د.طلعت الخضيري
كشكول الذكريات -ألحلقه ٤٠
عدت إلى الوطن
عدت إلى وطني بعد خمسه عشر سنه من الفراق عشتها في سويسرا درست خلالها الطب ، ثم نلت الإختصاص في أمراض الأطفال وعملت لسنوات عديده في مستشفياتها.
أكتب ما أكتب في ليله أصابني بها أرق فلم أجد السبيل إلا أن أكتب ما تجود لي به الذاكره من تجارب عده جابهتني عند العوده.
أولها الشعور بسعاده لا توصف أن أجد أفراد عائلتي وأقاربي وتلك العلاقات الحميمه ألتي يفتقدها من يعيش في الغربه ، ومن ثم التأقلم إلى محيط حولي يختلف كثيرا بما سبق واعتدت عليه خلال تلك الأعوام الطويله.
كانت الحياه في مدينتي البصره جميله خلال ستينيات القرن الماضي ، فكانت هناك ألنوادي العائليه وحفلاتها الترفيهيه ، والعلاقه الإنسانيه والتواصل الإجتماعي ، وما عرف عن أهالي البصره من كرم وأدب.
لقد افتتحت عياده خاصه بعد سنتان ثم عملت في المستشفى الجمهوري ومستشفيات أخرى ما يقارب 23 سنه ، وتبقى ذكرى العياده الخاصه هي أجمل ذكريات ذالك الزمن ، أما عملي في المستشفى فكانت به الكثير من المنغصات للإختلاف الشاسع ما بين ألعمل في مستشفيات سويسرا و العراق في تلك الحقبه وأكتفي بذكر ذلك بدون أن أدخل في التفاصيل.
أما سعادتي كطبيب أطفال فكانت في عيادتي الخاصه في العشار ،فلم أزين جدار غرفتي بها بصور التشريح والجماجم كما يفعل بعض الزملاء بل زينتها بمناظر سويسرا الخلابه.
ووجدت السبيل أن أصل بها إلى قلوب الأطفال إنني وضعت على المنضده علبه (حامض حلو) أي سكريات أقدمها للأطفال فأكسب حبهم وهدوئهم عند الفحص أو طمعهم عند رجوعهم في المستقبل ،وهكذا شعر الطفل بمحبه و بموده الطبيب له.
لقد كانت أغلبيه العوائل المراجعه لي هي من عامه الناس فكانت بيني وبينهم تفاهم وموده ، وكم كنت سعيدا عندما تمتدحني الأم بقولها( هذا هو ولدك أو إبنتك ) لأنك أنقذت حياته ونشأ تحت رعايتك ، لن تسمع مثل تلك الكلمات العذبه في سويسرا أو حتى في مدن العراق الأخرى ، أنهم أهالي البصره لاغير.
من الذكريات الجميله ألتي أعتز بها عندما قدم رجل ومعه خروف ( يمعمع) إلى العياده هديه لشفاء ولده والذي كان لا يزال راقدا في المستشفى فشكرته ورجوته أن يذهب به ويوزع لحمه على من يرقد في مستشفى حمايه الأطفال في العشار ألذي كان مجاورا لدار المحافظه حيث كان إبنه راقدا.
لا تزال في مخيلتي واقعه إنسانيه قد تكون سببا أن كافأني الله سبحانه تعالى أن جنبني كثير من المخاطر التي أحاطت بنا خلال سنوات الحروب السابقه ، أذكرها لا إفتخارا وإنما لتكون عبره لأطباء اليوم من الشباب قد تفيدهم في سيره عملهم وهي كما يلي:
كانت ليله شتاء وبرد قارس عندما راجعتني في بيتي ، وكان منتصف الليل ، إمرأه من سكان قريتنا البراضعيه فقيره الحال ومعها طفلها وعمره عده أشهر ، مصاب بالتهاب رؤوي حاد وهو قريب من الموت ، فنصحتها بإرساله إلى المستشفى قبل أن يتوفى ، فولولت باكيه قائله( ومنين الفلوس ومن راح يقبل يوصلني للمستشفى؟) فلم أتردد بأخذها وولدها بسيارتي إلى مستشفى حمايه الأطفال في العشار الذي كنت أعمل به ووصيت الممرضه بالعنايه به وأشرت لها بالعلاج اللازم ، وهكذا نجى الطفل من موت محقق. أتمنى أن يقتدي بعملي هذا من يقرأ مقالتي من أعزائي الأطباء الشباب ليكسبوا مرضاه الله وثوابه ويشرفوا المهنه الإنسانيه التي اختاروها فيكسبوا محبه الناس وتقديرهم.
ذكرى جميله لأطفال عالجتهم وهم الآن آباء أو أجداد ، محبتي للبصره ألتي لازالت كما عرفتها تستحق المحبه والتكريم.
1216 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع