د.طلعت الخضيري
كشكول الذكريات -الحلقه ٣٢
يومان في مصر
سبق وأن ذكرت في كتاباتي السابقه عن الموضوع ، وأحب أن أعيد الكتابه لمن لم يقرأها سابقا وقد تفيدني الذاكره بإضافه فقرات أخرى لها.
كان ذالك في ديسمبر سنه 1946 أي قبل 74 سنه بالتمام والكمال ،فبعد استلامي ( ألقبول) في جامعه لوزان السويسريه ، وختم الفيزه على جواز سفري غادرت دمشق التي كنت طالبا في جامعتها إلى بيروت ثم استقليت الباخره اليونانيه (أسبرنسا) للوصول إلى مرسيليا ، وتوجهت بنا أولا نحو ميناء الإسكندريه .
كانت الباخره صغيره الحجم ، ترفع العلم اليوناني وحجزت سريرا في غرفه لأربعه أشخاص في الدرجه الثانيه شاركني بها طلبه سوريون وآخر عراقي وكنا جميعا نقصد الدراسه في جامعه لوزان ،و خصصت غرف سطح الباخره ألعلوي لركاب الدرجه الأولى وكان هناك مجموعه من العوائل أليونانيه ألتي تركت إقامتها في سوريا وقررت الرجوع إلى الوطن أي اليونان بعد انتهاء الحرب العالميه الثانيه وهؤلاء إفترشوا القسم الخلفي من سطح الباخره لمده يومان، وخصصت لنا صاله اجتماع على سطح السفينه وتبرع عازف أكورديون كان من بين المسافرين ألعزف مساء وطول ليالي الرحله بينما كنت أنا أستغل كل لحظه لقرائه كتاب تعلم اللغه الفرنسيه ألتي ستكون لغه الدراسه . غادرت الباخره بيروت عصرا ووصلنا ميناء الإسكندريه في اليوم التالي وعلمنا أن السفينه ستتوقف يومان، بعد أن رست بجنب أحد الأرصفه ، فقررت مع الزميل العراقي أن نستغل ذلك الوقت لزياره القاهره . استقلينا القطار ليلا ولم نكن ندري أنه سيتوقف في جميع المحطات ، وكانت السفره في مقصوره الدرجه الثالثه التي احتوت على أرائك للجلوس خشبيه متقابله ، وحولنا جماعه من الفلاحين ألبسطاء ، وكأنه مشهد من فلم إنتصار الشباب لفريد الأطرش ، كانوا من اللطف ودماثه الأخلاق وسألونا من أين أنتم فأجبناهم عن بلدنا العراق فكانت إجابتهم أنكم إذا من بلاد الشام.
استمرت السفره ليله كامله و توقف القطار بجميع المحطات بين الإسكندريه والقاهره، و المسافه لا تعدوا أكثره من 250 كيلومتر.
وصلنا محطه قطار القاهره فجرا ، وجدنا مقهى قريب لها لتناول الفطورولم يكن يتعدى الشاي والخبز والفول المدمس وبسعر عده قروش ولقد إستذوقنا طعامنا بسرور وسعاده لأن الجوع لا يرحم صاحبه وصحه الشباب تستطعم كل شيىء.
تداولنا فيما بيننا عن ماذا سنفعل خلال يوم واحد ،فقررنا أن نزور الإهرامات و المتحف المصري.
تمتعنا أولا بالتنزه قرب محطه القطار فبهرتنا العمارات والأسواق الجميله ألتي كانت تدير معظمها ألجاليه الأجنبيه في مصر والغالبيه من الجاليه اليونانيه والإيطاليه ، ومن ثم استقلينا سياره أجره لزياره الإهرامات ، ألتي بهرتنا في الحقيقه بشموخها . لإصفها قليلا فهي إهرامات ثلاثه تقع على هظبه غرب نهر النيل أكبرها حجما هرم الفرعون خوفو ، دخلنا في ذلك الهرم و لقد ضلل مهندسوا بنائه من أراد اقتحام وسرقه محتوياته فبنوا مداخل وهميه تضلل الولوج إلى داخله . لقد تم اكتشاف المدخل الحقيقي فيما بعد على علو بعض أمتار من الأرض.وهناك ممشى ضيقا داخل الهرم يتجه إلى الأعلى يوصل أولا إلى حجره مومياء الملكه ثم يوصلنا إلى حجره مومياء الملك ألذي كانت موميائته قد سرقت في وقت مضى ، والحجره لا تتعدى مساحتها بضع الأمتار و يتوسطها تابوت حجري كان يضم المومياء وهي في داخل تابوت خشبي مزين بالألوان و الرسوم المختلفه كما كانت العاده عند الفراعنه .وجدران الحجره تتتألف من صخور الهرم الكبيره الحجم وهناك ثقوب ألتي أخبرنا الدليل أن البنائين الفراعنه لم ينسوا عمل مجاري هوائيه من الخارج إلى داخله ما بين تلك الأحجار العظيمه التي بني بها الهرم فكانت تلك الثقوب يظن أنها توصل إلى مجاري هوائيه توصل الهواء من خارج الهرم إلى تلك الحجره، واتضح مؤخراخطأ ذلك فقد تم إدخال الروبوتات والتصوير مؤخرا فتم اكتشاف أن تلك المنافذ ألممتده من جدار حجره مومياء ألفرعون لا تؤدي إلى شيىء وانتهت بجدار مغلق.
تلونا تلك الزياره بزياره المتحف المصري ألذي ضم نفائس مقبره توت عنخ أمون التي تدهش الزائر بأرائك مذهبه وصندوق ألمومياء مزينه برسومها الملونه وقد وضع على الغطاء الخشبي الملون عصا الملك واحتوت على عشرات التحف الأخرى من ملابس وأدوات الصيد والأقداح ثم زرنا غرفه مومياء الفراعنه ، وكان إحداها لشابه غامقه اللون سوداء الشعر جميله الملامح سمراء الوجه وكأنها توفيت بالأمس بينما لا تظهر الموميائات الأخرى معالم مشابهه واضحه.
لقد بهرتنا أيضا معالم مدينه القاهره بطابعها الفرنسي التقليدي وأسواقها الجميله ، أراد لها الخديوي إسماعيل أن تكون مشابهه إلى المدن الأوربيه والفرنسيه.
حل المساء واستقلينا بعد ذلك القطار الليلي عائدين إلى الإسكندريه لنستقل الباخره ألتي أوصلتنا إلى مرسليا بعدأيام بعد توقف في ميناء ( بيروس) قرب ألعاصمه أثينا.
رحله جميله أوصلها للقارىء ، لأيام مضت ، وعقود سبعه ،شاهدت خلالها مدن كثيره جميله ، لكن تلك الرحله كانت رحله العمر التي لاتنسى ، إنها رحله الأمل والتطلع لبناء مستقبل شاب طموح.
1078 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع