قاسم محمد داود
محاولـة انقلاب ٣تموز ١٩٦٣حركة حسن سريع"
امتاز تاريخ العراق الحديث بكثرة الانقلابات العسكرية التي طغى عليها هوس السلطة. ومن المعروف ان شهر تموز هو شهر الانقلابات العراقية وأحد هذه المحاولات الانقلابية المنسية في تاريخ العراق الحديث محاولة انقلاب 3 تموز 1963 التي تعرف شعبياً ولاحقاً إعلامياً بحركة حسن سريع، اسم نائب العريف الذي قاد الحركة.
هذه المحاولة الانقلابية التي بقيت تفاصيلها خفية ولم تكشف اسرارها على مدى زمني طويل ولم تتطرق إليها الوثائق الرسمية الحكومية وعُتم على أحداثها من قبل السلطات اللاحقة. واعتبرت الحركة لدى العديد من الباحثين والمؤرخين في هذا المجال، حركة فردية قادها شيوعي أسمه حسن سريع وهو مجرد نائب عريف في الجيش العراقي.
وقبل الخوض في تفاصيل الحركة لابد من العودة إلى ما قبل تاريخ 3 تموز 1963 تاريخ انطلاق هذه المحاولة الانقلابية وبالتحديد بعد انقلاب 8 شباط 1963 الذي أطاح بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم بعد أربع سنوات ونصف السنة من تسلمه السلطة أثر انقلاب عسكري على الحكم الملكي والتحول إلى النظام الجمهوري، قام به مجموعة من ضباط الجيش العراقي في 14 تموز عام 1958، الانقلاب الذي فتح الطريق امام تدخل واسع للجيش في السياسة العراقية.
ففي صبيحة يوم انقلاب 8 شباط نزل إلى شوارع بغداد عدد من المدنيين وهم يحملون شارات خضراء كتب عليها الحرس القومي، وتبع ذلك صدور بيان من " المجلس الوطني لقيادة الثورة " (اعلى سلطة في البلاد) بتشكيل هذه الميليشيا التي أطلق عليها أسم " الحرس القومي " وتعيين المقدم الطيار منذر الونداوي قائداً لها، وأعلن عن ان الهدف هو "حماية الثورة"، ويبدو أن قادة انقلاب 8 شباط أرادوا استنساخ تجربة ميليشيا (المقاومة الشعبية) التي شكلها عبد الكريم قاسم وكانت ذات صبغة شيوعية ومنح قيادتها للعقيد طه البامرني الذي كان آمر فوج الحرس الملكي والذي أمر باستسلام الحرس الملكي أمام مهاجمي القصر الملكي من جنود اللواء 20 صبيحة يوم انقلاب تموز1958 وأنتهى بقتل العائلة المالكة في ما عرف لاحقاً بمجزرة قصر الرحاب وكانت المقاومة الشعبية ترفع شعار: لا حرية لأعداء الشعب، دون تحديد من هم أعداء الشعب. منذ البداية بدأ الحرس القومي بانتهاكات واسعة بحق المعارضين ومارس الاعتقال والتعذيب والاغتيال الأمر الذي دفع المجلس الوطني لقيادة الثورة إلى اصدار قانون ينظم عمل هذه المليشيا ويمنحها الغطاء الشرعي، ولكن الحكومة فشلت في الحد من تصرفات الحرس القومي، والذي أصبح أداة بيد المتصارعين على السلطة من القياديين البعثيين.
وسط هذه الفوضى وفي صبيحة يوم 3/ 7/ 1963 كان الجو غريباً في بغداد يوحي بأن شيئاً ما يجري في العاصمة، بعض قطعات الجيش تنتشر في الساحات وميليشيا الحرس القومي تنزل إلى الشوارع وخيم التوتر على كل شيء وبدأت الإشاعات تنتشر، وكل يفسر الأمر حسب ما يتمنى. وفجأة أصدر (المجلس الوطني لقيادة الثورة) بياناً من إذاعة بغداد يعلن عن إخماد محاولة قام بها الشيوعيون في معسكر الرشيد لقلب نظام الحكم وأن التحقيق جار. وبدأت تفاصيل ما جرى تصل إلى الأسماع: تحركات مريبة شعر بها أفراد سرية الحراسة في معسكر الرشيد فجر ذلك اليوم، إذ كانت مجموعة من ضباط الصف والجنود الشيوعيين وكانوا يحملون رتب ضباط عالية مزيفة مجتمعين داخل المعسكر يقودهم نائب العريف حسن سريع مع رفاقه من الشباب الذين قدر عددهم حوالي الألفين، وكان قد نظمهم أحد الكوادر العمالية الشيوعية واسمه إبراهيم محمد علي والذي قتل جراء التعذيب بعد ان وقع في قبضة مليشيا الحرس القومي، وعرف التنظيم بـ "اللجنة الثورية". أعدت خطة حركة تموز استناداً إلى فكرة تحرك عسكري ينطلق من مركز الحركة (معسكر الرشيد) ويتبعه تحرك يشمل كل معسكرات بغداد. وكانت الخطة تتألف من قسمين: القسم الأول معسكر الرشيد ويتضمن السيطرة على المعسكر والبدء من ثلاث نقاط رئيسة مهمة وهي أولاً: كتيبة الدبابات الأولى. ثانياً: قاعدة الرشيد الجوية والمطار العسكري. ثالثاً: السجن العسكري رقم واحد. القسم الثاني: المعسكرات والمنظمات الساندة. ولغرض كسب التأييد للحركة أجرى حسن سريع أتصالاً مع أنصار شيوعيين من سكنة أحياء بغداد الشعبية وبعض المحافظات ومنها البصرة ومع منظمة الفرات الأوسط للحزب الشيوعي التي التجأت إلى الريف للنجاة من ملاحقة السلطة بعد انقلاب 8 شباط. وذلك لإيجاد نوع من التأييد الشعبي وسط التيار الشيوعي، بينما يسيطر العسكريون منهم على معسكراتهم او على أقل تقدير أحداث نوع من البلبلة والإرباك وقت تنفيذ العملية، وقد شكل الشيوعيون المؤيدون لحركة حسن سريع في البصرة فرقاً عديدة تتألف كل منها من عشرة أشخاص سميت بـ (فرق الأنصار) كانت مهمتها السيطرة على المدينة يوم السابع من تموز أي بعد تنفيذ العملية في بغداد وحصولهم على الأسلحة من العسكريين الشيوعيين في معسكرات البصرة. فضلاً عن كسب المؤيدين ببث الشائعات حول وجود عبد الكريم قاسم حياً في إيران وعودته حال نجاح الحركة وسيطرة الشيوعيين على الحكم في بغداد. حدد حسن سريع الساعة الثالثة والنصف صباحاً موعداً تستعد فيه المجموعات العسكرية للتنفيذ حال سماع أطلاق عيار ناري بينما تتحرك المجموعات المدنية المشاركة في الحركة حال سماع البيان الأول بعد أذاعته من دار الإذاعة، وحددت ساعة الصفر بعد اجتماعات عديدة جمعت سريع بالمنفذين كان آخرها في أحد أكواخ منطقة كمب سارة القريب من معسكر الرشيد ليلة التنفيذ. نجحت المجموعة الأولى في الاستيلاء على الأسلحة من مخازن مدرسة الهندسة الآلية التي سيطروا عليها بعد اعتقال آمرها. وتمكنت المجموعة من السيطرة على بوابة معسكر الرشيد، واخضعوا الحرس فيها، وأعتقل ضابط الخفر، وهي موقع مهم يتيح لهم اسر جميع الضباط الذين اعتادوا ان يبيتوا ليلتهم في منازلهم في بغداد والعودة في الصباح الباكر إلى مقرات وحداتهم العسكرية داخل المعسكر. واستولت مجموعة ثانية على مقر اللواء الخامس عشر، واستطاعت مجموعة ثالثة السيطرة على كتيبة الدبابات الأولى واعتقال عدد من ضباطها، وقامت مجموعة رابعة بقطع شبكة الهواتف المباشرة مع المعسكر وتخريب بدالة اتصالات المعسكر، وسيطرت مجموعة أخرى على قاعدة الرشيد الجوية، وتمت السيطرة على أغلب أقسام معسكر الرشيد، والتي ضمت أعداداً كبيرة من الدبابات والمدرعات والطائرات، ولما نجحوا في ذلك اندفع قسم منهم إلى السجن العسكري رقم 1 للسيطرة عليه وأطلاق سراح حوالي 500 ــ 600 معتقل شيوعي كانوا يوجدون في هذا السجن ومن ثم توزع عليهم الأسلحة ويقوم الجميع بعد ذلك بمحاولة السيطرة على السلطة، ووضعوا في تقديرهم أن وحدات كثيرة سوف تنظم إليهم بمجرد إعلانهم عن الحركة لحالة السخط التي كانت تعم كل فئات الشعب. إلا أن المقاومة الشرسة التي ابداها حرس السجن أفشلت المحاولة. وصلت قطعات عسكرية وطوق معسكر الرشيد كله بعد أن علمت السلطات بحالة التمرد. وكان الرئيس عبد السلام محمد عارف أول من وصل إلى بوابة معسكر الرشيد من المسؤولين ومعه مرافقه زاهد وكان يقود كتيبة الدبابات الرابعة (كتيبة دبابات القصر الجمهوري) ومن المفارقات أن الدبابة الأولى التي" صعد فيها الرئيس عبد السلام عارف لقيادة رتل الدبابات كان قائدها أحد رجال الحركة الانقلابية وهو ضابط الصف راضي شلتاغ الساعدي والذي كان مكلفاً بالذهاب بدبابته إلى دار الإذاعة بعد السيطرة على المعسكر وتطور التمرد للمساهمة في السيطرة عليها إلا أنه تفاجئ بصعود الرئيس عبد السلام عارف في دبابته وأمره بالتوجه إلى معسكر الرشيد مما جعله عاجزاً عن القيام بأي فعل عدا تنفيذ أمر الرئيس والمساهمة في القضاء على التمرد، وعند وصول عبد السلام عارف إلى بوابة معسكر الرشيد وبمجرد ان تبين للمتمردين شخصيته أخذتهم المفاجئة وأدوا له التحية العسكرية وألقوا بسلاحهم. ودخل الرجل إلى المعسكر ليتولى بنفسه إدارة المعركة حتى لحق به طاهر يحيى رئيس أركان الجيش. وعندما علم طالب شبيب وزير الخارجية وحازم جواد وزير شؤون رئاسة الجمهورية وأبو طالب عبد المطلب الهاشمي مسؤول مركز العاصمة، بذهاب الرئيس عبد السلام عارف لإدارة العملية بنفسه قرروا الذهاب إلى معسكر الرشيد، لكنهم وجدوا أنفسهم أسرى بيد الانقلابين. ودارت معركة داخل المعسكر قادها الرئيس عبد السلام محمد عارف بنفسه. وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح نفس اليوم تمت السيطرة على الموقف وأنهاء التمرد. عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم الثالث من تموز عام 1963 أذاع راديو بغداد نبأ المحاولة الفاشلة للشيوعيين لأسقاط السلطة. وجاء في النبأ: " تم فجر اليوم سحق مؤامرة شيوعية قام بها بعض الشيوعيين العملاء للسيطرة على معسكر الرشيد فتصدت لهم قواتنا العسكرية والحرس القومي والشرطة الوطنية وجماهير الشعب وأبادتها خلال نصف ساعة، وقد تم تشكيل هيئة تحقيق باشرت اعمالها في التحقيق مع من القي القبض عليهم من العملاء، وأن السهولة التي تم فيها القضاء على هذه المؤامرة الدنيئة قد أثبتت مدى رسوخ نظامنا الثوري العتيد ومدى تلاحم الجيش والشعب في الذود عن الوطن ونطمئن الشعب النبيل إلى أن الأمور تجري بصورة اعتيادية وأن قواتنا والشعب واقفون بالمرصاد لكل الخونة...". كان عدد من قتل من الانقلابين 23 وتم اعتقال من تبقى منهم على قيد الحياة في النادي الأولمبي ببغداد تحت إشراف الحرس القومي أما الجرحى فقد تم نقلهم إلى مستشفى الرشيد العسكري ومستشفى الطوارئ في شارع الشيخ عمر. وتمت مطاردة الفارين منهم واعتقالهم، وشكلت محكمة عسكرية خاصة لمحاكمتهم، أصدرت أحكاماً بالموت على قسم منهم ومن بينهم نائب العريف حسن سريع قائد المحاولة الانقلابية، وبالسجن على آخرين وبذلك انتهت هذه المحاولة الانقلابية التي لم تكن الأولى ولم تكن الأخيرة.
والسبب كما يذكر الباحثون في قيام الشيوعين بهذه الحركة هو انتقامهم لما لحقهم على يد البعث من قتل واعتقال... والسبب الذي ألجأ البعث إلى ذلك كان يرجع لموجة التقتيل والإعدامات التي ارتكبها الشيوعيون أيام عبد الكريم قاسم فالشيوعيون يقتلون والبعثيون يقتلون... والشعب يتحمل هذا وذاك. إن الطريق إذا بدأ بالدم فلابد وأن ينتهي بالدم.
4846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع