د. فيصل القاسم
ماذا تبقى من الثورات سوى المرتزقة؟
أينما ولّيتَ وجهك هذه الأيام فثمة رائحة ووجه وأخبار المرتزقة في اليمن وسوريا كما في ليبيا والعراق ولبنان وحتى تونس. للأسف الشديد، صار الارتزاق واللبننة عنوان المرحلة في بلاد الثورات. لم يعد أحد يتحدث عن ثورة، ولم يعد أحد يعمل لصالح الشعوب، بل صار كثيرون يعملون لصالح القوى التي تدخلت في بلاد الثورات لإجهاضها أو احتلالها تحت حجج واهية. أين ثورة اليمن الآن؟ ماذا بقي منها؟ هل مازالت الفصائل المتصارعة في اليمن تعمل لأجل البلد، أم صارت مجرد أدوات وبيادق في أيدي مشغليها المتصارعين على ثروات اليمن وموقعه الجغرافي الاستراتيجي؟
خذ الحوثيين مثلاً. هل لديهم أجندة وطنية فعلاً لتحرير اليمن وإنجاح أهداف الثورة التي رفعها الشعب اليمني، أم إنهم صاروا مجرد أدوات مفضوحة في أيدي الغزاة الإيرانيين الذين يتفاخرون بأعلى أصواتهم الآن أنهم باتوا يسيطرون على خمس عواصم عربية. وقد كان أحد الإعلاميين الإيرانيين صريحاً جداً عندما قال بالحرف الواحد إن صنعاء صارت مربط خيلنا. بعبارة أخرى، فإن الحوثي لا يسيطر على العاصمة اليمنية بل يعمل أجيراً لدي المحتلين الحقيقيين لليمن. لا تقل لي إن الحوثي هو الذي يخترع الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، ولا تقل لي إنه يشتريها حتى، فالصواريخ التي تنهمر على الأراضي السعودية والطائرات المسيرة التي تصل إلى عمق المملكة ليست ملكاً للحوثي، بل هي أدوات إيرانية لا تخطئها عين، وأن الحوثي مجرد أجير عند مشغله الإيراني. لا تقل لي إن الحوثي يحمل مشروعاً وطنياً، لا أبداً بل هو ينفذ المشروع الإيراني في اليمن. ولو لا سمح الله انتصرت جماعات المرتزقة الحوثية في اليمن، فهذا يعني أن اليمن أصبح مستعمرة إيرانية كالعراق ولبنان وإلى حد ما كسوريا. لقد كنا طوباويين كثيراً عندما ظننا أن الثورات قد تنتج أنظمة وطنية، لا أبداً، فأي طرف ينتصر في الثورات سيكون في النهاية مجرد عميل لدى القوى التي مكنته من الانتصار. وهذا ينطبق على الحوثي والسوري والعراقي والليبي والتونسي وغيره. وليس هناك شك بأنه لو انتصرت قوى المعارضة السورية على النظام فلن تمثل السوريين لاحقاً بل ستمثل مصالح الدول والقوى التي مكنتها من الانتصار على النظام في سوريا. ما حدا أحسن من حدا. الأنظمة تشتغل لصالح مشغليها وكذلك معارضوها الذين ظننا أنهم ثوار.
وما ينطبق على الحوثي ينسحب على قوات ما يسمى بالشرعية. وقد قالت مجلة التايم الأمريكية الشهيرة إن المرتزقة اليمنيين أرخص مرتزقة في العالم، بحيث لا يصل سعر المرتزق في جنوب اليمن الذي تديره الإمارات إلى مئة دولار وأحياناً إلى مئتين. وبذلك يتوزع المرتزقة اليمنيون على ثلاث جهات. مرتزق يقبض ويقاتل من أجل السعودية، والثاني من أجل الإمارات والثالث من أجل إيران. حقيقة مرة، لكنها حقيقة.
لقد انتقلت بلاد الثورات للأسف الشديد من الثورة إلى اللبننة والارتزاق. ويبدو أن الأمور تتفاقم أكثر فأكثر
ولا يختلف الأمر في لبنان وسوريا. هل لدى حزب الله أجندة وطنية لبنانية، أم إن حسن نصرالله يصرخ بأعلى صوته أنه جندي في خدمة الولي الفقيه في إيران؟ وكما أن النظام نفسه في سوريا تحول إلى أداة في إيدي داعميه الروس والإيرانيين، فإن قوى المعارضة صارت تعمل أيضاً لدى داعميها ومشغليها. وهل مثلاً ما يسمى بالجيش الوطني المعارض، هل هو جيش سوري فعلاً، إم إنه يعمل لدى مشغليه وموجهيه؟ هل خاض أي معركة لصالح سوريا أم لصالح مموليه؟ من المحزن جداً أننا شاهدنا مرتزقة سوريين مما كان يعرف بالجيش الحر يقاتلون في ليبيا. كما شاهدنا أيضاً مرتزقة سوريين تجندهم روسيا يقاتلون إلى جانب الفصائل التي تدعمها في ليبيا. وما رأيناه في سوريا من قتال بين الأدوات السورية، رأيناه لاحقاً في ليبيا. سوري يقاتل سورياً آخر لصالح الجهات المتصارعة على الأرض والثروات الليبية. ولا ننسى السوريين الذين يقاتلون لصالح الأمريكي والإسرائيلي والفرنسي في شمال شرق سوريا. وكيف ننسى السوريين المساكين الذين جندتهم روسيا للقتال حتى في فنزويلا مقابل دخل هزيل بالدولار.
وحتى في ليبيا ذاتها، نرى أن الليبيين توزعوا على القوى المتنافسة على أرضهم. هذا يقاتل لصالح الروسي وذاك يقاتل لصالح الإماراتي، وذاك يقاتل لصالح التركي. وهلم جرا. حتى المشير خليفة حفتر الذي كان يملأ الدنيا ويشغل البشر اختفى فجأة من التداول الإعلامي بعد اتفاق جنيف الذي رعته الأمريكية ستيفاني وليامز. لم نعد نسمع بحفتر الذي أصبح نسياً منسياً عندما اتفقت الجهات المتصارعة على ليبيا على الحل وجاء الأمر الأمريكي بتسوية الأزمة الليبية. بعبارة أخرى، فقد كان حفتر وميليشياته التي تزعم الوطنية مجرد مرتزقة عند مموليهم ومشغليهم المعروفين. وعندما يقرر المشغل، ينتهي دور المرتزق. وهو أمر يسري على كل القوى المرتزقة في سوريا وليبيا واليمن. الغزاة يقررون ومرتزقتهم المحليون ينفذون.
وحتى تونس التي ظن البعض أنها نجت من تبعات الثورات تعاني بطريقتها مما تعانيه سوريا واليمن وليبيا. هل ما يقوم بها بعض جماعات المعارضة داخل البرلمان التونسي يمثل الشعب التونسي أم يمثل ممولي وداعمي تلك الأبواق والجماعات التي تشاغب داخل قبة البرلمان؟
كي لا نكذب على بعض، لقد انتقلت بلاد الثورات للأسف الشديد من الثورة إلى اللبننة والارتزاق. ويبدو أن الأمور تتفاقم أكثر فأكثر. في لبنان مجموعة قوى وطوائف مرتهنة للخارج منذ عقود، ويبدو أن الحالة اللبنانية بدأت تنسحب على سوريا والعراق واليمن وليبيا وربما تونس. قبل الثورات كان يحكمنا عميل ومرتزق واحد يعمل لصالح مشغليه في الخارج. أما اليوم في بلاد الربيع العربي فقد صار لدينا مرتزقة محليون كثيرون بدل مرتزق واحد، وكل فصيل من هؤلاء المرتزقة يعمل لصالح مموليه، وبذلك بدل أن تتحرر بلادنا من الظلم والطغيان صارت دويلات وإقطاعيات يقودها الصبيان والعجيان. ماذا تبقى من الثورات سوى المرتزقة؟ وسلامتكم.
735 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع