مصطفى محمد غريب
جفاف دجلة والفرات والنواظم جفاف الحياة
آلاف السنين والعراق "اوروك" يطلق عليه ما بين النهرين وتضرب الامثال فيما يملكه من موارد مائية هائلة ولم يكن في الحسبان أن « ما بين النهرين" سيصاب بالجفاف ويجف النهران الكبيران بشكل مأساوي حيث تصاب آلاف الهكتارات والبساتين والمزارع بالعطش والجفاف المميت
وبفضل الحكومات العراقية وبخاصة بعد انقلاب 8 شباط 1963 فقد أخذ العراق يفقد استحقاقاته المائية لأسباب عديدة، بسبب عدم وجود سياسة واقعية ورؤيا استراتيجية مستقبلية وفق مخطط علمي لتلافي مشاكل التصحر والجفاف ونوايا الدول المجاور لاعتماد حرب المياه في المستقبل مقابل حرب النفط وبقت السياسة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة الاعتماد على الحلول الآنية وظهر مدى قصور هذه النظرة والسياسة الضيقة التي لم تر آفاق المستقبل والخطورة المحدقة بالموارد المائية للبلاد التي تعتمد بالأساس على نهري دجلة والفرات والبعض من الروافد التي تتحكم الجارة إيران والجارة تركيا اللتان اتضحت سياستهما المائية بحبس المياه وتجفيف الأنهار والروافد في محاولة للضغط والابتزاز والهيمنة على العراق وعلى الرغم من التوجهات البسيطة خصوصاً وضع استراتيجية السدود المائية للحفاظ على عدم الاسفاف في تصريفها وبخاصة كانت أكثرية المياه تذهب للبحر عبر شط العرب وبهذا فقدت تقريباً السدود والنواظم فعاليتها المبتغاة لتحصين الاراضي العراقية من التصحر الذي زادت نسبته بشكل مخيف ثم الجفاف الذي بانت بوادره في دجلة والفرات مما هدد حياة ملايين العراقيين، فالسدود المائية في كل من إيران أغلقت وحولت حوالي اكثر من نهر وناظم وجدول مما أدى الى قطع المياه عن انهار بالغة الأهمية بالنسبة للعراقيين والأراضي الزراعية وهذه التحويلات أدت الى التصحر والاضرار بمصالح الفلاحين، أما تركيا فقد قامت ومازالت تبني السدود الكبيرة على نهري دجلة والفرات إضافة الى تحويلها للبعض من الأنهار والذي اصبح يهدد حياة الملايين من الفلاحين والمواطنين العراقيين، بينما الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال نائمة في العسل واستطاعت من الاستيلاء على المليارات من الدولارات وأهملت هذا الجانب إضافة الى قطاع الكهرباء وغيرها من القطاعات الصحية والتربوية ... الخ اما التفكير التكتيكي والاستراتيجي في قضية الحفاظ على الموارد المائية فهما مفقودان تقريباً في توجهات هذه الحكومات التي نمت فيها الميليشيات الطائفية التابعة ودوائر الفساد المالي والإداري.
ولو توجهنا الى وضع اليد على البعض من السدود والسَدّاتْ والنواظم في العراق للمسنا الجانب السلبي في الاهتمام بالموارد المائية منذ الاحتلال وبوجود حكومات أحزاب الإسلام السياسي والقوى التي أصبحت متنفذة بالسيطرة المالية والأمنية وعدم اهتمامها بمناسيب المياه الموجودة . أن السدود المنفذة في البلاد منذ عام 1958 هي كالاتي " 1 ــ سد دوكان خرساني 1958 ، 2 ــ سد دربندخان 1961 ، 3 ــــ سد حمرين 1981 ، 4 ـــ سد حديثة 1985، 5 ــ سد الموصل 1986 ،
6 ــ سد دهوك 1988 ، 7 ـــ سد العظيم 1999 ، 8 ـــــ يوجد عدداً من السدود الصغيرة التي نفذت قبل 2003 والبعض قيد التنفيذ في المناطق الشرقية والصحراء الغربية وفي كردستان العراق"..
إن الذي يتابع تسلسل الأعوام التي مرت سيلاحظ أن جميع المشاريع نفذت فقط ما بين 1958 وبين عام 1999وهذا دليل حي على مدى إهمال هذا الجانب الحيوي المرتبط ببناء البلاد وللتخلص من تركة ( 35 ) عاماً من القهر والحروب والدكتاتورية ومن أجل المستقبل في البناء الحضاري للدولة المدنية التي تعمل من أجل رفاهية وسعادة الشعب العراقي ومع ذلك فهناك إشارة إيجابية على عمل وزارة الموارد المائية في عام 1958 التي اهتمت بإنشاء السدود وتنفيذ أول سد خرساني " سد دوكان " على نهر الزاب الصغير .أما السدّات على نهر دجلة حوالي( 11) سدة فهي إما لتنظيم المياه مثل مشروع الدبس أو لتأمين المياه مثل سدة ديالى وسدة سامراء الذي يتفرع من مقدمته ناظم الثرثار ومشروع الاسحاقي وهناك فروع على دجلة تنظمها سدة الكوت وكذلك سدة ميسان" العمارة" حيث يتفرع شط الغراف وغيره ، تتبعها سَدّاتْ على الفرات مثل سدة الرمادي وسدة الهندية وسدة الفلوجة وسدة العباسية والكوفة... الخ
.لقد مر 18 عاماً وكأنها أعواماً من الجحيم المركب من عدة جمرات نارية فإلى جانب التصحر والجفاف العديد من الكوارث منها الكهرباء والماء الصالح للشرب والقطاع الصحي وترديه مثلما ظهر مع الجانحة كورونا وعدم أهلية المستشفيات الحكومية وبؤس وضعها على المستوى العلاجي والنظافة والاهتمام، ووجود المسالخ المالية للمستشفيات الخاصة، وإلا كيف يمكن ان يكون العراق أول الدول العربية بالإصابات والوفيات لو كان هناك نظام صحي صحيح وهو مالك المليارات من الدولارات المسروقة!، وتردي القطاعين الصناعي والزراعي والأمني والكم الهائل في نسب الفقر ودون الفقر والبطالة وضنك العيش والاسعار الملتهبة واخيراً وليس آخراً الفساد المالي وحكومة عميقة من الميليشيات المسلحة الى جانب الحكومة المركزية الاتحادية. إن قضية الموارد المائية بالنسبة للبلاد والشعب العراقي تكاد تكون من أشد الاخطار المحيطة بهما وهذا مرده فعل السياسة العدائية من قبل الجارتين الاسلاميتين مع احترامنا للدين الإسلامي، إيران وتركيا ،فقد أشار مهدي الحمادي وزير الموارد المائية أن " إيران قامت بقطع تدفق المياه باتجاه الأراضي العراقية، مشيراً إلى ان هذه القطوعات تسببت بفقدان الواردات المائية لأثنين من السدود المهمة في العراق" وقد أظهرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صوراً مؤلمة لنهر الفرات وانحسار المياه وظهور الجفاف في مناطق عديدة إضافة الى السدود التي قامت على دجلة* مما أضر بالشعبين العراقي والسوري وأعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ منسوب نهر الفرات انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ، بسبب حجب الجانب التركي مياه النهر، وحذّر من كارثة وشيكة تهدد حياة (3) ملايين سوري يعتمدون على النهر في تأمين مياه الشرب والكهرباء والرّي" وهذا ما اصاب العراق أيضاً، هذان هما الجاران اللذان يعتبران انفسهما أصدقاء للعراق وشعبه!!
وحتى هذه اللحظة لم تقم أي حكومة عراقية بوضع أي خطط للأمن المائي الذي يهدد استقلال العراق ويمنع التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية ، ولم تقم بفعل حاسم للحيلولة دون تجاوز هذان الجاران على حقوقها المائية إلا من بعض اللقاءات الخجولة فكل الأطراف المتنفذة في السلطة تكاد أن تكون لها علاقات ودية ومالية لا يمكن تجاوزها إما خوفاً من الفضيحة أو خوفاً على المصالح الضيقة تبقى قضية جفاف دجلة والفرات أكبر لعنة تصب على رؤوس المواطنين الأبرياء فلا يوجد طريق للدفاع عن الملايين وعن حياتهم إلا بالموقف الصلب الرافض ، الرافض ليس بالكرم والإعلام فهناك الف طريقة وطريقة لإيقاف هذا التداعي ولنا في التاريخ قدوة حسنة فهناك العديد من الدول مستعدة للدفاع عن حقوقها المائية بقوة السلاح ضد من يريد هلاك شعبها وتدمير بلدها في مجال الأمن المائي .. لكن الدفاع المسلح من جانب الميليشيات المسلحة الطائفية يكمن في اغتيال الناشطين المدنيين السلميين باعتباره دفاعاً عن عطشهم وبالضد من التصحر والجفاف .. فماذا تقولون رحمكم الله؟!
* مهم جداً : من دراسة أخبار البيئة
كشف تقرير أعدته منظمة المياه الاوربية، العراق سيخسر واردات نهري دجلة والفرات بشكل كامل بحلول عام 2040 " حاجة العراق السنوية من المياه تقدر بـ 50 مليار متر مكعب، 60 بالمائة منها من نهر دجلة والباقي من نهر الفرات، فضلا عن طاقة خزن فيه للسدود والخزانات والنواظم تقرب من 149 مليار متر مكعب، في حين يتوقع أن تبلغ الاحتياجات المائية له حتى عام 2015 ما يقرب من 77 مليار متر مكعب مقابل انخفاض بالواردات لتبلغ أقل من 43 مليار متر مكعب سنويا." فكيف السنوات ما بعد ذلك!
4749 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع