د. سعد ناجي جواد
ماذا يحدث في الاْردن؟ إبحَث عن الأصابع الاسرائيلية
لا يمكن لأي مطلع ان يفسر ما يجري في الاْردن الحبيب على انه مجرد صراع على العرش، لان الحالة ابعد واخطر من ذلك. ومتابعة ما جرى في العاصمة الأردنية ليلة امس لابد وان تقود الى التفكير بالأصابع الاسرائيلية الخفية. وارجو ان لا يفهم من قولي ان كل من طالته الاجراءات الأمنية ليلة امس هو شخص يأتمر باوامر اسرائيلية. كما ان العديد من المشتكين من الفساد هم محقون في شكواهم، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. ولكن من يتابع التطورات يجب ان يستعيد الكتابات الاسرائيلية التي تحدثت، ولا تزال، عن سعي اليمين الاسرائيلي لتغير الملك عبد الله الثاني، والتي ظهرت الى العلن وبكلمات صريحة منذ عام 2019، (قبل ذلك كان الحديث يجري في السر). وهذا ليس كلامي ولكن كلام صحفي اسرائيلي معروف (روفل الغر) نشره في صحيفة هآرتس الاسرائيلية واسعة الانتشار في 22 كانون الاول/ديسمبر 2019، واعادت الصحيفه نشره على موقعها باللغة الإنكليزية بعد يومين.* كاتب التحقيق يستند الى عدة مقالات كُتِبت في تلك الفترة في اهم الصحف الاسرائيلية، وتشير جميعها الى رغبة اسرائيلة في (تفجير) اتفاق السلام الموقع بين الطرفين لأسباب عديدة.
أهمها ان ادارة الملك اصرت على رفض ضم الغور الأردني المحتل الى اسرائيل، ورفضت التنازل عن وصايتها على المسجد الأقصى ورفضت فكرة ان يكون الاْردن (فلسطين البديلة) بموجب (صفعة) القرن المشئومة، وتمسكت بالوصاية على المسجد الأقصى الذي تسعى اسرائيل الى هدمه وبناء هيكل دَاوُدَ مكانه. كما ان ادارة نتنياهو أعربت اكثر من مرة عن (انزعاجها) لان الاْردن لم يندفع في تاييد او تشجيع الدول العربية على خطوات ما عرف ب (التطبيع) والذي في حقيقته اعتراف بالكيان الاسرائيلي. وقبل ذلك كان استقبال نتنياهو (استقبال الأبطال) للحارس في السفارة الاسرائيلية في عمان الذين قتل بدم بارد مواطنين اردنيين، بدلا من محاكمته. طبعا هناك من سيقول ان الاْردن كان من المبادرين لإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، وهذا صحيح، ولكن الصحيح ايضا ان اتفاق وادي عربة الذي نتج عنه التبادل الدبلوماسي نص على احترام وصاية الاْردن على المسجد الأقصى والاهم على اعتبار غور الاْردن أراضي أردنية (مؤجرة) لإسرائيل. ومؤخرا رفضت الاْردن تجديد هذا (التأجير). ومن هنا جاءت الكتابات المشار اليها في اعلاه لتوكد على ضرورة تفجير اتفاق (وادي عربة) عن طريق دفع العاهل الأردني الى إلغاء هذا الاتفاق لكي يُقدم لإسرائيل التبرير للمضي في مخططاتها. اما طريقة (التفجير) فهي عن طريق السعي لاشعال (ربيع اردني) يُحَجم دور وطموحات الملك عبد الله الثاني الذي وصفته ب (الذي تجرأ على رفع راْسه). او محاولة انقلابية تضعف النظام. وعلى الرغم من ان الصحفي ادعى في البداية ان هذه المخططات لا تشمل الملك، الا انه يعود ويتحدث عن ضرورة استفزاز الملك ودفعه لالغاء الاتفاق لكي تتخذ اسرائيل من هكذا قرار ذريعة لتغيير الملك نفسه.
تصاعدت النقمة الاسرائيلية على الاْردن اكثر بعد ان رفض الأخير القرار باعتبار القدس عاصمة الدولة اليهودية (ومن شارك في الحملة الرافضة الملكة رانيا العبد الله الامر الذي زاد من انزعاج الاسرائيلين منها كونها فلسطينية الأصل ومعتزة بانتمائها الفلسطيني – الأردني)، ولم يصدر عن المملكة ما يدلل على تسليمها بالكامل بصفقة القرن او الاندفاع في تأييدها، والسبب الأساس هو انها كانت تهدف بالنتيجة الى اعتبار الاْردن فلسطين البديلة. ثم وصلت الخلافات ذروتها عندما رفضت السلطات الاسرائيلية السماح لولي العهد الأردني الامير الحسين بن عبدالله بزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه ليلة الإسراء والمعراج، ثم رد الاْردن بعدم السماح لطائرة نتينياهو بالمرور فوق الأراضي الأردنية في طريقها الى دولة الإمارات العربية.
ربما لن تتناول إلتصريحات الأردنية الرسمية الدور الاسرائيلي بصورة معلنة واضحة، (والواضح ايضا من رسالة الولايات المتحدة السريعة والداعمة للملك بان واشنطن ستتدخل لكي لا تتطور الأمور الى أزمة اكبر)، ولكن كل الدلائل تشير الى تورط أطراف من الذين تم إلقاء القبض عليهم بمثل هكذا عملية. كما ان احجام اسرائيل عن استنكار ماحدث واظهار الدعم للملك الأردني، كما فعلت اغلب دول العالم، أمر يحمل اكثر من دلالة.
كلنا يعلم كيف ان أمورا صحيحة، مثل وجود الفساد وعدم وجود ديمقراطية وعدم احترام حقوق الانسان وغيرها من المظاهر المرفوضة التي تدخل في باب (كلمة حق يراد بها باطل)، تستخدم ضد الأنظمة التي يراد زعزعتها او الإطاحة بها، وكيف ان وجود نفس هذه المظاهر وأكثر في دول مرضي عنها يتم التغافل عنها بالكامل، لا بل ويتم دعمها. وان هدف اسرائيل الأساسي يتمثل في اثارة الفوضى في كل الدول العربية حتى وان قبلت هذه الدول بوجود هذا الكيان الغاصب، (الأردن ومصر نموذجان واضحان).
الخلاصة الأهم من ما حدث ليلة امس لابد وان تؤكد على سياسة اسرائيل الواضحة، والتي يحاول البعض ان يتغافل عنها، المتمثلة بإثارة الاضطرابات في كل الدول العربية واضعافها. وعلى حقيقة ان اسرائيل لا يمكن ان تقبل باي دولة يمكن ان تعترض على اي من مخططاتها، حتى وان ارتبطت مع تلك الدولة بشتى أنواع الاتفاقات، وان اسرائيل لا تشعر بالارتياح لوجود أنظمة عربية مستقرة مجاورة لفلسطين المحتلة، وحتى تلك البعيدة عنها، والتي تجد في قوتها خطرا على وجودها (ما حدث في العراق وسوريا نموذجا). وان من يعتقد ان اسرائيل تحمل نوايا حسنة تجاه الأمة العربية او الشعب العربي هو شخص اما ساذج او مدفوع من أطراف ذات اجندات مشبوهة.
وأخيرا ان كل ما قيل أعلاه يجب ان لا يؤخذ على انه انكار للفساد المستشري الذي يجب ان يعالج باجراءات حازمة، والمصحوب بتردي الوضع الاقتصادي في ظل ظروف الجائحة والدي يجب ان يعالج بحكمة. وان هناك حاجة لبرنامج اصلاحي واضح وفعال، ولكن المطالبة بالإصلاح يجب ان لا تكون عاملا في ضياع الأمن والاستقرار الذي ينعم به هذا البلد العزيز.
حفظ الله الاْردن وشعبه من كل سوء
4376 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع