هيفاء زنگنة
حرق المرضى في المستشفى في بغداد ليس حادثا
وكأن العراق في حاجة الى كارثة إنسانية أخرى تضاف الى الموجود لنصل الى حضيض قتل المرضى حرقا.
في 23 نيسان/ أبريل، أدى انفجار قنينة أوكسجين الى حريق في مستشفى ابن الخطيب المخصص لعلاج مرضى فيروس كورونا، في بغداد، الى قتل 91 مريضا، واصابة العشرات. ليضاف عدد الضحايا الجدد الى قائمة تضم ما يقارب 16 ألف وفاة ومليون و250 ألف مصاب بالفايروس، وهو الأعلى بين الدول العربية. وكان العراق قد حصل على ما يقرب من 650 ألف جرعة من اللقاحات المختلفة – معظمها عن طريق التبرع أو من خلال برنامج كوفاكس، الذي يساعد الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط على شراء اللقاحات. وهي مفارقة توجع القلب غضبا أن ينافس بلد هو من أكثر دول العالم ثراءً بالنفط، البلدان الفقيرة للحصول على ما يتم التبرع به من اللقاح.
بينما تثير الفاجعة الأخيرة التساؤلات حول سبب حدوثها وكيفية التعامل معها، يثير عدم توفير اللقاح والرعاية الصحية للمواطنين تساؤلات أكثر. بالنسبة الى الفاجعة، قد يكون انفجار قنينة الأوكسجين هو السبب الأولي الا أن شهادة خبراء تداولتها وكالات الأنباء العالمية تدل على ان المستشفى لم تكن في تصميمها وبنائها وتجهيزها وصيانتها وتشغيلها مستوفية لتوفير وسائل خروج مناسبة، لتجنب الخطر غير الضروري، على حياة وسلامة شاغليها من الحريق أو الدخان أو الأبخرة أو الذعر خلال الفترة اللازمة للهروب. وتبدى النقص الأوضح في عدم تثبيت الأبواب الثقيلة الخاصة بين الردهات منعا لانتشار الحريق. مما أدى الى الانتشار السريع للنار والدخان والغازات القاتلة قبل وصول رجال الإطفاء الذين يعانون، أساسا، من النقص في الإمكانية لمواجهة كارثة كهذه.
أما بالنسبة الى توفير اللقاح ومراكز الرعاية الصحية العامة والمستشفيات ذات الأقسام المهيأة، بشكل خاص، لعلاج المصابين بالفايروس، فان أسباب الفشل مرتبطة بانهيار النظام الصحي، بمجمله، وصعوبة الحصول على الماء الصالح للشرب وانخفاض الصرف الصحي، خاصة بعد غزو البلد عام 2003. حيث انتشر وباء الفساد المالي والإداري بشكل مبكر وسريع. وبدأ المسؤولون يتحدثون عنه بصيغة استنكار وإدانة منذ ذلك الحين. ففي عام 2005، مثلا، تحدث د. شاكر العيناجي، رئيس العمليات في وزارة الصحة، عن تخصيص الوزارة مبلغ 518 مليون دولار لشراء 831 قطعة من المعدات الطبية في النصف الثاني من عام 2004، إلا أنها اما لم تكن صالحة للاستخدام أو أختلست. وقال د. شاكر إن الفساد منتشر لدرجة أنه يجب إعادة بناء القطاع بمساعدة المجتمع الدولي. كان هذا قبل أن يصبح الفساد أخطر من الإرهاب والكورونا معا، في تكلفته البشرية والمادية حاليا، وإعاقته مشاريع البناء والتنمية الاقتصادية مستقبلا. فمؤشر التنمية البشرية للعراق أدنى من معدلات الدول العربية وغيرها من البلدان المتوسطة التنمية.
وقد تبدى تجذر الفساد في عقود بناء المستشفيات الوهمية أو غير المكتملة أو غير المستوفية لشروط السلامة، وعقود شراء المعدات والأجهزة والدواء والامدادات الطبية وانعدام صيانة وتأهيل المستشفيات. فقد تم تشييد أكثر من نصف المستشفيات الموجودة في البلد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. ويبلغ عدد الموجود حاليا 229 مستشفى، بما في ذلك 61 مستشفى تعليميا و92 مستشفى خاصا و 2504 مستوصف، معظمها بلا طبيب. ومنذ عام 2012، وعلى الرغم من وصول ميزانية العراق رقما لم يسبق الوصول اليه سابقا، ويعادل ميزانية عدة دول مجتمعة، إلا أن عدد الاسرة وفقًا للبنك الدولي، لم يزد عن 1.3 سرير في المستشفيات لكل 1000 عراقي، انخفاضًا من 1.9 في عام 1980، و0.8 طبيب، وهو انخفاض كبير من 1.0 في عام 2014. وهذا أقل بكثير من مصر والاردن. وخصص 154 دولارًا فقط للفرد للخدمات الصحية في عام 2015، مقارنةً بإيران 366 دولارًا والأردن 257 دولارًا. تشير هذه الارقام الموثقة الى استمرار التدهور الصحي بينما تواصل الحكومة الإعلان عن مشاريع وتحسينات وإصلاحات بمبالغ خيالية. فتتلاشى المبالغ ولا يبقى للمواطنين غير السراب.
ويشكل تناقص عدد الأطباء مشكلة حقيقية. فقبل الغزو، كان هناك حوالي 32 ألف طبيب في المستشفيات العامة والهيئات التعليمية. إلا أن الكثيرين غادروا البلد بعد تعرضهم للتهديد والاعتداء والاختطاف بالإضافة الى من تعرض للاغتيال، وازداد الأمر سوءا مع تعرض الاطباء للاعتداء من قبل عناصر أمنية وأعضاء ميليشيات تعتبرهم مسؤولين عن وفاة احد المرضى.
ومع تدهور المستوى التعليمي، والتعيين حسب الانتماء الحزبي – الطائفي، وانعدام النزاهة، لاغرابة أن تحصل وزارة الصحة على لقب « أكثر الوزارات فسادا». حيث فاقت قيمة الفساد في وزارة الصحة 10 مليار دولار منذ 2003. لعل أكثر صفقات الفساد إثارة للضحك المبكي هي صفقة «النعال الطبية» باشراف وزيرة الصحة السابقة عديلة حمود، حيث تم شراء 26 ألف نعال طبي بمبلغ 900 مليون دولار، في الوقت الذي تفتقد فيه المستشفيات لأبسط أجهزة الفحص والأدوية الاساسية.
أدى انعدام الثقة بالحكومة، الى عدم اتباع تعليماتها وفيما يخص الاصابة بالفايروس الى تفضيل المرضى البقاء في بيوتهم الا في حالات قليلة. حيث باتت المستشفيات مكانا للموت وليس العلاج. ويفضل المصابون بكوفيد في الكثير من الأحيان، الحصول على اسطوانات الأوكسجين لتلقي العلاج في المنزل، بدلاً من الذهاب إلى المستشفى.
ولابد أن مقتل المصابين في مستشفى الخطيب سيزيد من عمق الفجوة بين المواطنين وساسة الحكومة المبنية على الفساد بأنواعه، ويقلل من امكانية اية إصلاح يدعيه المنخرطون في هذه الحكومة وأحزاب الميليشيات. فالإصلاح الحقيقي يتطلب توفر الارادة السياسية والدعم الشعبي، وهو ما لن يتحقق ضمن منظومة الفساد المستشري أو بالاعلان الحكومي المبتذل عن تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة اسباب الحريق، وكأنهم لا يعلمون انهم هم السبب، أو توجيه رئيس الوزراء «بنقل جرحى حادثة حريق ابن الخطيب ممن يحتاجون للعلاج إلى خارج العراق» مستخدما، باستهانة لا تغتفر، وصف جريمة قتل 91 مريضا، لجأوا الى المستشفى للعلاج، بأنها «حادث».
1214 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع