الحيل الخفية.. في الموازنات الإتحادية!!

                                                      

                               عمر المشهداني

الحيل الخفية.. في الموازنات الإتحادية!!

لفت نظري أثناء متابعة بعض التعليقات على صفحة مجلس النواب العراقي في الفيسبوك وجود حالة سخط شعبي كبير على البرلمانيين لتأخرهم في إقرار الموازنة الإتحادية لعام 2021، على الرغم من أن هذه الموازنة تحديدا قد سارت بوترة هي الأسرع مقارنة بسابقاتها، فلأول مرة تتم القراءة الأولى والثانية في أسبوع واحد، ولا تكاد تخلو أي جلسة من عرض ومناقشة وإضافة وتعديل.. وكل هذا يأتي في ظل ظروف مالية غير طبيعية على الإطلاق (أزمة مالية، اقتراض داخلي وخارجي، انخفاض في أسعار النفط، تغيير سعر الصرف، ... الخ)

ما سأحاول الإشارة اليه اليوم هو بعض الحيل القانونية التي تلعبها الحكومات المتعاقبة -وليس فقط الحالية- في فرض إراداتها في موضوع الموازنة العامة للدولة، مستثمرة الصورة السلبية لمجلس النواب العراقي في الشارع والذي تجعل المواطن يوجه سهام نقده اللاذعة إلى البرلمان تحديدا وليس إلى الحكومة!
❌ المبالغة في النفقات.. والتقليل من توقعات الإيرادات!
من يراجع الموازنات العراقية من 2006 إلى اليوم يجد بوضوح أن الدولة تتعمد إرسال الموازنة دائما (بعجز) دون بيان واضح كيف سيتم تغطية العجز، فتجدها تبالغ في تقدير النفقات.. وبالمقابل تقلل من توقعات الإيرادات (ومنها التقليل من القيمة التقريبية لسعر برميل النفط)
ولكن لماذا تضع الحكومة نفسها عرضة للانتقاد في هذا الموضع؟!
لان القانون لا يسمح لمجلس النواب بزيادة النفقات ولكنه يسمح بتقليلها فقط، وبالتالي تسد الحكومة المجال على المجلس امام مجلس النواب للزيادات في أبواب معينة كالتوظيف أو الإستثمار أو غيرها.. ولا يبقى لديه الا مجال بسيط في المناقلة أو الغاء أو تقليل بعض فقرات الانفاق من هنا وهناك!
???? بعبارة أخرى ...
الحكومة تقول في الموازنة أنها ستبيع 100 برميل بسعر 40 دولارا ليكون المجموع 4000 دولار تصرف في كذا وكذا!
صلاحية البرلمان هي في المناقلة وإعادة توزيع هذه 4000 (حصرا) في مجالات الصرف المتعددة، في حين أن سعر الصرف سيصل خلال العام إلى 55 دولار،وبالتالي فإن الوارد سيكون 5500 دولار بدلا من 4000.
والحكومة هنا ستكون حرة أكثر في توظيف الـ 1500 دولار الفائضة في المجالات التي تراها هي مناسبة، وقد لا تكون وردت أصلا في قانون الموازنة ومن دون ضغط ممثلي الشعب، ويتمتع رئيس الوزراء ووزير المالية بصلاحية واسعة بمقتضى قانون الموازنة نفسه!
(*) طبعا هذا مثال توضيحي، ولكن بإمكانك إضافة خمسة أو ستة أصفار إلى جانب كل رقم!!
???? مثال آخر..
عندما يرد في الموازنة استحداث مائة ألف درجة وظيفية جديدة تضع وزارة المالية تقديراتها على اساس اثنا عشر شهرا وكأنما كل التعيينات ستتم في اليوم الاول من شهر كانون الثاني، ولكن واقعا فإن التعينات لا تتحقق غالبا الا في النصف الثاني من السنة وقد لا تتحقق جميعها، كما تغفل عن الذين سيحالون الى التقاعد والدرجات الشاغرة التي تتحقق بسبب ذلك!!
هنا سيتم تخصيص مبلغ يوازي رواتب مائة ألف درجة وظيفية لمدة 12 شهرا، ولكن فعليا المصروف من هذا المبلغ لا يصل إلى النصف، والباقي يعطي بحبوحة أكبر لوزارة المالية للتصرف به كيفما تشاء!!
❌ الحسابات الختامية ...
الثغرة الأخرى في موضوع الموازنات الإتحادية هي في النفقات التشغيلية التي تخصص للوزارات والهيئات والتي يصعب على مجلس النواب مقارنتها بالنفقات الحقيقية!!
هل مثلا صرف مبلغ مليون دولار على التنظيف في إحدى الرئاسات.. هل هو قليل أم كثير؟! لا أدري
فالأمر لا ينبغي أن يكون خاضع لتقديرات شخصية او عشوائية، ولكن يجب تقديم حسابات ختامية تبين حجم الانفاق الحقيقي!
فعندما لا تقدم الحكومة الحسابات الختامية لا يبقى أمام المجلس سوى المقارنة بأرقام هذا الحقل في السنوات الفائتة، وهذا القياس غير دقيق على الإطلاق!! فمن وضع موازنة العام الماضي ليس بالضرورة نزيه!!
وزارة المالية تقدم العديد من الحجج لعدم تقديم الحسابات الختامية، ولكن فعليا ليس هناك ما يمنع من تقديم الحسابات الختامية المنجزة الى مجلس النواب للمصادقة عليها، والاشارة الى غير المنجزة ليقوم المجلس بالتوصية بإجراءات ادارية انضباطية بحق الاطراف التي لم تقدم حساباتها الختامية.
اليوم كافة الوزارات مرتاحة لعدم تقديم الحسابات الختامية لان مجلس النواب لا يمارس حقه بمقتضى القانون في عدم اقرار الموازنة الا بعد تقديم الحسابات الختامية.
❌ أرأيت، السبب مرة أخرى يعود إلى تقصير مجلس النواب!
أنا لا أبرئ المجلس من التقصير، ولكن أنظر إلى الأمر من زاوية أخرى، ففي كل سنة تتعمد الحكومة تأخير إرسال قانون الموازنة (الذي من المفترض ان يقدم في الشهر العاشر) ليتم إرساله في مطلع العام، ومن ثم تقديمها من دون حسابات ختامية.
هنا يتم وضع مجلس النواب أمام ضغط شعبي بأنه هو السبب في تأخير إقرار الموازنة وتعطيل مصالح الناس المتوقفة و.. و.. الخ.
إن دراسة الموازنة الإتحادية وجداولها التفصيلية وحدها تستغرق ما لا يقل عن 3 إلى 6 أسابيع في الحالة الطبيعية، فكيف إذا كانت الظروف غير طبيعية، وازمات مالية وضغط سياسي وضغط شعبي ورئيس الوزراء يخرج للناس ليقول (ماكو رواتب لأن البرلمان ما أقر الموازنة!)..
???? تحت هذا كله ...
هل سيكون مجلس النواب قادرا على ممارسة حقه القانوني بعدم إقرار الموازنة لحين تقديم الحسابات الختامية!!
خاصة مع الصورة السلبية لمجلس النواب (والتي أسهمت الحكومات المتعاقبة في تكريسها) ... فكثيرا ما تحتج الحكومة بان مجلس النواب يعرقل عملها، فالموازنة خضعت لتدقيق من خبرائها (الكفوئين)، ومن يعترض لا يستحق الرد عليه، وانه ليس هناك أفضل مما كان!!
???? هذا المقال ليس تبرئة او تنزيها لعمل مجلس النواب العراقي..
ولكن فقط لوضع الأمور في نصابها والإشارة إلى مواضع الخلل الحقيقية التي لا يتناقلها الناس في الإعلام..
ولأننا كجمهور نسهم أيضا بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الضغط!

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع