د.هدى رؤوف
هل تؤثر المصالحة الخليجية في إيران؟
لقيت القمة الخليجية التي عُقدت منذ أيام اهتماماً عالمياً وإقليمياً بالغاً، فالقمة الخليجية أو قمة "العلا" وفقاً للبيان الذي خرج عنها، استهدفت رأب الصدع ومحاولة إعادة الوحدة الخليجية. كما أن المصالحة الخليجية التي تمت فى القمة هي أكثر من مجرّد لقاء لحل الخلاف مع قطر. سيكون هذا الاجتماع مفتاح حل مشكلات المنطقة، فالمصالحة الخليجية والعربية تعني محاولة تقريب وجهات النظر وتحسين النوايا من أجل حل الكثير من القضايا الإقليمية ومواجهة بعض التحديات. وقد وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود خلال مؤتمر صحافي، "هناك إرادة سياسية وحسن نية" لضمان تنفيذ الاتفاق، وإن الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر اتفقت على إعادة العلاقات مع الدوحة. لذا فإن المصالحة الخليجية أمرٌ حتمي لجميع الأطراف في المنطقة لكي تتحد ضد التهديدات المشتركة.
ومن المعروف أن أهم التهديدات التي تواجه الخليج العربي هو السلوك الإيرانى الساعي للهيمنة على حساب المصالح الخليجية والعربية. ويمكن القول إن غياب موقف موحد بشأن إيران كان أهم العوامل المساهمة في السنوات الماضية في تمكين طهران من الاستمرار في سلوكها المزعزع للاستقرار على حساب مصالح جيرانها، وليس إيران فقط التي استفادت وتستفيد من تباين المواقف العربية بل تركيا كذلك. فغياب التنسيق والمسار الموحد الذي قد يعزل إيران إقليمياً للضغط عليها لإحداث تغييرات في سلوكها، كان عاملاً محفزاً لسلوك إيران. وقد جاء رد الفعل الإيراني غير الراضي في تغريدة وزير الخارجية محمد جواد ظريف لتهنئة قطر على "تويتر" بكلمات يريد منها تحفيز الشحن بين الأطراف الخليجية المتصالحة. ولكن كيف يمكن للمصالحة الخليجية أن تكون لها تداعيات على موقف إيران الإقليمي؟
نرى أنه لا تقتصر محاولات ممارسة الهيمنة أو أي دور إقليمي نشط على امتلاك القوة الإقليمية للقدرات المادية وغير المادية كتفوّقها أو إدراكها فقط، لكن من المهم الوقوف على كيفية ممارسة الهيمنة في سياق إقليمي ودولي قد يحفزها أو يقيّدها. لذا من اللازم معرفة التأثيرات الإقليمية واستجابة الجيران الإقليميين لهذا الدور، إلى جانب الوقوف على الاعتراف الخارجي بالدور الإقليمي للدولة المهيمنة والناتج من العامل الخارجي.
ومن ثم ليس المهم امتلاك دولة ما لموارد أو مشروع ورؤية تحاول من خلالها ممارسة طموحاتها الإقليمية، لأنه قد يكون هناك عامل محفّز أو مقيّد لهذا الطموح وهو السياق الإقليمي. وقد كان تباين الموقف الخليجي من إيران أهم العوامل التي خلقت فضاءً مناسباً لمحاولة إيران تمديد نفوذها، لذا فإن السعودية قد قررت تقليل هذا العامل عبر توحيد وإيجاد مساحة متقاربة للمواقف الخليجية بشأن التهديدات المشتركة، ومن ثم مثّلت المصالحة فرصة لموقف خليجي متقارب إزاء الملف الإيراني، لا سيما أن هناك أمرين لافتين، أولهما أنه من المرجح أن تعطي إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الأولوية لإيجاد طريقة لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي "المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة"، ولإيران لكي تعود إلى الامتثال الكامل بالاتفاق بعد انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاقية وإعادة فرض عقوبات اقتصادية، خصوصاً بعد قيام طهران تدريجياً بانتهاك جوانب الاتفاق، حيث بدأت في زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بما يتجاوز الكمية المُتفق عليها، وتخصيب اليورانيوم فوق الحد المسموح به في الصفقة وهو 3.67 في المئة. هذا فضلاً عن استمرار استفزازاتها في الفترة الأخيرة بشأن تخصيب اليورانيوم لنسبة 20 في المئة لدفع بايدن للتفاوض معها.
الأمر الآخر، هو حرص السعودية على ضرورة أن تكون طرفاً في أي اتفاق مستقبلي مع إيران، وهنا تبرز أهمية وجود الموقف الخليجي الموحد الذي سعت الرياض لإيجاده.
وقد أوضح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن قرار "دفن الأحقاد" كان قرار السعودية، وأن السبب الرئيس لفعل ذلك هو الوحدة ضد التهديدات الموجهة من طهران، أي أن المصالحة الخليجية توفر سياقاً إقليمياً قد يقيّد الخيارات أمام إيران ويؤكد عزلتها الإقليمية، من جهة، ويوفر موقفاً خليجياً موحداً ضمن الاتفاق المستقبلي معها.
1218 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع