د.مؤيد عبد الستار
سعدي يوسف ...رثاء وعتاب
حين يغادر شاعر كبير الى حيث لا يراه أحد ، الى الدار الابدية ، يعودون اليه من خلال حروفه التي رسمها والقى بها على مسامعهم يوما ما، وكلما كانت تلك الحروف ساحرة كلما وجدت طريقها الى القلب دون استئذان .
كذلك كان سعدي يوسف في أزمنة اليسر والعسر التي أطرت أيام شبابنا واستمرت معنا حتى خط المشيب مفارقنا ، نطرب لها حينا ونبكي معها أحيانا مثلما بكينا على قصيدة الشاعر الذي تأثر به وسرنا نقتفي خطاه فيما سمي بالشعر الحر ، قصيدة غريب على الخليج التي كانت تدور كأسطوانة في مجالس الانس والسهر فتسيل معها الدموع ، رغم ان شاعرها بدر شاكر السياب لم يمض ِالى غاية الشوط ، بل خان نفسه وجمهوره قبل أن يخون حزبه الشيوعي مقابل حفنة من الدولارات، كذلك كان سعدي يوسف الذي رافقناه في حله وترحاله ، منذ أيام الجزائر حتى أيام لندن الشاحبة ، والتي زاد شحوبها سعدي بخزعبلاته عن شيعستان وقردستان وداعشستان ، ما أضفى على هالته السابقة غمامة كثيفة من الاحتجاج والازدراء ، فتركه الاصدقاء وحيدا يقطر كلمات سامة لا علاقة لها بشعره ولا بجذوره المنتمية الى الحزب الشيوعي فسقط في قعرالمبالغة ليطلق على نفسه لقب الشيوعي الاخير، اللقب الذي لم يحصد منه سوى الريح ، لانه كان فضفاضا على لكنته الجديدة الخالية من مشاعر الحب لبني جلدته الذين تعامل معهم وفق هوياتهم الفرعية بدلا من الوقوف الى جانبهم وقفة رجل شجاع وشاعر فصيح مثل نيرودا ولوركا وناظم حكمت وأمل دنقل والجواهري .
لست في معرض تعداد مزاياك المشرقة ياسعدي فهي لا تعد ولا تحصى ولكني أسامحك على ما قصرت في حق جمهورك، فلم نسمع منك كلمة يوم قضى الاف شباب الكرد الفيليين في سجون النظام الصدامي ، وانما سمعنا منك تلاعبك باسم شقلاوة الجميل ونقله الى شقلبان و اسم كردستان الجميل موطن الكرد منذ الاف السنين الى لقب لا يليق بك كشاعر يختار الاسماء الحسنى ليطرز بها أشعاره .
بالنسبة لي أستطيع بكل جرأة أن أسامحك ، أما شعبي فهو الذي ستقف معه يوم الحساب أمام من لا تأخذه سنة ولا نوم ، وحينذاك أعتقد جازما أن شعبي سيغفر لك أيضا لانه شعب مجبول على حب الناس ، ولطالما غنى و رقص الدبكة مع الاخرين حتى لو كانوا يضمرون له غير ما يعلنون.
أرثيك كتلميذ ثقافة تعلم من نضالك وشعرك ولكني أعاتبك كانسان يرفض ما أتيت به من بهتان بحق الاخرين من كرد وشيعة وايزديين وصابئة ومسيحيين حين نشرت الكراهية بينهم باقوالك وحروفك الصماء .
اسمح لي يا سعدي أن أتذكر الموسيقار ريتشارد شتراوس الذي ساهم في دعم النازية من خلال قبوله بمنصب موسيقار الرايخ الالماني فخاطبه الموسيقار توسكانيني قائلا : أرفع القبعة لشتراوس الموسيقار ، أما شتراوس الانسان فلا يستحق ذلك .
1107 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع