصادقة على نتائج هذه الانتخابات. التهمة الاخرى الاخطر التي قد يحاكم بسببها هي محاولته، وفي مكالمة هاتفية مسجلة، اجبار سكرتير عام ولاية فرجينيا، بالتهديد والترغيب والتوسل، على التلاعب بنتائج الانتخابات هناك لصالحه. فلقد اثبت تسجيل المكالمة الطويلة انه حاول مع السكرتير والمسؤول الاول عن نتائج الانتخابات، ان يجد له اكثر من 11 الف صوت لقلب النتيجه لصالحه. ونشرت جريدة الواشنطن بوست المهمة نص الحديث. هذه المكالمة اعتبرت بحد ذاتها جريمة وانتهاكا للقوانين الفدرالية، واثارت ضده كافة الاوساط السياسية الامريكية، بل وحتى نواب جمهوريون من حزبه في مجلسي النواب والشيوخ، اما النواب الديمقراطيون (والذين اصبحوا الان اغلبية في مجلس الشيوخ) فلقد اعتبروا هذا الفعل جريمة تستوجب الاقالة والاحالة للمحاكم ويجب ان تنتهي بسجنه. وهم يستندون في ذلك الى القانون الفيدرالي الأميركي رقم 20511، فقرة (2 ب) الذي يحظر على أي شخص، مرشح في الانتخابات لمنصب فيدرالي، (القيام بالتحايل أو محاولة الاحتيال على سكان ولاية تجري انتخابات نزيهة عبر الإدلاء بأصوات أو حساب أصوات يعرف الجاني أنها عملية خاطئة أو احتيالية بموجب قانون الولاية)، او محاولة تقديم معلومات كاذبة، تقود الى التلاعب بالنتائج.
متخصصين آخرين في القانون اعتبروا أن ترامب ربما انتهك قانوناً فيدرالياً اخر، وهو القانون رقم 241، والذي يُجرّم المشاركة في مؤامرة ضد أشخاص يمارسون حقوقهم المدنية، وحق الانتخاب بحرية هو احد هذه الحقوق. وقد استُخدم هذا القانون بصورة متكررة وخاصة ضد جماعة “كو كلوكس كلان” العنصرية التي حاولت التاثير بوسائل شتى على حرية الناخبين السود.
وفي الوقت الذي حاول فيه بعض المتخصصين القانونين التخفيف من اثار هذه الجريمة على اساس ان الرئيس لم يكن يروم التلاعب بالنتائج وان ما قاله كان بسبب معلومات وصلت اليه بان هناك اصوات مؤيدة له بهذا العدد لم تحتسب لصالحه، وعلى اساس ان هذه كانت محاولة يائسة لقلب النتيجة، وانه لم يبق له سوى ايام معدودة لا تستوجب القيام بعمل يزيد من الانشقاقات الخطيرة في المجمتع الامريكي، الا ان تصرفاته في اليومين الاخيرين جاءت لتثير الراي العام ضده مرة اخرى. اول التصرفات تمثل في اجتماعه بقادة عسكريين ومدنيين وصحفيين في البيت الابيض وقوله لهم بان ينتظروا ما سيجري في الايام القليلة القادمة، ثم تحريضه لمؤيديه لكي يهاجموا الكونكرس في الكابيتول هيل، اهم مبنى رسمي بعد البيت الابيض، لمنع المجلس من التصديق على نتائج الانتخابات. وهذا ما دعى بعض النواب لمطالبة الامن الداخلي (الاف بي آي) فتح تحقيق في المكالمة الهاتفية وفي عملية التحريض على استخدام العنف لقلب نتائج الانتخابات، خاصة وان الرئيس قد فشل في تقديم اي دليل يثبت ان هناك تزويرا قد حصل.
وبغض النظر فيما اذا كان الرئيس سيقال او سيخرج بالقوة من البيت الابيض او سيترك حتى تنتهي الايام القليلة المتبقية من ولايته (حتى العشرين من الشهر الجاري)، فان ترامب قد انهى بصورة كبيرة وبيده حظوظه في ان يرشح ثانية في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد اربع سنوات. وان العدد القليل من الذين خرجوا الى الشارع واقتحموا مبنى الكونكرس قد اظهروا استعداد ترامب لجر البلاد الى حرب اهلية من اجل البقاء في المنصب، وهذا الفعل اعتبر مستنكرا حتى من قبل الكثير من الملايين التي صوتت لصالحه. فحسب تقاليد الديمقراطية الامريكية ان كل الخلافات تنتهي بمجرد ان تعلن النتائج ويقوم المرشح الخاسر بتهنئة المرشح الفائز ثم يجري انتقال هادي وسلمي وودي للسلطة الى الرئيس الجديد. الخوف كل الخوف الان ان يلجا ترامب المهزوم والمازوم الى فعل خارجي ويشن حربا في منطقة الشرق الاوسط بحجة انهاء تهديد ايران للمنطقة، في محاولة يائسة اخيرة للبقاء في السلطة. ولو انه الان اصبح في وضع اضعف كثيرا من السابق، وان ردود الفعل الرسمية الامريكية، وخاصة الاطراف العسكرية، عبرت عن عدم رغبتها في مجاراة ترامب للقيام بهكذا مغامرة، واعتبرت ان مثل هذا العمل سيجر المنطقة الى كارثة مشابهة لكارثة احتلال العراق. ولكن تبقى صلاحياته كرئيس تسمح له باتخاذ قرار فردي، فهل سيتجرا على فعل ذلك، كما تطالبه اسرائيل؟ كما ان استقالات موظفين كبار في البيت الابيض وغلق حسابات له على مواقع التواصل الاجتماعي كلها دلائل على تدني مكانته الى درجات كبيرة.
مثلما شعر الكثير من انصار ترامب في الداخل الامريكي بالحرج من ما قام به بتصرفاته الاخيرة، فان سقوطه المحتمل بهذه الطريقة قد وضع ايضا من سار في ركابه من العرب في مسالة الاعتراف باسرائيل في موقف لا يحسدون عليه، حيث اكتشف هولاء ان خشيتهم منه ومن بلطجته، وتهافتهم لدعمه للفوز بولاية ثانية كلها امور لم تجد نفعا، وانهم بالاضافة خسارتهم لمليارات كثيرة من الدولارات، فانهم غامروا بما تبقى من سمعتهم ومستقبلهم. (وعسى ان يدركوا ان محاولاتهم لانقاذ نتنياهو من مصير مشابه هي الاخرى سوف لن تجدي نفعا). بالتاكيد ان الرئيس الامريكي القادم سوف لن يتراجع عن هذا المسار، وسيواصل المساعي لتحقيق اعترافات عربية اخرى باسرائيل، لكن الاكيد ان بايدن سوف لن يستخدم اسلوب ترامب الفج المبني على التهديد والغطرسة لتحقيق هكذا اعترافات. والاكيد ايضا ان الرئيس الجديد سيكون اكثر انشغالا وانهماكا واهتماما بالوضع الداخلي والانشقاقات المجتمعية والسياسية الكبيرة والخطيرة التي سببتها سياسات ترامب . الامنية الوحيدة التي تبقى معلقة في الهواء بالنسبة للكثير من العرب، وخاصة الفلسطينين، هو ان تنتبه قياداتهم لنفسها وتنتهج سياسة تمثل مصلحة شعوبهم وتقف بوجه سياسات الاستصغار والاستخفاف بالحقوق والمشاعر العربية وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين والتي يجب ان لا ينظر لها على اساس انها مسالة تهم الفلسطينين فقط. فهل سيحدث ذلك ام ان غالبيتهم قد استمرأ حالة الانبطاح والهرولة.
1766 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع